Friday, February 15, 2008

في سنويــــــة الجمــــــــري

في سنويــــــة الجمــــــــري
عفاف الجمري

حققت انتفاضة التسعينات نجاحاً سياسياً كبيراً وباهراً بسبب عوامل عدة أحرى بنا أن نراجعها للاستفادة. ولا أدل على هذا النجاح من التأييد العالمي لها، بل حتى الخليجي الشعبي والرسمي والصحافة الكويتية - خصوصاً - قد ساندت الحركة المطلبية مثل مجلة «الطليعة»/ هذا غير تحرك وجهائها وبرلمانيها. والأهم هو مساندة الصحافة الغربية والبرلمان الأوروبي الذي يعتبر بحق حدثاً استثنائياً، فهناك كثير من القضايا العادلة في العالم، وشعوب تباد بأكملها من دون أن تتمكن من الحصول على مثل هذا التأييد، وهذا النجاح يتعلق بعدد من الأمور أهمها: عدالة القضية، اعتدالها، معقولية مطالبها، منطقيتها، وقابليتها للتنفيذ والإجماع الوطني عليها، وعدم منافاتها للأجندة الدولية.
والنقطة الأخيرة هذه تعتبر مراعاتها من الذكاء السياسي، حيث أي طرف ذكي في أي صراع يريد أن يكسب الرأي العام الدولي لجانبه (حيث هو الوسيلة الفاعلة للنجاح السياسي وهو ما حدث) فإنه يستهدف المطالب التي تلقى الإجماع الدولي. من أمثلة الصحافة الغربية المساندة للحركة الدستورية: صحيفة «ذي اندبندنت»، «تايمز»، «ذي غارديان»، «ذي سن»، «لوموند»، «فايننشال تايمز»، «إيكونومست»، «ذي وول ستريت جورنال» والقائمة تطول. هذا غير هيئة الإذاعة البريطانية التي وقفت بكل ثقلها وكانت ترسل مراسليها لداخل المعمعة، وما كانت لتفعل ذلك لولا قناعتها بعدالة القضية، فلو كانت طائفية أو تابعة لبلد أجنبي، لما فعلت ذلك. وتحت عنوان «الشعب يخاف الله ومن الشرطة»، كتبت الصحافية الدانمركية برنيلا برامينك مراسلة صحيفة «البوليتكن» في 8 يونيو/ حزيران 1996 «إن الحركة الشعبية المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان مازالت مستمرة رغم القمع، وتتصاعد تدريجياً تحت وطأة التدهور المريع في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ويمكن لهذه الأوضاع أن تتطور وتصل إلى عواقب خطيرة إذا ما أصرت حكومة البحرين على رفض تحقيق المطالب الشعبية، ورفض الحوار مع المعارضة [1]».
وفي خطبة للمرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري بتاريخ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني ,1995 يوضح فيها سمات الحركة، وأهدافها فيقول «إخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي.. مع التغيرات التي تشهدها المنطقة نجد أنفسنا ملزمين أن نتوقف عند بعض النقاط التي نشعر أنها تستحق التوضيح والتأكيد، دفعاً للاشتباه والالتباس، فبعض الصحف المغرضة والأقلام المأجورة تحاول يائسة في هذه الظروف أن تخلط الأوراق وتلصق التهم وتشوه الصور، قصداً منها للنيل من حركة الشعب الإصلاحية ومطالبه العادلة، وهيهات أن يتمكنوا من ذلك، وذلك لما يأتي: أولاً، إن توجه هذا الشعب مستقل ذاتي غير مدفوع من الخارج، لأنه توجه أوجدته الظروف والأوضاع السلبية المتراكمة، ولأنه توجه انطلق بدافع المصلحة العامة، رغبة منه في المشاركة الفعالة في صنع القرار السليم (...) ثانياً، إنه توجه مفتوح، عفوي، جماهيري، ليس حزبياً، أو متعصباً لأحد، يتفق ويتحد مع كل المخلصين العاملين لأجل مصلحة الوطن، فيه الإسلامي والوطني، الشيعي والسني، بعيداً عن الطائفية والقبلية، فأنا وأنت أبناء وطن، وأتعامل مع كل التوجهات في قضية وطن، الهموم والآمال والأهداف واحدة، لأنها للوطن، والكل مسؤول عن مصلحة وطنه وبلده، والعريضة الأولى عام ,1992 والعريضة الجماهيرية الثانية عام 1994 أكبر الأدلة على ذلك».
ويضيف «ثالثاً، إن أسلوب هذا التوجه سلمي يرفض العنف والتطرف والإرهاب، ويرفض استخدام القوة، ويعتبر الحوار الجاد المثمر هو الأسلوب الأمثل لتحقيق الأهداف العادلة، فقد استجاب توجه هذا الشعب للهدوء منذ أول يوم برزت فيه مبادرتنا السلمية، وطالبناه بالهدوء، ومازال وسيبقى محافظاً على الهدوء والاستقرار، لأنه توجه سلمي لا يريد إلا الإصلاح، وبيد الحكومة الموقرة ما وعدته على ذلك بالنظر في مطالبه وتحقيقها (...) رابعاً، إن أهداف هذا التوجه واضحة معتدلة موضوعية، لا تريد إسقاط الحكم ولا زعزعة الأمن، بل كل ما تريده تحقيق الأمن والاستقرار، وما هي هذه الأهداف؟ إنها كما أعلنت مراراً وتكراراً تفعيل الدستور، وعودة الحياة النيابية، وإطلاق سراح كافة المعتقلين، وعودة المبعدين»[2].
في حركة التسعينات دروس لكل من الحكومة والمعارضة، ففي بداية المشروع الإصلاحي أوشكنا أن نخرج من عنق الزجاجة إلى الأبد لولا الانتكاسات المتلاحقة، فأصبح الطرفان أمام تحدٍ كبير وأخطاء كبيرة، فالحكومة لديها ملفات كبيرة غير اعتيادية مخالفة للأجندة الدولية تضعف موقفها بشدة إن لم تعالجها بصدق وشفافية ولا نشير هنا إلى ملفات الفساد المالي والإداري والبطالة والأراضي، فهذه مشكلات عالمية تعالج - وإن كان ببطء - في البرلمان حتى لو لم تكن صلاحياته كبيرة. لكن ما نشير إليه هو ملف التقرير المثير، ملف الضحايا، ملف التمييز، والتجنيس، طبعاً إلى جانب ملف التعديلات غير المتوافق عليها. وما يزيد في صعوبة موقف الحكومة هو أن المعارضة أصبحت معارضتين: مشاركة ومقاطعة، وهو ما يشتت موقف الحكومة تجاهها وكلما ضيقت السبل أمام المعارضة المشاركة كلما زادت خيبة المعارضة المقاطعة، خصوصاً أن غالبيتها من الشباب المحروم اليائس، والذين يصعب السيطرة عليهم، خصوصاً في ظل عدم توحد القيادة كما كان سابقاً، وأن مواجهتهم بالعنف لا تؤدي إلا إلى عنف مضاد، يعيد البلد إلى المربع الأول.
هذا من جانب الحكومة. أما من جانب المعارضة (المقاطعة) فإنها أمام تحدي إثبات سلميتها أمام الرأي العام العالمي، وأنها ذات مطالب عادلة وليست إرهابية. وعليه، فإن الحوادث الأخيرة يتطلب علاجها الروية والعقل النابعين من الحرص على الوطن ولا أقل من فتح تحقيق نزيه ومحايد في ظروف وفاة الشاب المرحوم علي جاسم وتحميل الطرف المسؤول التبعات من تعويض عادل وغيره، إضافة إلى - وهو الأهم - فتح حوار جاد مع المعارضة ممثلة بأطيافها كافة، فلا ينفع الحكومة الهروب أو الالتفاف على حل المشكلات الرئيسة إنما الأولى مواجهتها بشفافية وجدية ووضع الحلول لها، كذلك المعارضة أمام تحدٍ كبير، فهي تحتاج إلى رص صفوفها والابتعاد عن كل ما يفرقها والالتفاف حول أجندة وطنية تكون محل إجماع، سواء بين الذين دخلوا البرلمان أو الذين خارجه، فلن تكون لهم كلمة مسموعة ما لم يتوحدوا ويتراصوا، وأن يحافظوا على سلمية الحركة.
[1] صحيفة «بوليتكن» الدانمركية، 1 يونيو/ حزيران .1996
[2] راجع: «دعاة حق وسلام»، ص ,45 يتضمن خطباً للراحل الشيخ عبدالأمير الجمري وبيانات ووثائق عن حوادث التسعينات.

No comments: