Friday, January 11, 2008

منقول

كلمة سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في الإحتفال المشترك لمآتم المحرَّق

--------------------------------------------------------------------------------

كلمة سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في الإحتفال المشترك لمآتم المحرَّق في
مأتم القراشية ليلة الأربعاء 5-3-2002م /20ذي الحجَّة 1422هـ بمناسبة عيد
الغدير الأغر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمدٍ وآله المنتجبين والتابعين
بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الأحبَّة: نحن نعيش هذه الأيام مناسبة الغدير، وفي رحاب الغدير،
ورسالة صاحب الغدير، أمير المؤمنين علي(ع). فلنأخذ فكرة عامة عن سلوك صاحب
الغدير، والأُطروحة التي تُجسِّدها سيرته الطاهرة؟ فمن هو صاحب الغدير وما
هي الأطروحة التي تجسدها سيرته؟ هو(ع)منبع الإيمان والحق، منبع العلم
والعمل، منبع الخير والعدل بكل ما لهذه الكلمات من معانٍ وشمولية، أجل هو
منبعٌ استلهم منه محبّوا العدالة أسمى المعاني الإنسانية، وتربَّى على
منهجه المسلمون الصادقون الصامدون، فكان لهم وجودهم الفاعل، ودورهم
المؤثِّر والمغيِّر. وهو الذي طرح المفاهيم الإنسانية العظيمة، والقيم
الرفيعة، هذه القيم التي تجسَّدت في كل مجال من مجالات حياته(ع)وبشكل خاص
في تجربته في الحكم، هذه القيم التي انصهر بها الآخرون، وأدركوا قيمتها
وعظمتها، فهاهو يقول في عهده العظيم لعامله على مصر مالك الأشتر:{ الناس
صنفان، أخٌ لكَ في الدين، أو نظير لك في الخلق}. هذا النهج الذي كان أساساً
بُنيت عليه وثيقة حقوق الإنسان ، هذه الحقوق التي تقول بكرامة الإنسان،
وسواسية الإنسان، وعدم إيذاء الإنسان.
وهو الذي كانت همومه، والأمر الذي يشغل باله، ويسهر ليله، ويقلقه ويؤرِّقه
هموم الأمَّة، أجل هموم الأمَّة هي همَّه الأول. وحدة الأمَّة يراها الإمام
فوق حقِّه في الخلافة، فرغم بيعة الغدير، ورغم النصوص التي وردت في حقِّه
عن النبي(ص) في أكثر من موقف، أجل رغم أنَّ حقّه ثابت لا غبار عليه ولا
شكَّ فيه، إلا أنَّه ومن أجل وحدة الأمَّة سكت عن حقِّه، لأنه صار بين
خيارين لا ثالث لهما، إما أن يُصرّ على موقفه ويواجه هو ومن معه من الأنصار
وتهلك الأمَّة، وتتمزَّق وحدتها، وتنتهي التجربة الإسلامية الأولى، وإما أن
يسكت ويصبر، ويقف بجانب الخلفاء مسانداً ومُسدِّداً، ومحافظاً على صيانة
التجربة، وعلى وحدة الأمَّة.
بعبارة أخرى: كان بين خيارين: الحفاظ على مصلحته الشخصية، أو الحفاظ على
مصلحة الأمةَّ، ولا شكَّ أنَّه لا يقدِّم على مصلحة الأمَّة أي مصلحة.
ولذلك قال:{ لأُسلِّمنَّ ما سلمت أمور المسلمين}. وفي هذا درسٌ عظيم لنا،
فليضع كلٌّ من السُّني والشيعي يده في يد الآخر، من أجل مصلحة الأمَّة،
وليتوحَّدوا، بعيداً عن الإنفعالات والحساسيات، من أجل مصلحة الإسلام،
ومصلحة الوطن، ولنسمع جميعاً ما يقول صاحب الغدير وما أعظم ما يقول:{
شُقُّوا أمواج الفتن بسفن النجاة}. إنَّه يدعونا إلى تحطيم الحواجز، وإزالة
العقد النفسية، والتعاون والتآزر، ولنلاحظ أوضاعنا المؤسفة، والدعايات
والعناصر التي تريد تفريقنا، وجدّية أعداء الإسلام في إيجاد التفرقة، وطرح
الشكوك، وإثارة الظنون السيئة في بعضنا البعض. وحين تسلَّمَ(ع) الخلافة
باشر خطواته الإصلاحية على الصعيدين الشعبي والحكومي، فهاهو لم يكتف
بموظفيه في معرفة أوضاع الأمَّة والإحاطة بها، بل نزل إلى الشارع هو بنفسه،
فتحسَّسَ المشاكل والآلام، رافضاً سكن القصور، واللذائذ، والطيِّبات،
مؤثراً أن يأكل الجشب من الطعام، ويلبس الخشن من الثياب مؤاساة للطبقات
الضعيفة والفقيرة من شعبه، قائلاً بملء فيه:{ أَوَ أبيت مبطاناً وحولي بطون
غرثى وأكباد حرَّى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبـــكَ داءً أن تبيــتَ ببطنةٍ وحـولَـكَ أكـبـاد تـحـنُّ إلى
القَدِّ
أجل إنَّه يريد مؤاساة أقل فرد من أفراد المجتمع الذي يحكمه. وها هو يقدِّم
أكبر صورةٍ وأعظم رمزٍ للأمانة والمحافظة على المال العام. إنَّه ينهر أخاه
عقيلاً، ويَحمي له حديدةً يدنيها منه ليحسّ بحرارتها حينما طلب منه تفضيلاً
في العطاء. وها هو يحاسب على احتراق وذوبان الشَّمعة داخل بيت المال، حيث
يطفؤها إذا انتهى عمله لبيت المال وللأمَّة. وغياب هذا السلوك، وعدم تطبيق
هذه الأمانة وهذه المحافظة على أموال الأمَّة هو الآفة الكبرى التي تُعطِّل
نموَّ أي مجتمع. أجل إنَّ المصيبة الكبرى التي تُذهب كرامة الأمَّة هي
الفساد المالي والإداري، والتَّسلُّط على المال العام، وعدم العدالة في
التوزيع، والإستحواذ على خيرات البلاد دونما عدالة بين الناس في القسمة
والتوزيع والتعامل.
وتلك مدرعته المرقَّعة مضرب المثل، هذه المدرعة التي جُمِعت خيوطها من كدِّ
علي وجهوده وعرق جبينه، بعيداً عن أموال الأمَّة ومقدَّراتها، هذه المدرعة
التي كان لها شأن تعتز به الإنسانية، هذه المدرعة التي مثَّلت أرقى صور
الزهد، والعدالة، والتواضع، ونكران الذات، هذه المدرعة التي تخلَّدَ ذكرها،
وعطاؤها بينما بليت ثياب الأمراء وبليَ ذكرها ولم يبق لها إلا ذكر السوء
لأنَّها كانت من أقوات المساكين، هذه المدرعة التي ضمَّت نفساً عاشت لله،
للإنسان، للأمَّة، هذه المدرعة التي قال عنها(ع):{والله لقد رقَّعتُ مدرعتي
حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل ألا تنبذُها عنك!! فقلتُ: اعزب
عنِّي فعند الصباح يحمُد القوم السُّرى.هذه المدرعة التي أعلنت أنه ليس همّ
علي الملابس الزاهية، كما أنَّه ليس همُّه المآكل النفيسة واللذيذة، ولا
الحكم والسلطان، ولا المال، بل همُّه الأكبر الإسلام، والأمَّة ووحدتها،
وسلامتها، ورفعتها، وقوَّتها، ومصلحتها، وحلِّ مشاكلها، هذه هي هموم علي،
وليس الشخصية، والذات، والمصالح الخاصَّة. لأيِّ فرد أن ينال من علي كشخص،
يستطيع أن يعتدي عليه كشخص، يستطيع أن يدَّعي درعه ولا يخاف ردَّة فعل
مثله،بل سيجده ينصاع لحكم القاضي الذي نصَّبه هو بنفسه والذي يحكم بالدرع
لخصمه..... لكن لا يستطيع أحد كائناً من كان أن يمس الإسلام أو يمس مصلحة
الأمَّة وشأنها ووحدتها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ
الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وال محمد

No comments: