بقلم عادل مرزوق:
يعود تاريخ الرساله الى الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني 1996 اذ كان رهين المعتقل .
يقول الشيخ الجمري في رسالته إلى عائلته:
بسمه تعالى، قرة العين أم جميل، أعزائي وعزيزاتي، فسلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد: فأحمد الله سبحانه على عظيم نعمه علي، ومنها نعمة السجن، لتكفير ذنوبي، وإعلاء درجتي إذا شاء سبحانه، ومواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء، وحصولي على تربية نفسية عالية، وإتاحة فرصته كبيرة لعبادته سبحانه وتلاوة كتابه، فله المنة وله الحمد.
قرة العين، أحبائي، حبيباتي: ما أعظم شوقي إليكم، وما أشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب. وليكن ذلك، وليكن السجن، فما عسى أن يكون مهما عظم بلاؤه - في سبيل الله تعالى، وبسبب قضية عادلة، ومن أجل شعب عظيم وفي سبيل يستحق أن يفدى بأغلى الأشياء.
أحبائي بلغني ما حصل للحبيبة منى - زوجة ابن الشيخ الجمري المهندس محمد جميل عبدالأمير الجمري الذي كان معتقلاً أيضاً لقضاة فترة سجنه لمدة عشر سنوات - من اعتقال شهرين، وذلك بعد الإفراج عنها، وقد كدر هذا وجدي وضاعف ألمي، ولكن ذلك بعين الله تعالى.
بلغني مرض العزيز صادق ورقاده بالمستشفى عشرة أيام، وذلك بعد أن رخص، فلله الحمد والمنة على شفائه، وكفى وكفيتم كل بلاء.
بعد مرور 9 أشهر و12 يوماً في السجن الانفرادي جيء إليّ - بفضل الله ومنه - بالشيخ علي أحمد، فكان كالماء البارد على قلب الظمآن، في الحر الشديد، فلله الحمد والمنة.
أحبائي: لا تقلقوا، فالفرج قريب تلوح أمامي تباشيره ومؤشراته. أجل: سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة... وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا.
تحياتي لكل الأهل والأبناء وأبناء العم والجيران وتحياتي وأشواقي للغائبين جمع الله الشمل معهم، وإلى اللقاء
، يا كل الأحبة، القريب القريب بإذن الله تعالى ودمتم محروسين«.
يقول الكاتب في تعليقه على الرسالة:
في استعراض سريع لفحوى الرسالة لابد من مراعاة ظهور الدلالات المباشرة لمفردات الشق العاطفي لدى الشيخ الجمري ( قرة العين - أحبائي - حبيباتي - للحبيبة »منى« - ما أعظم شوقي إليكم، وما أشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب - وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا)، الغريب في الأمر هو أن الرسالة - المهربة - كان من المفترض أن تحتوي على أية قيمة معلوماتية أو سياسية في خضم الظرف الذي كتبت فيه في السجن بعد ما لا يقل عن 9 أشهر و12 يوماً كما تورد الرسالة، لكننا نجد أن الشيخ في رسالته بدا مهتماً ومتأثراً ومبالغاً في تركيزه على الاهتمام بأجواء عائلته. على أن حدود العائلة في خطاب الشيخ هي حدود كبيرة، فهو وإن كان يركز على »زوجة ابنه منى، وابنه المريض صادق، والسجين المهندس محمد جميل« إلا أنه لا عن يغفل ذكر أبناءه الآخرين، يقول الشيخ: »مواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء« كما أنه لا عن عودته مفرداً بل يربط عودته بعودة أبنائه المساجين معه »أجل: سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة«، وفي مجمل هذا التعابير يظهر الشيخ شمولياً في قراءته للعائلة، فالعائلة ليست العائلة المكونة من زوجته وأبنائه وبناته، بل وتشمل زوجاتهم وجميع المعتقلين والمبعدين. وعلى رغم ذلك فإن صوغ الرسالة يوحي بخصوصية عائلية دقيقة، فهو لا يخاطب زوجته إلا واصفاً إياها بـ »قرة العين«، ولا يتحدث عن أبنائه وبناته وزوجات أبنائه إلا بصفات »الأعزة« أو »الأحبة«، يقول الشيخ: »وما أعظم شوقي إليكم«، ومن ظاهر القول فإن الشيخ الجمري كان لا يبدأ جل خطاباته للناس بعد الإفراج عنه إلا بذات الكلمات (اشتقت إليكم اشتياق يعقوب إلى يوسف)، وهو ما يصل إلى أنه كان يؤسس إلى اعتبار إحساسه بالأبوة تجاه أبناء البحرين إحساساً شمولياً كانت دلالته الكبرى ساعة نطقت المحكمة التي شُكلت بسجنه إذ اعتبر ذلك قليل أمام ما يعانيه المستضعفون والمعذبون من أبناء الشعب.
تظهر هذه الرسالة أبعاداً أخرى، وخصوصاً فيما يتعلق بإدراك الشيخ لـ »السجن« بوصفه »نعمة« وبوصفه المكان الملائم للتكفير عن الذنوب، وفي هذا السياق قراءة مختلفة في السياق الأيديولوجي الديني. محتويات الرسالة مضافاً إليها حديثه الطويل عن زوجته »أم جميل« وتضحياتها ووقوفها إلى جانبه في أيام الوجع تستحق منا الوقوف طويلاً، وسيكون لنا أن نقوم بذلك في الأيام المقبلة.
__________________
Thursday, January 10, 2008
منقول
بعض جمل من رسائل الوالد
- منصور الجمري
[ اتصل بي الكثير من الأشخاص يسألون عن إمكانية نشر رسائل وكتابات الوالد الشخصية، والواقع أن مثل هذا الأمر ليس ممكناً، لأننا في العائلة كنا قد ناقشنا هذا الموضوع واستقر الأمر على تقليل النشر، وذلك لأن الوالد لم يكن يسعى إلى شيء سوى صلاح حال الأمة.
.. ولكنني وجدت نفسي وسط بعض الرسائل التي كان يرسلها لي عندما كنت في بريطانيا عبر الفاكس، وغرقت في قراءة بعضها، ووددت أن أنشر بعض الأسطر فقط.
رسالة مؤرخة في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2000 وهذا جزء منها: »بني العزيز، في هذا اليوم وفي الساعة السادسة صباحاً انتقلت إلى رحمة الله تعالى عمتك زهراء (أم عباس)... وقد شاء الله أن أتمكن من الصلاة على الجنازة ومواكبة التشييع حتى النهاية... (لقد) منعوني من حضور الفاتحة على رغم اتصال إخوتك... لقد شددوا على أبيك منذ أكثر من شهر، أكثر من ذي قبل... إننا صامدون، وإن شعبنا لهو المنتصر في النتيجة والعاقبة... وإن كنتُ - يا عزيزي - تنتابني أحياناً حالة صعبة من الألم النفسي وضيق الصدر من جراء فصلي عن الأمة وفصل الأمة عني، ولكن أي شيء في سبيل الله مقبول... المهم ألا تزلَّ القدم«.
رسالة بعد شهر مؤرخة في 21 يناير/ كانون الثاني 2001: »اليوم اتصل (...) بابني صادق وقال له إن سعادة وزير الداخلية يريد لقاء الوالد اليوم في المكتب بوزارة الداخلية في الساعة الواحدة. وذهبت مع صادق إلى وزارة الداخلية (...) وقال الوزير: هذه جلسة تأسيسية وسوف تتلوها جلسات نتحاور معك. الجمري: أنا مستعد ولكن لماذا لا تكون الجلسات خارج الوزارة، في بستان أو منزل، فإن مجيئي إلى هنا ليس في صالحي ولا صالحكم، فإن الناس إذا عرفوا مجيئي إليكم سيقولون إنكم اعتقلتموني. الوزير: اذا لاحظت الناس فإنك لا تعمل شيئاً. الجمري: كيف لا ألاحظ الناس والرسول (ص) يضع الحساب للرأي العام«.
وفي 24 يناير 2001 كتب يقول: »زرت أمس الأستاذ إبراهيم العريض في منزله بصحبة الولد صادق ودلالة سائق الوزير جواد العريض الذي عقد الموعد مع الأستاذ، وقد طلب الوزير أن يأتي ليأخذني بسيارته لهذه الزيارة فلم أوافق، وقد كانت زيارة الأستاذ مفيدة وممتعة أدبياً. وبعد الفراغ من الزيارة التي حضرها الوزير والأستاذ جليل العريض ابن الأستاذ إبراهيم العريض والدكتور أحمد العريض أخ الوزير، بعد الفراغ أصر الوزير إلا أن يأخذني بسيارته إلى المنزل وبعد الإلحاح وافقت وكان هو السائق، (...) قلت له إن الذين غادروا (من حول المنزل المحاصر) هم العسكريون فقط... فقال سيذهبون في مدة أقصاها يومان«.
وفي ختام الرسالة الطويلة يذكر الوالد: »وإني قد شبعت من الاضطهاد (...) وقد شبعت من المسرحيات ضدي من أجل إسقاطي، فمسرحية خروجي (من السجن) لم أنسها، وقد حفظ الله وكفى ما أراده الفاعلون، تلك المسرحية التي أجبرت عليها (...) وأسأل الله العون والتسديد والتوفيق، وكشف الهمِّ والغم، وأن يجعلني بمستوى واجباتي الدينية والوطنية، وأن يجعلني بمستوى ثقة الأمة بي«.
اخترت بعض العبارات من ثلاث رسائل و التي أعتقد أنها تكفي لاستيحاء شيء مما كان يفكر فيه الوالد، وهي تكفي الغرض، والأمل في أن نستفيد من تجاربنا كلها من أجل خير البحرين ومستقبلها.
http://www.alwasatnews.com/topic.as...date=12-25-2006
- منصور الجمري
[ اتصل بي الكثير من الأشخاص يسألون عن إمكانية نشر رسائل وكتابات الوالد الشخصية، والواقع أن مثل هذا الأمر ليس ممكناً، لأننا في العائلة كنا قد ناقشنا هذا الموضوع واستقر الأمر على تقليل النشر، وذلك لأن الوالد لم يكن يسعى إلى شيء سوى صلاح حال الأمة.
.. ولكنني وجدت نفسي وسط بعض الرسائل التي كان يرسلها لي عندما كنت في بريطانيا عبر الفاكس، وغرقت في قراءة بعضها، ووددت أن أنشر بعض الأسطر فقط.
رسالة مؤرخة في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2000 وهذا جزء منها: »بني العزيز، في هذا اليوم وفي الساعة السادسة صباحاً انتقلت إلى رحمة الله تعالى عمتك زهراء (أم عباس)... وقد شاء الله أن أتمكن من الصلاة على الجنازة ومواكبة التشييع حتى النهاية... (لقد) منعوني من حضور الفاتحة على رغم اتصال إخوتك... لقد شددوا على أبيك منذ أكثر من شهر، أكثر من ذي قبل... إننا صامدون، وإن شعبنا لهو المنتصر في النتيجة والعاقبة... وإن كنتُ - يا عزيزي - تنتابني أحياناً حالة صعبة من الألم النفسي وضيق الصدر من جراء فصلي عن الأمة وفصل الأمة عني، ولكن أي شيء في سبيل الله مقبول... المهم ألا تزلَّ القدم«.
رسالة بعد شهر مؤرخة في 21 يناير/ كانون الثاني 2001: »اليوم اتصل (...) بابني صادق وقال له إن سعادة وزير الداخلية يريد لقاء الوالد اليوم في المكتب بوزارة الداخلية في الساعة الواحدة. وذهبت مع صادق إلى وزارة الداخلية (...) وقال الوزير: هذه جلسة تأسيسية وسوف تتلوها جلسات نتحاور معك. الجمري: أنا مستعد ولكن لماذا لا تكون الجلسات خارج الوزارة، في بستان أو منزل، فإن مجيئي إلى هنا ليس في صالحي ولا صالحكم، فإن الناس إذا عرفوا مجيئي إليكم سيقولون إنكم اعتقلتموني. الوزير: اذا لاحظت الناس فإنك لا تعمل شيئاً. الجمري: كيف لا ألاحظ الناس والرسول (ص) يضع الحساب للرأي العام«.
وفي 24 يناير 2001 كتب يقول: »زرت أمس الأستاذ إبراهيم العريض في منزله بصحبة الولد صادق ودلالة سائق الوزير جواد العريض الذي عقد الموعد مع الأستاذ، وقد طلب الوزير أن يأتي ليأخذني بسيارته لهذه الزيارة فلم أوافق، وقد كانت زيارة الأستاذ مفيدة وممتعة أدبياً. وبعد الفراغ من الزيارة التي حضرها الوزير والأستاذ جليل العريض ابن الأستاذ إبراهيم العريض والدكتور أحمد العريض أخ الوزير، بعد الفراغ أصر الوزير إلا أن يأخذني بسيارته إلى المنزل وبعد الإلحاح وافقت وكان هو السائق، (...) قلت له إن الذين غادروا (من حول المنزل المحاصر) هم العسكريون فقط... فقال سيذهبون في مدة أقصاها يومان«.
وفي ختام الرسالة الطويلة يذكر الوالد: »وإني قد شبعت من الاضطهاد (...) وقد شبعت من المسرحيات ضدي من أجل إسقاطي، فمسرحية خروجي (من السجن) لم أنسها، وقد حفظ الله وكفى ما أراده الفاعلون، تلك المسرحية التي أجبرت عليها (...) وأسأل الله العون والتسديد والتوفيق، وكشف الهمِّ والغم، وأن يجعلني بمستوى واجباتي الدينية والوطنية، وأن يجعلني بمستوى ثقة الأمة بي«.
اخترت بعض العبارات من ثلاث رسائل و التي أعتقد أنها تكفي لاستيحاء شيء مما كان يفكر فيه الوالد، وهي تكفي الغرض، والأمل في أن نستفيد من تجاربنا كلها من أجل خير البحرين ومستقبلها.
http://www.alwasatnews.com/topic.as...date=12-25-2006
منقول
قبل ساعات قليلة من اعتقاله، أدار الفاكس رقم 009478855215، وبعث بالرسالة التالية إلى ابنه في لندن:
"أنا والعائلة نعيش الحصار داخل البيت وقد طوقنا بعشرات الجنود وعدد من السيارات، بل حوصر جيراننا في بيوتهم وهم الذين بجانبنا وخلفنا حتى المغتسل، وشرقا حتى بيت طه جاسم، ويمتد غرباً إلى بيت ميرزا آدم، ولم يسمح لأحد منا بالخروج إلا الأطفال إلى المدرسة ويفتشون في خروجهم ودخولهم تفتيشا دقيقا. نحن في حال سئ جدا ً. لا أدري ما سيجري بالنسبة إلينا وللشعب من تطور وتصعيد للعنف... هذا وإذاعتهم وتلفزيونهم وصحفهم تتكلم ضدنا وتربط الأحداث (احداث العنف) التي استدرجوا الناس إليها بنا وبالمساجد وتزعم أننا استغلينا المساجد. الآن يحاولون إسكات الأمة من خلال اعتقال عدد من العلماء وجميع الشيالين (خطباء المواكب الحسينية) وأعداد كبيرة من الشباب... ولم يبق إلا الأمل فـي الله والرجاء منه. ولعلمكم، من جانبنا لا تراجع عن مطالب الشعب ونحن – إن شاء الله - على الدرب سائرون... مع السلامة"*.
"أنا والعائلة نعيش الحصار داخل البيت وقد طوقنا بعشرات الجنود وعدد من السيارات، بل حوصر جيراننا في بيوتهم وهم الذين بجانبنا وخلفنا حتى المغتسل، وشرقا حتى بيت طه جاسم، ويمتد غرباً إلى بيت ميرزا آدم، ولم يسمح لأحد منا بالخروج إلا الأطفال إلى المدرسة ويفتشون في خروجهم ودخولهم تفتيشا دقيقا. نحن في حال سئ جدا ً. لا أدري ما سيجري بالنسبة إلينا وللشعب من تطور وتصعيد للعنف... هذا وإذاعتهم وتلفزيونهم وصحفهم تتكلم ضدنا وتربط الأحداث (احداث العنف) التي استدرجوا الناس إليها بنا وبالمساجد وتزعم أننا استغلينا المساجد. الآن يحاولون إسكات الأمة من خلال اعتقال عدد من العلماء وجميع الشيالين (خطباء المواكب الحسينية) وأعداد كبيرة من الشباب... ولم يبق إلا الأمل فـي الله والرجاء منه. ولعلمكم، من جانبنا لا تراجع عن مطالب الشعب ونحن – إن شاء الله - على الدرب سائرون... مع السلامة"*.
منقول
عشرون عاما على وفاة أمير الخطباء في البحرين: الملا عطية بن علي الجمري
عشرون عاما منذ وفاة الملا عطية بين علي الجمري، أمير خطباء البحرين بلا منازع وهو الذي يتردداسمه على كل منبر حسيني في ألف حسينية تغطي أرجاء البحرين، بل يصل الأمر إلى إن أهل البحرين لا يتقبلون الخطيب الحسيني الذي لا يرجع إلى أشعار الملا عطية (أبو يوسف).
ولد الملا عطية في العام 1899م، في قرية بني جمرة الواقعة شمال غرب البحرين، التي ينتمي أهاليها إلى البحارنة الذين قطنوا البحرين قبل الإسلام بقرون عديدة، وينحدر أصلهم إلى اليمن. ولا تزال قبيلة "جمرة" معروفة في اليمن حتى يوما هذا، وقد هاجر بعض أفرادها ضمن الهجرات اليمنية إلى شمال الجزيرة العربية ثم ارتحل بعضهم إلى البحرين وأقاموا في المنطقة المسماة الآن بني جمرة.
كما ارتحل آخرون إلى العراق ولبنان وتوجد جذورهم في لبنان في قرية "أهدن" النصرانية، وأحدهم مؤلف كبير عاش قبل مائتي إلى ثلاثمائة سنة واسمه سركيس الجمري، وله مؤلفات باليونانية كتب عليها اسمه باليونانية "جماريوس". ويعرف عن أهالي بني جمرة في البحرين، امتهانهم (ماضيا) الزراعة والنسيج وصيد السمك واللؤلؤ بالإضافة لانتشار علماء الدين واللغة والقرآن بينهم.
كان جد الملا عطية (عبد الرسول) تاجرا كبيرا في الأقمشة والنسيج وله مكان معروف في المنامة وقد كان يتاجر مع الهند من خلال التجار الهنود المتواجدين آنذاك في البحرين. وبعد وفاة عبد الرسول استلم خمسة من أبنائه تجارته، احدهم كان علي والد الملا عطية والآخر محمد (جد الشيخ عبد الأمير الجمري).
