لقاء مع عائلة الجمري
أجرته : جهاد ربيع و جليلة علوي ( الجمعية الحسينية الثقافية – سترة – القرية )
سمعنا وقرأنا عن حياة الشيخ الجمري السياسية لكننا ما عرفنا وما علمنا سوى النزر القليل عن حياته الاجتماعية وكيف كانت، عن تعامله اليومي مع زوجته، تعامله مع أبنائه، أساليبه في حل المشكلات وكيف يتعامل مع مشاكل الآخرين الوافدين عليه لحلها نتوق لنعرف كيف كانت ابتسامة الشيخ وضحكاته مع أسرته.مع الأهل من حوله، ما هي ميوله واهتماماته الشخصية؟
ذهبنا وكلنا شوق للتعرف على محراب الأب كيف كان؟ لتحكي لنا سجادة الصلاة كيف كان يقضي صلاة الليل ودموعه تناجي الإله!
ترحيب حار جمعنا بعائلة الشيخ، قابلونا وابتسامة تعلو محياهم.. أهلاً ببناتنا نوّر البيت، لحظات حتى بدأنا لقاءنا الودي ورحلة معرفة القليل القليل من حياة والدنا المجاهد..
س : أم جميل، كيف كانت بدايات الشيخ ونشأته، وهل كان مؤهلا ليكون هكذا؟
ج : من بدايته كان سماحته ذكيا وكان من الأوائل على الصف وكان يحتل مركز المراقب، كان يؤلف القصص التي لا يصدق الأستاذ أنه من قام بتأليفها، كما أن علاقته مع والديه يغمرها الحنان والطاعة وهو من كانت تشير له يد والده وتخصه بالدعاء.
في تلك الأيام حيث حياة الفقر كانت توزع على الصفوف أقراص الخبز فكان للصف الأول قرص ونصف وللصف الثاني قرصين ونصف فكان الجمري يأكل نصف ويعود بالقرص الكامل ليتقاسمه والداه.
من عمر ست سنوات كان يصعد لأعلى المنزل رافعا صوته بالأذان بمجرد اعتقاده بدخول وقت الصلاة ، و تضيف أم جميل رغم أن الحياة قديما كان يسودها الجهل والفقر في العوائل مع تعدد المشكلات لكثرة الأسر المقيمة مع بعضها في البيوت المركبة في جميع مناطق البحرين كان حبه واحترامه لي واضحا وظاهرا.
حنون بشكل لا يوصف:
كان عندما يأتي إلى المنزل فإنه يصافح الجميع فرداً فرداً ويطبع على وجوههم قبلات حانية قوية ، علاوة على البذل المادي سواء كان يملك المال الكافي أو لا حتى وإن كان يمر بظروف صعبة كان يبذل للكل وللجميع حتى أفراد القرية، كان حنونا على الجميع سواء أخوانه أم بناته وأي فرد يلتقي به، خصوصا المرأة يوليها اهتماما خاصا والكثير من العناية والرعاية.
(ابتسمت أم عمار) وهي زوجة الابن والتي أثر في حياتها وتكوينها اهتمام الشيخ وشخصيته وحنانه.. أخبرتنا كيف كان الشيخ يساعدها في دراسة ما يصعب عليها فهو الذي شجعها ودفعها لمواصلة دراستها الجامعية.
ما يميز الشيخ أنه كان يولي زوجات أبنائه اهتماماً خاصاً (حبيبتي ...)هكذا كان يناديهن وفي حالة المشكلات بين أبنائه وزوجاتهم فانه يقف دائما وفي كل مرة إلى جانب الزوجة.
س : أم جميل، فترة غياب طويلة وفترات أخرى متقطعة بسبب سجن الجمري كيف تمكنت من التوفيق بين دور الأم ودور الأب؟
ج : مرحلة كانت صعبة جدا كنت مسؤولة عن بيت مليء بالأطفال وخالٍ من الرجال، فسجن منى (أم عمار) ومسؤولية أبنائها الباقين في نفس المنزل، و اعتقال عفاف قبلها كان المنزل يضم أبناء منى وأبناء عفاف وأبنائي، و سجن جميل وعبد الجليل والشيخ الجمري..
كنا نقوم بحجز مواعيد المقابلات للسجناء لا نكاد ننتهي من الأول حتى نرتب للثاني وهكذا عملية لا تنتهي ، وشغلي الشاغل البحث عمن سيذهب إلى لندن لتوصيل الأموال إن وجدت ومن سيذهب للسجن كي نرسل الرسائل والصور والملابس معه، بالتالي مكتب السجن للمقابلات هذه كانت حياتنا، الله سبحانه وتعالى أعطاني القدرة على تحمل كل ذلك.
س : موقف الشيخ عند سماعه لخبر اعتقال منى وعفاف ؟
ج : لم يسمع عن منى إلا متأخرا وحين علم عن عفاف – عن طريقهم - أضرب عن الطعام.
س : نبراس بما أنكِ البنت الأصغر كيف كانت علاقتكٍِ بوالدكِ وهل شعرتِ أن هنالك علاقة خاصة تربطِك بالشيخ؟ وكيف تعاملتِ مع اعتقاله؟
ج : رغم أن والدتي كانت تبذل الكثير لي إلا أن العلاقة العاطفية كانت تربطني بوالدي أكثر من والدتي، كان يغدق عليّ بحنان فياض، كنت أحبه كثيرا كان ينزل لمستواي حتى حين تعترضني مشكلات ويحدثني وكأنه بعمري، كنت أشعر أنه يفهمني كثيرا وقد أثر بي كثيرا سجنه وابتعاده عني رغم أنه لا يقضي الكثير من الوقت في البيت ويأتي آخر اليوم في الليل ورغم كثرة العدد في البيت من أولاده وأولاد أخواني إلا أنه ما كان يقصر في شيء وكان يعطي كل فرد حقه ، في مرحلة المراهقة ومع المشاكل التي تعترضني وحتى مشاكل المدرسة كان يتواصل ويحل المشكلة مع المدرسة وكان في البيت يحدثني ويعرف الطريقة التي يحل بها مشكلاتي لذلك كان صعب علي فراقه لأنه لم يكن مقصرا مع أي أحد منا أضافت نبراس والدموع تترقرق في عينيها:تأثرت كثيرا بفقد والدي.. فبسبب العلاقة العاطفية مع والدي فترة سجنه أتعبني كثيرا بعده عني وكنت في فترة المراهقة واعترتني بعض المشاكل النفسية وحاولت أمي مساعدتي لتخطي ذلك لكني كنت متعلقة بوالدي، ليس فقط من الناحية العاطفية كان اهتمامه بي فمع كل انشغالاته كان كل يوم يحضر الدروس معي خصوصا مادتي اللغة العربية والدين، كان يشعرني بعزة النفس والغنى والاكتفاء معه وعدم الحاجة للآخرين
لدرجة أن أزواجنا مهما حاولوا معنا يصعب عليهم إرضاؤنا، ولن يكونوا نفس والدي، كم نريدهم أن يكونوا نسخة منه لكنه مستحيل.
عفاف: بعدما توفي والدي كان يعتقد كل فرد من أخوتي انه الأحب والأقرب لوالدي لم نكن نقول ذلك لبعضنا خوفا من جرح المشاعر أبكي بشدة وأنا أصف علاقتي معه أخي كان يقول أن والدي يقول له نفس الكلمات متصورا أنه الأقرب لوالدي، لكثرة ما يغدق علينا من الاهتمام والعاطفة كل يعتقد نفسه أنه الأحب له.
تكمل عفاف وقد خنقتها العبرة: الآن أنا امرأة كم عمري لحد ما توفى وهو على فراش المرض أعود متعبة من الجامعة ، من العمل لا أتمكن إلا من المرور عليه كما اعتدت وأنا صغيرة أقول له بكل ما يصيبني وهو يتجاوب معي وفي الأخير أصبح لا يقدر على الكلام والرد علي أصبح يتجاوب بنظراته بضغطه على يدي اخرج وأنا مرتاحة أمر عليه وأتزود منه دائماً .... حين مات لست قادرة على إنهاء هذه العلاقة ولا يوجد ما يعوضني عنها بالنسبة لي لا يوجد بديل أبدا أنا منذ وعيت في هذه الدنيا لا أذكر إلا مسكته ليدي واصطحابي من مجلس لآخر رغم أنه شيخ! يعود للمنزل يطعمني ويتركني أنام على يديه وحين أتحدث في ذلك يقول أخوتي أنه كان يفعل ذلك معهم جميعا.. حتى كبرنا
زوجات إخوتي حتى الأشخاص في المحكمة والمراجعين يقولون نفس الكلام وكثيرا ما ألتقي بأفراد يعلموني بمواقف حدثت لهم معه بينت أنه مثل ما كان يعاملنا يعامل الناس.. فهو أسبغ حنانا على الجميع مع أنه نشأ يتيما توفي والده وعمره 11 سنة إلا أنه من هذا العمر اعتمد على نفسه فعمل حتى يعيش، لقد عاش محروما من الحنان وكانت حياته كلها شقاء ومشاكل ومع ذلك أسبغ الحنان على الجميع...
س: وكأن ذلك يلغي القول المأثور بأن فاقد الشيء لا يعطيه؟؟ ماذا عنكِ يا صغرى عشتِ شهور قليلة مع الجمري وأنتِ زوجة ولده كيف رأيت الشيخ؟
صغرى: هذه الفترة القصيرة بإمكانها أن تحكي الكثير، كل الناس تحب أولادها إلا أنه لا يوجد له مثيل، هل كل الناس تضم وتحتضن أبناءها على الدوام حتى عندما يكبرون أنا شهدت عمي يجلس منصور وجميل كل له نصيبه بالجلوس ملاصقين ومجاورين له كالأبناء الصغار، وهذا يصدر من شيخ رجل دين
إنه وبمجرد أن يعقد الزوجة لولده مباشرة يضمها ويقبلها ويقدم الهدية، أكملت وهي تمسح دموعها لا أنسَ كيف أنه وبعد أن عقد علينا برهن على وده لي بالهدية وبقبلاته الحانية..
تضيف ( مهدية الملا ) أخت أم جميل: حتى نحن أخوات زوجته فاض علينا من هذا الحنان وهذا الحب والود، أسبوعيا يوم الجمعة لابد من وجود غداء الجمعة ويتفقدنا واحدة تلو الأخرى يقف لتفقد الأخوات فردا فردا ، المعاملة مع الجميع متماثلة.
حتى في حالة سماعه لمشاكل الجيران وأبناء المنطقة فأنه يبادر شخصيا لمساعدتهم والمساهمة في حل مشكلاتهم
لا زلنا نتذكر قصة الطفلة الجريئة (....) ذات الأربع سنوات التي جاءته شاكية والديها لمشكلة حدثت بينهما ، فضحت والديها ، أخذ كلامها كله واتجه لوالديها ليحل المشكلة، شخصية عظيمة بهذا الكم الهائل من المشاغل والمسؤوليات يجلس وينصت لطفلة؟!
عفاف: صحيح، أحيانا أرافقه فأشعر بالتعب والإعياء من كثرة زياراته ، واستغرب من أين لوالدي كل هذه القوة، ليليا يصلي صلاة المغرب ويرى إذا كانت عليه قراءة أو لا وحتى إذا مرتبط بالقراءة في المأتم، يذهب حوالي المسجد الذي صلى فيه أكثر من عشرين بيت كل بيت يدخله يتفقد حاجاته يتحدث معهم، أتذكر في إحدى المرات خرجت معه ذهب بيت إحدى القريبات تبين أنها تعاني من مشكلة نفسية وقف لها هوّن عليها تحدث معها ودعى لها وإذا في جيبه شيء قدمه لها ويخرج عنها ويتجه للبيت الثاني و في أحد البيوت تبين أن صاحبه ت عنده مشكلة جنسية تحدث معه وطمأنه بأنه سيقوم بالقراءة له على الماء حتى أن أم جميل استغربت انه وصل لهذا الحد وتطرق لهذه المواضيع الحساسة .
س : ماذا عن المناسبات والأعياد هل كان للشيخ الجمري برنامجه الخاص؟
أم جميل: يوم العيد وبعد أن يصلي المغرب يذهب لعشرين أو ثلاثين بيت يدخله يسلم عليهم ويُعّيد.
أما عن العائلة فبعد أن يسلم عليهم يتأكد من أن أم جميل أعطت كل فرد عيديته فيبادر بالسؤال هل أعطتكم أم جميل عيديتكم ؟
إحدى زوجات الأبناء ارتبطت لشهور قليلة فقط وحدث انفصال لعدم وجود توفيق بينهما أرسل لها عيديتها حتى بعد الانفصال واستمر في الحديث معها عبر الهاتف للسؤال عنها..
س : كيف تمكن الشيخ من جمع شمل أفراد الأسرة وخلق الحب والانسجام رغم وجود الاختلاف الملحوظ في شخصياتهم؟
عفاف: توجد عدالة شديدة في الاهتمام بكل فرد لا أحد يشعر بالظلم ويوجد حب فياض يجمع الكل، إضافة لتمسكه بالدعاء والجدير بالذكر أنه كان لا يهمل أي مشكلة تحدث بين الإخوان فإذا حدثت مشكلة أو عدم اتفاق بيننا نخشى أن يعلم .
س : هل يتقبل تقسيم الأدوار داخل الأسرة بينه وبين زوجته؟
عفاف: نحن نحسد والدتي لأنه لا يوجد أحد يلقى مستوى السعادة التي عاشتها معه
أحد أزواج البنات يسأل ابنة الشيخ أنه( مستغرب من معاملة والدها لوالدتها كأنهما لازالا في سن الشباب كل أمورهما تتم بالمناقشة ورأسهما ببعضا ، مستحيل رجل بهذا العمر يحدث زوجته بهذه الطريقة وهذا الدلال ) .
ابتسمت مهدية "أم حسين" لتضيف: في إحدى المرات كانت أم جميل مسافرة وجئت لهنا وعندما سلمت إذا بالشيخ يقول لي أعيدي كرري، أعيد؟! أكرر ماذا ؟ قال صوتك صوت أم جميل تعالي أسمعك هذه القصيدة كتبتها في أم جميل.
أم جميل: حتى منى "أم عمار" يعطيها وقت يصعد لها يشرب معها الشاي يجلس معها يدللها، وكل ما تطلبه يلبيه لها ، إذا طلبنا شيء يخرج كل ما في جيبه ويقدمه لنا بحجة أنه سيحصل على غيره ( اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ).
عفاف: في إحدى المرات قارب زواج منصورة وكان زوجي مسجونا خجلت أن أخبره وكانت معيشته في ضيق ( بعد الفصل من القضاء ) كان يعيش و يصرف علينا من العقود والقراءة ،( حيث كان يستشكل من لمس الخمس مع أن هذا مورد شرعي و قد نصحه زميل دربه الشيخ عيسى قاسم حفظه الله ، بذلك و لكنه لم يفعل لأنه كما يقول لنا : لو فعلت فإنه إذا كان الآن يشبعكم رغيفان ساعتها سأعطيكم واحدا فقط و أنتم لم تعتادوا على ذلك ) على كل ، كان للتو قد استلم 30 دينارا أعطاني إياها كلها و ليس لديه غيرها .
تضيف عفاف: دائما يذكر هذه الكلمات: ( أنا أم جميل مستحيل أنساها وفت لي أفي لها طول عمري حين ذهبنا للنجف كانت الحياة صعبة والحياة فقيرة قامت ببيع ذهبها حتى نعيش بالإضافة إلى أني اترك لها البيت وأرجع للبحرين للمسؤوليات والمشاغل) فكان وفيا لها وحنونا عليها .
س : تأخذنا الذكريات ليوم وقفت أم جميل عام 88م بوجه قوات الشغب عندما كانت تريد اعتقال الشيخ، كيف وقفتِ بوجههم في وقت كانت فيه مداهمة السلطة للمنازل أمرا مخيفا ومرعبا ولم تكن المرأة قوية وثابتة كما هي اليوم؟
أم جميل: سنة88م لم تكن المرأة غير قوية فقط بل حتى الرجال يخافون ففي تلك الفترة لم تكن هناك مظاهرة ضد النظام، لا زلت أتذكر كيف وقفت عند الباب وأنا أقول للضابط عادل فليفل : لن تأخذ الشيخ ولن أسلمك الجواز قبل أن أنادي الناس وأريهم أعمال آل خليفة، قال لي : ناديهم ناديهم، أخذت الجواز عندي ورحت للمأذنة وقلت لأحد الرجال (عمران حسين ) شغل السماعة لأصرخ فيها: الله أكبر أيها الناس لقد اعتقل الشيخ الجمري..! ما هي إلا لحظات حتى احتشد الناس عند المنزل..
س : يوم السبت الأسود ما حدث فيه هل استشهد النجوم الثلاثة دفاعاً عن الشيخ؟ هل يوجد ما هو خاص بهذا اليوم وكيف كان موقف الشيخ مما حصل؟ذكرى هذا اليوم المنكوب؟ كيف كانت ردة فعل الأسرة والشيخ؟
الخالة (مهدية الملا ) : السبت الأسود..! دخلوا المنزل وخربوا كل ما فيه وأم جميل كانت تصرخ فيهم أسلحة تبحثون عن أسلحة بالله عليكم من أين؟؟ من الجو أو من البحر؟ ملكتم البر و البحر فهل هي بذر نزرعه فينبت ؟ إن وجدت هنا أسلحة فبالتأكيد أنتم من وضعها هنا كان الشيخ يحاول تسكيتها خوفا عليها منهم .
عفاف: كان يقدر عدد قوات الشغب 2500 اجتمعوا وتآمروا، ما حدث حينها أنهم دخلوا للبيت يفتشون تفتيشا دقيقا واقتحموا بيوت الجيران ، في البيت الواحد مالا يقل عن 60 من قواتهم المدججة هجروا عوائل الجيران بمنتصف الليل والكل لا يعلم ما هو حاصل حينها، حتى أن البعض اعتقد أنه سيتم حرق منزل الشيخ بمن فيه !
لقد فتشوا البيت تفتيشا دقيقا أهانوا أبي، عبد النبي وعادل فليفل عبد النبي أهان أبي إهانات لا توصف أمامنا، وكان أبي ساكت عنهم ولا يرد عليه ولكن حين أرادوا تكبيل يديه طلبوا منه الوقوف فمنعتهم والدتي وقالت بأنه لايحتمل ذلك بسبب ظهره، عندها لم يتحمل والدي فأخذ يسأل عادل فليفل هل عندك إذن بالتفتيش؟ والمفاجئة أنه ضحك باستهزاء وقال هذه المرة بأمر وبعلم من ولي العهد نفسه !
تضيف الخالة : لكثرة الدهشة والرعب والإزعاج الذي قام به الشغب أحد الجيران نسى ابنه نائما في البيت وصلوا حتى أبو صيبع ورجعوا مجددا لأخذه حتى ملأه الخوف من عدم السماح له بذلك...
أم جميل: قاموا بتفتيش البيت تفتيشا كاملا ثم أخذوا كل أجهزة الهاتف والراديو والتلفزيون من المنزل كيلا يكون هناك أي اتصال بالعالم الخارجي وأبعدوا الجيران وطردوهم من منازلهم كي لا نتواصل معهم عبر الأبواب أو النوافذ واحتلوا الجامع فلا يرى منه إلا الشغب في كل الجهات .
في البيت كل فرد موكل بحراسته حوالي عشرين من قوات الصاعقة وكان عددنا 19شخصا داخل البيت ! هذا عدا عن الحي كله وبني جمرة كلها محاطة بالآلاف .
عفاف: حين تم إبعاد الجيران كلهم من القرية كان هنالك موقف لجيراننا نعيمة وزوجها أستاذ عمران بعد صلاة الفجر أعلن في مكبر الصوت أنه تم اعتقال الشيخ أما زوجته فقامت بطرق النوافذ وأخبرتهم بأنهم هجموا على بيت الشيخ.
عندها خرجت الناس تعاطفا وجاءوا جريا للمنزل إلا أنهم تفاجئوا بامتلاء المنطقة كلها بقوات الشغب الذين بادروا بإطلاق الرصاص كي يتراجع الجميع أحدهم رفض فرشوا رجله بالرصاص ، حتى مع النساء عاملوهم بالمثل ..
تكمل عفاف: وصلوا لحالات مأساوية، كانوا يزحفون على بطونهم وهم ينزفون، كالشيخ محمد حبيب الجمري وهو الذي أخذ يزحف حتى وصل لأحد البيوت أخذ يضرب بابهم برأسه حتى انتشلوه، علما بأن المنطقة كانت محاصرة وهنالك صعوبة في إخراج الجرحى وإسعافهم البعض تمكن من الخروج عبر المدرسة والبعض من جانب( المرخ) وآخرين من جانب ( القريّـــة) كانت استباحة للقرية وكأنه هجوم ومذبحة دير ياسين، هجوم على القرية يسمح لهم بأن يقضوا على كل نفس متحرك لا يطيع .
تابعت عفاف: أكثر من خمسين جريحا وإصاباتهم حرجة (محمد جعفر) خطيب كوثر كان مجروحا فرفسه أحد قوات الشغب وقلبه فابتسم الشهيد سأله الشغب عن سبب ابتسامته فرد الشهيد: لأنك كلب ترفسني برجلك ، فغضب وفرّغ فيه رصاصه الحي عن قرب في رأسه!
تنفست عفاف الصعداء متابعة : مآسي، إن مطالبتهم لنا الآن في حديثهم عن العدالة الانتقالية وحديث فاطمة البلوشي وكلام صلاح علي أقول لهم انظروا ما قاسيناه حتى تفهمونا نحن علمنا ما تريدون ووعيناه، أنتم أيضا مطالبين بمعرفة ما لدينا وما نريد لأجل الوحدة الوطنية نحن ليس لدينا توجه طائفي لكن على الآخرين معرفة جراحات الآخر للوصول لشيء مشترك.
س: بعد استشهاد الشهيدين والشهيدة الثالثة لاحقا و فبلهم (محمد رضا ) بعد حوادث ليلة ويوم السبت الأسود ماذا كانت ردة فعل الشيخ؟
عفاف: شيء لا يوصف استمر الحصار لمدة أسبوعين في حين لم نكن نعلم ما الذي يدور حولنا ولا ما سيحدث لنا لم نكن نعلم أننا سنبقى كل هذه المدة نسمع طلقات أعيرتهم النارية كل العوائل المجاورة لنا تم تهجيرهم طوال هذه المدة إلى أن اعتقلوا الوالد بعد الأسبوعين حينها فقط سمحوا لهم بالعودة .
