لأجل التمازج الوطني في يوم 1 أبريل 1995 م ،و عند الساعة الرابعة فجراًُ ، قفل (م) - و هو شاب من بني جمرة - عائداً لبيته بعد أن صلى الفجر في المسجد ، ففوجئ بقوات الشغب تسد كل الطرقات ، وتمنعه من العودة ، وإلا أفرغت الرصاص في صدره ،وعندما فهم الأمر ، وأن شيخ القرية محاصر ، قال مواسياً له : اقتلوني ،لا أبالي ، فقال له الجندي : لن أصنع منك شهيداً ،ولكن سأعذبك طوال عمرك ، ووضع الرشاش في فخده وأفرغه ، ومنذ ذلك الحين وهو يعاني أمراضاً لا حصر لها ، بدأت ببتر الرجل ولم تنته بقائمة من الأمراض النفسية والجسدية ،و (م.ح) أصابه ما أصابه من رش الرصاص في تلك الليلة ، فأخذ يزحف على بطنه والدماء تسيل منه ،حتى وصل لأحد البيوت وطرق الباب برأسه ثم أغمي عليه ، لتجده صاحبة البيت جثة أمام بابها مضرجة بالدماء، والحاجة (ز) ، ستينية العمر ، سمعت في إحدى الليالي، أصوات الجند وهم ينهالون ضربا على شاب عند باب بيتها ، فخرجت لتستطلع الأمر وإذا به ابنها ، فرمت بنفسها عليه لتخلصه منهم ، فانهالوا عليها ضرباً ، ولم يكتفوا بذلك بل أطلقوا عليها الرصاص المطاطي ، عدة طلقات في القلب وعلى الرأس فوقعت صريعة في الحال ، وآخر كلمة قالتها لابنتها ، وهي تحاول أن تنتشلها : الشغب قتلوني، ولا تزال البنت تعاني من آثار الحادث النفسية. أما (م.ج) فقد اعتقل ولديه ولدان ، ولم يحصل على مقابلة إلا بعد مرور خمس سنوات ليكتشف أن عنده ثلاثة أولاد حيث كانت زوجته حاملاً بالثالث ولم يكن يعلم ، أما عن ظروف السجن فيعجز القلم عن التبيان فعند أول مقابلة لا أحد يستطيع أن يتعرف على سجينه لأنه يخرج مسخاً وباختصار شديد هذا السجن هو تماماً أبو غريب أو غوانتنامو أما الأسر فلا تسأل قارئي العزيز عنها ، تتلقفها أيدي القدر بدون رحمة ، فلها عقوبة قاسية كونها أسرة ذلك المعتقل . أنقل بعضاً من هذه النماذج بغرض أن يفهم الطرف الآخر عقلية هذا الطرف ، لأن الوحدة والتمازج والتفاهم في أي كيان مهما كبر أو صغر ، من الأسرة إلى الوطن الصغير إلى العالم الأكبر ، تقوم على أسس أهمها : أن يفكر كل بعقل الآخر ، ويطلع كل على هموم الآخر ومعاناته ، ليفهمه ويصل معه إلى حل مرض للطرفين ، إن كانت هناك إراده فعليه للإصلاح والتمازج الوطني ، الذي هو أساس الإستقرار المؤسس لعملية التنمية ، ومن مثل هذه النماذج المذكورة تفند المقولة بشأن العدالة الإنتقالية ، بأنها استيراد لأفكار رنانة من الخارج لا تلائم واقعنا ،وكأن المتكلم يتكلم عن استيراد موضة أزياء لشخص مرفه ، ولا يتكلم عن أناس عانوا ولا يزالون ، سخطوا ولا يزالون ، لأنهم لم يحصلوا على ما يطبب جروحهم ، بل مازالت العقوبات تسري عليهم في كثير من الجوانب ليس أقلها القوائم السوداء على الحدود ، خارج البحرين ، و التي لم يسلم منها حتى النواب وفي داخل المؤسسات الحكومية والوزارات تجاه الأشخاص ذوي التاريخ النضالي أو الرمزي. إن استطعنا تكميم الأفواه لفترة مؤقتة ، فإن الغليان يبقى مستمراً لا نعلم عواقبه ، ولا أحد يستطيع التحكم فيه ، أما مقولة تغيير التاريخ فهذه أيضاً ساذجة لأن التاريخ في كل مكان ، وعلى طول الأزمان و الدهور ، تاريخان ، تاريخ سلطة تصيغه كما تحب ، وتاريخ معارضة تسجله حتى ولو بالدم ومن داخل القبور، ففي كل الأحداث التاريخية نجد دائماً طرحين و تفسيرين متغايرين ، و أما مقولة : تحقيق مكاسب فئوية فهي مغالطة ، سعت ومازالت تسعى لترسيخها الأطراف الأخرى بتصوير المعارضة فئوية وبالضغط بكل السبل لتحويلها كذلك ، وإذا كانت الأطراف الأخرى استفادت كثيراً من التحول الديمقراطي أكثر من المعارضة وهي لم تبذل شيئاً ، فهل يضيرها جبر نفوس الضحايا من أي طرف ، للوصول لتراض يؤسس لوحدة حقيقية ؟ إن بإمكان المحبين لهذا الوطن سواءً من سلطة أو معارضة ،أن يصلوا لحلول مرضية ، إن كانت هناك نية مخلصة حقيقية للإصلاح ، تواجه الواقع بجرأة وتعترف بالأخطاء من الطرفين. نعم نستطيع أن ندغدغ العواطف بإدعاء أن الوحدة الوطنية الحقيقية تحققت بعد الميثاق ، و أنه لا داعي لأي إثارة للماضي الآن ، ولكن ماذا لو انفجر بركان الحقيقة في أي وقت من الأوقات ؟ بدأنا بتراض وطني كاد أن يكون حقيقياً لولا التغيير الغير عقدي للدستور ، والذي أعقبه تراجعات لا حصر لها ، بدأت بسحب المكتسبات واحدة تلو الأخرى بشتى الطرق ، وإزاء هدا الوضع انقسمت المعارضة إلى قسمين ، قسم عقلاني يحاول الوصول لحلول بالتي هي أحسن ، وقسم تتحكم فيه ردود الأفعال يريد أن ينفجر في كل حين ، وحتى المعارضة العقلانية لم تلق يدا مفتوحة لتصافحها ، بل يتم التضييق عليها ودفعها بقوة نحو التطرف . ليست البحرين بدعاً بين الدول التي تعرضت لنزاع داخلي بل هناك ماهو أشد منها بكثير كالبوسنة والهرسك ، وجنوب أفريقيا ، و راوندا ، و لكنهم جميعا استطاعوا معالجة الماضي بواقعية وحكمة ، ليؤسسوا عليه الاستقرار في الحاضر لبناء مستقبل زاهر ، فقط على الجميع من أطراف سلطوية أو معارضة ، أن يكونوا واقعيين ويضعوا الله و مستقبل الأجيال والوطن نصب أعينهم ، وأن يحبوا هنا الوطن بصدق ، ليعترفوا بأخطائهم ، ويتوصلوا لحلول مرضية للطرفين ، أبسطها وقف العقوبات التي لا يزال يمارسها الحرس القديم خصوصا على كل من له علاقة بالشخصيات ذوات التاريخ ، و رد الاعتبار و ا لاعتذار الأدبي للضحايا ، وبعدها يأتي الكلام في بقية الأمور . عفاف الجمري. Afaf 39474225@gmail.com |
Sunday, September 16, 2007
لأجل التمازج الوطني 6/2007
في أربعينك يا أبي
ذكراك عندي ستبقى جمرة لا تنطفئ أبدا ، و ما يطفئها ؟ آهاتك التي لازالت ترن في مسامعي ليل نهار ، و مناجاتك الليلية التي أنتبه عليها لشدة تفاعلك ، فأسمع دعاءك الحزين ، واشتد هذا منذ العام 88 منذ أن اشتد التضييق الأمني عليك حتى تم فصلك واعتقالك وأبنائك من لحمك ومن الشباب المحيطين بك وتم تشريد الباقي .....وبدأت معركة المساومات منذ ذلك الوقت ، سئمنا من كثرة الرسل التي تغدو و تروح ليلا ونهارا ، حاملة العصا والجزرة : خذ ابنيك و ارجع إلى عملك و اسكت عن باقي أبناء الناس ، وغير مجرى حياتك و سلوكك ، و خذ المنصب الفلاني و المبلغ الكذائي و...و..و في نفس الوقت : إن لم ترتدع ، فسوف نفعل بك كذا و كذا ....فترد بنفس الجواب : الشعب كلهم أبنائي ، و ليسا فقط جميل و عبدالجليل ، فتستمر الحرب ويضيق عليك حتى في قراءة المجالس الحسينية ، حيث يتم تهديد أصحاب المآتم الكبيرة قبل كل محرم كيلا يستدعوك للقراءة فيها ، ويتم التضييق على كل من يأتي لمجلسك ، أو يصلي وراءك ، ويبلغ من شدته إلى نصب حجرة خشبية أمام مجلسك علنا في العام 87م وذلك لجلوس رجال المخابرات فيها هذا غير السيارة الموكلة بالسير خلفك ليلا ونهارا منذ العام 79م ، حتى أنك في إحدى المرات أشفقت عليهم من شدة الشمس قبل أن يعملوا لهم خيمة خشبية ، وذهبت لهم تدعوهم لدخول المنزل وتناول طعام الغذاء ، ولما سألناك قلت :( مساكين كسروا خاطري ، في الشمس ) واستمر الحال كذا حتى العام 95م. عندما تم الهجوم على قريتك و محاصرتها من جميع النواحي في الساعة الثانية ليلا بجيش من الجنود المدججين بالسلاح الذين حاصروا القرية بأكملها و قتلوا بالرصاص الحي شهيدين و جرحوا ما ينيف على الخمس والأربعين بترت رجل أحدهم في ليلة سوداء مشهودة ، أما المجمع الذي تسكنه فأخرجوا كل أهله منه لتكون عزلة تامة جدا ثم اقتحموا المنزل و أبقوا فيه و حواليه و على سطحه والمنافذ المؤدية إليه مالا يقل عن خمسمئة جندي مدجج ومن بين من هجموا علينا من يسمون برجال الصاعقة ، هذا غير المروحية الكبيرة التي تحوم على سقف المنزل في منتصف الليل وترعب الأطفال ، وقد أخرجوا من المنزل كل جهاز تلفاز و هاتف وراديو لقطع كل علاقة بينك وبين الخارج ، وعمل فيك العقيد الفلاني ومساعدوه ما عملوا على مرأىمنا جميعا ، و بوجود الأطفال الذين بقوا جميعا - و أصغرهم ذات ثمانية أشهر- تحت الحصار والعدد كاملا تسعة عشر في بيت لايتسع ، فلا نسمع ليلا و نهارا إلا بكاء الأطفال الذين أسموهم بلفظة كتبت على مغلف الخبز الذي أحضروه لنا: (19 مجرما) ، و فوق ذلك كله كنت تقدم للجنود الشاي ، ثم اقتادوك في نهاية الحصار للسجن و في السجن حدثت الأهوال ، فبمعدل شبه يومي كنت تسقط أرضا من شدة الأذى وأحيانا يتم إسعافك بالنقل للمستشفى ، وأحيانا تترك بل و يمنع عنك الدواء ، وقد أفقدوك سمعك في أذنك اليسرى وبقيت تعاني منها حتى لقيت ربك ،و هل تذكر عندما كانوا يوجعون قلبك بإسماعك وأنت في الزنزانة صوت صراخ الشباب و هم يعذبون قريبا منها حتى صرخت بأعلى صوتك : (دعوا أبنائي بسلام ) وكان العقيد و رؤساؤه يقولون لك بأنك أنت السبب و أن خلاصهم بيدك ، أما ماذا فعلوا بك تفصيلا فإن ذلك سيبقى محفورا في داخلي و لن يستطيع أحد محوه إلا أن أدفن ، ويكفي بأنه حتى المقابلة التي بقيت ممنوعة عليك لما يقارب السنة ، فإنها عندما كانت تحدث ، تحول إلى وجبة تعذيب ، تصل مباشرة بعدها للعناية أيضا ، فمن تمزيق ملابسك عليك في وسط الساحة ، إلى وضع أجهزة التصنت في غرفة المقابلة ، وإلى مضايقة الوالدة ومضايقتنا أمامك ، و غيرها مما تفنن به العقيد من أساليب في التنكيل تفننا لا يرقى إليه أحد ، فاستعمل كل الوسائل المألوفة و غير المألوفة ، طمعا في نيل المزيد من الأوسمة لأن إنجازه الذي حققه يوم اعتقالك وبالطريقة التي رسمها للسيطرة على الاحتجاج الشعبي ، جعلت مدير الأمن يقف له إكبارا حيث كانوا متهيبين من تكرار الاحتجاج الشعبي الذي حدث في العام 88 عند اعتقالك فرسموا خطة لتطويق هذا الاحتجاج المحتمل ، أما المسؤول عنها فهو ليس العقيد وحده ، بل من هو أرفع منه و الذي ذكر اسمه – من غبائه – أمامنا عندما سألته عن الاذن بالهجوم و التفتيش ....ولن أنسى ما حييت منظرك في قفص الاتهام ، وحيدا ، و صورتك ساعة النطق بالحكم الجائر :10 سنوات و15 مليون دينار غرامة (إن لم تدفع ،وهي لن تدفع فالشعب بأكمله لايمتلك هذا المبلغ ، فإنها تعوض بالسجن كما قال لك العقيد :سنخيسك إلى الأبد في السجن) أذكرأنك عندما نطق بالحكم تمتمت ساعتها بشفتيك – كما هي عادتك – بدعاء لا أدري ما هو فنحن ممنوعون من الاقتراب منك ، و محاكمتك تمت في أبعد نقطة على خريطة البحرين، ولم يسمح بحضورها إلا إلى أبنائك ، ومع ذلك فقد زود مبنى المحكمة من الخارج بالأسلحة الثقيلة في يوم النطق بالحكم و كأننا نمتلك حتى بارودا ، لم كل ذلك ؟ هل دعوت يوما للفساد ؟ هل كنت طائفيا ؟ عميلا ؟ طامعا في مكاسب شخصية؟ ألم تك صاحب المبادرات والمواقف الوطنية ؟ ألم تعط كل وقتك ونفسك للناس دونما تفرقة؟ ألم تغرق الجميع بحبك وحنانك؟ أبي حبيبي لن ينطفئ لظى فؤادي ، ولن تجف مدامعي حتى ألقى الله وألقاك و يحكم الله بيننا وبين الظالمين .
عفاف الجمري.
Subscribe to:
Posts (Atom)