Friday, November 14, 2008

منقول

إتصلوا بنا
الصفحة الرئيسية





شيعة البحرين: اكثرية مطلقة بلا حقوق



رغم سلسلة الاصلاحات السياسية والاجتماعية التي جرت في البحرين منذ تولي الملك حمد بن عيسى الحكم في هذه الجزيرة الخليجية التي لا يتجاوز عدد سكانها 750 الف نسمة الا ان الشيعة الذين يشكلون الاغلبية لا يزالون يعيشون تحت التمييز الاداري والاقتصادي والمذهبي وعدم فسح المجال لهم للدخول في عالم الحكم والثروة، مع أنهم هم الأغلبية. ويقول تقرير نشرته CNN مؤخرا انه رغم انفتاح نظام الحكم على الشيعة، مع تولي الملك حمد بن عيسى الحكم، وإطلاق مشروعه الإصلاحي فإن ذلك لم يمنع من وجود بعض أوجه التوتر بين الطرفين.

وتتميز البحرين عن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بسمتين اثنتين: الأولى، أن التركيب الطائفي فيها مخالف لما في هذه الدول، فأغلبية سكان البحرين هم الشيعة، والسنة يمثلون الأقلية هناك.

أما السمة الثانية، فهي أن الحراك السياسي وتحرك المعارضة في البحرين يعد الأقدم والأنشط بين تلك الدول. ومع أن التيارات الليبرالية واليسارية شاركت في المعارضة، إلا أن الشيعة يمثلون مادة المعارضة الرئيسية، ومحركها الأساسي وقد دخل الشيعة منذ عقود في صراع مع نظام الحكم السُني، وانخرطوا في كثير من أعمال الاحتجاج الجماعي.

وقد أثَّر انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، في شيعة البحرين، إذ برز من بينهم تيار ثوري، أخذ يطالب بإطاحة النظام السُني واستبداله بنظام جمهوري إسلامي على غرار النظام في إيران، وكان هذا التيار ممثلاً بـ "الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين".

إلا أن العلاقة بين القوى الشيعية والنظام الحاكم في البحرين شهدت أسوأ مراحلها خلال التسعينيات، ووصل التوتر بين الطرفين ذروته في نهاية العام 1994، إثر قيام حركة احتجاج شعبية شيعية مطالبة بالإصلاح والمساواة في الحقوق والعودة إلى دستورعام 1973، وتخللها مواجهات مع الحكومة، واستمرت حتى العام 1998.

ويضيف التقرير، رد فعل الحكومة كان قاسياً وعنيفاً.. إذ جرى احتجاز الآلاف من المتظاهرين، والتنكيل بهم.. كما تم اعتقال عدد من قيادات المعارضة، مثل الشيخ علي سلمان، وعبدالأمير الجمري، وحيدر الستري، وعبدالوهاب حسين.

بيد أن تلك العلاقة شهدت تحولاً جذرياً مع تولي الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الحكم في العام 1999، وإطلاق مشروعه الإصلاحي.

فأفرج عن جميع الموقوفين السياسيين، وسمح للمعارضين في الخارج بالعودة إلى البلاد، وألغيت محكمة وقانون أمن الدولة، وأطلقت حرية الرأي والتعبير، وسمح للجمعيات بالنشاط السياسي، وتم تضمين مبادئ التغيير المؤسسي في ميثاق العمل الوطني، الذي صوت بالموافقة عليه 98 في المائة من البحرينيين في استفتاء عام.

ورغم الانفتاح الذي شهدته العلاقة بين القوى الشيعية والنظام الحاكم في مملكة البحرين، فإن ذلك لم يمنع من وجود بعض أوجه التوتر بين المعارضة الشيعية والحكم السُني، نتيجة رفض الأولى (المعارضة الشيعية) للتعديلات الدستورية التي تمت في العام 2002.

ويضيف التقرير، الظاهر أن القوى الشيعية أدركت أخيراً أنه لابد من التعايش مع نظام حكم الأقلية. كما اقتنع النظام بأنه يجب توسيع نطاق المشاركة الشيعية في الحياة السياسية، وفي مؤسسات الدولة. إلا أن ما سيوجه العلاقة المستقبلية بينهما هو كيفية تعامل النظام مع مطالبة الشيعة بنصيب أوفر في السلطة والثروة معاً كحق مواطنة كامل وغير منقوص.

الوضع الديمغرافي/ الديني

يشكل الشيعة أغلبية السكان وتتراوح التقديرات ما بين 60 و80 في المائة من إجمالي السكان، (الذي يبلغ 725 ألف نسمة تقريباً).

أما تقرير "الحرية الدينية في العالم"، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2006، فيقدر نسبتهم بنحو 70 في المائة من عدد السكان المواطنين، ومثله تقرير "التحدي الطائفي في البحرين"، الصادر عن المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (ICG) في بروكسل.

وشيعة البحرين، كإخوانهم شيعة المنطقة الشرقية بالسعودية فهم ينتمون إلى الأصول نفسها، ويشتركون في التاريخ نفسه ويتبعون المذهب نفسه، وهو الإمامية.

ويوجد في شيعة البحرين من هم من أصول فارسية، والذين يقدر عددهم ما بين 25 و30 في المائة من إجمالي السكان، إلا أن الشيعة العرب يشكلون أغلبية المجتمع الشيعي، ويقطن معظمهم القرى والمناطق الريفية.

ولا يوجد لشيعة البحرين مرجع تقليد مقيم، فهم يتبعون مرجعيات في الخارج وأبرزهم: آية الله العظمى علي خامنئي في إيران، وآية الله العظمى علي السيستاني في العراق، وآية الله محمد تقي الدين المدرسي في كربلاء، وآية الله صادق الشيرازي في قم، وآية الله محمد حسين فضل الله في لبنان.

وفي العام 2004 أسس مجموعة من العلماء الشيعة البارزين في البحرين "المجلس الإسلامي العلمائي"، وهو بمنزلة مؤسسة دينية عليا للشيعة، غير رسمية.

ويمارس الشيعة احتفالاتهم الدينية وشعائرهم بدون قيود، إذ أن البحرين هي الوحيدة من دول الخليج التي تتخذ من يوم عاشوراء عطلة وطنية.

ويتبع وزارة الشؤون الإسلامية "مجلس الأوقاف الجعفرية"، الذي يشرف على الأوقاف التابعة للطائفة الشيعية.

كما يحتكم الشيعة في قضايا الأسرة والأحوال الشخصية أمام محاكم جعفرية.

وفيما يتعلق بالتعليم، فتدرس المدارس الحكومية التربية الدينية على المذهب السني (المالكي)، بينما ترفض (الحكومة) مطالبات الشيعة بتدريس المذهب الجعفري أيضاً. ولكن في عام 2002 تم تأسيس أول مدرسة تدرس المذهب الجعفري.

وتمول الحكومة وتشرف وتراقب كل المؤسسات الدينية الرسمية، السنية والشيعية. وفي السنوات القليلة الماضية منعت وزارة الإعلام كتباً لرجال دين سنة تنال من الشيعة.

ولا توجد قيود على عدد الشيعة الذين يريدون الحج إلى المزارات الشيعية المقدسة في العراق أو سورية أو إيران، وإن كانت السلطات تراقب هؤلاء الذين يقومون بمواصلة دراستهم الدينية في إيران، بحسب ما ورد في بعض التقارير.

الواقع السياسي/ الاجتماعي

انعكست الإصلاحات السياسية على وضع الشيعة في البحرين، الذين ازداد دورهم في الحياة السياسية، وبرزت العديد من الجمعيات السياسية المعبرة عن توجهاتهم ومطالبهم، ولاسيما أن تكوين الأحزاب لم يسمح به فى البحرين حتى الآن.

ومن أبرز هذه الجمعيات، جمعية "الوفاق الوطني الاسلامية"، التي تأسست عام 2001، ويرأسها الشيخ علي سلمان، وهي كبرى جمعيات المعارضة السياسية في البحرين، وتصنف بأنها معتدلة في مطالبها وأساليب عملها، وتعد امتداداً لحركة "أحرار البحرين الإسلامية".

بالإضافة إلى جمعية "العمل الإسلامي" التي تأسست عام 2002، ويرأسها الشيخ محمد علي المحفوظ، وتعد امتداداً "للجبهة الإسلامية لتحرير البحرين"؛ وكذلك جمعية "الرابطة الإسلامية" التي تأسست عام 2001، ويرأسها محمد علي الستري، الذي عين عام 2002 وزيراً لشؤون البلديات؛ فضلاً عن جمعية "الإخاء الوطنية" التي تمثل الطائفة الشيعية ذات الأصول الفارسية، والتي تأسست عام 2004.

وقد حصل الشيعة في الانتخابات البلدية التي جرت عام 2002 على 23 مقعداً، في حين حصد السنة 27 مقعداً. وفي العام نفسه جرت أول انتخابات تشريعية منذ إعادة العمل بالدستور، إلا أن جمعية الوفاق الوطني الشيعية قاطعتها، بسبب تحفظها عن التعديلات الدستورية التي تعطي مجلس الشورى (المعين) صلاحيات تفوق صلاحيات مجلس النواب (المنتخب).

واعتبر علي سلمان، مجلس الشورى بمنزلة أداة برلمانية تحد من تمثيل الأغلبية الشيعة في البحرين تمثيلاً عادلاً في الحياة البرلمانية.

وشارك في هذه الانتخابات شيعة مستقلون، ومرشحون عن جمعية الرابطة الإسلامية.

لكن جمعية الوفاق الوطني عادت وشاركت في الانتخابات التي جرت في أواخر العام 2006، وحصلت على 17 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان.

وفي الحكومة الأخيرة التي شكلت في ديسمبر/ كانون الأول 2006، مثِّل الشيعة بأربعة مناصب وزارية؛ فنزار البحارنة، المقرب إلى جمعية الوفاق الوطني، عين وزير الدولة للشؤون الخارجية، ومجيد العلوي وزير العمل، وعبدالحسين ميرزا وزير شؤون النفط والغاز، وهو أول وزير بحريني من أصل إيراني. ولأول مرة في تاريخ البحرين يشغل شيعي، هو جواد سالم العريض، منصب نائب رئيس الوزراء.

ومع ذلك، يشير تقرير "الحرية الدينية في العالم" إلى أن الشيعة في البحرين مازالوا يعانون من التمييز الحكومي ضدهم في مجالات معينة؛ فالأفضلية في المناصب الحكومية الحساسة تعطى للسنة، كما أن الوظائف العليا، في بعض المواقع، حكر على السنة؛ مثل وزارة الداخلية والدفاع.

ويجمع المراقبون على أن قضية "التجنيس" تعتبر من أكثر القضايا التي تثير توتراً بين الشيعة والسلطة.

فالشيعة يرون أن سياسة التجنيس العشوائي، المخالفة للوائح والمراسيم الملكية التي تتبعها الحكومة، إنما هي "محاولة لتغيير التركيبة الديمغرافية لمصلحة السنة."

فقد تم تجنيس 40 ألف شخص بالجنسية البحرينية من رعايا 45 دولة استقروا في المملكة، بينهم 7300 شخص خلال عامي 2003 و2004. أما تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، فيرفع رقم المجنسين إلى ما بين 50 ألفاً و60 ألف شخص.

وقد تحولت جلسة البرلمان البحريني في 25 مايو/ أيار 2004 إلى خلافات واشتباكات بالأيدي، بين النواب السنة المدافعين عن التجنيس، والشيعة المعارضون لعشوائيته وعدم شموله للكثيرين من البدون الشيعة المنحدرين من أصول إيرانية، والمستقرين منذ سنوات في العاصمة المنامة، ومدينة المحرق.

ورغم أن المشروع الإصلاحي الذي تسير فيه البحرين منذ تولي الملك حمد مقاليد السلطة قد عزز من أجواء التعايش والسلم الأهلي في البلاد، فإن بعض الترسبات الطائفية لازالت كامنة.

وقد أشار تقرير "الخليج في عام 2005-2006"، الذي يصدر عن مركز الخليج للأبحاث في إمارة دبي، إلى بروز بعض النعرات الطائفية في الآونة الأخيرة، كما حدث في احتفال الشيعة بيوم عاشوراء في مارس/آذار 2005، إثر رفعهم صور زعماء دين من الخارج، بمن فيهم المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، وكذلك رفع أعلام حزب الله اللبناني وإيران.

الحال الاقتصادي

يشعر الشيعة أنهم مهمشون من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وأن مناطقهم وتجمعاتهم يغلب عليها الفقر وسوء الخدمات.

وقد كانت البطالة عاملاً رئيسياً في توليد التذمر لدى الأوساط الشيعة. فنسبة البطالة، حسب الجهات الرسمية، تصل إلى نحو 15 في المائة، إلا أن الرقم الفعلي هو أعلى من ذلك بكثير، وخاصة بين صفوف الشباب الشيعة، بحسب تقارير دولية.

ولإدراك حجم مشكلة البطالة، ينبغي أن نشير إلى أن الدولة هي المشغل الأكبر في البحرين. وثمة تقارير تشير إلى أن الشيعة يهيمنون على القوة العاملة لبعض الوزارات، مثل الصحة والصناعة.

وفي القطاع الخاص يعمل الشيعة في مهن متدنية المهارة، ومنخفضة الأجر، تقل عن 200 دينار بحريني في الشهر (حوالي 530 دولاراً أمريكياً)، أي أقل من الحد الأدنى لأسرة مؤلفة من شخصين، والذي حددته وزارة العمل، والبالغ 350 ديناراً.

أبرز الشخصيات الشيعية العامة

- الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية (الشيعية)، وكان من القيادات الشيعية التي اعتقلت في التسعينيات، وعاش في المنفى (لندن) حتى العام 2001.

- والشيخ عيسى قاسم، أبرز العلماء الشيعة، ورئيس المجلس الإسلامي العلمائي (الشيعي).

- والدكتور منصور الجمري، ابن المعارض الراحل الشيخ عبدالأمير الجمري، وهو رئيس تحرير جريدة "الوسط" البحرينية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 14 آذار/2007 -24/صفر/1428



^
إتصلوا بنا
الصفحة الرئيسية
لقاء مجلة فدك مع سماحة الشيخ الجمري

--------------------------------------------------------------------------------

في هذا العدد التقينا مع سماحة العلامة الشيخ عبد الأمير الجمري ، وقد دار
بين أسرة تحرير المجلة وسماحته الحوار التالي :

سماحة العلامة الشيخ عبد الأمير منصور الجمري حفظه الله ورعاه وسدد خطاه
..
نشكر جهودكم وعملكم في سبيل خدمة الدين والمجتمع المسلم في بلدنا البحرين
.
ونرغب في أن تشاركونا العمل في سبيل وعي أبناءنا من خلال القبول بإجراء هذا
الحوار عبر مجلة فدك ...
************

فدك: نحن بعد أيام قليلة على لقاء مع ذكرى إستشهاد أبي عبد الله الحسين (ع)
؛ ومن هذه الذكرى تأتي فكرة التوظيف الإجتماعي للثورة وذلك من أجل حفظ
مضامين ومشاعر هذه الثورة وإيصالها وتكرارها وتفعيلها لتصل إلـى كل الأجيال
الإسلامية المتعاقبة بكل زخمها وحرارتها وطاقتها .. ومن الوسائل الأساسية
للتوظيف هو المنبر الحسينـي ، فهو يمثل لنا الإحياء العملي المحسوس لهذه
الثورة ، ومن هنا نود أن يكون لقاءنا مع سماحتكم حول المنبر الحسينـي ..

سماحة الشيخ .. هلا تفضَّلتم ببيان مفهوم المنبر؟

الشيخ: مفهوم المنبر يتمحور في عظمته المعنوية والخطيب الذي يرتقيه والخطبة
التي تشد المستمعين إليها، والمستمعين الذين يتحمَّسون للإنشاد وخطبته، ومن
وراء ذلك كلِّه الإدارة الواعية التي تعطي للمنبر أهميته وللخطيب اندفاعه
وحماسه،وللمستمعين انشدادهم وانجذابهم.

فدك: وما هي أهداف المنبر، هل هي ثابتة أم متغيِّرة؟
الشيخ: أهداف المنبر هي أهداف ثورة الحسين(ع) والتي هي هزَّة ضمير وحياة
رسالة، وتثبيت للموقف الشرعي تجاه أية ظاهرة طارئة أو مستحكمة وتحويل
الموقف النظري إلى موقف عملي، ومن أجل أن يتحرَّك الناس ويوقظ وجدانهم
ويُلهب مشاعرهم وعواطفهم تجاه الإسلام وقضاياه المصيرية مثل قضية أهل
البيت(ع)،وبكلمةٍ مختصرة: أهداف المنبر تتمثَّل في الدفاع عن الإسلام وحماة
الإسلام. وهذه الأهداف ثابتة غير متغيِّرة.

فدك: ما هو واقع المنبر فـي مجتمعنا؟
الشيخ: واقع المنبر متأرجح بين ما هو في خدمة الإسلام وحماته ، وبين ما هو
هزيل لا يشبع ولا يُغني من جوع، ويخرج الناس غير مستفيدين بشيء سوى تسجيل
الحضور، وبينهما حالة الوسط، وبكلمة: إنَّ واقع المنبر قابل للصعود
والهبوط، وهنا لا بدَّ من الإلتفات إلى نقطةٍ مهمَّةٍ ، وهي أنَّ المنبر
وعظمته المعنوية مكسب مهم وأمانة عظمى في أعناقنا جميعاً، ولا بد من الحفاظ
عليها والدفاع الجاد عنها حتى يكون المنبر بالمستوى اللائق في خدمة
الإسلام.

فدك: هل هناك ميزة خاصَّة للمنبر الحسينـي على غيـره؟
الشيخ: كل المفردات التي من خلالها يمكن أن نوصل الإسلام وكلمة الحق إلى
أذهان الناس يجب الإهتمام بها، كالمحاضرات قبل أو بعد صلوات الجماعة،
والإحتفالات والمواسم وغير ذلك، ولكن يبقى للمنبر الحسيني دوره الرائد في
خدمة أهداف الإسلام والدفاع عن أهل البيت(ع)، ومن هنا يجب عدم طغيان
المفردات الأخرى على المنبر وعدم تحجيم دوره في حدود معيَّنة فقط، وذلك لما
يمثِّله المنبر الحسيني من احتواءه على فوائد المفردات الأخرى وزيادة، وهي
مسألة التذكير بمصائب أهل البيت(ع) وخصوصاً مصائب الحسين(ع)، لأنَّها ملحمة
الدين العظمى ومصيبته التي ملأت الدنيا أسىً وحرقة وفجيعة ومرارة، واستقطبت
بهولها المصائب والرزايا، والتي جاء فيها في مناجاة موسى بن جعفر(ع)
المرويَّة الكلمة التالية عن الله سبحانه: { يُصاب- أي الحسين(ع)- بمصيبة
تصغر عند ذكرها المصائب}.

فدك: ما المشكلة الحقيقية التـي يعاني منها المنبر الحسينـي؟
الشيخ: المشكلة الحقيقية التي يعاني منها المنبر في بلدنا: بعض الخطباء
الذين لم يدرسوا الإسلام الدراسة الكافية، ولم يفهموا الأهداف الحقيقية
للمنبر،وكذلك بعض إدارات المآتم الذين يُحجِّمون من دور المنبر ودور الخطيب
انطلاقاً من رؤى ضيِّقة.

فدك: كيف نستطيع أن نطوِّر المنبر الحسينـي؟
الشيخ: تطوير المنبر يكون من عدَّة جهات، والجهة الأساس: جهة الخطيب نفسه
الذي يجب أن يكون مرتبطاً بالله تعالى، وذلك لأنَّ هذه القضية ذات أهمية
بالغة في إثبات نجاح أي مشروع،لأنَّها تمثِّل الهدف الأساس لكلِّ عمل
تغييري في المنظور الإسلامي، فالتغيير يكون على أساس موازين الحق، والعدل،
والمصالح الإنسانية الواقعية، وتجنُّب المفاسد والأضرار التي يمكن أن تلحق
الإنسان في سيرته الفردية أو الجماعية، بعيداً عن الأهواء والميول، أو
المصالح الذاتية، أو الطبقية، أو القومية أو الفئوية، أكثرية كانت أو
أقلية. وأن يكون الخطيب ممتلكاً للشرط العلمي، بحيث يمتلك خطة صحيحة ورؤية
واضحة للأهداف والواقع، لا مجرَّد انفعالات عاطفية، وقد قال تعالى: {ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125). وكذلك من جهة أصحاب
المنبر، فإنَّه يجب عليهم الإخلاص لله تعالى والإبتعاد عمَّا يهبط بالمنبر
عن قيمته المعنوية من أمثال الإختلافات على الرئاسة وحب الظهور، ولهذا وحتى
لا تصير المنابر منابر ضرار لا بد من امتلاك الوعي والإيمان والورع من قبل
أصحاب المنبر والقائمين عليه.
فدك: كيف نقيِّم خطيب المنبر؟
الشيخ: أتصوَّر أنَّ ما ذكرته في إجابة السؤال السابق يفي بالجواب.

فدك: هل هناك مؤهلات وقدرات يجب أن تتوافر في خطيب المنبر؟
الشيخ: ونزيد هنا: أنَّه يجب على الخطيب التوفُّر على المعارف والمعلومات
الأولية التأسيسية للفكر الإسلامي في المجالات المختلفة، فقهاً وعقائد
وذكراً وقرآناً وتاريخاً وغير ذلك، وأن يكون متعرِّفاً على قواعد صياغة
الموضوع وتنظيمه وتنسيقه، ,وأن يُنمِّي الحس الإبداعي والتركيز على
استقلاليته الذاتية، ليكون له طابعه الخاص وإبداعه الخاص.

فدك: هل هناك فرق بين مسئولية كل من الخطيب والرادود الحسينـي؟
الشيخ: لكلٍّ من الخطيب والرادود دوره في جذب الناس للإسلام والدفاع عنه
وتقريب الناس إلى ربِّ العالمين والسير على درب الهداة الميامين صلوات الله
عليهم أجمعين،وعرض أطروحتهم، وربط الناس بها.

فدك: ينتقد الكثيـر من المذاهب الأخرى الشيعة بسبب الشعائر الحسينية، فما
هو الهدف من وراء هذه الشعائر؟ ولماذا نحن متمسِّكون بها؟
الشيخ: الهدف من هذه الشعائر هو تجديد وترسيخ العقيدة والدين والقيم
الإلهية والإنسانية، والتمسُّك بها يعني التمسُّك بالإسلام وقادة
الإسلام،ولو لا تلك الشعائر لم نعرف الإسلام، ولقضي عليه من زمنٍ بعيد،
ولهذا دعا أئمَّة أهل البيت(ع) لعقد المجالس للحسين(ع)ومن ذلك قول الإمام
جعفر الصادق(ع):{ رحم الله تلك المجالس التي يُحي فيها أمرنا. أما إنِّي
لأُحبُّها}. وقال الإمام علي بن موسى الرضا(ع) لفُضيل:{ أحيوا أمرنا يا
فُضيل فإنَّ من أحيا أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب}. كما دعوا (ع)
للبكاء والتباكي والندب والجزع على الحسين(ع) وأهل البيت(ع)، وجَعْلِ
الأيام العشرة من المحرَّم أيام حزن، وجَعْلِ يوم العاشر يوم مصيبةٍ وبكاء،
ولعن قتلة الحسين(ع) بعد شرب الماء، بل مطلقاً، والدعاء عند ذكر الحسين(ع)
وزيارته، والسجود على تربته، والإستشفاء بها، وإنشاد الشعر وإنشاءه في
الحسين(ع) وأهل البيت(ع).

فدك: نلاحظ أنَّ الموكب الحسينـي تحوَّل إلى قناة إعلامية لذكر القضايا
العالمية أو الداخلية والتـي تخرج عن مصيبة الإمام الحسين(ع)، هل تُؤيدون
هذا التوجُّه؟
الشيخ:إنَّ اللطم لا ارتباط له بما يقال في القصيدة، لأنَّ اللطم بحد ذاته
أمرٌ مطلوب، ولكن مع ذلك ينبغي التناسق، وأما ذكر قضايا العالم الإسلامي في
القصائد فلا بأس به وإن كان الأجدر أن تُذكر تلك القضايا انطلاقاً من ذكر
مواقف الإمام،ومصائبه، وتعاليمه، ويُلاحظ هنا ضرورة عدم التقليل من ذكر
المناسبة والمصيبة،وأنَّ الأساس والأكثر وفرة هو مصيبة الحسين(ع) وأهل
البيت(ع)، على أنَّه يمكن رفع تلك القضايا وطرحها في المجالات الأخرى أيضاً
كالإحتفالات، والندوات وغيرها.

فدك: ما هو المنظور الشرعي للحن الحسينـي فـي إطاره الجديد؟
الشيخ: لا بدَّ في اللحن:
أ- أن لا يتمظهر بمظهر أداء غير رجولي، ومتَّزن، حتى لا يكون مثيراً للفرح
والطرب، بدلاً من الحزن والخشوع،
ب:أن يكون الإتيان باللَّحن على أسس وقواعد مهارية قابلة للتعليم والتطوير،

ج:أن يكون اللَّحن حيوياً متوافراً على الحسِّ الولائي العاطفي المرهف،
والمخزون الشعوري الصادق، مع الإهتمام بالجانب اللغوي العام.

فدك: كيف نرتقي بالموكب الحسينـي لنجعل منه رمزاً يُجسِّد الثورة الحسينية
بكلِّ معانيها وأهدافها ومعطياتها؟
الشيخ: يمكن لنا أن نرتقي بالموكب بأمور ومنها: الإتزان في التعاطي مع
الألحان والحركات، وعدم تحويل الموكب لساحة الإستعراضات الحركية، وهو ما
يُمثِّل تشويهاً معنوياً وثقافياً لأهداف الموكب ودوره. وبكلمة: المطلوب هو
الإنضباط في إطار حركة حماسية متَّزنة تجمع بين الحماس والتفاعل والإتِّزان
والإنضباط، وتوحي بالحزن الثوري والحماس الشبابي، وتبتعد عن الإسفاف
والتفاهة والتمايل غير اللائق، لأنَّ الموكب يُمثِّل بحركيته وحماسه فدائية
واندفاع أنصار الحسين(ع)، وحماسهم الولائي واندفاعهم نحو التضحية والدفاع
عن القيادة الإسلامية المتمثِّلة في شخص الإمام الحسين(ع) والإسلام
والمقدَّسات، ولا بدَّ من أن يُجعل المقياس الأول هو دعم مسيرة الشعائر
وتحقيقها لأهدافها العاطفية، والثقافية، والإجتماعية، وأن يكون الهدف على
التوفُّر على استفادة الوعي بأكبر قدر ممكن،ومن هنا أرى أنَّ من الخطأ جعل
المقياس هو بعض الإعتبارات غير المنطقية التي يتحرَّك من خلالها بعض
المعزِّين مثل الإنشداد بصورةٍ غير واعيةٍ لإسم المأتم الذي ينطلق منه
العزاء أو إسم المنطقة أو شهرة الموكب أو الرادود، أو كثافة الحضور، كما لا
بدَّ للمعزّين من توفُّر الوعي لأهداف الموكب وفلسفته واهتمامهم بعطاء
القصائد الملقاة ومستواها.

فضيلة الشيخ .. نرجوا أن نكون موفقين في طرح أسئلتنا المتواضعة ، وأن نكون
معكم تحت ظلال عرض ربنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب
سليم

(انتفاضة التسعينات ( منقول من الوسط

اقرأ الحلقة الخامسة من "تسعينات البحرين": «جماعة المبادرة» تنطلق من السجن و تعود إلى السجن



الوسط - حيدر محمد



الأحداث التي عصفت بالبحرين ابتداءً من ديسمبر/ كانون الأول 1994 استمرت في التصاعد مع فرض الحصار المنزلي على الشيخ عبدالأمير الجمري من 1 حتى 15 أبريل/ نيسان 1995... واختفت كثير من الوجوه في السجون التي امتلأت من كل حدب وصوب، وشعر طرفا النزاع في الساحة البحرينية أن ثمة حاجة لحلٍ يوقف السيل الجارف للأحداث الذي شهد حلقات دموية، وباتت الأمور أقرب إلى الفصل، لأن كلا الطرفين (الحكومة والمعارضة) دفعا ثمناً باهظاً لدوامة المواجهات المستمرة.

ويرجع الكثير من المراقبين إقدام السلطات الأمنية على فتح قناة حوار مع قيادات المعارضة بأنه استشعار بخطورة المدى الذي وصلت إليه التجاذبات، لكن الآخرين يرون أن الحوار كان يمثل ورقة أخرى بيد السلطة تستخدمها متى ما استفحلت الأمور أو بدا لهم أنه قد حدث أمر خارج عن الحسبان.

ربما أن قوات الأمن قد بدا لها أنها أحكمت سيطرتها في منتصف 1995، ولكن هذا التصور تبدد لاحقاً بعد مقتل نضال حبيب النشابة (18 عاماً) بالرصاص في الدراز في 4 مايو/ أيار 1995، ومن ثم سقوط سعيد الإسكافي (16 عاماً) قتيلاً في السجن في 8 يوليو/ تموز 1995... والحدث الأخير كان مؤلماً جداً وتسبب في كسر الهدوء النسبي الذي ساد تلك الفترة، وخرج جيل جديد للمواجه مع قوات الأمن. بعد ذلك بدأت أخبار من السجن تتسرب عن مبادرة للتهدئة الأمنية كتمهيد أولي للدخول في حوارات سياسية.

في منتصف العام 1995 بدا لفترة وجيزة أن الأمور قد هدأت، إذ كان شهر يونيو/ حزيران من أخف الشهور من ناحية الأحداث. كثير من الناشطين المعروفين آنذاك دخلوا السجن، وكثير من سائل الاتصال بين مجموعات المعارضة في الداخل والخارج قد ضربت... فالهواتف العمومية كانت هي الوسيلة اليومية آنذاك للتواصل بين المعارضين في الداخل والخارج، ولكن هذه الهواتف تم حرقها من قبل قوات الأمن على ما يعتقد، لأنها كانت تتضرر منها. ثم ان حرقها كان سيبدو وكأنه جزء من الحرائق التي تتسبب بها الأحداث آنذاك، وإضافة إلى ذلك كان يمكن للمخابرات تتبع من يراسل عبر الفاكس.

الإنترنت والمعارضة

في منتصف العام 1995 كانت المعارضة البحرينية قد طورت قدراتها للدخول في عصر جديد من الاتصالات. في تلك الفترة لم تكن خدمة الإنترنت معروفة بالشكل الذي عليه الوضع حالياً، ولكن الناشطين في الداخل والخارج كانوا على علم واطلاع بأهمية هذه الخدمة الجديدة.

عن هذا الموضوع يقول المتحدث السابق باسم حركة أحرار البحرين منصور الجمري: «بعد أن امتلأت السجون بالناشطين، تقطعت خدمات الهواتف العمومية، وكانت هناك حاجة لمعرفة مجريات الأمور على نحو يومي، وكانت هناك شركة تقدم خدمات إنترنت، وكانت رائدة في مجالها آنذاك وتستخدمه المصارف والمؤسسات الكبيرة اسمها «كمبيو سيرف»، وهذه كانت سابقة لخدمة الإنترنت العامة التي توفرت لاحقاً... وقد كان لتوفر هذه الخدمة أهمية كبير، إذ اشترك ناشطون في الداخل والخارج بعدة اشتراكات في هذه الخدمة النوعية، ولذا عادت المعلومات تتدفق وبشكل أكبر بكثير من السابق. ثم ان المعارضة دخلت على الإنترنت في النصف الثاني من 1995 وربما كانت من أوائل المعارضات العربية لتي استخدمت الإنترنت بشكل واسع آنذاك». ويوضح الجمري أن المعارضة من خلال هذا التطور التقني أصبح لديها اطلاع أكثر دقة من خلال شبكة الناشطين في الداخل.

ومن هنا، وجدت الحكومة أن الأمور قد لا تسير لصالحها، لذا اختارت أن تطفئ جذوة الأحداث من خلال مبادرة أمنية يجرى تنفيذها على دفعات من شأنها أن تخفف الاحتقان الذي بلغ مدى قد لا يمكن مجاراته بالقمع فقط.

مبادرة من نافذة أمنية

الساحة في الداخل عادت إلى التوتر في شهر يوليو 1995، وذلك بعد مقتل سعيد الإسكافي داخل السجن، وكانت قوات الأمن تعتقد أن الأمور استتبت، لكن الذين خرجوا في تلك الفترة هم جيل آخر، وطاقات شابة، تشاركهم النساء والرجال من كبار السن، فالانتفاضة كانت شعبية، بمعنى أن جميع الأعمار شاركت فيها، وكانت الاعتقالات تطال عوائل بأكملها، إذ أصبح من المعتاد حينها أن تسمع أن شخصاً ما معتقل مع ثلاثة أو خمسة من أبنائه.

مدير الأمن العام ورئيس المخابرات ايان هندرسون في داخل السجن بدأ بفتح حوار مع رموز المعارضة، الشيخ عبدالأمير الجمري والناشط عبدالوهاب حسين والناشط حسن مشيمع، وعدد من علماء الدين الشباب الذين كانوا في السجن.

