كلمة سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في قرية السنابس-مأتم بن خميس- ليلة
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ
وآله الطاهرين،وأصحابه المنتجبين، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الأحبَّة : عظَّم الله أجورنا وأجوركم بالحسين(ع) وأهل بيته وأنصاره.
وإنا لله وإنا إليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون، وبعد:
فقد قال الإمام الحسين(ع):{ الناس عبيد هذه الدنيا والدين لعقٌ على ألسنتهم
يحوطونه ما درَّت معايشهم فإذا مُحِّصوا بالبلاء قلَّ الديّانون}.
أحبَّتي نحن مع نصٍ وثائقي من نصوص الثورة الحسينية، نفهم من خلاله كيف
نصنع الموقف عند التحديات، وعند ما تكون الرسالة قد اُعُتدي على قدسها، ومن
هو الذي يصنع الموقف. أجل: من يصنع الموقف؟ من يصنع التاريخ؟ سؤال نطرحه
هنا وهنا نقرأُ هذا النص الوثائقي: هل يصنع الموقف الكسالى والمتقاعسون؟ أم
يصنع الموقف الجبناء والمُتلوِّنون بألف لون ولون؟!. لا نجهل جميعاً أنَّه
في وقت الرخاء والعافية نسمع الأصوات تتعالى، ويكثر الصراخ والضجيج، وترتفع
الشعارات والرّايات... كما لا نجهل أنَّه في حالات الشدَّة وساعات الضيق
نسمع التعقُّلات، والتّبريرات للصمت والسكوت، وتتلوَّن المواقف، ويكثر
المشكِّكون والمتلوِّنون، أين إذن نحن نرجو ونأمل الموقف الصحيح الإيجابي
الفاعل؟ هل نرجو أن نرى أهل الأصوات المتعالية حال العافية المتعيقلة حال
الضيق هل نرجو منهم أيَّ موقف شجاع؟! نعم يعطونك موقفاً، ولكن أيُّ موقف
هو؟ أما أن يكون موقفاً انهزامياً أو موقفاً زئبقياً!! وكلا النوعين من
المواقف مرفوض، سواءً المواقف الإنهزامية أو الزئبقية... والمشكلة الكبرى
ليست مع المواقف الإنهزامية، فأصحابها واضحون، وأنت تعرفهم وتدرك وضعهم
وحجمهم ونوعيَّتهم، ولكن المشكلة- أيها الأحبَّة- مع المواقف الزئبقية،
فهؤلاء ليسوا صرحاء،يكلِّمونك بصراحة، ويتعاملون معك بصراحة، وإنَّما
يتلوَّنون بألف ولون.
أحبَّتي: نحن حينما نتحدَّث عن الموقف- الذي هو الإنسان، هو كلّ شيء منه،
فالحياة موقف- لا نتحدَّث عن الحماس والإنفعال والفوضى والصراخ، كلاّ
وإنَّما نتحدَّث عن الموقف الواعي الذي ينبع عن وعي ودراسة، بعيداً عن
السذاجة والتّسرُّع والإنفعال، الموقف الذي هو نتيجة وعي، وهذا الوعي نتاج
خبرة وممارسة، فمثل هذا الموقف أقل خطأً، نعم الموقف التقوائي، وأعني
بالتقوى التي تُحرِّك في الإنسان روحَ المبادرة للعمل خوف غضب الله إذا
تقاعسَ وقصَّر في القيام بالواجب... الموقف الهادف، فموقفٌ بلا هدف هو موقف
ساذَج عشوائي فوضوي. الموقف النابع من بصيرة وإرادة، فالموقف الناجح يحتاج
فيما يحتاج إليه، إلى عنصرين رئيسيين: البصيرة والإرادة.
أجل- الموقف أيُّ موقف يحتاج لدراسة وتشخيص ثم لإرادة قويَّة قبل الفعل.
أحبَّتي: الحسين(ع): حينما تحرَّكَ لم يكن تحرُّكُه انفعالياً أو حماسياً،
بل تحرّك بعد دراسة وتشخيص وبإرادة بمنتهى الصلابة، فعل ذلك قبل أن يتحرَّك
أجل تحرَّكَ بعيداً عن الحماس والإنفعال. استمع إليه كيف يقدِّم تحليله
للموضوع، يقول(ع):{ يزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا
يُبايعُ مثله} وبعد أن تفوَّهَ بهذا الكلام، وأعطى هذا التصريح لم يدخل
المسجد ويعتكف ويترك يزيد يعبث بالإسلام كما فعل غيره من اللاّ عمليين، من
السلبيين، من الإنهزاميين، ولم يهرَب إلى اليمن أو يلحق بالجبال كما اقترح
عليه من اقترح....بل قالها صريحةً مدوّيةً، وفعَّلها، وطبَّقها، وتحمَّل كل
نتائجها، قال {ومثلي لا يُبايعُ مثله}. أحبَّتي: لم يكن الحسين(ع) في موقفه
انهزامياً ولا زئبقياً، ولم يكن ساذجاً جاهلاً بعاقبة ونتائج موقفه، بل كان
مستعدَّاً لمواجهة وتحمُّل كل النتائج حيث قال:{ إنَّ الدنيا قد تغيَّرت
وتنكَّرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء وخسيس عيشٍ
كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحقِّ لا يُعملُ به، وإلى الباطل لا يُتناهى
عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربِّه محقّاً، وإنِّي لا أرى الموت إلا سعادةً،
والحياة مع الظالمين إلا بَرْماً}. أجل- حينما تُهدَّد المقدَّسات، ويكون
الموقف مطلوباً فلا مجال لتبرير التخلُّف، ولا مجال للتسويف والمراوغة.
فالموقف المطلوب اليوم هو غيره غداً، والموقف المطلوب من العالِم والمثقَّف
هو غيره من الشخص العادي. وهنا المحك،وهنا التحدّي، وهنا يسقط رجال ويصعد
آخرون، وهنا تتكشَّف الأقنعة وتسقط البراقع والعناوين. وقد يكون- أيها
الأحبَّة- موقف شاب مخلص أفضل عند الله من موقف عالِمٍ أو مثقَّف مهما بلغ
في علمه أو ثقافته. صحيح نحن جميعاً نؤمن بأنَّ {مداد العلماء أفضل من دماء
الشهداء}. لكن لماذا؟ لأنَّهم يُشخِّصون الموقف ويُحدِّدون الأسلوب، وليس
لأيِّ سبب آخر. ما أريد أن أقوله هو: إنَّ الإسلام اليوم يحتاج لصنَّاع
المواقف السياسية والإجتماعية.
أيها الأبناء والبنات: فكما كنتم في المرحلة السابقة حاضرين في الساحة،
واضحين في المواقف فكذلك اليوم، نحن جميعاً مطالبون بالمواقف، ولكن مواقف
سياسية فيها أساليب سياسية، بعيداً عن الإنفعال والإرتجال، وأنتم أهلٌ
لذلك، كما برهنتم في الأيام السابقة. ولا يفوتني في الختام أن أطلب منكم أن
تقفوا وقفة إجلال وإكبار لشهدائنا الأبرار، لقراءة الفاتحة في هذا المكان
الذي وقفنا فيه جميعاً للصلاة على روح الفقيد الشهيد هاني عباس خميس، فإلى
روحه وأرواح جميع الشهداء والعلماء والمؤمنين والمؤمنات الفاتحة تسبقها
الصلوات على محمد وآل محمد.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. :(
__________________
Friday, January 11, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment