البحرين انتفاضة 1994 ـ 1999 ( مقتبس من مقالات ج. ي. بيترسن )
وقعت آخر حلقات التاريخ الطويل من الصراع بين الحكومة البحرينية وشعبها خلال فترة (1994-1999)، رغم أن بعض الآثار اللاحقة استمرت أثناء السنوات الأولى من حكم الشيخ حمد بن عيسى. كانت أسباب الاضطرابات[1]، إلى حدٍّ بعيد، نفس الأسباب التي قادت إلى فتراتٍ سابقة من الانشقاق: رفض الأسرة الحاكمة السماح بمشاركة سياسية فعالة في النظام، والحرمان الاقتصادي، والتمييز الحكومي المنهجي ضد الغالبية السكانية الشيعية. بدا وكأن قيادة المعارضة تدور حول أقطابٍ ثلاثة: الرموز القيادية الدينية والعلمانية الشيعية؛ والمنفيين في لندن الذين شكّلوا حركة تحرير البحرين؛ والمنفيين الآخرين في إيران الذين تجمّعوا ضمن الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين[2].
بدأت اضطرابات التسعينات منذ أوائل 1994 بعمليةٍ لقوات الأمن من أجل منع خطبة في أحد المساجد الشيعية، واستمرت عبر عدد من المظاهرات أثناء الصيف. كان أحد الموقوفين واحداً من مشايخ الشيعة الشباب واسمه الشيخ علي سلمان، وقد تمت مصادرة جواز سفره[3].
في تشرين الثاني 1994، تضافرت عدة أحداث لإبراز المسألة من جديد.
قدمت للأمير عريضة ثانية تحمل أكثر من 20000 توقيع، وقد طالبت بعودة الجمعية الوطنية المنتخبة (التي تم تعليقها عام 1975). لم يتم اتخاذ أيّة إجراءات بشأن العريضة، وقد وُجِدت ادعاءات بحدوث بعض المضايقات ضد عدد من الموقعين عليها[4]. في نفس الوقت تقريباً، تم إلقاء الحجارة على العدائين المشاركين في ماراثون خيري أثناء مرورهم بقريةٍ شيعية؛ وقد ادعي أن ذلك كان بسبب ملابسهم الفاضحة. وقد تم اعتقال عدد من شباب القرية. في أعقاب ذلك، اعتقل الشيخ علي سلمان كمحرّضٍ ومنظمٍ للاحتجاج على الاعتقالات السابقة، وذلك تبعاً لوزارة الداخلية البحرينية، ولأنه كان قد وقّع العريضة حسب أقوال الشيخ علي نفسه[5]. انفجرت احتجاجات استمرت لأسبوعين، وانتشرت عبر القرى الشيعية وفي العاصمة المنامة.
ردّت قوات الأمن بقوة ونجحت في استعادة النظام في الوقت المناسب، وذلك قبيل قمة مجلس التعاون الخليجي تماماً. لكن ما يصل إلى أربعة متظاهرين، إضافةً إلى شرطي واحد على الأقل، قد قتلوا؛ وبذلك فقد بُذِرَت بذور دورةٍ طويلةٍ من القمع والعنف.
لقد وضع الانفجار الأول نموذجاً للسنين التالية. كانت قوات الأمن، ومعظمها من غير البحرينيين، تتصرف بعنفٍ وقسوة تجاه المتظاهرين معتقلةً أعداداً كبيرةً منهم. وقد قدّمت الحكومة أول ادعاء، من بين ادعاءات كثيرة، بأن تلك الجماعات المدعومة من الخارج ـ والمقصود إيران وحزب الله اللبناني ـ هي من يقف خلف الاضطرابات. سرعان ما بدأت المعارضة بإنتاج قادتها، وأبرزهم الشيخ عبد الأمير الجمري ويليه مباشرةً الشيخ الشاب علي سلمان.
وقعت سلسلة جديدة من المظاهرات المطالبة بالديمقراطية في أواسط كانون الثاني 1995، وقد تميّزت بمقتل أحد المتظاهرين وبإحراق عدد من محلات أشرطة الفيديو؛ وقد تلا ذلك اعتقالاتٌ كثيرة في مظاهرةٍ قامت أثناء جنازة المتظاهر القتيل. تضاربت الأقوال بشأن عدد المعتقلين: فقد سجلت المعارضة اعتقال 2500 شخص، بينما ادعت الحكومة اعتقال 600 فقط.
سعت الحكومة إلى نزع فتيل الوضع المتأزم، في 15 كانون الثاني، وذلك بإبعاد ثلاثة مشايخ هم علي سلمان، وحمزة الديري، وحيدر الستري، إلى دبي التي سافروا منها إلى لندن.