عن هذه المبادرة يقول منصور الجمري: «إنه في منتصف 1995 بدأت الحكومة تتحرك على خط المعالجة الأمنية لما حدث في الانتفاضة، وأرادتها وزارة الداخلية أن تكون المبادرة عبارة عن إفراجات لمعتقلين على دفعات، وهذه الفكرة تبدو سليمة إذا كانت مقدمة للحل السياسي، ولكنها لم تكن كذلك كما توقعنا منذ البداية، فالمشكلة لم تكن أمنية أساساً وإنما نتجت بسبب مشكلة سياسية، ولكن في هذه الفترة بدأت الإشارة إلى الإفراجات، وبدا أن الحراك الشعبي قد عاد ولكن بزخم مختلف، فقد تغير الحزن إلى فرح ونظمت احتفالات جماهيرية كبرى في عدة مناطق، وبدأت الساحة تعرف مظاهر جديدة لم تشهدها البحرين من قبل».

ويضيف «في لندن، اتصل بنا أحد الأشخاص المعروفين، وقال إنه يحمل رسائل من جهات مسئولة وأعتقد أنه كان يقصد هندرسون، وقال إن الأمور يجب أن تهدأ، وطلب إعطاء فرصة، بما في ذلك عدم استهداف هندرسون شخصياً، وقد اجتمعت مرتين في فترات متباعدة مع هذه الشخصية، وحضر في المرة الثانية معي الشيخ علي سلمان، وكان واضحاً منذ اللقاء الأول أن الهم الأساسي ينصب نحو تهدئة أمنية من غير أن تكون مقدمة لحل سياسي».

الالتفاف الشعبي حول رموز المعارضة

في 25 سبتمبر/ أيلول 1995 أفرجت وزارة الداخلية عن الشيخ عبدالأمير الجمري، واحتشدت الجماهير من كل مكان للترحيب به وبجماعة المبادرة الذين خرجوا من السجن في فترات متقاربة، معهم مئات من المعتقلين.

الالتفاف الشعبي على رموز المعارضة تصاعد يوماً بعد يوم ولكن الحكومة اعتبرت أن ما حدث قد يحرف مسار الهدف الأمني، لأنه زاد من ثقة الناس بالمعارضة، وبالفعل لم يروق للسلطة أن ترى تعزز موقع الرموز بشكل غير مسبوق، وخصوصاً مع تصاعد تأثير قيادة الساحة الإسلامية الشيعية باسم «جماعة المبادرة» التي أرادت الحكومة الاستفادة منها لتهدئة الشارع، ولكن سرعان ما سرى الشك لدى الطرفين بأن أمراً ما سيحدث خلافاً للاتفاق الأمني.

هذا الشك أصبح معززاً بعدة قرائن، فرغم الاتفاق على التهدئة إلا أن قوات الأمن لاتزال متركزة في عدد من الأحياء السكنية، وهذا كان خلاف الاتفاق الأمني أساساً، بل جرت لاحقاً اعتقالات جديدة في صفوف الناشطين والشباب في حين أن المفترض هو خروج المعتقلين وليس اعتقال آخرين. كما أن المحاكمات المخطط لها أن تجري سابقاً قد جرت فعلاً، ويرجع بعض المراقبين حدوث اختلاف داخل دائرة القرار السياسي حيال التصرف الأمثل مع التداعيات الجديدة التي خلقها الاحتضان الشعبي لقادة المعارضة الخارجين من السجن تواً.

في هذه الفترة تحولت المعارضة البحرينية إلى مثلث أضلاعه الثلاثة هي: جماعة «أصحاب المبادرة»، «لجنة العريضة»، ومجموعة لندن المتكونة من حركة أحرار البحرين وعلماء الدين الثلاثة الذين أبعدوا من البحرين واستقروا في لندن منذ مطلع 1995.

كل طرف من الأطراف الفاعلة كان يحاول أن يراجع ما حدث من تطورات ويقارن بينها وبين الأهداف التي أعلنتها العريضة الشعبية وبيانات لندن وما جاء في مبادرة التهدئة الأمنية... وكان الجميع يسعى للإمساك بزمام المسيرة لكيلا تنحرف عن مسارها السلمي. ولكن الأحداث كانت سريعة جداً والحكومة بدت غير قادرة على أن تواكب الحراك الذي يطالب بالحل السياسي، كما أن جماعة المبادرة لم تقدر على تحمل العبء الذي حل عليها، فأعلنت الاعتصام في منزل الشيخ الجمري لمدة عشرة أيام، انتهت في 1 نوفمبر 1995 باحتشاد كبير، وصلت تقديراته آنذاك إلى 85 ألف شخص تجمعوا حول منزل الشيخ الجمري، وتحولت المنطقة إلى بحر من البشر يهتفون بالوقوف مع «جماعة المبادرة» ويطالبون بتفعيل بنود التهدئة الأمنية وفتح الحوار السياسي حول المطالب المطروحة.

الناس بدأت تحتشد في الأيام التالية، ولكن الاعتقالات عادت وازدادت، وجرت عدة حوادث أبرزها في منطقة النعيم، ومع سيطرة المظاهر الأمنية في نهاية العام 1995 فشل مشروع التهدئة الأمنية لأسبابٍ عدة.

من المسئول عن إفشال المبادرة؟

ثمة أساب تجمعت مع بعضها لتشكل نهاية سريعة لقصة المبادرة، ذاك أنها لم تعالج الشقق السياسي الذي كان وقود الاضطرابات الأمنية... هذا ما يراه الكثيرون.

وفي حديث للشيخ علي سلمان مع «الوسط» يشير إلى جملة أسباب أدت إلى الإجهاز على المبادرة، وعلى رأسها الوضع الأمني.

ويوضح الشيخ علي سلمان «بعد الاعتقالات الواسعة، تراجعت العريضة إلى الوراء خطوات في المطلب الشعبي، وهذا من إفرازات الواقع المرير آنذاك، فالتحرك كان على مطلب سياسي، ووجد الناس أن الحكومة أفرطت في الاعتقالات، وأن يعيشوا أشهراً طوالاً من الأحكام العرفية فلا يخرجون من بيوتهم بعد الثامنة مساء، وتغرق قرى شارع البديع في الظلام، وكذلك سترة، فهذه الضغوط كان لابد من معالجتها، ولكن لم يكن ذلك على حساب المطلب السياسي، فقد كانت القيادات المعتقلة تصر على أن خروجها لن يوقف سيرها في المطلب الشعبي، وأنها لن تبيع موقفها مقابل الحرية».

في العامين 1995 و1996 تم تشكل ما أسمي بـ «المبادرة»، ومفادها تهدئة الحال الأمنية من أجل الدخول في حوار سياسي، وأن يخرج المعتقلون على دفعات، وآخر دفعة تكون مع الشيخ الجمري، وهذا الحوار كان يدور مع وزير الداخلية وإيان هندرسون، على أن تنهى الحال الأمنية في 25 سبتمبر ليبدأ الحوار السياسي مع جميع القوى السياسية في البحرين.

لم تفِ السلطة بالشقين، فلم تطلق كل المعتقلين، وكذلك التدخل في الحوار السياسي، ما أدى إلى تجدد دوامة الحوادث، فقد كانت هناك رسل من الدولة توجهت إلى مدينة قم للتكلم عن الحل الأمني، ولكنها كانت تتجنب الحديث عن الحل السياسي، فهذا الجانب مسكوت عنه تماماً.

لم تمتْ «لجنة العريضة»، ولكن الثقل انتقل منها إلى «لجنة المبادرة»، وتسلط الضوء عليها أكثر، وجرى اعتقالها الثاني في 20 يناير/ كانون الثاني 1996 لتدخل في اعتقالات أخرى لمدة خمس سنوات.

في فترة من الفترات تم تقليب الأمر على أوجهه كافة، هل من الممكن اللجوء إلى السلاح؟ فكان هذا الخيار مرفوضاً، ومن يتخذ مبادرة من تلقاء نفسه نحاول الوصول إليه لمحاولة تهدئته حتى لا يفسد الأمر على الانتفاضة، فليس من مصلحتنا «عسكرة الانتفاضة»، فقوتنا تكمن في المطلب السياسي الواضح ذي الطابع السلمي.

اللورد ايفبري

في الخارج كانت المعارضة تنشط بصورة حثيثة، وازدادت في نشاطها، وبرزت على السطح عدة منظمات حقوقية وقفت مع قضية المطالب الشعبية، كما برزت أسماء لشخصيات عديدة، عرف منها بشكل متكرر «اللورد ايريك أيفبري». فكيف توثقت علاقاته مع المعارضة بشكل كبير؟ وفقاً لمنصور الجمري فإن قصة اللورد أيفبري مع البحرين بدأت بصفته رئيس المجموعة البرلمانية لحقوق الإنسان وهي مجموعة تطوعية أعضاؤها من مجلسي العموم واللوردات في البرلمان البريطاني، وفي بادئ الأمر تبنت هذه المجموعة الحقوقية قضايا البحرينيين الذين لا يسمح لهم بالدخول في المطار ليعطوا جوازات سفر يرحلون بعدها إلى سورية أو الإمارات أو إلى أي مكان آخر.

وهذا كان أول ما أثار انتباه المجموعة البريطانية، فطلب اللورد أيفبري لقاء مع السفارة البحرينية في لندن، وبعد عدة اتصالات قدّمت السفارة وعوداً من الجهات الرسمية بترتيب زيارة إلى اللورد أيفبري في العام 1994، ليتسنى له الذهاب إلى البحرين ليطلع بعينيه عما يحدث فعلاً، وأن ما سمعه من منع أشخاص دخول البحرين مجرد أكاذيب تروجها جهات مغرضة.

ولكن ما حدث لاحقاً أن السفرة المقررة في نهاية 1994 ألغيت بأعذار اعتبرها اللورد أيفبري واهية ولا تشكل سبباً حقيقياً وراء منع الزيارة، وطلب الزيارة الموعودة بإلحاح.

رداً على ذلك أرسلت الحكومة وفداً برئاسة مسئول رفيع المستوى، والتقى هذا الوفد باللورد أيفبري في لندن، وعرض عليه مجريات الوضع في البحرين. وتساءل أيفبري عن قانون أمن الدولة، ورد عليه المبعوث الرسمي بأنه لا يوجد قانون تحت اسم «قانون أمن الدولة»، وقال إنه بحسب قانون البحرين فإن الشخص لا يسجن ثلاث سنوات من دون محاكمة، وان ما سمعه من بعض الجهات إنما هو محض افتراء.

ويشير الجمري إلى أن «اللورد أخذ هذا الرد - أنه لا وجود لشيء اسمه قانون أمن الدولة - وذهب إلى منظمة العفو الدولية وحقوقيين آخرين وطلب منهم تزويده بترجمة لقانون أمن الدولة الذي سمع عنه كثيراً، كما سأل جهات محايدة، وجميع هذه الجهات أكدت له أن قانون أمن الدولة موجود وهو ساري المفعول».

تأثر اللورد أيفبري كثيراً بما سمعه من معلومات مغلوطة من الموفود الرسمي وقام بتحويل غضبه إلى توجيه جزء كبير من عمل المجموعة الحقوقية البرلمانية إلى قضايا البحرين، وخصص أحد الناشطين لمساعدته في رصد ما يحدث في البحرين وهذا الناشط أصدر كتيباً في وقت لاحق باللغة الإنجليزية بعنوانSpeak Together of Freedom, The Present Struggle for Democracy and Human Rights in Bahrain.

ووثق هذا الكتيب أن ما يجري في البحرين من انتهاكات للقانون أمرٌ واقع. اللورد أيفبري اعتبر أن الجهات الرسمية حاولت استغفاله وأنه لا يمكن أن يصمت على ذلك، هذا إضافة إلى أنه ينشط لصالح قضايا حقوقية في إندونيسيا وسيراليون وإيران، وغيرها من المناطق.

المعارضة تستعين بأصدقائها

وفي هذه الفترة نشطت كل مجموعات المعارضة في الخارج، اليسارية والإسلامية على حد سواء، ووظفوا علاقاتهم لصالح الانتفاضة، فاليساريون الذين يمتلكون صداقات في فرنسا مع شخصيات ومنظمات لها ثقلها بدأوا ينشطون من أجل إيصال قضية البحرين، كما أن المعارضة في لندن حصلت على مساندة وتعاطف من قبل عدة منظمات مهمة مثل «منظمة المادة 19» ومنظمة «اندكس لحرية التعبير» ومنظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الإنسان التابعة لجمعية المحامين البريطانية، كما توثقت علاقات جماعات المعارضة مع منظمات غير حكومة ومؤسسات أكاديمية وجهات برلمانية وحقوقية وإعلامية، فضلاً عن أن النشاط الكبير للمعارضة تركز أساساً في العواصم المؤثرة في العالم ومنها واشنطن ولندن وباريس وجنيف. كما وصل صوت ورأي المعارضة إلى الجهات المؤثرة وأصبحت له الأولوية في الصحف الرئيسية مثل: «الفايننشال تايمز» ومجلة «الاكونوميست» وصحيفة «وول ستريت جورنال»، و «التايمز» و «الاندبندنت» التي كتب فيها روبرت فيسك حلقات كثيرة عن البحرين، كل هذا الزخم الإعلامي أدى إلى أن تصبح المعارضة آنذاك مصدراً موثوقاً به ومعتمداً إلى درجة كبيرة لدى جهات مؤثرة كثيرة.

طأفنة الانتفاضة

يرى الشيخ علي سلمان أن السلطة اختارت أن تعيد اللعب على الوتر الطائفي لحصار التحرك الشعبي قائلاً: «مارست السلطة سياسة ليست بالجديدة، وهي التركيز الطائفي في سياسة العصا الغليظة حتى تبين أن المطالبة بالبرلمان والدستور هي مطالب شيعية وليست وطنية. وهذا الأمر معروف منذ الوقت المبكر من الثمانينيات عندما بدأت الحال الإسلامية تنشط، والقوى الأمنية إن أرادت الاعتقال خارج هذا الإطار فإنه يكون اعتقالاً محدوداً، أو التهديد، فلقد أبلغت شخصيات شاركت في العريضة بأن عليها أن تفك ارتباطها بالشيخ الجمري، وقد تكون قناعات البعض تغيرت».

غير أن المحامي عبدالله هاشم يؤكد أن «الشارع كان واعياً بأهمية لجنة العريضة الشعبية وألا يهمّش دورها بفعل الحظوة والتجمعات التي أحاطت بقيادات المبادرة تعبيراً عن الولاء لقيادة المبادرة، فأخذت الأمور تسير في اتجاه أن هذه الانتفاضة شيعية، ويجب أن تكون قيادتها منها، وكانت الأسئلة التي أتت من الشارع لقيادة المبادرة في جامع الإمام الصادق في الدراز، كانت تقول بوجوب عدم إهدار الوحدة الوطنية المتمثلة في لجنة العريضة الشعبية، وكذلك وجوب أن تتمثل وجوه لجنة العريضة في المحاضرات والفعاليات وعدم الانفراد في المسألة».

ويرى هاشم أن الأمور سارت ببعد إسلامي طائفي، فبعد كل الوقفة التي وقفتها لجنة العريضة الشعبية، وخصوصاً رموز معينة منها أحمد الشملان الذي كان له دور فاعل لا يستطيع أحد أن يقيده اليوم، ولكن عندما خرجت قيادات المبادرة وأرادت أن تخلق حالاً من الوحدة الوطنية، دعت إلى إقامة ندوة مركزية في عالي يشترك فيها كل من الشيخ عبداللطيف المحمود، وعبدالوهاب حسين، ولم يُدعَ أيٌ من الوطنيين الذين وقفوا وقفة صارمة مع العريضة، فكانت النظرة السائدة في ذلك الوقت تتدرج من الطائفة، وإن نزلت فتنزل إلى «المسلمين»، وكأن الوطنيين هم خارج حظيرة الإسلام... هذه الندوة لم تُقم لأن قوات الأمن منعتها، ولكنني أوردها لرمزيتها في إحداث حال الوفاق الوطني، ونظرة «المبادرة» إليه، وهذه من الأخطاء التي وقعت فيها الحركة، وما بقي من لجنة العريضة إلا أن يزورها عبدالوهاب حسين مثلاً، أو أن يذكرها في مجلس أو خطبة».

ويرجع هاشم سبب إعادة اعتقال قيادات «المبادرة»، لأنها لم تحقق الشق الأمني المرتجى منها من قبل النظام، فلم يفرج النظام عن كل المعتقلين كما كان متفقاً عليه، وبالتالي، وجدت جماعة المبادرة أن الشارع لايزال يغلي، فإما أن تقوده وهو في حال الغليان تلك، وإما أن تنحى، وفي كلتا الحالين، فإنها لا تستطيع الإيفاء بالشروط التي اتفق عليها في السجن.

تسارعت الحوادث مع نهاية 1995، وازداد التواجد الأمني، وعادت الاعتقالات، وفي مطلع العام 1996 اشتدت الأمور كثيراً، وبدا واضحاً أن الحكومة اعتبرت نفسها في حل من أي اتفاق مع «جماعة المبادرة».

في 20 يناير 1996 فرضت قوات الأمن الحصار المنزلي مرة أخرى على الشيخ الجمري، وعادت مظاهر الاشتباكات والمصادمات والاعتقالات مرة أخرى للساحة. وفي 21 يناير 1996 أعيد اعتقال الشيخ الجمري وتبدأ مرحلة قاسية من مراحل الانتفاضة لم تشهد لها البحرين مثيلاً من قبل.


العدد 2251 الثلثاء 4 نوفمبر 2008 الموافق 6 ذو القعدة 1429 هــ
- 10 - 6
بني جمرة - الوسط -


قالت زوجة الشيخ عبدالامير الجمري، ام جميل أن ما قاله العقيد السابق عادل فليفل "ليس صحيحا"، واكدت انها كانت عن قرب من المعاناة التي فرضها فليفل على الشيخ الجمري عندما "وضعه في سجن انفرادي لأكثر من تسعة شهور ولم نكن نعرف عنه اي شيء ومنع عنه كل الاتصالات التي كانت مسموحة لباقي السجناء". وقالت ان الشيخ الجمري اخبرها بجميع الضغوط التي تعرض لها اثناء الاعتقال والتحقيق بما في ذلك حرمانه من المكيف ووضعه في زنزانة غير مكيفة لمدة ايام، والتحقيق معه تحت اسلوب بالغ الشراسة والاهانة "وتهديده باعتقالي واعتقال باقي افراد اسرته، بالاضافة إلى جره من ثيابه وتفتيشه بأسلوب مهين عندما كان فليفل يسمح لنا بزيارة مرة كل عدة اشهر".
وقالت ان فليفل قام "بأعمال غير انسانية اثناء الحصارين اللذين فرضهما على المنزل في 1995 لمدة اسبوعين وفي 1999 لمدة سنة وسبعة شهور، وكان يمنع دخول اي شخص إلى منزلنا ويهددنا باستمرار".
وقالت ان "الشيخ الجمري لم يتم تعليقه وضربه كما حدث لابني محمد جميل وزوج ابنتي عبد الجليل، اللذين حرما من النوم وتم تعليقهما وضربهما باشراف مباشر من العقيد فليفل". "وكنت عندما زرت ولدي محمد جميل بعد اربعة شهور من اعتقاله لم اصدق انه ابني لشدة ما اصابه من التعذيب الذي يؤكد ان من قام به واشرف عليه هو فليفل فقد كان يحرمه من النوم والذهاب إلى الحمام ويجبره على الوقوف معصوب العينين لأيام عدة". وعلقت قائلة: "كان من الاجدر لمن ارتكب كل هذه الانتهاكات ان يعترف بها ويعتذر للشعب بدلا من وضع الملح على الجرح من خلال الكذب وادعاء المعاملة الحسنة لمن وقعوا تحت يده، فنحن من العوائل التي تسلط عليها ونعلم طبيعته ولا يمكنه غشنا او غش العوائل البحرينية الاخرى التي اضطهدها باسم الحفاظ على امن الدولة".