تتابع عفاف: في البيت القديم مع 19 طفل ومكان ضيق في ذاك الوقت بعد انتهاء الحصار ودخول أهل القرية علينا للمرة الأولى كانت تسود بشكل جلي مشاعر الغبن والبكاء والأسى ويدرك الجميع تعب الأطفال وإنهاكهم والذين أسرعوا خارجين بسبب المدة التي قضوها محجوزين في البيت .
تكمل حتى النافذة حين نفتحها فوهة الرشاش في وجوهنا بل ستارة النافذة يمنع علينا تحريكها وحين يحاول الأطفال القفز خارج قاعة المنزل فأنه يعود كالديك محمولا من ذراعيه من قبل اثنين من القوات التي تحيط بأرجاء البيت وكان أفراد الشغب يقومون بتكبيل كل حركة يقوم بها الأطفال حسين ومهدي وأحمد ، ابن عفاف( حسين ) يخاطب أحدهم هل وضعت القيود في يد بابا؟سأنتقم منك ! ليردوا قائلين لصادق اسمع ما يقوله الطفل،ثم يكتبون تقريرا فيه ما قاله الطفل!
لحظات حتى أحضرت أم جميل ما ألهب مشاعرنا وأثر فيها بشكل واضح وهو تسجيل صوتي شجي للشيخ يحدث فيه رفيقته في دربه زهرته أم جميل وينشد فيها أروع الأبيات التي تحكي امتنانه لها وشكره لصبرها وصمودها واعتزازه بها حين يقارنها بغيرها من النساء اللواتي يجزعن عند الشدة والبلاء ، وفي جزء آخر منه يتحدث عن رفقاء دربه حاملي لواء القضية المتشبثين بالألم لأجل الامة وكرامتها وحقوقها... ساد صمت وحزن لاح في العيون والنساء تستمع لصوت واليها الحنون الذي غيب في الثرى والجميع على قناعة بأنه خالد ماغيب يوما عن الألسنة والقلوب والعقول... فقر عينا يا أبا البحرين وجزاك الله لجهادك فينا خير الجزاء
o رغم ازدحام الذكريات إلا أنه توجد قضايا عالقة تراود فكركم( ذكريات.. كلمات.. وصايا.. مواقف أمور مفرحة وأخرى محزنة)
o أكثر وصية راسخة في القلب والذاكرة
o ما يكرره الشيخ ويؤكد عليه لكم ولنا؟
عفاف: واصلوا واستمروا بالمطالبة بالأسلوب الهادئ وليس بالفوضى وطالما تم فتح باب الحوار نستمر في ذلك وعدم السكوت عن حقوقنا .
_إذا حضر ضيوف فهو يكثر من الوصايا للتهيؤ لهم ويخشى عدم كفاية ما يقدم لضيافتهم يجب أن تكون المائدة كاملة كي لا يخجل أحد من عدم كفاية ما يقدم لهم ، ويردد بأنه ليس محتاجا وبأنه لم يدع إلا و هو مستعد ، و إذا انتهت المأدبة يقول الجميع في المنزل : خرج الشيخ فيتساءل : أين الوردة؟ أينها أم جميل .
إذا كان عنده بعض المشاكل هل كان يظهر ذلك عليه؟
أم جميل: نعم يظهر عليه فقد كان حساسا ولم يكن يهدأ حتى يحل الإشكال الذي يقع بينه وبين الآخرين وكان يردد لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال..)
وحتى لو كان الحق له أسأله هل تحدثت معه؟ هل سامحته بهذه السهولة؟ يقول لها نعم أيهما أفضل أن أكلمه اليوم أم غدا بين يدي الله تعالى.
تواصل عفاف: كان يواصل الجميع مع اختلاف الأطياف و حتى حين تم اعتقالهم لم يكن احد يكترث بعوائلهم باستثناء الشيخ الذي كان يحدد لهم راتبا شهريا حتى الإفراج عن معيلهم ، وكان البعض منهم ممن يسكن خارج المنطقة ويرى إحسان الشيخ وجميله على عوائلهم فأثر ذلك بهم ، حتى بعد وفاته .
تواصل أم جميل : أحد السلفيين الذي واظب طويلا على حضور مجالس وقراءات الشيخ بشكل أسبوعي يمدح كثيرا في أخلاق وتعامل الشيخ حتى بعد مرض الشيخ كان يحضر لزيارته دائماً.
وكذلك معارفه من دول الخليج العربي ففي فترة مرض الشيخ لم تكن تتوقف الوفود عن زيارته في المستشفى.
o الاعتصام_( الإضراب عن الطعام)
البيت المفتوح مع القلب الموجع .. حشود الجماهير التي لم تعد أرض البحرين قادرة على حملها في بقعة واحدة و التي على حسب أشهر التقديرات تربو على خمسين ألفا ، شهدها منزل الجمري .
نبراس: والدتي اعتادت على استقبال وفود سواء تعرفهم أولا تعرفهم، اضطررت للذهاب في أحيان كثيرة للدراسة في بيت الجيران لأنه صادف فترة الامتحانات إلا أن ذلك لم يكن يزعج أحدا لأنه ينم عن مشاعر الحب من الناس .
في الحصار الثاني فقط تم السماح لخالتي (مهدية ) بدخول بيت الشيخ التي كان يتلهف لملاقاتها لتنقل له أخيار القرية وشؤون الناس فيها...
س: حدثونا عن الجانب الإيماني للشيخ كيف كان؟ وماذا عن علاقته بمحرابه؟
نبراس: علاقة خاصة جدا مع ربه ومع الإمام الحسين بشكل أخص، الجانب الروحاني لديه قوي جدا وعلاقته بالإمام الحسين خاصة جدا كما لو كان صديقا له ويعيش معه، هو أمر لا يوصف .
تضيف عفاف: نحن نستغرب كيف يمكن أن يوزع وقته يستيقظ منتصف الليل يصلي صلاة الليل التي يطيل فيها كثيرا ويوصلها بالفجر ثم يتوجه للجامع ويرجع يعقب حتى طلوع الشمس ثم يأخذ له غفوة لا تزيد على الساعة كي يبدأ نهاره وهكذا حتى وهو مريض من الصباح الباكر يبدأ التسليم على الأئمة الاثني عشر (ع) بشكل يومي وحين ساءت حالته ولم يتمكن من الكلام المطول إن تمكن من نطق الكلمة فهي حتما كلمة في ذكر الله تعالى ، الجانب الروحاني شيء لا نتمكن من وصفه وإدراكه .
حياة الشيخ كانت مليئة بالمعاناة والشقاء التي تذيب وتؤلم قلوب محبيه، متعلق جدا بأم جميل من خلال أشعاره فيها وتصريحه بوده ومشاعره لها أمام الجميع من خلال معاملته الراقية لها؟
تفسر عفاف ذلك بأنه ربما لما تعرض له من مشاق كثيرة في حياته أو ربما لأنها تفهمه وتضيف عفاف: دائما يرجع للمنزل مقهورا ومتشبعا من القهر عاش الظلم من صغره ظلم كثيرا سواء من النخب أم من زملائه ومن الناس بل حتى من الأهل من جوانب كثيرة وعديدة لا نتمكن من التصريح بكل شيء فحياته كانت قطعة من المعاناة لكن ما كان يواجه بالمثل أبدا فقط كان ينفس لأم جميل وكان يسميها (خديجتي) فكان يناديها أينك ياخديجتي تعالي داوي جراحي، فمع طعام عشائه يبدأ بالتصريح لها وتفريغ همومه فلم يكن قادرا على الاستغناء عنها، يقول في أحد أبياته( فراقج يا حرة خلى السجن سجنين) .
تواصل الخالة: حتى أن بعض المسؤولين في سجنه ومن بينهم عادل فليفل أدركوا أن عليهم الضغط عليه بمنع عائلته من زيارته فمرات كثيرة كانوا يرفضون طلبات أسرته بزيارته وتم منع عفاف لأكثر من عام ونصف من زيارته وكانت هناك محاولات لمنع أم جميل أيضا
وكانت عفاف وأم جميل تجتمعان لتنقلا له أخبار البلد سرا، تستدرك عفاف: في كل مرة يتم عقابنا كانوا يضعون لنا كاميرات فيديو ومجسات توضع تحت الطاولات بنفس الغرفة،وعادل فليفل نفسه يجلس معنا وضباط آخرين ومسافة كبيرة تبعدنا عن والدي، وأحيانا كان أبي يستاء كثيرا من تصرفات عادل ومن معه بسبب كثرة التشديد والتضييق أثناء الزيارات وهو غالبا ما يدخل الزيارة والتوتر باد عليه بسبب عملية التفتيش التي يقوم بها أفراد الشرطة من الجنسيات الأخرى والتي يشعر فيها بالاهانة والقهر فيدخل في جدال معهم ويرتفع عنده الضغط ويوشك على الإغماء ويتعمد المسئولون ذلك قبيل زيارتنا له.
تضيف الخالة: كما كانوا يجتمعون قبل المقابلة بصادق لتوصيل تحذيراتهم المشددة للأسرة لعدم الخوض في أحاديث محظورة بل و يطلبون نقل أخبارا كاذبة للشيخ فيأخذ ذلك من وقت الزيارة التي عادة ما تكون قليلة ، وفي إحدى المرات وبسبب تضييق الخناق على أسرة الشيخ التي حضرت للزيارة اضطرت عفاف للحديث حول أمور أخرى لتكسر بها صمت الجلسة رغم أن الشيخ كان في شدة الضيق لرغبته في معرفة ما يجري في الساحة فتحدثت عن الاستنساخ ثم تطرقت لما حدث معها بالأمس حين اضطرت لضرب ابنها حسين
فقال لها الشيخ : ( يا ابنتي لا تستخدمي العنف !! استخدمي الكلمة الطيبة... )
فأجابت والدها ( نبدأ بالكلمة الطيبة وإن لم تنفع نلجأ للعنف..)
فوقف عادل فليفل وشدد في خطابه معها قائلا: ( أنت لو كان يفيدكم العنف لأفادكم هذا العام والعام الماضي..) وبدأ بكيل وابل من التهديد والوعيد لها ، وأنها تقصد الساحة وليس ابنها! حينها قالت له عفاف: بأني لو رغبت في الحديث عن الساحة لفعلت ولكني أتحدث هنا عن الأطفال ومن وجهة نظري أن الضعيف يمكن أن يغلب القوي بالكلمة الطيبة!!
فاستشاط غضبا وزاد في تهديده المباشر وطلب منها التريث والانتظار لتلق العقوبة المناسبة (حيث يرفع عنها تقريرا للوزير كما حدث في المرة السابقة و يستخرج تصريحا باعتقالها ) ، فتوقع الجميع اعتقالا ثان لعفاف ولكن صادفت تلك الفترة وجود وفود أجنبية حضرت لتفقد الأوضاع في السجون أو للرقابة بناء على ملاحظاتنا الاعتيادية هناك وهذا ما حجبه عنهم..