غير أن الأخوة الخمسة لم تنجح تجارتهم في مطلع القرن العشرين وتراكمت عليهم ديون تجارية إلى أحد التجار الهنود، بالإضافة إلى ديون صغيرة أخرى. أحد هذه الديون الصغيرة كان لاحد الأشخاص وقد كان يقدر بمائتي روبية هندية. التاجر الهندي ولمعرفته بعبد الرسول وأبنائه وعلاقته الجيدة معهم سوى الأمور معهم، إلا أن الشخص الاخر اشتكى على أبناء عبد الرسول لدى الشيخ الخليفي الذي كان يحكم المنطقة، وكان ذلك في العام 1909م. كان الشيخ الخليفي يستعين بمجموعات بدوية قاسية تسمى الفداوية وهؤلاء لا يلتزمون بقانون وإنما ينفذون ما يحلو لهم مستغلين أي خلافات شخصية بين أهالي البحرين. وبينما كان أبناء عبد الرسول نائمين هجمت عليهم مجموعة من الفداوية في منتصف الليل ودمرت محتويات منازلهم وصادرت ما وقعت عليه أيديهم واعتقلت محمد بن عبد الرسول، وبدأت بمطاردة علي بن عبد الرسول، إلا أن علي نجا من أيديهم فأخذ زوجته وابنه الصغير (الملا عطية) وهاجر معهم إلى البصرة بالعراق.
أما محمد بن عبد الرسول فقد كان كبيرا وخاف عليه أهله من الموت إذا سحبه الفداوية بالخيل (طريقة الاعتقال المتبعة لديهم انذاك). ولهذا ترجوهم لأخذ ابنه منصور مكانه (منصور هو والد الشيخ عبد الأمير الجمري). وهكذا اقتيد منصور إلى السجن مربوطا بالخيل وبقي هناك شهرين مقيدا طوال الوقت حتى أخذالفداوية ما يريدون. وكان منصور يدرس القرآن ويهتم كثيرا بالطهارة والنجاسة،ولكن مكان سجنه كان هو مكان الخلاء أيضا ولا يسمح له بفك قيده (كما كان الحال لكل معتقل انذاك). ولهذا قام والده محمد بنسج قطع من القماش الثمينة (بشت ومجموعها بشوت) وأعطاها إلى مسؤول السجن للسماح لمنصور بالصلاة في مكان طاهر.
هاجر علي بن عبد الرسول العام 1909، مع ابنه الملا عطية وأنجب مزيدا من الأبناء، وكبر الملا عطية وتزوج طيبة بنت زاير محمد. وطيبة أصلها من البحرين، وكان جدها صاحب مصنع للنسيج في بني جمرة. وفي يوم من الأيام هرب طير من طيور القنص التابع للشيخ الخليفي الذي كان يحكم قرية "القرية"، وبدأ الفداوية يبحثون عن الطير. فقيل لهم أن الطير قد حل على المكان الذي يوجد فيه مصنع النسيج المذكور. فما كان من الفداوية إلا انهالوا عليه بالضرب المبرح وهددوه ن لم يجدوا الطير فسوف يأخذوه ويقتلوه. ولعلمه بظلم الفدواية وعدم رحمتهم ترك بلده وهاجر إلى البصرة هربا من ظلمهم في حال عدم اصطيادهم الطير الذي هرب من شيخهم الخليفي.
تزوج الملا عطية وأنجب ابنه الملا يوسف في المهجر، ثم عاد للبحرين في العام 1919م، بعد أن طرأ تحسن طفيف على الأوضاع في البلاد. وفي البحرين واصل تعليمه الديني على يدي الشيخ الشهيد عبد الله العرب لمدة ثلاث سنوات، حتى استشهد الشيخ عبد الله في العام 1922م. وكان الشيخ عبد الله العرب قد قتل لأنه شجع أهالي باربار على الإدلاء بشهادتهم عندما تعرضت قريتهم لهجوم من قبيلة الدواسر، التي شنت عدة هجمات ضد قرى البحرين لا سيما عالي وباربار. وكانت تلك الهجمات قد شنت لمنع اجراء إصلاحات في البلاد تحد من صلاحيات الفداوية شيوخ آل خليفة وحلفاؤهم أمثال قبيلة الدواسر. بعد استشهاد الشيخ عبد الله العرب، درس الملا عطية على يد الشيخ محسن بن الشيخ عبد الله العرب حتى وفاة الأخير في العام 1937.
وفي حوالي العام 1940 تزوج الملا يوسف بن الملا عطية من سلمى بنت الشيخ عبد الله العرب، كما تزوج قبل ذلك الملا ابراهيم (الاخ الاصغر للملا عطية) من كاملة بنت الشيخ عبد الله العرب، تأكيدا على عمق العلاقة بين العائلتين. بدأ الملا عطية يصعد المنبر الحسيني في العام 1911 (أي منذ كان صغيرا) ، عندما كان بالمحمرة خورمشهر في إيران). وعندما عاد إلى البحرين بدأ يقرأ في مأتم بن زبر منذ العام 1927. كان عندما بدأ الخطابة يتابع المدرسة التي أسسها الملا علي بن فايز في البحرين. وبن فايز أصله عراقي هاجر إلى البحرين في نهاية القرن التاسع عشر وبدأ أول أمره في كتابة الشعر الحسيني ولم يكن لديه مواد للكتابة ولذا كان يكتب الشعر على الرمل الموجود على الأرض. ثم تطورت مدرسته الشعرية وأصبحت هي الأساس للخطابة الحسينية في البحرين.
وعندما جاء الملا عطية إلى البحرين أسس مدرسة أخرى في الخطابة الحسينية، أصبحت هي المسيطرة منذ طباعة الجزء الأول من "الجمرات الودية"، في العام 1953. إلا ان الملا عطية واخلاصا منه للملا علي بن فايز فقد خصص قسم من شعره في الجمرات الودية على طريقة بن فايز.
توفي الملا عطية في العام 1981، في الهند إثر مرض ألم به، رحمه الله وتغمده فسيح جناته وحشره مع الإمام الحسين (ع).
عشرون عاما منذ وفاة الملا عطية بين علي الجمري، أمير خطباء البحرين بلا منازع وهو الذي يتردداسمه على كل منبر حسيني في ألف حسينية تغطي أرجاء البحرين، بل يصل الأمر إلى إن أهل البحرين لا يتقبلون الخطيب الحسيني الذي لا يرجع إلى أشعار الملا عطية (أبو يوسف).
ولد الملا عطية في العام 1899م، في قرية بني جمرة الواقعة شمال غرب البحرين، التي ينتمي أهاليها إلى البحارنة الذين قطنوا البحرين قبل الإسلام بقرون عديدة، وينحدر أصلهم إلى اليمن. ولا تزال قبيلة "جمرة" معروفة في اليمن حتى يوما هذا، وقد هاجر بعض أفرادها ضمن الهجرات اليمنية إلى شمال الجزيرة العربية ثم ارتحل بعضهم إلى البحرين وأقاموا في المنطقة المسماة الآن بني جمرة.
كما ارتحل آخرون إلى العراق ولبنان وتوجد جذورهم في لبنان في قرية "أهدن" النصرانية، وأحدهم مؤلف كبير عاش قبل مائتي إلى ثلاثمائة سنة واسمه سركيس الجمري، وله مؤلفات باليونانية كتب عليها اسمه باليونانية "جماريوس". ويعرف عن أهالي بني جمرة في البحرين، امتهانهم (ماضيا) الزراعة والنسيج وصيد السمك واللؤلؤ بالإضافة لانتشار علماء الدين واللغة والقرآن بينهم.
كان جد الملا عطية (عبد الرسول) تاجرا كبيرا في الأقمشة والنسيج وله مكان معروف في المنامة وقد كان يتاجر مع الهند من خلال التجار الهنود المتواجدين آنذاك في البحرين. وبعد وفاة عبد الرسول استلم خمسة من أبنائه تجارته، احدهم كان علي والد الملا عطية والآخر محمد (جد الشيخ عبد الأمير الجمري).
غير أن الأخوة الخمسة لم تنجح تجارتهم في مطلع القرن العشرين وتراكمت عليهم ديون تجارية إلى أحد التجار الهنود، بالإضافة إلى ديون صغيرة أخرى. أحد هذه الديون الصغيرة كان لاحد الأشخاص وقد كان يقدر بمائتي روبية هندية. التاجر الهندي ولمعرفته بعبد الرسول وأبنائه وعلاقته الجيدة معهم سوى الأمور معهم، إلا أن الشخص الاخر اشتكى على أبناء عبد الرسول لدى الشيخ الخليفي الذي كان يحكم المنطقة، وكان ذلك في العام 1909م. كان الشيخ الخليفي يستعين بمجموعات بدوية قاسية تسمى الفداوية وهؤلاء لا يلتزمون بقانون وإنما ينفذون ما يحلو لهم مستغلين أي خلافات شخصية بين أهالي البحرين. وبينما كان أبناء عبد الرسول نائمين هجمت عليهم مجموعة من الفداوية في منتصف الليل ودمرت محتويات منازلهم وصادرت ما وقعت عليه أيديهم واعتقلت محمد بن عبد الرسول، وبدأت بمطاردة علي بن عبد الرسول، إلا أن علي نجا من أيديهم فأخذ زوجته وابنه الصغير (الملا عطية) وهاجر معهم إلى البصرة بالعراق.
أما محمد بن عبد الرسول فقد كان كبيرا وخاف عليه أهله من الموت إذا سحبه الفداوية بالخيل (طريقة الاعتقال المتبعة لديهم انذاك). ولهذا ترجوهم لأخذ ابنه منصور مكانه (منصور هو والد الشيخ عبد الأمير الجمري). وهكذا اقتيد منصور إلى السجن مربوطا بالخيل وبقي هناك شهرين مقيدا طوال الوقت حتى أخذالفداوية ما يريدون. وكان منصور يدرس القرآن ويهتم كثيرا بالطهارة والنجاسة،ولكن مكان سجنه كان هو مكان الخلاء أيضا ولا يسمح له بفك قيده (كما كان الحال لكل معتقل انذاك). ولهذا قام والده محمد بنسج قطع من القماش الثمينة (بشت ومجموعها بشوت) وأعطاها إلى مسؤول السجن للسماح لمنصور بالصلاة في مكان طاهر.
هاجر علي بن عبد الرسول العام 1909، مع ابنه الملا عطية وأنجب مزيدا من الأبناء، وكبر الملا عطية وتزوج طيبة بنت زاير محمد. وطيبة أصلها من البحرين، وكان جدها صاحب مصنع للنسيج في بني جمرة. وفي يوم من الأيام هرب طير من طيور القنص التابع للشيخ الخليفي الذي كان يحكم قرية "القرية"، وبدأ الفداوية يبحثون عن الطير. فقيل لهم أن الطير قد حل على المكان الذي يوجد فيه مصنع النسيج المذكور. فما كان من الفداوية إلا انهالوا عليه بالضرب المبرح وهددوه ن لم يجدوا الطير فسوف يأخذوه ويقتلوه. ولعلمه بظلم الفدواية وعدم رحمتهم ترك بلده وهاجر إلى البصرة هربا من ظلمهم في حال عدم اصطيادهم الطير الذي هرب من شيخهم الخليفي.
تزوج الملا عطية وأنجب ابنه الملا يوسف في المهجر، ثم عاد للبحرين في العام 1919م، بعد أن طرأ تحسن طفيف على الأوضاع في البلاد. وفي البحرين واصل تعليمه الديني على يدي الشيخ الشهيد عبد الله العرب لمدة ثلاث سنوات، حتى استشهد الشيخ عبد الله في العام 1922م. وكان الشيخ عبد الله العرب قد قتل لأنه شجع أهالي باربار على الإدلاء بشهادتهم عندما تعرضت قريتهم لهجوم من قبيلة الدواسر، التي شنت عدة هجمات ضد قرى البحرين لا سيما عالي وباربار. وكانت تلك الهجمات قد شنت لمنع اجراء إصلاحات في البلاد تحد من صلاحيات الفداوية شيوخ آل خليفة وحلفاؤهم أمثال قبيلة الدواسر. بعد استشهاد الشيخ عبد الله العرب، درس الملا عطية على يد الشيخ محسن بن الشيخ عبد الله العرب حتى وفاة الأخير في العام 1937.
وفي حوالي العام 1940 تزوج الملا يوسف بن الملا عطية من سلمى بنت الشيخ عبد الله العرب، كما تزوج قبل ذلك الملا ابراهيم (الاخ الاصغر للملا عطية) من كاملة بنت الشيخ عبد الله العرب، تأكيدا على عمق العلاقة بين العائلتين. بدأ الملا عطية يصعد المنبر الحسيني في العام 1911 (أي منذ كان صغيرا) ، عندما كان بالمحمرة خورمشهر في إيران). وعندما عاد إلى البحرين بدأ يقرأ في مأتم بن زبر منذ العام 1927. كان عندما بدأ الخطابة يتابع المدرسة التي أسسها الملا علي بن فايز في البحرين. وبن فايز أصله عراقي هاجر إلى البحرين في نهاية القرن التاسع عشر وبدأ أول أمره في كتابة الشعر الحسيني ولم يكن لديه مواد للكتابة ولذا كان يكتب الشعر على الرمل الموجود على الأرض. ثم تطورت مدرسته الشعرية وأصبحت هي الأساس للخطابة الحسينية في البحرين.
وعندما جاء الملا عطية إلى البحرين أسس مدرسة أخرى في الخطابة الحسينية، أصبحت هي المسيطرة منذ طباعة الجزء الأول من "الجمرات الودية"، في العام 1953. إلا ان الملا عطية واخلاصا منه للملا علي بن فايز فقد خصص قسم من شعره في الجمرات الودية على طريقة بن فايز.
توفي الملا عطية في العام 1981، في الهند إثر مرض ألم به، رحمه الله وتغمده فسيح جناته وحشره مع الإمام الحسين (ع).
منقول
عبدالأمير الجمري... حقيقة "إنسان" في عباءة "قائد"
عادل مرزوق - صحيفة الوسط البحرينية
إطارات عدة تلك التي يمكننا الولوج منها في شخصية هذا الراحل الكبير، ذلك أنها استطاعت أن تخلق تنوعاً في حضورها، وعلى أكثر من مستوى، لتظهر شخصية الشيخ عبدالأمير الجمري في المحصلة شخصية نافذة على المراجعة والتمحيص والتحليل. أقول هذا لأعطي مبرراً كافياً لأية زاوية قد ينتصر أي واحد منا في قراءة للشيخ منها.
أحاول الانتصار أيضاً للناس، كيف أحبته/ عاصرته/ سمعت عنه/ فهمته/ أو عايشت شيئاً يسيراً من عذاباته. أحاول الانتصار لرجال الدين الذين يجلسون الآن في الصفوف الأولى، هم يقرأون عبدالأمير الجمري بوصفه »العلامة« صاحب المعرفة الدينية. ولهم في ذلك حق.
أيضاً، أحاول الانتصار لطبقة التكنوقراط وأصحاب »البدل الرسمية« الذين لا يبارحون مأتم سار صبح مساء، هؤلاء يقرأون عبدالأمير الجمري لا بوصفه »رجل الدين« بل بوصفه رجل »المدنية« و«الإصلاح السياسي والاقتصادي«. ولهم في هذه القراءة حق.
أيضاً، أحاول الانتصار لطبقة ضحايا التسعينات، ولكل الفقراء والمحرومين، الذين لا يعرفون عبدالأمير الجمري إلا بوصفه »المناضل« »الحر«، يبدون معروفين في ردهات المأتم. صبروا في التسعينات كما صبر الجمري، نصروه كما نصرهم. ولهم في هذا الحضور حق.
أحاول الانتصار أيضاً، لمن يأتي من القيادة السياسية والوزراء والمسئولين النواب في مجلسي الشورى والنواب، هؤلاء جميعاً يعرفون عبدالأمير الجمري بوصفه ذلك »السياسي« الذي ساهم في البدء بالحركة الإصلاحية في البحرين. ولهم في ذلك أيضاً حق.
لا تستطيع طبقة من شتى الطبقات التي ذكرتها أن تدعي حيازتها الشيخ الجمري أو أن تفرض تملكها الفعلي له إرثاً أو بوصفه التمثيل الأوحد لها. لا يمكنك في مأتم سار أن تفرض رتماً واحداً يبسط سيطرته على المكان، هذا التنوع يستطيع أن يكسره رجل بسيط قد يجيبك إن سألته لما أنت هنا بأنه »لا يدري«!
سأحاول الولوج من هذه المقدمة للولوج إلى عبدالأمير الجمري »الإنسان« نفسه، إذ انتصر في النهاية إلى أن أفهمه بالطريقة التي هو يفهم نفسه بها، حينها سأكون أكثر قدرة على الحركة من دون أن أُحَاصرَ بقيد أي فهم قد يفرضه أحد المنتمين إلى تلكم الطبقات التي تعتقد أحقيتها في أن يكون الشيخ ممثلاً منها، ولها، وعنها.
أقر أولاً، أنه من الصعب فعلاً أن تقيم رابطاً متوازناً أو موضوعياً بين عبدالأمير الجمري »الإنسان« حين تحدث في حدود عائلته المهجرة وأبنائه المعتقلين وزوجته الصابرة من جهة، وبين عبدالأمير الجمري »القائد« الذي أمسك بزمام الأمور فترة التسعينات خصوصاً من جهة أخرى.
كاريزما معقدة، فما بين تعقيدها في الملف السياسي إبان فترة التسعينات وما قبلها من جهة وإنسانيته في الترابط الإنساني مع العائلة من جهة أخرى يخرج فقيدنا الكبير نموذجاً مفتوحاً للتحليل والتأويل. وهنا مفصل آخر من مفاصل ثراء هذه الشخصية وتنوعها. لم يكن الشيخ الجمري »حوزوياً« صرفاً، ولم يكن كذلك »سياسياً« صرفاً. ولم يكن »أباً« تقليدياً. وعليه، كانت لهذا الراحل فضاءات عدة، وفي كل فضاء ألق خاص، وصورة قارة من صور الإنسانية الفذة.
ما بين البدء في أجواء عباءة العائلة الأولى بين أخويه »علي« و«محمد«، ووالدته، وأختيه »نعيمة« و«زهراء« وبين التلمذة على الخطابة الدينية مع أبناء عمومته وصولاً إلى تكوين عائلته الثانية انطلق هذا الصبي من مجالس القراءة الحسينية ليدخل تجارب عدة في البحرين والنجف والإحساء والقطيف. أتاحت له هذه الرحلات الطويلة في طلب العلم الخروج بألمعية خاصة يرجعها الشيخ في أكثر من مرة بأنها »موفقية« خاصة.
سأحاول - في هذه العجالة أن استكملها في ملف خاص - الولوج في عبدالأمير الجمري »الإنسان« عبر نموذج من نماذجه الإنسانية، وهو رسالة استطاع الشيخ الجمري تسريبها من سجنه إلى عائلته، يعود تأريخ الرسالة إلى الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1996، إذ كان رهين المعتقل.
يقول الشيخ الجمري في رسالته إلى عائلته: »بسمه تعالى، قرة العين أم جميل، أعزائي وعزيزاتي، فسلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد: فأحمد الله سبحانه على عظيم نعمه علي، ومنها نعمة السجن، لتكفير ذنوبي، وإعلاء درجتي إذا شاء سبحانه، ومواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء، وحصولي على تربية نفسية عالية، وإتاحة فرصته كبيرة لعبادته سبحانه وتلاوة كتابه، فله المنة وله الحمد.
قرة العين، أحبائي، حبيباتي: ما أعظم شوقي إليكم، وما أشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب. وليكن ذلك، وليكن السجن، فما عسى أن يكون مهما عظم بلاؤه - في سبيل الله تعالى، وبسبب قضية عادلة، ومن أجل شعب عظيم وفي سبيل يستحق أن يفدى بأغلى الأشياء.
أحبائي بلغني ما حصل للحبيبة منى - زوجة ابن الشيخ الجمري المهندس محمد جميل عبدالأمير الجمري الذي كان معتقلاً أيضاً لقضاة فترة سجنه لمدة عشر سنوات - من اعتقال شهرين، وذلك بعد الإفراج عنها، وقد كدر هذا وجدي وضاعف ألمي، ولكن ذلك بعين الله تعالى.
بلغني مرض العزيز صادق ورقاده بالمستشفى عشرة أيام، وذلك بعد أن رخص، فلله الحمد والمنة على شفائه، وكفى وكفيتم كل بلاء.
بعد مرور 9 أشهر و12 يوماً في السجن الانفرادي جيء إليّ - بفضل الله ومنه - بالشيخ علي أحمد، فكان كالماء البارد على قلب الظمآن، في الحر الشديد، فلله الحمد والمنة.
أحبائي: لا تقلقوا، فالفرج قريب تلوح أمامي تباشيره ومؤشراته. أجل: سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة... وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا.
تحياتي لكل الأهل والأبناء وأبناء العم والجيران وتحياتي وأشواقي للغائبين جمع الله الشمل معهم، وإلى اللقاء، يا كل الأحبة، القريب القريب بإذن الله تعالى ودمتم محروسين«.
في استعراض سريع لفحوى الرسالة لابد من مراعاة ظهور الدلالات المباشرة لمفردات الشق العاطفي لدى الشيخ الجمري ( قرة العين - أحبائي - حبيباتي - للحبيبة »منى« - ما أعظم شوقي إليكم، وما أشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب - وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا)، الغريب في الأمر هو أن الرسالة - المهربة - كان من المفترض أن تحتوي على أية قيمة معلوماتية أو سياسية في خضم الظرف الذي كتبت فيه في السجن بعد ما لا يقل عن 9 أشهر و12 يوماً كما تورد الرسالة، لكننا نجد أن الشيخ في رسالته بدا مهتماً ومتأثراً ومبالغاً في تركيزه على الاهتمام بأجواء عائلته. على أن حدود العائلة في خطاب الشيخ هي حدود كبيرة، فهو وإن كان يركز على »زوجة ابنه منى، وابنه المريض صادق، والسجين المهندس محمد جميل« إلا أنه لا عن يغفل ذكر أبناءه الآخرين، يقول الشيخ: »مواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء« كما أنه لا عن عودته مفرداً بل يربط عودته بعودة أبنائه المساجين معه »أجل: سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة«، وفي مجمل هذا التعابير يظهر الشيخ شمولياً في قراءته للعائلة، فالعائلة ليست العائلة المكونة من زوجته وأبنائه وبناته، بل وتشمل زوجاتهم وجميع المعتقلين والمبعدين. وعلى رغم ذلك فإن صوغ الرسالة يوحي بخصوصية عائلية دقيقة، فهو لا يخاطب زوجته إلا واصفاً إياها بـ »قرة العين«، ولا يتحدث عن أبنائه وبناته وزوجات أبنائه إلا بصفات »الأعزة« أو »الأحبة«، يقول الشيخ: »وما أعظم شوقي إليكم«، ومن ظاهر القول فإن الشيخ الجمري كان لا يبدأ جل خطاباته للناس بعد الإفراج عنه إلا بذات الكلمات (اشتقت إليكم اشتياق يعقوب إلى يوسف)، وهو ما يصل إلى أنه كان يؤسس إلى اعتبار إحساسه بالأبوة تجاه أبناء البحرين إحساساً شمولياً كانت دلالته الكبرى ساعة نطقت المحكمة التي شُكلت بسجنه إذ اعتبر ذلك قليل أمام ما يعانيه المستضعفون والمعذبون من أبناء الشعب.
تظهر هذه الرسالة أبعاداً أخرى، وخصوصاً فيما يتعلق بإدراك الشيخ لـ »السجن« بوصفه »نعمة« وبوصفه المكان الملائم للتكفير عن الذنوب، وفي هذا السياق قراءة مختلفة في السياق الأيديولوجي الديني. محتويات الرسالة مضافاً إليها حديثه الطويل عن زوجته »أم جميل« وتضحياتها ووقوفها إلى جانبه في أيام الوجع تستحق منا الوقوف طويلاً، وسيكون لنا أن نقوم بذلك في الأيام المقبلة.
عادل مرزوق - صحيفة الوسط البحرينية
إطارات عدة تلك التي يمكننا الولوج منها في شخصية هذا الراحل الكبير، ذلك أنها استطاعت أن تخلق تنوعاً في حضورها، وعلى أكثر من مستوى، لتظهر شخصية الشيخ عبدالأمير الجمري في المحصلة شخصية نافذة على المراجعة والتمحيص والتحليل. أقول هذا لأعطي مبرراً كافياً لأية زاوية قد ينتصر أي واحد منا في قراءة للشيخ منها.
أحاول الانتصار أيضاً للناس، كيف أحبته/ عاصرته/ سمعت عنه/ فهمته/ أو عايشت شيئاً يسيراً من عذاباته. أحاول الانتصار لرجال الدين الذين يجلسون الآن في الصفوف الأولى، هم يقرأون عبدالأمير الجمري بوصفه »العلامة« صاحب المعرفة الدينية. ولهم في ذلك حق.
أيضاً، أحاول الانتصار لطبقة التكنوقراط وأصحاب »البدل الرسمية« الذين لا يبارحون مأتم سار صبح مساء، هؤلاء يقرأون عبدالأمير الجمري لا بوصفه »رجل الدين« بل بوصفه رجل »المدنية« و«الإصلاح السياسي والاقتصادي«. ولهم في هذه القراءة حق.
أيضاً، أحاول الانتصار لطبقة ضحايا التسعينات، ولكل الفقراء والمحرومين، الذين لا يعرفون عبدالأمير الجمري إلا بوصفه »المناضل« »الحر«، يبدون معروفين في ردهات المأتم. صبروا في التسعينات كما صبر الجمري، نصروه كما نصرهم. ولهم في هذا الحضور حق.
أحاول الانتصار أيضاً، لمن يأتي من القيادة السياسية والوزراء والمسئولين النواب في مجلسي الشورى والنواب، هؤلاء جميعاً يعرفون عبدالأمير الجمري بوصفه ذلك »السياسي« الذي ساهم في البدء بالحركة الإصلاحية في البحرين. ولهم في ذلك أيضاً حق.
لا تستطيع طبقة من شتى الطبقات التي ذكرتها أن تدعي حيازتها الشيخ الجمري أو أن تفرض تملكها الفعلي له إرثاً أو بوصفه التمثيل الأوحد لها. لا يمكنك في مأتم سار أن تفرض رتماً واحداً يبسط سيطرته على المكان، هذا التنوع يستطيع أن يكسره رجل بسيط قد يجيبك إن سألته لما أنت هنا بأنه »لا يدري«!
سأحاول الولوج من هذه المقدمة للولوج إلى عبدالأمير الجمري »الإنسان« نفسه، إذ انتصر في النهاية إلى أن أفهمه بالطريقة التي هو يفهم نفسه بها، حينها سأكون أكثر قدرة على الحركة من دون أن أُحَاصرَ بقيد أي فهم قد يفرضه أحد المنتمين إلى تلكم الطبقات التي تعتقد أحقيتها في أن يكون الشيخ ممثلاً منها، ولها، وعنها.
أقر أولاً، أنه من الصعب فعلاً أن تقيم رابطاً متوازناً أو موضوعياً بين عبدالأمير الجمري »الإنسان« حين تحدث في حدود عائلته المهجرة وأبنائه المعتقلين وزوجته الصابرة من جهة، وبين عبدالأمير الجمري »القائد« الذي أمسك بزمام الأمور فترة التسعينات خصوصاً من جهة أخرى.
كاريزما معقدة، فما بين تعقيدها في الملف السياسي إبان فترة التسعينات وما قبلها من جهة وإنسانيته في الترابط الإنساني مع العائلة من جهة أخرى يخرج فقيدنا الكبير نموذجاً مفتوحاً للتحليل والتأويل. وهنا مفصل آخر من مفاصل ثراء هذه الشخصية وتنوعها. لم يكن الشيخ الجمري »حوزوياً« صرفاً، ولم يكن كذلك »سياسياً« صرفاً. ولم يكن »أباً« تقليدياً. وعليه، كانت لهذا الراحل فضاءات عدة، وفي كل فضاء ألق خاص، وصورة قارة من صور الإنسانية الفذة.
ما بين البدء في أجواء عباءة العائلة الأولى بين أخويه »علي« و«محمد«، ووالدته، وأختيه »نعيمة« و«زهراء« وبين التلمذة على الخطابة الدينية مع أبناء عمومته وصولاً إلى تكوين عائلته الثانية انطلق هذا الصبي من مجالس القراءة الحسينية ليدخل تجارب عدة في البحرين والنجف والإحساء والقطيف. أتاحت له هذه الرحلات الطويلة في طلب العلم الخروج بألمعية خاصة يرجعها الشيخ في أكثر من مرة بأنها »موفقية« خاصة.
سأحاول - في هذه العجالة أن استكملها في ملف خاص - الولوج في عبدالأمير الجمري »الإنسان« عبر نموذج من نماذجه الإنسانية، وهو رسالة استطاع الشيخ الجمري تسريبها من سجنه إلى عائلته، يعود تأريخ الرسالة إلى الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1996، إذ كان رهين المعتقل.
يقول الشيخ الجمري في رسالته إلى عائلته: »بسمه تعالى، قرة العين أم جميل، أعزائي وعزيزاتي، فسلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد: فأحمد الله سبحانه على عظيم نعمه علي، ومنها نعمة السجن، لتكفير ذنوبي، وإعلاء درجتي إذا شاء سبحانه، ومواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء، وحصولي على تربية نفسية عالية، وإتاحة فرصته كبيرة لعبادته سبحانه وتلاوة كتابه، فله المنة وله الحمد.
قرة العين، أحبائي، حبيباتي: ما أعظم شوقي إليكم، وما أشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب. وليكن ذلك، وليكن السجن، فما عسى أن يكون مهما عظم بلاؤه - في سبيل الله تعالى، وبسبب قضية عادلة، ومن أجل شعب عظيم وفي سبيل يستحق أن يفدى بأغلى الأشياء.
أحبائي بلغني ما حصل للحبيبة منى - زوجة ابن الشيخ الجمري المهندس محمد جميل عبدالأمير الجمري الذي كان معتقلاً أيضاً لقضاة فترة سجنه لمدة عشر سنوات - من اعتقال شهرين، وذلك بعد الإفراج عنها، وقد كدر هذا وجدي وضاعف ألمي، ولكن ذلك بعين الله تعالى.
بلغني مرض العزيز صادق ورقاده بالمستشفى عشرة أيام، وذلك بعد أن رخص، فلله الحمد والمنة على شفائه، وكفى وكفيتم كل بلاء.
بعد مرور 9 أشهر و12 يوماً في السجن الانفرادي جيء إليّ - بفضل الله ومنه - بالشيخ علي أحمد، فكان كالماء البارد على قلب الظمآن، في الحر الشديد، فلله الحمد والمنة.
أحبائي: لا تقلقوا، فالفرج قريب تلوح أمامي تباشيره ومؤشراته. أجل: سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة... وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا.
تحياتي لكل الأهل والأبناء وأبناء العم والجيران وتحياتي وأشواقي للغائبين جمع الله الشمل معهم، وإلى اللقاء، يا كل الأحبة، القريب القريب بإذن الله تعالى ودمتم محروسين«.
في استعراض سريع لفحوى الرسالة لابد من مراعاة ظهور الدلالات المباشرة لمفردات الشق العاطفي لدى الشيخ الجمري ( قرة العين - أحبائي - حبيباتي - للحبيبة »منى« - ما أعظم شوقي إليكم، وما أشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب - وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا)، الغريب في الأمر هو أن الرسالة - المهربة - كان من المفترض أن تحتوي على أية قيمة معلوماتية أو سياسية في خضم الظرف الذي كتبت فيه في السجن بعد ما لا يقل عن 9 أشهر و12 يوماً كما تورد الرسالة، لكننا نجد أن الشيخ في رسالته بدا مهتماً ومتأثراً ومبالغاً في تركيزه على الاهتمام بأجواء عائلته. على أن حدود العائلة في خطاب الشيخ هي حدود كبيرة، فهو وإن كان يركز على »زوجة ابنه منى، وابنه المريض صادق، والسجين المهندس محمد جميل« إلا أنه لا عن يغفل ذكر أبناءه الآخرين، يقول الشيخ: »مواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء« كما أنه لا عن عودته مفرداً بل يربط عودته بعودة أبنائه المساجين معه »أجل: سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة«، وفي مجمل هذا التعابير يظهر الشيخ شمولياً في قراءته للعائلة، فالعائلة ليست العائلة المكونة من زوجته وأبنائه وبناته، بل وتشمل زوجاتهم وجميع المعتقلين والمبعدين. وعلى رغم ذلك فإن صوغ الرسالة يوحي بخصوصية عائلية دقيقة، فهو لا يخاطب زوجته إلا واصفاً إياها بـ »قرة العين«، ولا يتحدث عن أبنائه وبناته وزوجات أبنائه إلا بصفات »الأعزة« أو »الأحبة«، يقول الشيخ: »وما أعظم شوقي إليكم«، ومن ظاهر القول فإن الشيخ الجمري كان لا يبدأ جل خطاباته للناس بعد الإفراج عنه إلا بذات الكلمات (اشتقت إليكم اشتياق يعقوب إلى يوسف)، وهو ما يصل إلى أنه كان يؤسس إلى اعتبار إحساسه بالأبوة تجاه أبناء البحرين إحساساً شمولياً كانت دلالته الكبرى ساعة نطقت المحكمة التي شُكلت بسجنه إذ اعتبر ذلك قليل أمام ما يعانيه المستضعفون والمعذبون من أبناء الشعب.
تظهر هذه الرسالة أبعاداً أخرى، وخصوصاً فيما يتعلق بإدراك الشيخ لـ »السجن« بوصفه »نعمة« وبوصفه المكان الملائم للتكفير عن الذنوب، وفي هذا السياق قراءة مختلفة في السياق الأيديولوجي الديني. محتويات الرسالة مضافاً إليها حديثه الطويل عن زوجته »أم جميل« وتضحياتها ووقوفها إلى جانبه في أيام الوجع تستحق منا الوقوف طويلاً، وسيكون لنا أن نقوم بذلك في الأيام المقبلة.
منقول
خلفيات محاكمة الشيخ الجمري 1999 م
--------------------------------------------------------------------------------
القصة الكاملة لخلفيات محاكمة الشيخ الجمري والإفراج عنه
بقلم د. منصور الجمري (26 يوليو 1999)
الحدث الذي هز البحرين
في 7 يوليو 1999 أصدرت محكمة أمن الدولة برئاسة عبد الرحمن جابر آل خليفة وعضوية على منصور (مصري) ومحمد رأفت مصطفى برغش ( مصري) حكما قاسيا على الشيخ عبد الأمير الجمري بالسجن عشر سنوات ودفع غرامة قدرها 15 مليون دولار (5.7 مليون دينار). جاء هذا الحكم بعد أربعة جلسات، عقدت الأولى في 21 فبراير 1999 وكانت مدتها 45 دقيقة قرأت فيها التهم الموجهة للشيخ الجمري تضمنت خمسة تهم أساسية وهي:
1 - جناية السعي و التخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية.
2 - جناية إدارة منظمة ترمي إلى قلب نظام الحكم بالقوة.
3 - جناية التحريض على اتفاق الغرض منه ارتكاب جناية الإتلاف العمدي للمباني والأملاك العامة.
4 - جنحة التحريض على إتلاف أموال خالصة ثابتة ومنقولة مما ترتب عليه حمل حياة الناس وأمنهم في خطر.
5 - جنحة إذاعة أخبار و إشاعات كاذبة وبث دعايات مثيرة في داخل البلاد وخارجها من شأنها النيل من هيبة الدولة واعتبارها ولضرب الأمن العام.
وكان من المتوقع أن تعقد الجلسة الثانية في 7 مارس، إلا أن وفاة الأمير السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في 6 مارس أدى إلى تأجيل المحاكمة حتى 4 يوليو. وهذه الجلسة (الثانية) كانت مدتها قرابة 40 دقيقة. أما الجلسة الثالثة والجلسة الرابعة لم تستغرق كل واحدة منهما أكثر من 5 دقائق. الجلسة الثانية عقدت في 4 يوليو وتمكن الدفاع من إحضار أربعة شهود احدهم ابن الشيخ الجمري ( المهندس محمد جميل ) وكل من الأستاذ عبد الوهاب حسين والأستاذ حسن المشيمع وكلاهما موقوف منذ يناير 1996. وقد تحدث رئيس محكمة أمن الدولة مع المحامين لإقناعهم بعدم استدعاء شهود آخرين كان الدفاع سيطلبهم وهؤلاء كانوا بالتحديد الأستاذ علي ربيعة والشيخ عيسى الجودر والسيد جواد الوداعي. وكان الدفاع يريد - إثبات بطلان ادعاء الحكومة بأن الشيخ الجمري له ارتباطات خارجية من خلال شهادة رفاق دربه في المشروع الوطني ( اثنان من السنة وهم علي ربيعة وعيسى الجودر) وشخصية دينية شيعية مرموقة متمثلة في السيد جواد الوداعي.
غير أن رئيس محكمة أمن الدولة قال لبعض المحامين " بأن الشيخ الجمري صديقي وأنا أعلم بأن تهمة التخابر ليست جدية ولن تكون هدفا للمحكمة خصوصا وأن القيادة العليا في البلاد طلبت تخليص موضوع الشيخ الجمري بسرعة". والادعاء العام ايضا اوحى بأنه لن يصر على هذه التهم. غير أن هدف محكمة أمن الدولة اتضح لاحقا، لأنها أدانت الشيخ الجمري في آخر المحاكمة بتهمة التخابر، واصبح واضحا بعد ذلك أن القاضي كان سيوضع في حرج فيما لو استدعى الشهود الثلاثة. فإدانة الشيخ الجمري بالتخابر لأنه طالب مع آخرين (من السنة) بمطالب وطنية سوف يكون أمرا غير معقولا. كما أن السيد جواد الوداعي لديه علاقات دينية مماثلة للشيخ الجمري، وإذا أدين الشيخ الجمري بالتخابر مع دولة أجنبية ( إيران ) فإن جميع علماء الشيعة تلزم إدانتهم بنفس التهمة لأنهم جميعا لديهم علاقات دينية منذ القدم مع كل من النجف الأشرف في العراق وقم المقدسة في إيران.
في الجلسة الثانية، شهد الشهود أنهم جميعا ليس لهم علاقة بأي من التهم الموجهة للشيخ الجمري، وأن الشيخ كان يشارك الشعب في مطالبه بصورة علنية تشهد بذلك جميع نشاطاته وخطبه واتصالاته ونهجه. أما الجلسة الثالثة، فكانت للإدعاء العام لكي يطرح رده على الشهود. إلا أن الإدعاء العام لم يقدم أي شهود، لأن جميع الملفات التي قدمها هي عبارة عن اعترافات لأشخاص موقوفين واكتفى الادعاء العام بتسليم مذكرة مكتوبة مملوءة بالعبارات الشعرية والشتائم البذيئة مثل وصف الشيخ الجمري "بالأفعى"، وشتمه بأسلوب لا يليق بمهنة الإدعاء أو القضاء. ولذلك فإن الجلسة لم تدم أكثر من خمس دقائق بعد تسليم مذكرة الادعاء العام. استلم الدفاع المذكرة وذهب للرد عليها في اليوم التالي 7 يوليو. وفي صباح 7 يوليو سلم الدفاع مذكرة مكتوبة لقضاة محكمة أمن الدولة. وبعد دقيقة من استلام المذكرة المكتوبة، فتح القاضي ورقة وقرأ حكما قاسيا دون أن يطلع على رد الدفاع. وانتهت الجلسة بعد أقل من خمس دقائق من انعقادها.
الهزة التي أحدثتها هذه المحكمة لم تتوقع مردوداتها الحكومة. فقد كانت الأوضاع هادئة منذ تولي الشيخ حمد آل خليفة مقاليد الحكم في 6 مارس إثر وفاة والده. وكانت فصائل المعارضة قد دعت للهدوء وقدمت العزاء للأمير الجديد وتمنت أن يكون عهده عهد إصلاح وخير. وأمل الشعب كثيرا بعد سماع تصريحات الأمير التي تحدثت عن تغييرات وإصلاحات ومساواة بين المواطنين. إلا أن الحكم القاسي غير كل شيء، وعاد الوضع للتوتر مرة أخرى، وانتشرت الكتابات الجدارية وبدأت الحرائق الاحتجاجية في العودة وسمعت أصوات اسطوانات الغاز التي يفجرها أبناء الشعب تعبيرا عن احتجاجهم. هذا الوضع المتفجر كان على موعد مع هزة أخرى في اليوم التالي.
ففي صباح الثامن من يوليو، كان الوضع متأزما ومتفجرا، إلا أنه ومع الظهيرة نشرت الحكومة خبرا بأنها سوف تفرج عن الشيخ الجمري في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر. واتصل مكتب رئيس الوزراء بمنزل الشيخ الجمري وطلب لقاء عاجلا مع اثنين من أبناء الشيخ الجمري (محمد جميل وصادق) وكان الاثنان قد استدعيا من قبل جهاز المخابرات في صباح ذلك اليوم. بعد ان عادا للمنزل قرابة الساعة الثانية عشرة والنصف علما عن استدعائهما لجلسة طارئة مع رئيس الوزراء. وهكذا وصلا إلى مكتب رئيس الوزراء، وكان في استقبالهما الأخير وابرز حفاوة لهما وجلس معهما لمدة نصف ساعة قال فيها أنه " ليس لديه شئ ضد الشيخ الجمري وأنه يعرفه منذ أيام المجلس الوطني ولكن أطراف أخرى دخلت بيننا"، وأخبرهما أن الشيخ الجمري سيفرج عنه قبل الساعة الخامسة عصرا.
رجع ابنا الشيخ الجمري إلى المنزل، وكان هناك اتصال آخر بصادق يطلب منه أخذ ثياب علماء الدين التي يلبسها الشيخ الجمري والتوجه بها إلى سجن القلعة. وهناك كان الشيخ على موعد آخر. إذ طلبت منه المخابرات الذهاب للأمير لتعزيته بوفاة الأمير السابق. ولكنه عندما وصل إلى قصر الأمير في الرفاع فوجيء بوجود رموز العائلة الحاكمة ومجلس الوزراء. وقبل دخوله سلمت له ورقة لقراءة "رسالة اعتذار" أمام كل من الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد وجميع أعضاء مجلس الوزراء. وكان هناك طاقم تلفزيوني كامل التجهيزات يصور كل شئ ليعرضه في الساعة السابعة مساءً على تلفزيون البحرين، وليشاهد الشعب كيف "يقدم الشيخ الجمري اعتذاره"، وكيف يطلب العفو وكيف يتحدث عن تعهده بالالتزام بالشروط التي طلبتها وزارة الداخلية. الكاميرا لم تكن أمينة في النقل، فقد حذفت عبارات وحركات هنا وهناك.
قبل ساعتين من العرض التلفزيوني كانت الشوارع قد امتلأت بأبناء الشعب الذين انهالوا من كل حدب وصوب للقاء الشيخ الجمري. إلا أن قوات مكافحة الشغب انتشرت في كل مكان، وما أن تفرقت الحشود حتى سيطرت قوات الأمن والمخابرات ومكافحة الشغب على جميع المنافذ وفرضت حصارا مستمرا منعت تجمع أبناء الشعب ومنعت وصول الأشخاص إلى منطقة بني جمرة التي يسكنها الشيخ الجمري. وهكذا فرض الحصار على منزل ومنطقة سكنى الشيخ الجمري بعد الإفراج، والحصار مستمر حتى كتابة هذه السطور.
خلفيات الحدث الدرامي
أولا: الاعتقال الأول والمبادرة
وضع الشيخ الجمري في 1 أبريل 1995 تحت الإقامة الجبرية وقتل اثنان من جيران الشيخ الجمري عند محاصرة المنزل ثم نقل إلى المعتقل وبقي هناك حتى 25 سبتمبر 1995. وفي نهاية أبريل 1995 تقدم الشيخ الجمري مع رفاقه بمبادرة لتهدئة الوضع مقابل الإفراج عن الموقوفين والمعتقلين، على أن يتم تقديم المطالب السياسية بعد عودة الهدوء. افرج عن " جماعة المبادرة" في أغسطس وسبتمبر 1995، وعاد الهدوء وانتشرت الأفراح في البحرين. غير أن وزارة الداخلية لم تطلق الموقوفين والمعتقلين الذين وعدت بالإفراج عنهم، بل واستمرت المحاكمات مما وضع جماعة المبادرة في حرج شديد، أدى بهم لإعلان الاعتصام داخل منزل الشيخ الجمري والإضراب عن الطعام لمدة عشرة أيام حتى 1 نوفمبر 1995. وفي 1 نوفمبر اجتمع قرابة 80 ألف مواطن أمام منزل الشيخ الجمري معلنين التضامن والصمود، وكان هذا اكبر تجمع في تاريخ البحرين.
استشاطت الحكومة غيظا وبدأت المصادمات تزداد داخل المساجد بين قوات الأمن وأبناء الشعب، وتصاعدت وتيرتها حتى 21 يناير 1996، عندما أعيد اعتقال جميع أفراد المبادرة وجميع الخطباء وعلماء الدين والنشطاء والذين ظهروا على السطح خلال الفترة المنصرمة.
ثانيا: الاعتقال الثاني والزنزانة الانفرادية
وضع الشيخ الجمري في زنزانة انفرادية مباشرة بعد اعتقاله في الساعات الأولى (بعد منتصف الليل) في 21 يناير 1996، لمدة تزيد على تسعة شهور. ونعرف هذه الحقيقة من رسالة استطاع الشيخ الجمري تسريبها لاحقا إلى عائلته مؤرخة بتاريخ 2 نوفمبر 1996 يقول فيها ما يلي (وهي موجهة لزوجة الشيخ "أم جميل"):
" بسمه تعالى، قرة العين أم جميل، أعزائي وعزيزاتي، فسلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد:
فأحمد الله سبحانه على عظيم نعمه علي، ومنها نعمة السجن، لتكفير ذنوبي، وإعلاء درجتي إذا شاء سبحانه، ومواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء، وحصولي على تربية نفسية عالية، وإتاحة فرصته كبيرة لعبادته سبحانه وتلاوة كتابه، فله المنة وله الحمد.
قرة العين، أحبائي، حبيباتي: ما اعظم شوقي إليكم، وما اشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب. وليكن ذلك، وليكن السجن، فما عسى أن يكون مهما عظم بلاؤه - في سبيل الله تعالى، وبسبب قضية عادلة، ومن اجل شعب عظيم وفي سبيل يستحق أن يفدى بأغلى الأشياء.
أحبائي بلغني ما حصل للحبيبة منى (زوجة ابن الشيخ الجمري المهندس محمد جميل الذي كان معتقلا أيضا لقضاة فترة سجنه لمدة عشر سنوات - بدأت منذ 1988) من اعتقال شهرين، وذلك بعد الإفراج عنها، وقد كدر هذا وجدي وضاعف ألمي، ولكن ذلك بعين الله تعالى. بلغني مرض العزيز صادق ورقاده بالمستشفى عشرة أيام وذلك بعد أن رخص، فلله الحمد والمنة على شفائه، وكفى وكفيتم كل بلاء.
بعد مرور 9 أشهر و12 يوما في السجن الانفرادي جيء إليّ - بفضل الله ومنه- بالشيخ علي أحمد، فكان كالماء البارد على قلب الظمآن، في الحر الشديد، فلله الحمد والمنة.
أحبائي: لا تقلقوا، فالفرج قريب تلوح أمامي تباشيره ومؤشراته. اجل : سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة... وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا. تحياتي لكل الأهل والأبناء وأبناء العم والجيران وتحياتي وأشواقي للغائبين جمع الله الشمل معهم، والى اللقاء، يا كل الأحبة، القريب القريب بإذن الله تعالى ودمتم محروسين".
توضح الرسالة المذكورة الوضع القاسي الذي كان يعيشه الشيخ الجمري في الزنزانة الانفرادية لا يعلم ماذا حصل في هذه الفترة التي شهدت معظم الحوادث الخطيرة في فترة الانتفاضة التي بدأت في ديسمبر 1994.
ثالثا: الصمود داخل السجن
كان الشيخ الجمري يرفض جميع التهم الموجهة إليه واستطاع الصمود أمام ظروف الاعتقال حتى مارس 1998، وبعد هذا التاريخ تحول الوضع كثيرا. طوال عام 1997 كان الشيخ الجمري يعاني الأمرين ويعاني من ازدياد مرضه ( ضيق التنفس وحالة ضعف عامة) ومع ذلك فقد كان صامدا وشامخا وفي كل مقابلة يسمح له بها مع عائلته كان يتحدث بجرأة ويوصي بالصمود. وخلال هذه الفترة كانت هناك محاولات لإعادة فتح حوار مع الحكومة، وكان الشيخ يرفض إعادة ما حصل عام 1995. وكان يطالب أن يكون الحوار مع القيادة السياسية وليس الجهاز الأمني، وأن يكون الحوار مع الأطراف الوطنية الأخرى لكي لا تنحصر المشكلة بالطائفة الشيعية فذلك خطر إستراتيجي.
كان الشيخ الجمري يضايق كثيرا أثناء مقابلته لعائلته ووضعت أجهزة تصنت وتصوير دقيقة، وبعد كل مقابلة يتم استدعاء ابن الشيخ الجمري (صادق) ويشغل له الفيديو ليشاهد ويسمع ما يقوله الشيخ الجمري بصورة منخفضة جدا لعائلته. ويتم تهديد صادق وبقية أفراد العائلة إذا استمروا في التحدث بقضايا لا تعلم عنها المخابرات. وبالفعل تمكن جهاز المخابرات من الأطباق على المنفذ الوحيد الذي كان متوفرا للشيخ الجمري مع العالم الخارجي.
منذ مطلع1997 لم يستطع الشيخ الجمري أن يتعرف على ما يجري خارج السجن ولم يستطع أن ينقل أي شئ إلى خارج السجن. وهذه المعاملة القاسية لم يخضع لها أي سجين آخر. وبعد أن تمكنت المخابرات من أحكام السيطرة على جميع منافذ العالم الخارجي ( خارج السجن) بدأت مرحلة أخرى انتهت بكسر عزيمة الشيخ الجمري.
رابعا: محاولات كسر العزيمة
في الأيام الأولى من مارس 1998 حصلت زيارة عائلية للشيخ الجمري، وبعد انتهاء المقابلة تلك أخضع الشيخ الجمري لأسلوب شديد في المعاملة وتعذيب اشتمل على الضرب. فقد درست المخابرات شخصية الشيخ كثيرا وعلمت كيف تزعجه. وأكثر ما يزعجه هو الاعتداء على كرامته واحترامه. وبالفعل أمروا أحد الشرطة بسحبه ودفعه وتمزيق ثيابه . ثم وبعد ذلك وضعوه في غرفة يوجد بها ضوء شديد الأشعة وأحاط به ستة ضباط وبدأوا معه دورات قاسية من التحقيق والصراخ والتهديد بالاعتداء عليه وعلى عائلته. وقالوا له "أن الوضع خارج السجن هدأ، ولم تبقى إلا أنت، ولا يفكر فيك أحد، ولا توجد سلطة في العالم تمنعنا من عمل أي شئ نريده، وسوف نخلص عليك". وتناوشوه بالشتم والشدة والتهديد وحرموه من النوم إلى أن سقط مغشيا عليه عدة مرات وقالوا له: "لن نتركك إلا إذا وقعت على ورقة تقول فيها كل ما نريد، وبالتحديد بأنك تطالب بالدستور للتغطية على مطالبك الحقيقية وهي إقامة دولة شيعية في البحرين وأنك مرتبط بإيران .. .. الخ". ونتيجة للمعاملة الشنيعة فإن الشيخ الجمري بحاجة للعلاج حتى بعد الإفراج عنه في 8 يوليو. وقد دخل المستشفى أكثر من مرة بعد أن سقط من الوجع المؤلم في أذنه اليسرى.
انهارت قوى الشيخ الجسدية كثيرا ووافق على كتابة ما يريدون اعتقادا منه أنه سيستطيع نفي ذلك في المرحلة التي تلي كتابة الاعترافات. فحسب الإجراءات الأمنية تقوم المخابرات بسحب الاعتراف ثم ينقل المتهم إلى "قاضي تحقيق". وبمجرد أنه يوقع على الاعترافات أمام قاضي التحقيق، تعتبر الأدلة كافية لتقديم الشخص لمحكمة أمن الدولة. ذلك لأن محكمة أمن الدولة تقبل بكل ما هو موقع أمام قاضي التحقيق كشهادة ثابتة وغير قابلة للنقاش. ولأن الشيخ الجمري على علم بهذا الإجراء، تصور أن بإمكانه أن يوقع أمام المخابرات ويفلت من ذلك التوقيع لاحقا. وبالفعل بعد التوقيع أمام المخابرات (أثناء التعذيب) أخذ الشيخ الجمري لقاضي التحقيق، وعندما طلب منه الاعتراف أمام قاضي التحقيق أبى ذلك بشدة ونفى كامل الاعترافات التي اكره على التوقيع عليها.
وهنا قال له المدعو عادل فليفل: "سأخيّسك في السجن"، فرد عليه الشيخ: "افعل ما تشاء، فأنا لست بأحسن من غيري". رفض الشيخ الإدلاء بأي شئ أو التوقيع على أي شيء أمام قاضي التحقيق، مما أدى لتعريضه لوجبات تعذيب أخرى. وهذا أدى بدوره أن يسقط مريضا بشكل خطر أدى لنقله للمستشفى العسكري وانتقل الخبر عن الحالة الصحية المتدهورة للشيخ بعد نقله للمستشفى العسكري، وقامت المعارضة باتصالات فورية مع لجنة الصليب الأحمر الدولي ومنظمات حقوق الإنسان. وعلم لاحقا أن وفدا من الصليب الأحمر توجه إلى البحرين وتم إيقاف التعذيب في حدود 18 أبريل 1998، أي بعد عدة أسابيع من وجبات التعذيب الشديدة.
استهدفت المخابرات الشيخ الجمري بالأساس لأنها أرادت الانتقام منه (والانتقام من حشده لـ80 ألف مواطن أمام منزله في 1 نوفمبر 1995) ولأنها تعلم أيضا أن كسره يعني كسر عزيمة الشعب. وهكذا حاولت المخابرات إجبار الشيخ الجمري أن يوقع على الاعترافات أمام قاضي التحقيق طوال الأشهر المتبقية من 1998 ولكنها فشلت في إجباره على التوقيع أمام قاضي تحقيق.
كان الشيخ الجمري يعيش الآلام وهو يسمع ما يجري بالقرب منه في الزنزانة. فبالقرب من زنزانته الانفرادية هناك يقع سجن يسمى "سجن المكاتب"، وكان الشيخ يسمع التكبيرات والتأوّهات والصرخات عندما تداهم الشرطة السجن لممارسة الضرب بالهراوات، حتى أنه أخذ يكبّر في إحدى المرات و يقول "دعوا أبنائي بسلام". ناهيك عن أنه كان يرى الشباب وهم معصّبوا الأعين، يُقادون هنا وهناك، في الوقت الذي
تقول له المخابرات بأنه وراء كل عذاب يصيب هؤلاء إن لم يتنازل.
من الضروري الإشارة لما كان يجري داخل السجن مع الشيخ الجمري طوال الأشهر المتبقية من 1998. فعندما رفض الشيخ الجمري التوقيع على اعترافات أمام قاضي التحقيق، سعت الحكومة لكسره مرة أخرى، ولكن بطريقة أخرى، وذلك من خلال إيصال معلومات مغلوطة - بوسائل شتى وبصورة مستمرة - لتشويش
وجهة نظر الشيخ. كما وأشاعت الحكومة بأنها ستوسط الإمام محمد مهدي شمس الدين (رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان) لزيارة البحرين.
خامسا: انتهاء فترة التوقيف دون محاكمة
مع اقتراب موعد انتهاء فترة الثلاث سنوات التي يحددها قانون أمن الدولة للإفراج عن المتهم إذا لم يقدم لمحاكمة شعرت الحكومة بحرج شديد خصوصا مع ازدياد المطالبات الداخلية والخارجية للإفراج عن الشيخ عبد الأمير الجمري القاضي والنائب في البرلمان المنحل وعضو لجنة العريضة الشعبية، والكاتب والشاعر وعالم الدين.
لقد اعتقد الشيخ الجمري أن خطته (وهي عدم التوقيع أمام قاضي تحقيق) قد نجحت. إلا أن القانون - حتى قانون أمن الدولة - لا يلزم دولة لم تعد تحترم نفسها. فعندما انتهت فترة الثلاث سنوات تقدم المحامي عبد الله هاشم بتظلم لدى محكمة أمن الدولة استعرض فيها نصوص قانون أمن الدولة وكيف أن هذا القانون نفسه يوجب الإفراج عن الشيخ الجمري في 21 يناير 1999. ذلك لأن المادة الأولى من قانون أمن الدولة تقول "ولا يجوز أن تزيد مدة الإيداع على ثلاث سنوات كما لا يجوز القيام بأي تفتيش أو اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الأولى إلا بأمر من القضاء". إلا أن الحكومة لم ترد على لائحة التظلم هذه.
سادسا: الشروع في المحاكمة بعد انقضاء وقتها
غير أن وزارة الداخلية بيدها كل شئ والحكومة لا يوجد من يسائلها عما تعمل. وبالفعل قامت وزارة الداخلية بتقديم الشيخ الجمري للمحاكمة في 21 فبراير1999، أي بعد شهر كامل من وجوب الإفراج عنه. حيثيات الجلسات كثيرة، وأدى تقديم الشيخ الجمري للمحاكمة لحدوث ضجة إعلامية وحقوقية دولية. وقد قال الشيخ الجمري أمام المحكمة (وتناقلت ذلك وكالات الأنباء) انه ليس مجرما وان كل ما يطالب به هو عودة المجلس الوطني.
بدأت الأوضاع تزداد توترا، حتى توفى الأمير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في 6 مارس، واستلم الحكم ابنه الشيخ حمد، وتأجلت الجلسة الثانية التي كان من المقرر أن تعقد في 7 مارس حتى إشعار آخر. وارجع الشيخ الجمري إلى زنزانته انفرادية حتى أنه لم يعلم بوفاة الأمير السابق إلا بعد أن التقى بعائلته في شهر أبريل، أي بعد شهر من الوفاة.
أثناء فترة الحداد لثلاثة اشهر، انتشرت الآمال بأن الحكم الجديد سوف يتبع سياسة جديدة مع أبناء الشعب. وبالفعل كان هناك آمال وتفاؤلات حسنة خصوصا عندما تحدث الأمير الجديد عن عزمه للإصلاح وأنه لا يفرق بين المواطنين على أساس المذهب. وفي هذه الفترة طلب الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة (عم الأمير) الاتصال بأبناء الشيخ الجمري. وبالفعل ذهب أبناء الشيخ الجمري للقائه، وهناك استقبلهم بحفاوة بالغة، وقال لهم أن الشيخ حمد رجل يختلف كثيرا عما يعتقده الآخرون وسيكون من افضل الحكام، وأنا اعلم ذلك لأني من كبار عائلة آل خليفة. إنني معكم وأطالب بالإفراج عن الشيخ الجمري وتعويض عوائل المقتولين والإفراج عن جميع المسجونين. واقترح عليهما كتابة رسالة يوجهونها للأمير ووعد أن يسلمها بنفسه.
علمت المخابرات بموضوع الرسالة فاستدعت صادق ابن الشيخ الجمري للتحقيق معه حول الأمر. وكان واضحا أن قضية الشيخ الجمري أصبحت ضمن الأوراق التي يختلف عليها أطراف الحكم. فرئيس الوزراء استشاط غضبا وأصر على إهانة الشيخ الجمري وتقديمه للمحاكمة في مقابل رأي آخر يطالب بالإفراج عنه لفتح صفحة جديدة مع أبناء الشعب. المخابرات كانت تستدعي صادق كل عدة أيام وتحقق معه وتهدده أحيانا وتأمله خيرا أحيانا أخرى. كما أن المخابرات طلبت من صادق الاتصال بالوكالات الأجنبية (مثل رويتر) عدة مرات لنفي تعرض الشيخ الجمري للضغوط. وكانوا يهددونه بأنه إذا لم يفعل ذلك فسيعاقبونه وسيعاملون والده بشدة وسيصدرون عليه أحكاما قاسية.
في هذه الفترة أيضا استدعت المخابرات صادق وقالت له إن الأمير يريد الإفراج عن والدك ولكن وزير الداخلية ورئيس الوزراء يريدان تعهدا مكتوبا من والدك بالأمور الأساسية التالية:
أ - أن لا يصرح لأي وكالة صحافية وأن لا يعطي تصريحا سياسيا لأحد.
ب- أن لا يلقي خطابات جماهيرية وأن لا يرفع مطالب سياسية أمام الجماهير.
ج- أن يتوقف عن تدريس طلاب العلوم الدينية في جامع الإمام زين العابدين (الكائن أمام منزل الشيخ الجمري في بني جمرة).
وقالوا له "إذا وقع والدك على هذه الشروط فأنه سوف يؤخذ لقراءتها أمام الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد، وسوف تقوم المخابرات بتصويره للاحتفاظ بالفلم في الأرشيف، وبعد ذلك سوف يفرج عنه". بعد ذلك احضر الشيخ الجمري لمقابلة ابنه والتحدث معه حول هذه الشروط. ونتيجة للمحيط الذي عاشه الشيخ ونتيجة لإيمانه بأن المرحلة الجديدة قد تغيرت وأن بإمكانه أن يعمل بصورة أخرى مع رفاق دربه فقد قرر التوقيع على هذا التعهد.
في اليوم التالي للتوقيع، استدعت المخابرات صادق مرة أخرى وأحضرت الشيخ الجمري وقالت لهما "أن رئيس الوزراء يرفض إطلاق سراحك دون محاكمة". وهنا استشاط الشيخ الجمري غضبا وقال "لقد غدرتم بي كعادتكم".
سابعا: إصدار الحكم الجائر ومسرحية الإفراج والحصار المنزلي
وهكذا كان، فبعد يوم أو يومين (في 28 يونيو) اعلنت الحكومة عن نيتها لتقديم الشيخ الجمري للمحاكمة، وكانت النتيجة هي جلسات الخمس دقائق، وإصدار الحكم الجائر. بعد إصدار الحكم الجائر اهتز جميع من حضر المحاكمة وقال الشيخ الجمري لعائلته بعد المحاكمة: "إنها أصغر هدية أقدمها للمستضعفين من هذا الشعب".
ارجع الشيخ الجمري لزنزانته الانفرادية، وبعد ذلك قال له الضابط الأول المسؤول عن تعذيب الشيخ الجمري (المدعو عادل جاسم فليفل): "إنسى كل شيء قلناه لك وعن الإفراج عنك. سوف تبقى في هذه الزنزانة الانفرادية مدى الحياة" لإكمال العشر سنوات والتعويض عن غرامة 15 مليون دولار.
في اليوم التالي تغيرت الأوضاع وجاء المعذب فليفل ومعه خالد بن محمد آل خليفة ليقولا "أن الأمير قرر الإفراج عنك ولكن بشرط زيارة قصر الرفاع لتقديم العزاء للأمير بوفاة والده". في هذا الوضع المؤلم لم يكن للشيخ الجمري أن يختار أي شي أو أن يستطيع التفكير في أي شيء.
وهكذا كان يوم 8 يوليو 1999. وصل صادق ابن الشيخ الجمري إلى سجن القلعة ومعه الزي الذي يلبسه الشيخ الجمري (زي علماء الدين). لبس الشيخ الجمري ثيابه وركب سيارة تابعة للمخابرات متجهة إلى قصر الأمير بالرفاع. وعند وصوله هناك ولدى دخوله القاعة سلمت له رسالة اعتذار مفروضة عليه. وهناك في قصر الإمارة كان الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد وأعضاء مجلس الوزراء - وطاقم تلفزيوني - كلهم جاهزين لتنفيذ آخر بنود الدراما التي هزت المجتمع البحريني.
بعد الإفراج عن الشيخ الجمري في 8 يوليو فرض الحصار على منطقة بني جمرة لمنع المواطنين من زيارته. فهناك أحد عشر مدخلا للمنطقة ووقف على كل منها ما بين سبعة وعشرة من الشرطة، ويمنع هؤلاء أي مواطن من خارج المنطقة من دخولها ويطلبون البطاقة السكانية للتأكد من هوية الشخص. أما الدائرة الثانية المحيطة بمنزل الشيخ ومقبرة المنطقة فهي اكثر حصارا ولا يسمح باجتيازها إلا بصعوبة. ويتكثف الحصار خلال أوقات الصلاة والليل. وهناك ثلاث سيارات للشرطة ترابط بالقرب من منزل الشيخ والمسجد الذي يصلي فيه لمنع المواطنين من دخولهما. ويتم تنفيذ إجراءات الحصار بشدة. وأقيم مكتب خاص لذلك الحصار بمركز الشرطة بالبديع يقيم فيه عناصر المخابرات.
الشيخ الجمري كان في وضع لا يحسد عليه والتاريخ سيقرأ الأحداث مرات ومرات، إلا أن المؤكد أن الحكومة خسرت فرصة ذهبية لبناء جسور الثقة مع شعبها باللجوء لهذه الأساليب الرخيصة.
كانت ردة الفعل الشعبية الأولية بعد العرض التلفزيوني للشيخ الجمري، هي الصدمة، إلا أن الشعب كشف تلك اللعبة التي لعبتها الحكومة. ففي ذلك مساء 8 يوليو - أي بعد العرض التلفزيوني بأقل من ساعة - خرج الكثير من الناس للشوارع لإعلان مساندتهم للشيخ الجمري وإدانتهم لأساليب الحكومة، و تم قمع تلك المسيرات بالرصاص المطاطي و مسيل الدموع و حدثت اشتباكات مع الشباب الذين شاركوا في تلك المسيرات، كما حدث في سترة مثلا.
التفاؤل بالتغيير في العهد الجديد الذي انتشر في بداية الأمر وخصوصاً بعد السماح لمقالات الصحفيين المحليين التعرض لهذا الموضوع بدأت تتبدد، وبدأت الصحافة المحلية تتحاشى ذكر موضوع الإصلاح وعادت أجواء التشاؤم لتخيم على البحرين.
الحكومة خسرت الورقة التي كانت تستخدمها للضغط على الشارع المتحرك. فإسكات الشيخ الجمري لا يعني إسكات الشارع أو تعطيل مشروع المعارضة، بل على العكس. فالشيخ الجمري مكبل وصمته عنوان ظلامة كبيرة لشعب مظلوم، والمطالب مستمرة، والمعارضة المطلبية تجذرت في أعماق الشعب ولا مفر للظالمين مهما طال الزمن ومهما استخدموا من وسائل إذلالية، فالشعب باق وحقوقه باقية والمنتهك لتلك الحقوق مندحر بإذن الله. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
--------------------------------------------------------------------------------
القصة الكاملة لخلفيات محاكمة الشيخ الجمري والإفراج عنه
بقلم د. منصور الجمري (26 يوليو 1999)
الحدث الذي هز البحرين
في 7 يوليو 1999 أصدرت محكمة أمن الدولة برئاسة عبد الرحمن جابر آل خليفة وعضوية على منصور (مصري) ومحمد رأفت مصطفى برغش ( مصري) حكما قاسيا على الشيخ عبد الأمير الجمري بالسجن عشر سنوات ودفع غرامة قدرها 15 مليون دولار (5.7 مليون دينار). جاء هذا الحكم بعد أربعة جلسات، عقدت الأولى في 21 فبراير 1999 وكانت مدتها 45 دقيقة قرأت فيها التهم الموجهة للشيخ الجمري تضمنت خمسة تهم أساسية وهي:
1 - جناية السعي و التخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية.
2 - جناية إدارة منظمة ترمي إلى قلب نظام الحكم بالقوة.
3 - جناية التحريض على اتفاق الغرض منه ارتكاب جناية الإتلاف العمدي للمباني والأملاك العامة.
4 - جنحة التحريض على إتلاف أموال خالصة ثابتة ومنقولة مما ترتب عليه حمل حياة الناس وأمنهم في خطر.
5 - جنحة إذاعة أخبار و إشاعات كاذبة وبث دعايات مثيرة في داخل البلاد وخارجها من شأنها النيل من هيبة الدولة واعتبارها ولضرب الأمن العام.
وكان من المتوقع أن تعقد الجلسة الثانية في 7 مارس، إلا أن وفاة الأمير السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في 6 مارس أدى إلى تأجيل المحاكمة حتى 4 يوليو. وهذه الجلسة (الثانية) كانت مدتها قرابة 40 دقيقة. أما الجلسة الثالثة والجلسة الرابعة لم تستغرق كل واحدة منهما أكثر من 5 دقائق. الجلسة الثانية عقدت في 4 يوليو وتمكن الدفاع من إحضار أربعة شهود احدهم ابن الشيخ الجمري ( المهندس محمد جميل ) وكل من الأستاذ عبد الوهاب حسين والأستاذ حسن المشيمع وكلاهما موقوف منذ يناير 1996. وقد تحدث رئيس محكمة أمن الدولة مع المحامين لإقناعهم بعدم استدعاء شهود آخرين كان الدفاع سيطلبهم وهؤلاء كانوا بالتحديد الأستاذ علي ربيعة والشيخ عيسى الجودر والسيد جواد الوداعي. وكان الدفاع يريد - إثبات بطلان ادعاء الحكومة بأن الشيخ الجمري له ارتباطات خارجية من خلال شهادة رفاق دربه في المشروع الوطني ( اثنان من السنة وهم علي ربيعة وعيسى الجودر) وشخصية دينية شيعية مرموقة متمثلة في السيد جواد الوداعي.
غير أن رئيس محكمة أمن الدولة قال لبعض المحامين " بأن الشيخ الجمري صديقي وأنا أعلم بأن تهمة التخابر ليست جدية ولن تكون هدفا للمحكمة خصوصا وأن القيادة العليا في البلاد طلبت تخليص موضوع الشيخ الجمري بسرعة". والادعاء العام ايضا اوحى بأنه لن يصر على هذه التهم. غير أن هدف محكمة أمن الدولة اتضح لاحقا، لأنها أدانت الشيخ الجمري في آخر المحاكمة بتهمة التخابر، واصبح واضحا بعد ذلك أن القاضي كان سيوضع في حرج فيما لو استدعى الشهود الثلاثة. فإدانة الشيخ الجمري بالتخابر لأنه طالب مع آخرين (من السنة) بمطالب وطنية سوف يكون أمرا غير معقولا. كما أن السيد جواد الوداعي لديه علاقات دينية مماثلة للشيخ الجمري، وإذا أدين الشيخ الجمري بالتخابر مع دولة أجنبية ( إيران ) فإن جميع علماء الشيعة تلزم إدانتهم بنفس التهمة لأنهم جميعا لديهم علاقات دينية منذ القدم مع كل من النجف الأشرف في العراق وقم المقدسة في إيران.
في الجلسة الثانية، شهد الشهود أنهم جميعا ليس لهم علاقة بأي من التهم الموجهة للشيخ الجمري، وأن الشيخ كان يشارك الشعب في مطالبه بصورة علنية تشهد بذلك جميع نشاطاته وخطبه واتصالاته ونهجه. أما الجلسة الثالثة، فكانت للإدعاء العام لكي يطرح رده على الشهود. إلا أن الإدعاء العام لم يقدم أي شهود، لأن جميع الملفات التي قدمها هي عبارة عن اعترافات لأشخاص موقوفين واكتفى الادعاء العام بتسليم مذكرة مكتوبة مملوءة بالعبارات الشعرية والشتائم البذيئة مثل وصف الشيخ الجمري "بالأفعى"، وشتمه بأسلوب لا يليق بمهنة الإدعاء أو القضاء. ولذلك فإن الجلسة لم تدم أكثر من خمس دقائق بعد تسليم مذكرة الادعاء العام. استلم الدفاع المذكرة وذهب للرد عليها في اليوم التالي 7 يوليو. وفي صباح 7 يوليو سلم الدفاع مذكرة مكتوبة لقضاة محكمة أمن الدولة. وبعد دقيقة من استلام المذكرة المكتوبة، فتح القاضي ورقة وقرأ حكما قاسيا دون أن يطلع على رد الدفاع. وانتهت الجلسة بعد أقل من خمس دقائق من انعقادها.
الهزة التي أحدثتها هذه المحكمة لم تتوقع مردوداتها الحكومة. فقد كانت الأوضاع هادئة منذ تولي الشيخ حمد آل خليفة مقاليد الحكم في 6 مارس إثر وفاة والده. وكانت فصائل المعارضة قد دعت للهدوء وقدمت العزاء للأمير الجديد وتمنت أن يكون عهده عهد إصلاح وخير. وأمل الشعب كثيرا بعد سماع تصريحات الأمير التي تحدثت عن تغييرات وإصلاحات ومساواة بين المواطنين. إلا أن الحكم القاسي غير كل شيء، وعاد الوضع للتوتر مرة أخرى، وانتشرت الكتابات الجدارية وبدأت الحرائق الاحتجاجية في العودة وسمعت أصوات اسطوانات الغاز التي يفجرها أبناء الشعب تعبيرا عن احتجاجهم. هذا الوضع المتفجر كان على موعد مع هزة أخرى في اليوم التالي.
ففي صباح الثامن من يوليو، كان الوضع متأزما ومتفجرا، إلا أنه ومع الظهيرة نشرت الحكومة خبرا بأنها سوف تفرج عن الشيخ الجمري في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر. واتصل مكتب رئيس الوزراء بمنزل الشيخ الجمري وطلب لقاء عاجلا مع اثنين من أبناء الشيخ الجمري (محمد جميل وصادق) وكان الاثنان قد استدعيا من قبل جهاز المخابرات في صباح ذلك اليوم. بعد ان عادا للمنزل قرابة الساعة الثانية عشرة والنصف علما عن استدعائهما لجلسة طارئة مع رئيس الوزراء. وهكذا وصلا إلى مكتب رئيس الوزراء، وكان في استقبالهما الأخير وابرز حفاوة لهما وجلس معهما لمدة نصف ساعة قال فيها أنه " ليس لديه شئ ضد الشيخ الجمري وأنه يعرفه منذ أيام المجلس الوطني ولكن أطراف أخرى دخلت بيننا"، وأخبرهما أن الشيخ الجمري سيفرج عنه قبل الساعة الخامسة عصرا.