فما كان منه إلا أن حرمها كليا من زيارة والدها حتى خرج من السجن بعد عام ونصف.
o س: الشيخ الجمري كان رمزا للوحدة الوطنية .. وما كان ولن يكون من يتمكن من حمل هذا اللقب، ماذا يمكن أن نسمع منكم في هذا الخصوص؟
عفاف : لديه انفتاح وحب للإنسان مطلق الإنسان فعلا ليس لديه تحيز وهو هكذا فعلا ليس لديه طائفية، كانت له علاقات بالجميع من الشيعة والناس وكثيرا ما استضاف إخوانا سنة من أماكن أخرى ومن الإخوان الخليجيين وتربطه ببعضهم علاقات أخوية صادقة تبعد عن المجاملة والمداراة، و حين تم فك الحصار وبداية الانفتاح وتودد الأمير للشعب على عكس الوضع السابق حين كان يمر بالأردن كان يتعرض للاهانة و يسجن ويستجوب في مطار الأردن تمكن من السفر للأردن للعلاج التقى هناك إبراهيم غوشة من منظمة العمل الإسلامي -ربما- القادة الفلسطينيين الإسلاميين المقاومين الذين طردوا من الأردن وتم الاشتراط عليهم ترك القضية الفلسطينية للعودة للأردن ومن بينهم إبراهيم غوشة وغيره هؤلاء حين التقاهم الشيخ الجمري أصبح الفندق مليئا بالأفواج وكانت تسود جلساتهم علاقات حميمية يحدثهم كأخ حميم قبل ظهور موجة بن لادن والزرقاوي اللذان ساهما في تخريب الأجواء بين الشيعة والسنة .
o الدواوين الأدبية والشعرية للشيخ وأهم مؤلفاته
كل ذلك يشير لتميز الشيخ في الشعر الخطابة.. في السياسية .. في الجانب التربوي.. الاجتماعي.. كيف تمكن الشيخ من ذلك؟ وأتقن كل هذا؟
هذا الحس المرهف.. رجل الدين.. الرجل الصلب والثابت.. الأب .. الزوج.. كيف اجتمعت كل هذه الأمور في شيخنا بتميز وإتقان؟
عفاف: الأدب عنده سلس جدا وكأنه يشرب كأس ماء خلال خمس دقائق يمكن أن يسطر لك قصيدة، من بين الذكريات القديمة حوالي عام 1979 /1980 فترة استشهاد بنت الهدى كان منصور في سنته الأولى في لندن وكان نشيطا جدا حينها مع الشباب الإسلامي هناك، حين نزل للبحرين كان بيت الشيخ قد أسس عملا إسلاميا نسويا كان هناك تلاقح في الأفكار بين الجهتين الاسلاميتين في لندن والبحرين كانت تصدر حينها مجلة طريق الحق فطلب منصور منهم كتابة شعر بمناسبة استشهاد بنت الهدى فاستصعبت الأخوات الأمر فاقترح أن يكتب الشيخ الشعر ويكون باسم العمل الإسلامي النسوي، وحين استيقظ الشيخ من نومه كان يرغب الخروج في موعد خاص وجلس لشرب الشاي الذي كان مهما له حينها فطلب منه أن يكتب شعرا في بنت الهدى أمسك منصور بالقلم فترة تناوله كوب الشاي أنهى قصيدة رائعة بالشعر الحر لمدة لا تتجاوز العشر دقائق واستأذنوا أن يوقع باسم بنات بنت الهدى نشرته المجلة وإذاعة طهران أخذته وأذاعته لمرات عديدة بلحن شجي مؤثر...
تضيف مهدية : كل طفل يولد في العائلة يؤلف فيه قصيدة حتى شقيقة زوجته أرادت شعرا لابنتها فكتب لها قصيدة وسلمها لها...
وتواصل عفاف : قصائد كثيرة ألفها في السجن وتمت مصادرة أكثرها إذ كان في السجن الانفرادي يسلي نفسه بالشعر والإنشاد بلحنه ، و حين خرج من السجن وبقي في الإقامة الجبرية لم يكن مسموحا لزوج عفاف بمقابلته وحتى أفراد أسرته ( الأولاد والبنات ) مسموح لهم للساعة العاشرة فقط ولا يسمح لهم بالتأخر حتى لخمس دقائق إضافية و إلا يتم احتجازهم.
وتضيف أم جميل: في إحدى المرات وكانت عفاف حينها حاملا في الشهور الأخيرة عند الساعة العاشرة وخمس دقائق كانت بجوار المنزل تم إيقافها في الطريق ولم يسمح لها بالعودة من حيث أتت ولا التوجه لمنزلها وهو لا يرضى بذلك فيقهره ويرفع الضغط لديه ما يحدث مما أدخلهم في قضية شائكة مع قوات الشغب وطال الأمر حتى تم التواصل مع الضباط للسماح لها بالعودة لمنزلها..
أزواج البنات لم يكن مسموحا لهم بمقابلته فقط مهدية شقيقة أم جميل وأصر الشيخ كثيرا على مقابلة عبد الجليل زوج عفاف فاستعملوا معه حرب نفسية أثرت به كثيرا لدرجة أنه في إحدى المرات تعرض لفقدان الوعي لشدة تلاعبهم بالإذن له أو رفضه، ( و ذلك في المستشفى قبيل إجراء عملية القلب أثناء الحصار) فاقترح عبد الجليل استغلال فترة حصاره وجلوسه في كتابة سيرته الذاتية، وفعلا بدأ بالكتابة وكتب الكثير منها وهذا الشريط هو ما كان ينشده في السجن والذي تم مصادرة أغلبه وبناء على طلب من أبنائه بإعادة تسجيله لما يتمكن من تذكره وبنفس الطريقة والكيفية، وحين كان ينشد أهازيجه في السجن كانت السياسة المتبعة معه منعا لتعاطف الحراس معه فانه يتم وضع حراس باكستانيين ( لا يعرفونه و لا يتكلمون العربية ) و في إحدى المرات تعاطف احد الحراس معه وهو يستمع له يلقي أناشيده وبصوته الشجي الحزين الممزوج بدموعه وآلامه إلى أن قام بإحضار منشور الأحرار له وتم معاقبته حينها ...
من خلال لقاء الأسرة الصامدة وشعر صادق للأب الحاني نرغب توصيل رسالة للجميع بأنه من حديث الشيخ لزوجته وخليلته وهي امرأة كأي امرأة رغبت أن تكون مثالية بزواجها وأمومتها وحبها لدينها ووطنها من أسرة بحرينية بسيطة طيبة ككل الأسر الشامخة في الأرض الحبيبة
نقول فيها أنه بإمكانك أن تكوني كزوجة الشيخ
و رسالة أخرى للرجل كي يحب امرأته ويحترمها ويعاملها كما عامل الجمري المرأة
فكما تمكن الشيخ المربي رغم أنه رجل دين ومع ازدحام انشغالاته والضغط الهائل الذي يقع عليه أن يلم الأسرة ويعطيها هذا الحجم الهائل من حبه واهتمامه وحنانه
يعاني مجتمعنا من مشكلات الانحراف والخيانة والتوتر الأسري بسبب ما تعانيه المرأة من النقص والقصور في منزلها
كما يعتقد الكثير أن التوافق بين الزوجين وكلمات الحب تحدث فقط في بداية الزواج بينما أمامنا مثال بيت الشيخ الذي استمر في ذلك لآخر لحظة
أعطى أفضل معاملة وأرقى كلمات الحب، ولذلك عمل الجهلة على زعزعة الكيان الأسري لبيت الشيخ واستغلال حسه المرهف ورغبته الصادقة في خدمة الناس فقاموا بإرسال من تميله وتغويه، حتى في السجن كانوا يرسلون السجناء أنفسهم ويحاولون عرض صور الفتيات
عليه ووعدهم له بتوفيرهن له بالطريقة والكيفية التي يرغبها، وكل ذلك دون جدوى أو فائدة فالحياة الزوجية كانت فعلا مصدر قوة للشيخ
س : ما الذي يؤكد عليه الشيخ ويصر على الاستمرار فيه؟
أم جميل: حبه الشديد للناس ورفضه لمشاعر الضيق أو الضجر من أحد وإن كان متأخرا أو لحوحا أو ماشابه... أو إظهارهم لمشاعر التعب، فقد كانت كل الأسرة تعمل معه ومحشدة كفريق عمل معه للقضايا التي ترده وتصل إليه، وحديثنا هنا عن الأيام العادية وليس عن أيام الاعتصام والإضراب عن الطعام التي شعرنا فيها بحتمية واجبنا الذي كنا على قناعة ورضا وفخر بأدائه،ويؤثر ذلك على حياتنا ومشاغلنا وارتباطنا تستدرك أم جميل:حتى دراسة عفاف الجامعية تأخرت حينها بسبب ذلك فأبواب المنزل مشرعة ولا توجد مواعيد محددة وحجوزات ولا تقال كلمة لا لأحد مهما كانت طلباتهم حتى وإن اضطر للدفع من ماله الخاص فلم يكن يرد أحد وكان يرفض الشيخ إظهار التأفف أو الاستياء، وكان يوصي كثيرا بقيمة الإخلاص وصدق النوايا وأنه الله تعالى مطلع على ما الضمائر والقلوب والتذكير بالله وعدم التركيز على الأشياء الظاهرية بل ما تحويه الأنفس..
كلمات خاصة بأهالي سترة:
عائلة الشيخ: رائعون أهل سترة شعب ما شاء الله لا تشعر أن لديهم تحزبات وتكتلات بل مخلصون وتعجبنا كثيرا أهازيجهم المشهورة والتي منها مانذكره هنا:
إحنا أهالي سترة كلنا نوالي العترة
واللي في قلبه حرة يفجر عليه سلندر
النساء مع الرجال ومن الذكريات فترة المبادرة وكان في زيارة مع رجال المبادرة أو مع أستاذ عبد الوهاب وقد رافقته العائلة للمنطقة حينها تجمعت حشود هائلة لاستقبال الشيخ الذي توجه لاحقا لأسرة الشهيد
الشيخ كان يكن مشاعر خاصة لسترة البطلة، إحدى البنات الستراويات تقول أن والدها أعد مأدبة خاصة على شرف الشيخ بعد خروجه من السجن وبعد وفاة والدها ارتفعت معنويات الأسرة بزيارة الشيخ لمواساتهم وهي تتساءل نحن من نكون؟ مجرد أسرة فرحت بخروج الشيخ وأقامت مأدبة متواضعة على شرفه!!
تقول عفاف أن هذا هو ديدنه وما عهدناه منه بل أن هناك مسنات ومسنون كان الشيخ يقصدهم للزيارة ويشاطرهم الحديث
تراع شخص معتدل مرن لا يضع حدود أو حواجز في علاقته مع الناس ولا يدعي أنها امرأة فيمتنع عن التواصل مع الآخرين
ولم ينظر للمرأة نظرة غير عفيفة هو لم يتزوج بأخرى ولم يرتبط بالمتعة
يجلس مع النساء يجيب على استفساراتهن ومسائلهن وإشكالاتهن في مكان واحد وجها لوجه لا توجد عنده تعقيدات في هذه الناحية
إحدى النساء الغير محجبات تقول لابن الشيخ ( صادق) تقول بأني لست متدينة ولكني أحب شخصية أبيك، ففي السبعينيات رآني ولم أكن حينها محجبة مقارنة بالرجال الآخرين الذين يرمون بكلمات جارحة عليها أو يبتعدون عن طريقها أما هو فقد حدثني بلهجة الأب الحنون ولم يحدثني بشكل مباشر بل أهداني كتابه المرأة في ظل الإسلام الذي يحوي كل تعاليم المرأة وهو ما جعلني أغير نظرتي للدين
وفي القضايا في المحكمة يعتبر نصير المرأة ينصر المرأة بأي طريقة...وكان يشجع ويساند النشاط الحركي للمرأة ويبارك عملها ونشاطها في المجتمع إلى جانب الرجل لنصرة قضاياهم ورسالتهم
Sunday, February 17, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
1 comment:
آها الان فهمت
-------------
برنامج مساواة قناة الحرة - التعدد
-------------
والله وطلعت شعشوعية
اقصد شيعية
Post a Comment