رجع ابنا الشيخ الجمري إلى المنزل، وكان هناك اتصال آخر بصادق يطلب منه أخذ ثياب علماء الدين التي يلبسها الشيخ الجمري والتوجه بها إلى سجن القلعة. وهناك كان الشيخ على موعد آخر. إذ طلبت منه المخابرات الذهاب للأمير لتعزيته بوفاة الأمير السابق. ولكنه عندما وصل إلى قصر الأمير في الرفاع فوجيء بوجود رموز العائلة الحاكمة ومجلس الوزراء. وقبل دخوله سلمت له ورقة لقراءة "رسالة اعتذار" أمام كل من الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد وجميع أعضاء مجلس الوزراء. وكان هناك طاقم تلفزيوني كامل التجهيزات يصور كل شئ ليعرضه في الساعة السابعة مساءً على تلفزيون البحرين، وليشاهد الشعب كيف "يقدم الشيخ الجمري اعتذاره"، وكيف يطلب العفو وكيف يتحدث عن تعهده بالالتزام بالشروط التي طلبتها وزارة الداخلية. الكاميرا لم تكن أمينة في النقل، فقد حذفت عبارات وحركات هنا وهناك.
قبل ساعتين من العرض التلفزيوني كانت الشوارع قد امتلأت بأبناء الشعب الذين انهالوا من كل حدب وصوب للقاء الشيخ الجمري. إلا أن قوات مكافحة الشغب انتشرت في كل مكان، وما أن تفرقت الحشود حتى سيطرت قوات الأمن والمخابرات ومكافحة الشغب على جميع المنافذ وفرضت حصارا مستمرا منعت تجمع أبناء الشعب ومنعت وصول الأشخاص إلى منطقة بني جمرة التي يسكنها الشيخ الجمري. وهكذا فرض الحصار على منزل ومنطقة سكنى الشيخ الجمري بعد الإفراج، والحصار مستمر حتى كتابة هذه السطور.
خلفيات الحدث الدرامي
أولا: الاعتقال الأول والمبادرة
وضع الشيخ الجمري في 1 أبريل 1995 تحت الإقامة الجبرية وقتل اثنان من جيران الشيخ الجمري عند محاصرة المنزل ثم نقل إلى المعتقل وبقي هناك حتى 25 سبتمبر 1995. وفي نهاية أبريل 1995 تقدم الشيخ الجمري مع رفاقه بمبادرة لتهدئة الوضع مقابل الإفراج عن الموقوفين والمعتقلين، على أن يتم تقديم المطالب السياسية بعد عودة الهدوء. افرج عن " جماعة المبادرة" في أغسطس وسبتمبر 1995، وعاد الهدوء وانتشرت الأفراح في البحرين. غير أن وزارة الداخلية لم تطلق الموقوفين والمعتقلين الذين وعدت بالإفراج عنهم، بل واستمرت المحاكمات مما وضع جماعة المبادرة في حرج شديد، أدى بهم لإعلان الاعتصام داخل منزل الشيخ الجمري والإضراب عن الطعام لمدة عشرة أيام حتى 1 نوفمبر 1995. وفي 1 نوفمبر اجتمع قرابة 80 ألف مواطن أمام منزل الشيخ الجمري معلنين التضامن والصمود، وكان هذا اكبر تجمع في تاريخ البحرين.
استشاطت الحكومة غيظا وبدأت المصادمات تزداد داخل المساجد بين قوات الأمن وأبناء الشعب، وتصاعدت وتيرتها حتى 21 يناير 1996، عندما أعيد اعتقال جميع أفراد المبادرة وجميع الخطباء وعلماء الدين والنشطاء والذين ظهروا على السطح خلال الفترة المنصرمة.
ثانيا: الاعتقال الثاني والزنزانة الانفرادية
وضع الشيخ الجمري في زنزانة انفرادية مباشرة بعد اعتقاله في الساعات الأولى (بعد منتصف الليل) في 21 يناير 1996، لمدة تزيد على تسعة شهور. ونعرف هذه الحقيقة من رسالة استطاع الشيخ الجمري تسريبها لاحقا إلى عائلته مؤرخة بتاريخ 2 نوفمبر 1996 يقول فيها ما يلي (وهي موجهة لزوجة الشيخ "أم جميل"):
" بسمه تعالى، قرة العين أم جميل، أعزائي وعزيزاتي، فسلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد:
فأحمد الله سبحانه على عظيم نعمه علي، ومنها نعمة السجن، لتكفير ذنوبي، وإعلاء درجتي إذا شاء سبحانه، ومواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء، وحصولي على تربية نفسية عالية، وإتاحة فرصته كبيرة لعبادته سبحانه وتلاوة كتابه، فله المنة وله الحمد.
قرة العين، أحبائي، حبيباتي: ما اعظم شوقي إليكم، وما اشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب. وليكن ذلك، وليكن السجن، فما عسى أن يكون مهما عظم بلاؤه - في سبيل الله تعالى، وبسبب قضية عادلة، ومن اجل شعب عظيم وفي سبيل يستحق أن يفدى بأغلى الأشياء.
أحبائي بلغني ما حصل للحبيبة منى (زوجة ابن الشيخ الجمري المهندس محمد جميل الذي كان معتقلا أيضا لقضاة فترة سجنه لمدة عشر سنوات - بدأت منذ 1988) من اعتقال شهرين، وذلك بعد الإفراج عنها، وقد كدر هذا وجدي وضاعف ألمي، ولكن ذلك بعين الله تعالى. بلغني مرض العزيز صادق ورقاده بالمستشفى عشرة أيام وذلك بعد أن رخص، فلله الحمد والمنة على شفائه، وكفى وكفيتم كل بلاء.
بعد مرور 9 أشهر و12 يوما في السجن الانفرادي جيء إليّ - بفضل الله ومنه- بالشيخ علي أحمد، فكان كالماء البارد على قلب الظمآن، في الحر الشديد، فلله الحمد والمنة.
أحبائي: لا تقلقوا، فالفرج قريب تلوح أمامي تباشيره ومؤشراته. اجل : سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة... وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا. تحياتي لكل الأهل والأبناء وأبناء العم والجيران وتحياتي وأشواقي للغائبين جمع الله الشمل معهم، والى اللقاء، يا كل الأحبة، القريب القريب بإذن الله تعالى ودمتم محروسين".
توضح الرسالة المذكورة الوضع القاسي الذي كان يعيشه الشيخ الجمري في الزنزانة الانفرادية لا يعلم ماذا حصل في هذه الفترة التي شهدت معظم الحوادث الخطيرة في فترة الانتفاضة التي بدأت في ديسمبر 1994.
ثالثا: الصمود داخل السجن
كان الشيخ الجمري يرفض جميع التهم الموجهة إليه واستطاع الصمود أمام ظروف الاعتقال حتى مارس 1998، وبعد هذا التاريخ تحول الوضع كثيرا. طوال عام 1997 كان الشيخ الجمري يعاني الأمرين ويعاني من ازدياد مرضه ( ضيق التنفس وحالة ضعف عامة) ومع ذلك فقد كان صامدا وشامخا وفي كل مقابلة يسمح له بها مع عائلته كان يتحدث بجرأة ويوصي بالصمود. وخلال هذه الفترة كانت هناك محاولات لإعادة فتح حوار مع الحكومة، وكان الشيخ يرفض إعادة ما حصل عام 1995. وكان يطالب أن يكون الحوار مع القيادة السياسية وليس الجهاز الأمني، وأن يكون الحوار مع الأطراف الوطنية الأخرى لكي لا تنحصر المشكلة بالطائفة الشيعية فذلك خطر إستراتيجي.
كان الشيخ الجمري يضايق كثيرا أثناء مقابلته لعائلته ووضعت أجهزة تصنت وتصوير دقيقة، وبعد كل مقابلة يتم استدعاء ابن الشيخ الجمري (صادق) ويشغل له الفيديو ليشاهد ويسمع ما يقوله الشيخ الجمري بصورة منخفضة جدا لعائلته. ويتم تهديد صادق وبقية أفراد العائلة إذا استمروا في التحدث بقضايا لا تعلم عنها المخابرات. وبالفعل تمكن جهاز المخابرات من الأطباق على المنفذ الوحيد الذي كان متوفرا للشيخ الجمري مع العالم الخارجي.
منذ مطلع1997 لم يستطع الشيخ الجمري أن يتعرف على ما يجري خارج السجن ولم يستطع أن ينقل أي شئ إلى خارج السجن. وهذه المعاملة القاسية لم يخضع لها أي سجين آخر. وبعد أن تمكنت المخابرات من أحكام السيطرة على جميع منافذ العالم الخارجي ( خارج السجن) بدأت مرحلة أخرى انتهت بكسر عزيمة الشيخ الجمري.
رابعا: محاولات كسر العزيمة
في الأيام الأولى من مارس 1998 حصلت زيارة عائلية للشيخ الجمري، وبعد انتهاء المقابلة تلك أخضع الشيخ الجمري لأسلوب شديد في المعاملة وتعذيب اشتمل على الضرب. فقد درست المخابرات شخصية الشيخ كثيرا وعلمت كيف تزعجه. وأكثر ما يزعجه هو الاعتداء على كرامته واحترامه. وبالفعل أمروا أحد الشرطة بسحبه ودفعه وتمزيق ثيابه . ثم وبعد ذلك وضعوه في غرفة يوجد بها ضوء شديد الأشعة وأحاط به ستة ضباط وبدأوا معه دورات قاسية من التحقيق والصراخ والتهديد بالاعتداء عليه وعلى عائلته. وقالوا له "أن الوضع خارج السجن هدأ، ولم تبقى إلا أنت، ولا يفكر فيك أحد، ولا توجد سلطة في العالم تمنعنا من عمل أي شئ نريده، وسوف نخلص عليك". وتناوشوه بالشتم والشدة والتهديد وحرموه من النوم إلى أن سقط مغشيا عليه عدة مرات وقالوا له: "لن نتركك إلا إذا وقعت على ورقة تقول فيها كل ما نريد، وبالتحديد بأنك تطالب بالدستور للتغطية على مطالبك الحقيقية وهي إقامة دولة شيعية في البحرين وأنك مرتبط بإيران .. .. الخ". ونتيجة للمعاملة الشنيعة فإن الشيخ الجمري بحاجة للعلاج حتى بعد الإفراج عنه في 8 يوليو. وقد دخل المستشفى أكثر من مرة بعد أن سقط من الوجع المؤلم في أذنه اليسرى.
انهارت قوى الشيخ الجسدية كثيرا ووافق على كتابة ما يريدون اعتقادا منه أنه سيستطيع نفي ذلك في المرحلة التي تلي كتابة الاعترافات. فحسب الإجراءات الأمنية تقوم المخابرات بسحب الاعتراف ثم ينقل المتهم إلى "قاضي تحقيق". وبمجرد أنه يوقع على الاعترافات أمام قاضي التحقيق، تعتبر الأدلة كافية لتقديم الشخص لمحكمة أمن الدولة. ذلك لأن محكمة أمن الدولة تقبل بكل ما هو موقع أمام قاضي التحقيق كشهادة ثابتة وغير قابلة للنقاش. ولأن الشيخ الجمري على علم بهذا الإجراء، تصور أن بإمكانه أن يوقع أمام المخابرات ويفلت من ذلك التوقيع لاحقا. وبالفعل بعد التوقيع أمام المخابرات (أثناء التعذيب) أخذ الشيخ الجمري لقاضي التحقيق، وعندما طلب منه الاعتراف أمام قاضي التحقيق أبى ذلك بشدة ونفى كامل الاعترافات التي اكره على التوقيع عليها.
وهنا قال له المدعو عادل فليفل: "سأخيّسك في السجن"، فرد عليه الشيخ: "افعل ما تشاء، فأنا لست بأحسن من غيري". رفض الشيخ الإدلاء بأي شئ أو التوقيع على أي شيء أمام قاضي التحقيق، مما أدى لتعريضه لوجبات تعذيب أخرى. وهذا أدى بدوره أن يسقط مريضا بشكل خطر أدى لنقله للمستشفى العسكري وانتقل الخبر عن الحالة الصحية المتدهورة للشيخ بعد نقله للمستشفى العسكري، وقامت المعارضة باتصالات فورية مع لجنة الصليب الأحمر الدولي ومنظمات حقوق الإنسان. وعلم لاحقا أن وفدا من الصليب الأحمر توجه إلى البحرين وتم إيقاف التعذيب في حدود 18 أبريل 1998، أي بعد عدة أسابيع من وجبات التعذيب الشديدة.
استهدفت المخابرات الشيخ الجمري بالأساس لأنها أرادت الانتقام منه (والانتقام من حشده لـ80 ألف مواطن أمام منزله في 1 نوفمبر 1995) ولأنها تعلم أيضا أن كسره يعني كسر عزيمة الشعب. وهكذا حاولت المخابرات إجبار الشيخ الجمري أن يوقع على الاعترافات أمام قاضي التحقيق طوال الأشهر المتبقية من 1998 ولكنها فشلت في إجباره على التوقيع أمام قاضي تحقيق.
كان الشيخ الجمري يعيش الآلام وهو يسمع ما يجري بالقرب منه في الزنزانة. فبالقرب من زنزانته الانفرادية هناك يقع سجن يسمى "سجن المكاتب"، وكان الشيخ يسمع التكبيرات والتأوّهات والصرخات عندما تداهم الشرطة السجن لممارسة الضرب بالهراوات، حتى أنه أخذ يكبّر في إحدى المرات و يقول "دعوا أبنائي بسلام". ناهيك عن أنه كان يرى الشباب وهم معصّبوا الأعين، يُقادون هنا وهناك، في الوقت الذي
تقول له المخابرات بأنه وراء كل عذاب يصيب هؤلاء إن لم يتنازل.
من الضروري الإشارة لما كان يجري داخل السجن مع الشيخ الجمري طوال الأشهر المتبقية من 1998. فعندما رفض الشيخ الجمري التوقيع على اعترافات أمام قاضي التحقيق، سعت الحكومة لكسره مرة أخرى، ولكن بطريقة أخرى، وذلك من خلال إيصال معلومات مغلوطة - بوسائل شتى وبصورة مستمرة - لتشويش
وجهة نظر الشيخ. كما وأشاعت الحكومة بأنها ستوسط الإمام محمد مهدي شمس الدين (رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان) لزيارة البحرين.
خامسا: انتهاء فترة التوقيف دون محاكمة
مع اقتراب موعد انتهاء فترة الثلاث سنوات التي يحددها قانون أمن الدولة للإفراج عن المتهم إذا لم يقدم لمحاكمة شعرت الحكومة بحرج شديد خصوصا مع ازدياد المطالبات الداخلية والخارجية للإفراج عن الشيخ عبد الأمير الجمري القاضي والنائب في البرلمان المنحل وعضو لجنة العريضة الشعبية، والكاتب والشاعر وعالم الدين.
لقد اعتقد الشيخ الجمري أن خطته (وهي عدم التوقيع أمام قاضي تحقيق) قد نجحت. إلا أن القانون - حتى قانون أمن الدولة - لا يلزم دولة لم تعد تحترم نفسها. فعندما انتهت فترة الثلاث سنوات تقدم المحامي عبد الله هاشم بتظلم لدى محكمة أمن الدولة استعرض فيها نصوص قانون أمن الدولة وكيف أن هذا القانون نفسه يوجب الإفراج عن الشيخ الجمري في 21 يناير 1999. ذلك لأن المادة الأولى من قانون أمن الدولة تقول "ولا يجوز أن تزيد مدة الإيداع على ثلاث سنوات كما لا يجوز القيام بأي تفتيش أو اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الأولى إلا بأمر من القضاء". إلا أن الحكومة لم ترد على لائحة التظلم هذه.
سادسا: الشروع في المحاكمة بعد انقضاء وقتها
غير أن وزارة الداخلية بيدها كل شئ والحكومة لا يوجد من يسائلها عما تعمل. وبالفعل قامت وزارة الداخلية بتقديم الشيخ الجمري للمحاكمة في 21 فبراير1999، أي بعد شهر كامل من وجوب الإفراج عنه. حيثيات الجلسات كثيرة، وأدى تقديم الشيخ الجمري للمحاكمة لحدوث ضجة إعلامية وحقوقية دولية. وقد قال الشيخ الجمري أمام المحكمة (وتناقلت ذلك وكالات الأنباء) انه ليس مجرما وان كل ما يطالب به هو عودة المجلس الوطني.
بدأت الأوضاع تزداد توترا، حتى توفى الأمير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في 6 مارس، واستلم الحكم ابنه الشيخ حمد، وتأجلت الجلسة الثانية التي كان من المقرر أن تعقد في 7 مارس حتى إشعار آخر. وارجع الشيخ الجمري إلى زنزانته انفرادية حتى أنه لم يعلم بوفاة الأمير السابق إلا بعد أن التقى بعائلته في شهر أبريل، أي بعد شهر من الوفاة.
أثناء فترة الحداد لثلاثة اشهر، انتشرت الآمال بأن الحكم الجديد سوف يتبع سياسة جديدة مع أبناء الشعب. وبالفعل كان هناك آمال وتفاؤلات حسنة خصوصا عندما تحدث الأمير الجديد عن عزمه للإصلاح وأنه لا يفرق بين المواطنين على أساس المذهب. وفي هذه الفترة طلب الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة (عم الأمير) الاتصال بأبناء الشيخ الجمري. وبالفعل ذهب أبناء الشيخ الجمري للقائه، وهناك استقبلهم بحفاوة بالغة، وقال لهم أن الشيخ حمد رجل يختلف كثيرا عما يعتقده الآخرون وسيكون من افضل الحكام، وأنا اعلم ذلك لأني من كبار عائلة آل خليفة. إنني معكم وأطالب بالإفراج عن الشيخ الجمري وتعويض عوائل المقتولين والإفراج عن جميع المسجونين. واقترح عليهما كتابة رسالة يوجهونها للأمير ووعد أن يسلمها بنفسه.
علمت المخابرات بموضوع الرسالة فاستدعت صادق ابن الشيخ الجمري للتحقيق معه حول الأمر. وكان واضحا أن قضية الشيخ الجمري أصبحت ضمن الأوراق التي يختلف عليها أطراف الحكم. فرئيس الوزراء استشاط غضبا وأصر على إهانة الشيخ الجمري وتقديمه للمحاكمة في مقابل رأي آخر يطالب بالإفراج عنه لفتح صفحة جديدة مع أبناء الشعب. المخابرات كانت تستدعي صادق كل عدة أيام وتحقق معه وتهدده أحيانا وتأمله خيرا أحيانا أخرى. كما أن المخابرات طلبت من صادق الاتصال بالوكالات الأجنبية (مثل رويتر) عدة مرات لنفي تعرض الشيخ الجمري للضغوط. وكانوا يهددونه بأنه إذا لم يفعل ذلك فسيعاقبونه وسيعاملون والده بشدة وسيصدرون عليه أحكاما قاسية.
في هذه الفترة أيضا استدعت المخابرات صادق وقالت له إن الأمير يريد الإفراج عن والدك ولكن وزير الداخلية ورئيس الوزراء يريدان تعهدا مكتوبا من والدك بالأمور الأساسية التالية:
أ - أن لا يصرح لأي وكالة صحافية وأن لا يعطي تصريحا سياسيا لأحد.
ب- أن لا يلقي خطابات جماهيرية وأن لا يرفع مطالب سياسية أمام الجماهير.
ج- أن يتوقف عن تدريس طلاب العلوم الدينية في جامع الإمام زين العابدين (الكائن أمام منزل الشيخ الجمري في بني جمرة).
وقالوا له "إذا وقع والدك على هذه الشروط فأنه سوف يؤخذ لقراءتها أمام الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد، وسوف تقوم المخابرات بتصويره للاحتفاظ بالفلم في الأرشيف، وبعد ذلك سوف يفرج عنه". بعد ذلك احضر الشيخ الجمري لمقابلة ابنه والتحدث معه حول هذه الشروط. ونتيجة للمحيط الذي عاشه الشيخ ونتيجة لإيمانه بأن المرحلة الجديدة قد تغيرت وأن بإمكانه أن يعمل بصورة أخرى مع رفاق دربه فقد قرر التوقيع على هذا التعهد.
في اليوم التالي للتوقيع، استدعت المخابرات صادق مرة أخرى وأحضرت الشيخ الجمري وقالت لهما "أن رئيس الوزراء يرفض إطلاق سراحك دون محاكمة". وهنا استشاط الشيخ الجمري غضبا وقال "لقد غدرتم بي كعادتكم".
سابعا: إصدار الحكم الجائر ومسرحية الإفراج والحصار المنزلي
وهكذا كان، فبعد يوم أو يومين (في 28 يونيو) اعلنت الحكومة عن نيتها لتقديم الشيخ الجمري للمحاكمة، وكانت النتيجة هي جلسات الخمس دقائق، وإصدار الحكم الجائر. بعد إصدار الحكم الجائر اهتز جميع من حضر المحاكمة وقال الشيخ الجمري لعائلته بعد المحاكمة: "إنها أصغر هدية أقدمها للمستضعفين من هذا الشعب".
ارجع الشيخ الجمري لزنزانته الانفرادية، وبعد ذلك قال له الضابط الأول المسؤول عن تعذيب الشيخ الجمري (المدعو عادل جاسم فليفل): "إنسى كل شيء قلناه لك وعن الإفراج عنك. سوف تبقى في هذه الزنزانة الانفرادية مدى الحياة" لإكمال العشر سنوات والتعويض عن غرامة 15 مليون دولار.
في اليوم التالي تغيرت الأوضاع وجاء المعذب فليفل ومعه خالد بن محمد آل خليفة ليقولا "أن الأمير قرر الإفراج عنك ولكن بشرط زيارة قصر الرفاع لتقديم العزاء للأمير بوفاة والده". في هذا الوضع المؤلم لم يكن للشيخ الجمري أن يختار أي شي أو أن يستطيع التفكير في أي شيء.
وهكذا كان يوم 8 يوليو 1999. وصل صادق ابن الشيخ الجمري إلى سجن القلعة ومعه الزي الذي يلبسه الشيخ الجمري (زي علماء الدين). لبس الشيخ الجمري ثيابه وركب سيارة تابعة للمخابرات متجهة إلى قصر الأمير بالرفاع. وعند وصوله هناك ولدى دخوله القاعة سلمت له رسالة اعتذار مفروضة عليه. وهناك في قصر الإمارة كان الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد وأعضاء مجلس الوزراء - وطاقم تلفزيوني - كلهم جاهزين لتنفيذ آخر بنود الدراما التي هزت المجتمع البحريني.
بعد الإفراج عن الشيخ الجمري في 8 يوليو فرض الحصار على منطقة بني جمرة لمنع المواطنين من زيارته. فهناك أحد عشر مدخلا للمنطقة ووقف على كل منها ما بين سبعة وعشرة من الشرطة، ويمنع هؤلاء أي مواطن من خارج المنطقة من دخولها ويطلبون البطاقة السكانية للتأكد من هوية الشخص. أما الدائرة الثانية المحيطة بمنزل الشيخ ومقبرة المنطقة فهي اكثر حصارا ولا يسمح باجتيازها إلا بصعوبة. ويتكثف الحصار خلال أوقات الصلاة والليل. وهناك ثلاث سيارات للشرطة ترابط بالقرب من منزل الشيخ والمسجد الذي يصلي فيه لمنع المواطنين من دخولهما. ويتم تنفيذ إجراءات الحصار بشدة. وأقيم مكتب خاص لذلك الحصار بمركز الشرطة بالبديع يقيم فيه عناصر المخابرات.
الشيخ الجمري كان في وضع لا يحسد عليه والتاريخ سيقرأ الأحداث مرات ومرات، إلا أن المؤكد أن الحكومة خسرت فرصة ذهبية لبناء جسور الثقة مع شعبها باللجوء لهذه الأساليب الرخيصة.
كانت ردة الفعل الشعبية الأولية بعد العرض التلفزيوني للشيخ الجمري، هي الصدمة، إلا أن الشعب كشف تلك اللعبة التي لعبتها الحكومة. ففي ذلك مساء 8 يوليو - أي بعد العرض التلفزيوني بأقل من ساعة - خرج الكثير من الناس للشوارع لإعلان مساندتهم للشيخ الجمري وإدانتهم لأساليب الحكومة، و تم قمع تلك المسيرات بالرصاص المطاطي و مسيل الدموع و حدثت اشتباكات مع الشباب الذين شاركوا في تلك المسيرات، كما حدث في سترة مثلا.
التفاؤل بالتغيير في العهد الجديد الذي انتشر في بداية الأمر وخصوصاً بعد السماح لمقالات الصحفيين المحليين التعرض لهذا الموضوع بدأت تتبدد، وبدأت الصحافة المحلية تتحاشى ذكر موضوع الإصلاح وعادت أجواء التشاؤم لتخيم على البحرين.
الحكومة خسرت الورقة التي كانت تستخدمها للضغط على الشارع المتحرك. فإسكات الشيخ الجمري لا يعني إسكات الشارع أو تعطيل مشروع المعارضة، بل على العكس. فالشيخ الجمري مكبل وصمته عنوان ظلامة كبيرة لشعب مظلوم، والمطالب مستمرة، والمعارضة المطلبية تجذرت في أعماق الشعب ولا مفر للظالمين مهما طال الزمن ومهما استخدموا من وسائل إذلالية، فالشعب باق وحقوقه باقية والمنتهك لتلك الحقوق مندحر بإذن الله. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
منقول
الجمري في سطور
مولده: ولد الشيخ عبد الأمير الجمري في بني جمرة " من دولة البحرين"- المحلّة التي تسكنها قبيلته- ليلة الجمعة قبل الفجر بساعة تقريباً 28 ذي الحجة 1356هـ 1937م.
نشأ وتربّى في كنف والده المرحوم المؤمن التقي العارف منصور الحاج محمد الجمري المتوفّى في ليلة السبت 27 ربيع الأول 1367هـ 1947م، وقد بذل رحمه الله ما في وسعه من عناية بتربية المترجم.
كانت دراسته الأولية الرسمية في البحرين، وقد تاقت نفسه لأن ينخرط في سلك الخدمة الحسينية، مستفيداً ما يتعلّق بالفن المنبري من ابن عمه شيخ خطباء البحرين المرحوم ملاّ عطية بن علي الجمري رحمه الله تعالى المتوفى في 30 شوال شوال 1401هـ , وابنه الخطيب ملاّ يوسف ملاّ عطية الجمري , وكذلك الخطيب الفاضل ملاّ جاسم محمد حسن نجم الجمري( رحمه الله) . وقد قرأ كخطيب مستقل وهو في سن مبكرة حيث لم يتجاوز السابعة عِشرة من عمره , وقد حظي بموفقية وتجاوب اجتماعي شجَّعه على الاستمرار .
دراسته العلمية : أما الدراسة العلمية فقد بدأها المترجم على يد العلامة الجليل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد صالح آل صالح آل طعّان البحراني طيّب الله ثراه في سنة 1959هـ , وكانت وفاة هذا الشيخ المبرور في 25 صفر 1381هـ 1961م في شيراز بإيران وقبره هناك . وكان هذا الشيخ جزاه الله خير جزاء المحسنين هو السبب المباشر لانخراط المترجم في السلك العلمي , حيث رغّبَه أشد الترغيب في ذلك , متوسِّماً فيه – كما يقول قدس سره – القابلية لذلك .
وقد درس المترجم عنده بعض المقدمات في العربية والفقه والعقائد لمدة سنتين, وفي خلال هاتين السنتين حضر فتره قصيرة عند العلامة الجليل الشيخ باقر الشيخ أحمد العصفور طيّب الله ثراه , فقرأ عليه أوائل الجزء الأول من تتابع "جامع الدروس العربية " للشيخ مصطفى الغلاييني. كما قرأ كتاب الطهارة من " شرائع الإسلام " وأوائل " قطر الندى" حتى نواصب الفعل المضارع على العلامة الجليل السيد علوي السيد أحمد الغريفي حفظه الله تعالى . وقد دفع الشيخ عبد الله الآنف الذكر المترجم إلى الهجرة إلى النجف الأشرف , وبعد وفاته قدس سرة هاجر المترجم إلى النجف الأشرف لمواصلة دراسته وذلك في بداية ربيع الأول سنة 1382هـ 1961م .
قرأ المترجم في النجف الأشرف معظم السطوح على أساتذة فضلاء وعلماء أعلام, رحم الله الماضين منهم وأيّدَ الباقين , وجزاهم جميعاً خيرَ جزاء المحسنين .
قرأ " قطر الندى " على الشيخ عبد الله " أبو مَرَة " الإحسائي . والألفية " شرح ابن عقيل " علي الشيخ حسين الظالمي النجفي , والسيد عبد الله العلي الإحسائي ." ومعالم الدين في الأصول" على الشيخ محسن الغرّاوي النجفي . " وشرائع الإسلام " عدى أوائلها فقد كان على أكثر من واحد من العلماء الأفاضل كالسيد حامد السويج البصري دام ظله أجزل الله مثوبتهم وجزاهم أفضل الجزاء وأوائل "شرح اللمعة " على الشيخ محمد علي الخمايسي , وما بقي منها مع " المكاسب " على السيد محيي الدين الغريفي النجفي " ومختصر المعاني والبيان " على الشيخ إبراهيم أبو خليل من أهالي سوق الشيوخ, والشيخ حسن طراد العاملي, والشيخ علي الجزائري, و"منطق المظفر " على الشيخ عبد الرسول الكرمي " وحاشية ملا عبد الله " في المنطق على الشيخ صالح الصالحي، و" أصول المظفر " و "كفاية الأصول " وقسم من "الرسائل " على السيد علاء الدين آل بحر العلوم. و"شرح الباب الحادي عشر " على السيد حسين آل حسين آل بحر العلوم، و "شرح التجريد " ولم يكمله على السيد مسلم الحلي النجفي .
في البحث الخارج تشرَّف مدة سنتين أو أقل بحضور بحث سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي طاب ثراه, في الأصول, وبحث سماحة آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره في الفقه الاستدلالي على ضوء العروة الوثقى.
إجازاته ووكالاته : للمترجم إجازة رواية من سماحة آية الله العظمى السيد علي الفاني الأصفهاني طاب ثراه مؤرخةً في 25 شعبان 1391هـ . كما أنّه وكيل على قبض الحقوق الشرعية وغيرها من الأموال الشرعية وتولّي الأمور الحسبية من قِبَل عدد من الحجج والمراجع أدام اللهُ ظلالهم وهم:السيد علي الحسيني السيستاني,والسيد علي الحسيني الخامنائي، والشيخ جواد التبريزي, والشيخ محمد فاضل اللنكراني, بالإضافة إلى أنّه كان وكيلاً من قِبَل عدد من المراجع لماضين وهم:الشيخ محمد أمين زين الدين,والشيخ محمد علي الأراكي،و السيد محمد رضا الكلبيكَاني، والشيخ الميرزا علي الغروي ، والسيد حسين بحر العلوم "قدس الله أسرارهم".
أدبه : نشر للمترجم عدد من المقالات الأدبية والدينية والقصائد في بعض الصحف والمجلات العراقية كالأضواء, والتضامن الإسلامي حينما كان في النجف الأشرف, وفي عدد من الصحف والمجلات البحرانية بعد عودته إلى البحرين, وقد ذكره صاحب كتاب " معجم الأدباء والكتاب العراقيين " ضمن هذه الموسوعة .
عضويته في البرلمان : بعد اثنتي عشرة سنة قضاها المترجم في تحصيل العلم بجامعة النجف الأشرف , عاد إلى البحرين بعد استقلالها ووضع دستور الدولة من قبل المجلس التأسيسي , وكانت عودته بناءً على طلب مؤكّد من منطقته من أجل أن يرشِّحَ نفسه لعضوية المجلس الوطني. وحيث كان طلب المنطقة أكيداً فقد استفتى في الموافقة على الطلب كلاً من المرجعين الدينيين سماحة الشهيد السيد محمد باقر الصدر"قدس سره"وسماحة الشيخ محمد أمين زين الدين
"قدس سره", فأفتاه الأول بوجوب الموافقة , والثاني بالجواز , وبناءً على ذلك قَفَلَ عائداً إلى البحرين بأهله وعياله, ولم يكن ذلك موافقاً لرغبته الحقيقية, إذ كان راغباً جداً في مواصلة الدراسة لعلَّه يحصل على شيء يعتد به من العلم. وكيف كان فقد رجع ورشّح نفسه لعضوية المجلس الوطني مجتنباً ما يمارس في هذه الأمور من الدعاية وتوزيع الصور ووضع الملصقات التي تبيِّن أهداف المرشّح وتدعو الناس إلى انتخابه. وتم انتخابه عضواً في المجلس عن الدائرة الانتخابية السادسة عشرة مع سماحة العلامة الجليل الشيخ عيسى أحمد قاسم , وكان رصيدهما بالنسبة لأصوات الناخبين على مستوى عموم الدوائر الانتخابية أعلى الأرصدة , وكان لهما مع كتلتهما الإسلامية في المجلس الوجود الفاعل, والمواقف الواضحة والجريئة .
بجمعية التوعية الإسلامية : تم اختيار المترجم نائباً للرئيس في جمعية التوعية الإسلامية في البحرين لمدة ست سنوات تقريباً حينما كان رئيسها سماحة العلامة الشيخ عيسى أحمد قاسم, وكان له فيها وجود فاعل ونشاط معروف.
قضاؤه : بعد حلِّ المجلس الوطني بسنتين , وفي 23 محرم 1397هـ 1977م عُيِّنَ المترجم قاضياً في المحكمة الكبرى الشرعية – الدائرة الجعفرية – وذلك بعد طلب مؤكّد ومتكرّر من المسئولين في البلاد, وبعد أن أعلن موافقته على القضاء بناءً على إجازة كل من المرجعيين الدينيين سماحة السيد أبو قاسم الخوئي"قدس سرة " وسماحة الشيخ محمد أمين زين الدين " قدس سره " وفي سنة 1408هـ 1988م عُزِلَ عن القضاء بسبب خلافات حصلت بينه وبين المسئولين في عدة أمور, وبسبب مؤاخذات حادّة من قِبَلِهم عليه على أساس مواقف إسلامية كانت له, وتصريحات من قِبَله تشجب عدة قضايا تُمارس في البلد, وذلك من منطلق النصيحة , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وبعد عزله اعتُقِل, واستُدعيَ للتحقيق عدة مرات وأُلقيَ عليه أكثر من اتهام, إلا أنّه وبسبب اطمئنانه بصوابية مواقفه لم يتراجع وواصل نشاطاته المختلفة وارتباطه الوثيق بعموم الناس.
في الإذاعة والتلفزيون : مارس المترجم منذ سنة 1973م حتى سنة 1981م تقديم الأحاديث الدينية في كل من إذاعة البحرين وتلفزيون البحرين , إلا أنَّ التقديم في التلفزيون كان أحياناً. وكانت الأحاديث التي يقدّمها بمناسبة عاشوراء وشهر رمضان, ووفيات أهل البيت (ع) ومواليدهم, بالإضافة إلى أيام الجمعة, وقد كان ثمّةَ إقبال كبير على أحاديثه, وقد تلقّى عدداً من رسائل الشكر من البحرين وخارجها لا سيما من بلدان الخليج.
في الصحافة : حرّرَ المترجم ولمدة أربع سنوات وذلك في السبعينات : زاوية دينية في مجلة المواقف تحت اسم :"استفسارات دينية ", وكان على هذه الزاوية إقبال كبير من القرّاء .
مؤلفاته : وللمترجم عدة مؤلفات إسلامية طبع منها: "من واجبات الإسلام " طبع مرة واحدة, و"من تعاليم الإسلام " طبع مرتين, إلا أنّه طبع في المرة الثانية تحت اسم : "تعاليم إسلامية, وقد أُضيفَ إليه في الطبعة الثانية بحوث أخرى , وهي عبارةً عن تلخيص لبعض محاضرات المترجم, و"المرأة في ظلِّ الإسلام " طبع ثلاث مرات, و"مقدمة دعاء كميل" طبع مع دعاء كميل مرة واحدة, وديوان شعر اسمه "عصارة قلب" الجزء الأول، طبع مرة واحدة, و"من شموع العترة الطاهرة" كُتِبَ عن السيد محمد ابن الإمام علي الهادي (عليهما السلام ), طبع مرة واحدة, وهناك عدد من المؤلّفات لا زال مخطوطاً, منها كتاب سيطبع قريباً اسمه" الإسلام وشئون الإنسان", وهو عبارة عن أجوبة على الأسئلة التي نشرت في مجلة المواقف في الزاوية المذكورة آنفاً, بالإضافة إلى أجوبة على أسئلة نشرت في صحف أخرى.
مع الحوزة: في سنة 1405هـ 1985م أسس المترجم الحوزة العلمية المعروفة بــ (حوزة الإمام زين العابدين "ع" ), مكانها : جامع الإمام زين العابدين عليه السلام , الكائن في قرية بني جمرة قرب بيت المترجم , وهي حوزة تضم إلى حدِّ الآن سبعين فرداً بين أستاذ وطالب, ويُدرِّس فيها علماء أكفاء, ولها نظام , ويطبّق فيها الإمتحان وإعطاء الدرجات، ويُدرَّس فيها جميع الدروس الحوزوية, وإضافة إلى ذلك قُرّر في منهجها دروس إضافية وهي:التجويد, والفلسفة, وعلوم القرآن،وعلم الرجال، وثلاثة دروس تكميلية أسبوعية: الأخلاق, والتفسير, والسيرة .
خطه السياسي: خطه السياسي هو الخط الإسلامي الأصيل ويتمثّل في كونه يعيش آلام وهموم الآخرين, ويسعى قدر جهده لإصلاح الفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ويدعو إلى الوحدة الوطنية ونبد التفرقة ومحاربة الطائفية, وقد تجلّى موقفه الإسلامي في موقفه من الأزمة التي عصفت بالبلاد في التسعينات, والدور الريادي المميَّز له مع زملائه في العريضة النخبوية, والعريضة الشعبية, وما تحمّل مع زملائه الأطائب أصحاب المبادرة, هذه المبادرة التي تضمَّنت الطموحات التي يريدها الشعب وفي طليعتها البرلمان, وقد جاء في خطابه للجماهير التي قُدِّرَتْ بخمسين ألفاً والتي احتشدت لاستقباله يوم خروجه من السجن: " وإنني –أيها الشعب العظيم- لأعاهد الله عزّ وجل وأُعاهدكم بأنّي سأبقى وفياً لكم, وسأعيش هموم هذا الشعب وآلامه وآماله, وسأخدمه بكل ما لديّ من طاقات, علّي أتمكّن من أداء بعض الدين الكبير الذي لكم في عنقي", إلاّ أنّ الحوار المأمول مع السلطة قد تعثّر رغم الثمار الواضحة لخطوات أصحاب المبادرة, وهكذا مع عودة التأزّم للوضع تم اعتقال شيخنا الجمري مرة أخرى ليمضي ثلاث سنوات ونصف، وقد أمضى كثيراً من هذه المدة في سجن انفرادي.
شعره : بالنسبة لشعر المترجم : نظم الشعر وهو في سنٍ مبكرةٍ , وذلك باللسانين: الشعبي, والفصيح, بدأ نظم الشعر الشعبي– في رثاء أهل البيت(ع) – ولمّا يُكمل العاشرة من عمره، وله ديوان شعر في هذا الباب اسمه (أنغام الولاء) وهو لا يزال مخطوطاً. وبدأ نظم الفصيح ولمّا يُكمل الثامنة عشرة. وقد نُشرت له عدة قصائد بالفصحى في بعض الصحف العراقية والبحرانية, كما ألقى كثيراً من قصائده في الاحتفالات الدينية في العراق وفي البحرين, وقد صدر له في هذا اللون من الشعر الجزء الأول من ديوانه: "عصارة قلب" المذكور آنفاً. وإليك نموذجاً من شعره بعث مع صورته إلى صديق استهداه إياها ما يأتي:
تلبيـة أهديكهـا صورتـي
حاكيـة علاقـة فاضـلـه
وإنّني أحسـب أن الإخـاء
والحب والصداقـة الكاملـه
تحسها في موقف ترتضيـه
وترتضي – يا صاحبي فاعله
صديقي العزيز يروى إليـك
هنا وعبر الصـورة الماثلـه
تطلعاتي وشجوني الغضـاب
ويقظة في محجـري قائلـة
لا لن أعيش الدهر إلا العناد
للفئـة الفاسقـة الجاهـلـه
مولده: ولد الشيخ عبد الأمير الجمري في بني جمرة " من دولة البحرين"- المحلّة التي تسكنها قبيلته- ليلة الجمعة قبل الفجر بساعة تقريباً 28 ذي الحجة 1356هـ 1937م.
نشأ وتربّى في كنف والده المرحوم المؤمن التقي العارف منصور الحاج محمد الجمري المتوفّى في ليلة السبت 27 ربيع الأول 1367هـ 1947م، وقد بذل رحمه الله ما في وسعه من عناية بتربية المترجم.
كانت دراسته الأولية الرسمية في البحرين، وقد تاقت نفسه لأن ينخرط في سلك الخدمة الحسينية، مستفيداً ما يتعلّق بالفن المنبري من ابن عمه شيخ خطباء البحرين المرحوم ملاّ عطية بن علي الجمري رحمه الله تعالى المتوفى في 30 شوال شوال 1401هـ , وابنه الخطيب ملاّ يوسف ملاّ عطية الجمري , وكذلك الخطيب الفاضل ملاّ جاسم محمد حسن نجم الجمري( رحمه الله) . وقد قرأ كخطيب مستقل وهو في سن مبكرة حيث لم يتجاوز السابعة عِشرة من عمره , وقد حظي بموفقية وتجاوب اجتماعي شجَّعه على الاستمرار .
دراسته العلمية : أما الدراسة العلمية فقد بدأها المترجم على يد العلامة الجليل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد صالح آل صالح آل طعّان البحراني طيّب الله ثراه في سنة 1959هـ , وكانت وفاة هذا الشيخ المبرور في 25 صفر 1381هـ 1961م في شيراز بإيران وقبره هناك . وكان هذا الشيخ جزاه الله خير جزاء المحسنين هو السبب المباشر لانخراط المترجم في السلك العلمي , حيث رغّبَه أشد الترغيب في ذلك , متوسِّماً فيه – كما يقول قدس سره – القابلية لذلك .
وقد درس المترجم عنده بعض المقدمات في العربية والفقه والعقائد لمدة سنتين, وفي خلال هاتين السنتين حضر فتره قصيرة عند العلامة الجليل الشيخ باقر الشيخ أحمد العصفور طيّب الله ثراه , فقرأ عليه أوائل الجزء الأول من تتابع "جامع الدروس العربية " للشيخ مصطفى الغلاييني. كما قرأ كتاب الطهارة من " شرائع الإسلام " وأوائل " قطر الندى" حتى نواصب الفعل المضارع على العلامة الجليل السيد علوي السيد أحمد الغريفي حفظه الله تعالى . وقد دفع الشيخ عبد الله الآنف الذكر المترجم إلى الهجرة إلى النجف الأشرف , وبعد وفاته قدس سرة هاجر المترجم إلى النجف الأشرف لمواصلة دراسته وذلك في بداية ربيع الأول سنة 1382هـ 1961م .
قرأ المترجم في النجف الأشرف معظم السطوح على أساتذة فضلاء وعلماء أعلام, رحم الله الماضين منهم وأيّدَ الباقين , وجزاهم جميعاً خيرَ جزاء المحسنين .
قرأ " قطر الندى " على الشيخ عبد الله " أبو مَرَة " الإحسائي . والألفية " شرح ابن عقيل " علي الشيخ حسين الظالمي النجفي , والسيد عبد الله العلي الإحسائي ." ومعالم الدين في الأصول" على الشيخ محسن الغرّاوي النجفي . " وشرائع الإسلام " عدى أوائلها فقد كان على أكثر من واحد من العلماء الأفاضل كالسيد حامد السويج البصري دام ظله أجزل الله مثوبتهم وجزاهم أفضل الجزاء وأوائل "شرح اللمعة " على الشيخ محمد علي الخمايسي , وما بقي منها مع " المكاسب " على السيد محيي الدين الغريفي النجفي " ومختصر المعاني والبيان " على الشيخ إبراهيم أبو خليل من أهالي سوق الشيوخ, والشيخ حسن طراد العاملي, والشيخ علي الجزائري, و"منطق المظفر " على الشيخ عبد الرسول الكرمي " وحاشية ملا عبد الله " في المنطق على الشيخ صالح الصالحي، و" أصول المظفر " و "كفاية الأصول " وقسم من "الرسائل " على السيد علاء الدين آل بحر العلوم. و"شرح الباب الحادي عشر " على السيد حسين آل حسين آل بحر العلوم، و "شرح التجريد " ولم يكمله على السيد مسلم الحلي النجفي .
في البحث الخارج تشرَّف مدة سنتين أو أقل بحضور بحث سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي طاب ثراه, في الأصول, وبحث سماحة آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره في الفقه الاستدلالي على ضوء العروة الوثقى.
إجازاته ووكالاته : للمترجم إجازة رواية من سماحة آية الله العظمى السيد علي الفاني الأصفهاني طاب ثراه مؤرخةً في 25 شعبان 1391هـ . كما أنّه وكيل على قبض الحقوق الشرعية وغيرها من الأموال الشرعية وتولّي الأمور الحسبية من قِبَل عدد من الحجج والمراجع أدام اللهُ ظلالهم وهم:السيد علي الحسيني السيستاني,والسيد علي الحسيني الخامنائي، والشيخ جواد التبريزي, والشيخ محمد فاضل اللنكراني, بالإضافة إلى أنّه كان وكيلاً من قِبَل عدد من المراجع لماضين وهم:الشيخ محمد أمين زين الدين,والشيخ محمد علي الأراكي،و السيد محمد رضا الكلبيكَاني، والشيخ الميرزا علي الغروي ، والسيد حسين بحر العلوم "قدس الله أسرارهم".
أدبه : نشر للمترجم عدد من المقالات الأدبية والدينية والقصائد في بعض الصحف والمجلات العراقية كالأضواء, والتضامن الإسلامي حينما كان في النجف الأشرف, وفي عدد من الصحف والمجلات البحرانية بعد عودته إلى البحرين, وقد ذكره صاحب كتاب " معجم الأدباء والكتاب العراقيين " ضمن هذه الموسوعة .
عضويته في البرلمان : بعد اثنتي عشرة سنة قضاها المترجم في تحصيل العلم بجامعة النجف الأشرف , عاد إلى البحرين بعد استقلالها ووضع دستور الدولة من قبل المجلس التأسيسي , وكانت عودته بناءً على طلب مؤكّد من منطقته من أجل أن يرشِّحَ نفسه لعضوية المجلس الوطني. وحيث كان طلب المنطقة أكيداً فقد استفتى في الموافقة على الطلب كلاً من المرجعين الدينيين سماحة الشهيد السيد محمد باقر الصدر"قدس سره"وسماحة الشيخ محمد أمين زين الدين
"قدس سره", فأفتاه الأول بوجوب الموافقة , والثاني بالجواز , وبناءً على ذلك قَفَلَ عائداً إلى البحرين بأهله وعياله, ولم يكن ذلك موافقاً لرغبته الحقيقية, إذ كان راغباً جداً في مواصلة الدراسة لعلَّه يحصل على شيء يعتد به من العلم. وكيف كان فقد رجع ورشّح نفسه لعضوية المجلس الوطني مجتنباً ما يمارس في هذه الأمور من الدعاية وتوزيع الصور ووضع الملصقات التي تبيِّن أهداف المرشّح وتدعو الناس إلى انتخابه. وتم انتخابه عضواً في المجلس عن الدائرة الانتخابية السادسة عشرة مع سماحة العلامة الجليل الشيخ عيسى أحمد قاسم , وكان رصيدهما بالنسبة لأصوات الناخبين على مستوى عموم الدوائر الانتخابية أعلى الأرصدة , وكان لهما مع كتلتهما الإسلامية في المجلس الوجود الفاعل, والمواقف الواضحة والجريئة .
بجمعية التوعية الإسلامية : تم اختيار المترجم نائباً للرئيس في جمعية التوعية الإسلامية في البحرين لمدة ست سنوات تقريباً حينما كان رئيسها سماحة العلامة الشيخ عيسى أحمد قاسم, وكان له فيها وجود فاعل ونشاط معروف.
قضاؤه : بعد حلِّ المجلس الوطني بسنتين , وفي 23 محرم 1397هـ 1977م عُيِّنَ المترجم قاضياً في المحكمة الكبرى الشرعية – الدائرة الجعفرية – وذلك بعد طلب مؤكّد ومتكرّر من المسئولين في البلاد, وبعد أن أعلن موافقته على القضاء بناءً على إجازة كل من المرجعيين الدينيين سماحة السيد أبو قاسم الخوئي"قدس سرة " وسماحة الشيخ محمد أمين زين الدين " قدس سره " وفي سنة 1408هـ 1988م عُزِلَ عن القضاء بسبب خلافات حصلت بينه وبين المسئولين في عدة أمور, وبسبب مؤاخذات حادّة من قِبَلِهم عليه على أساس مواقف إسلامية كانت له, وتصريحات من قِبَله تشجب عدة قضايا تُمارس في البلد, وذلك من منطلق النصيحة , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وبعد عزله اعتُقِل, واستُدعيَ للتحقيق عدة مرات وأُلقيَ عليه أكثر من اتهام, إلا أنّه وبسبب اطمئنانه بصوابية مواقفه لم يتراجع وواصل نشاطاته المختلفة وارتباطه الوثيق بعموم الناس.
في الإذاعة والتلفزيون : مارس المترجم منذ سنة 1973م حتى سنة 1981م تقديم الأحاديث الدينية في كل من إذاعة البحرين وتلفزيون البحرين , إلا أنَّ التقديم في التلفزيون كان أحياناً. وكانت الأحاديث التي يقدّمها بمناسبة عاشوراء وشهر رمضان, ووفيات أهل البيت (ع) ومواليدهم, بالإضافة إلى أيام الجمعة, وقد كان ثمّةَ إقبال كبير على أحاديثه, وقد تلقّى عدداً من رسائل الشكر من البحرين وخارجها لا سيما من بلدان الخليج.
في الصحافة : حرّرَ المترجم ولمدة أربع سنوات وذلك في السبعينات : زاوية دينية في مجلة المواقف تحت اسم :"استفسارات دينية ", وكان على هذه الزاوية إقبال كبير من القرّاء .
مؤلفاته : وللمترجم عدة مؤلفات إسلامية طبع منها: "من واجبات الإسلام " طبع مرة واحدة, و"من تعاليم الإسلام " طبع مرتين, إلا أنّه طبع في المرة الثانية تحت اسم : "تعاليم إسلامية, وقد أُضيفَ إليه في الطبعة الثانية بحوث أخرى , وهي عبارةً عن تلخيص لبعض محاضرات المترجم, و"المرأة في ظلِّ الإسلام " طبع ثلاث مرات, و"مقدمة دعاء كميل" طبع مع دعاء كميل مرة واحدة, وديوان شعر اسمه "عصارة قلب" الجزء الأول، طبع مرة واحدة, و"من شموع العترة الطاهرة" كُتِبَ عن السيد محمد ابن الإمام علي الهادي (عليهما السلام ), طبع مرة واحدة, وهناك عدد من المؤلّفات لا زال مخطوطاً, منها كتاب سيطبع قريباً اسمه" الإسلام وشئون الإنسان", وهو عبارة عن أجوبة على الأسئلة التي نشرت في مجلة المواقف في الزاوية المذكورة آنفاً, بالإضافة إلى أجوبة على أسئلة نشرت في صحف أخرى.
مع الحوزة: في سنة 1405هـ 1985م أسس المترجم الحوزة العلمية المعروفة بــ (حوزة الإمام زين العابدين "ع" ), مكانها : جامع الإمام زين العابدين عليه السلام , الكائن في قرية بني جمرة قرب بيت المترجم , وهي حوزة تضم إلى حدِّ الآن سبعين فرداً بين أستاذ وطالب, ويُدرِّس فيها علماء أكفاء, ولها نظام , ويطبّق فيها الإمتحان وإعطاء الدرجات، ويُدرَّس فيها جميع الدروس الحوزوية, وإضافة إلى ذلك قُرّر في منهجها دروس إضافية وهي:التجويد, والفلسفة, وعلوم القرآن،وعلم الرجال، وثلاثة دروس تكميلية أسبوعية: الأخلاق, والتفسير, والسيرة .
خطه السياسي: خطه السياسي هو الخط الإسلامي الأصيل ويتمثّل في كونه يعيش آلام وهموم الآخرين, ويسعى قدر جهده لإصلاح الفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ويدعو إلى الوحدة الوطنية ونبد التفرقة ومحاربة الطائفية, وقد تجلّى موقفه الإسلامي في موقفه من الأزمة التي عصفت بالبلاد في التسعينات, والدور الريادي المميَّز له مع زملائه في العريضة النخبوية, والعريضة الشعبية, وما تحمّل مع زملائه الأطائب أصحاب المبادرة, هذه المبادرة التي تضمَّنت الطموحات التي يريدها الشعب وفي طليعتها البرلمان, وقد جاء في خطابه للجماهير التي قُدِّرَتْ بخمسين ألفاً والتي احتشدت لاستقباله يوم خروجه من السجن: " وإنني –أيها الشعب العظيم- لأعاهد الله عزّ وجل وأُعاهدكم بأنّي سأبقى وفياً لكم, وسأعيش هموم هذا الشعب وآلامه وآماله, وسأخدمه بكل ما لديّ من طاقات, علّي أتمكّن من أداء بعض الدين الكبير الذي لكم في عنقي", إلاّ أنّ الحوار المأمول مع السلطة قد تعثّر رغم الثمار الواضحة لخطوات أصحاب المبادرة, وهكذا مع عودة التأزّم للوضع تم اعتقال شيخنا الجمري مرة أخرى ليمضي ثلاث سنوات ونصف، وقد أمضى كثيراً من هذه المدة في سجن انفرادي.
شعره : بالنسبة لشعر المترجم : نظم الشعر وهو في سنٍ مبكرةٍ , وذلك باللسانين: الشعبي, والفصيح, بدأ نظم الشعر الشعبي– في رثاء أهل البيت(ع) – ولمّا يُكمل العاشرة من عمره، وله ديوان شعر في هذا الباب اسمه (أنغام الولاء) وهو لا يزال مخطوطاً. وبدأ نظم الفصيح ولمّا يُكمل الثامنة عشرة. وقد نُشرت له عدة قصائد بالفصحى في بعض الصحف العراقية والبحرانية, كما ألقى كثيراً من قصائده في الاحتفالات الدينية في العراق وفي البحرين, وقد صدر له في هذا اللون من الشعر الجزء الأول من ديوانه: "عصارة قلب" المذكور آنفاً. وإليك نموذجاً من شعره بعث مع صورته إلى صديق استهداه إياها ما يأتي:
تلبيـة أهديكهـا صورتـي
حاكيـة علاقـة فاضـلـه
وإنّني أحسـب أن الإخـاء
والحب والصداقـة الكاملـه
تحسها في موقف ترتضيـه
وترتضي – يا صاحبي فاعله
صديقي العزيز يروى إليـك
هنا وعبر الصـورة الماثلـه
تطلعاتي وشجوني الغضـاب
ويقظة في محجـري قائلـة
لا لن أعيش الدهر إلا العناد
للفئـة الفاسقـة الجاهـلـه
Subscribe to:
Posts (Atom)