تم إبعاد أربعة مشايخ آخرين إلى دبي في الأيام التالية. وقد أطلق ذلك شرارة مزيدٍ من الاحتجاجات حتى نهاية كانون الثاني. كان شباط 1995 هادئاً، لكن الوضع تدهور في آذار.
قدمت عريضة جديدة إلى الأمير، وقد حملت تواقيع مواطنين بارزين يمثلون الطائفتين[6]. وقد شهد عيد الفطر عودة الاحتجاجات، وقُتل شرطي آخر في قرية نويدرة أثناء مظاهرات قامت احتجاجاً على اعتقال قائد للمعارضة هو عبد الوهاب حسين بسبب إلقاءه كلمةً تحث الحكومة على بدء الحوار. ازداد العنف سوءاً أثناء الشهر مع موت أول عامل أجنبي[7]، ومقتل أحد الطلاب أثناء احتجاجٍ مدرسي، وحرق شرطي حتى الموت عندما ألقيت زجاجة حارقة على سيارته في بلدة سترة الشيعية.
تابعت أحداث نيسان 1995 منحدر التدهور نفسه. أدت عريضة تدعوا للحقوق الديمقراطية، موقعة من 310 نساء، إلى استدعاء 92 موظفة حكومية من بين الموقعات على العريضة وإنذارهن بالفصل من العمل ما لم يسحبن تواقيعهن[8]. استمرت الحكومة على موقفها المتشدد بأن اعتقلت الشيخ عبد الأمير الجمري والشيخ حسن سلطان وخليل سلطان في قرية بني جمرة. وقد انتهى اللقاء الأول بين الأمير الشيخ عيسى بن سلمان مع 20 من قادة الشيعة البارزين من غير نتيجة عندما تم إبلاغهم أن الحكومة لن تعمد إلى البدء بالإصلاح السياسي تحت الضغط. استمرت الاحتجاجات بالنمو، وبنهاية الشهر هاجمت شرطة مكافحة الشغب الجامعة وتم إصدار أول حكم بالسجن على من اتهموا بالتخريب.
استمر العنف طيلة الصيف، وقُتل ما وصل مجموعه إلى 13 مدني وثلاثة من رجال الشرطة. صدرت أحكامٌ بالسجن، وحكمٌ واحدٌ بالإعدام، في تموز وذلك بسبب قتل شرطي. وقد قمع التواجد الكثيف للشرطة في قرى الشيعة معظم الاحتجاجات.
لاحت أول بارقة تشير إلى الحوار في آب وأيلول. فقد التقى وزير الداخلية، الشيخ محمد بن خليفة، بالقادة المعتقلين بمن فيهم عبد الأمير الجمري وحسن سلطان وعبد الوهاب حسين وحسن مشيمى والسيد إبراهيم. وفي ردٍّ على مطالبة قادة الشيعة بإنهاء العنف وعدت الحكومة بأنها ستطلق سراح جميع الموقوفين بنهاية أيلول، وبأنها ستسمح بعودة المبعدين، وأنها ستتحاور مع المعارضة بشأن المطالب الأخرى في مرحلةٍ لاحقة. تم إطلاق سراح الدفعة الأولى من الموقوفين في 17 آب، كما أطلق سراح عدد من الآخرين ـ بمن فيهم عبد الوهاب حسين ـ في بداية أيلول. لكن الحوار تعثّر عندما طالبت المعارضة بأن تصبح محادثات المصالحة السرية علنيةً، وبأن يوضع جدولٌ زمني لمناقشة المطالب الأخرى بما فيها عودة الجمعية الوطنية. لقد قيل أن الحكومة كانت حريصةً على الحفاظ على الوحدة الوطنية وحل المشاكل الاقتصادية والسياسية الأخرى لكنها لم تكن مستعدةً للاستجابة لمطالب المعارضة في تلك المرحلة. ومع ذلك، فقد أطلق سراح الشيخ عبد الأمير الجمري في 25 أيلول، وقد أخبر أنصاره بأن هناك "حواراً بين المعارضة والحكومة وبأن ثمة مبادرةً للمعارضة.... تتضمن إطلاق سراح جميع الموقوفين على مراحل وإعادة جوازات سفرهم إليهم والسماح بعودتهم إلى أعمالهم"[9].
وعدت الحكومة أيضاً بإطلاق سراح 500 سجين آخر، لكنها لم تفرج إلا عن مجموعات صغيرة حتى نهاية تشرين الأول عندما بدأ الشيخ الجمري وستة من قادة الشيعة إضراباً عن الطعام استمر تسعة أيام لإجبار الحكومة على إطلاق سراح بقية الناشطين. تم الإفراج عن عدد من المعتقلين بموجب عفو أميري بمناسبة العيد الوطني في السادس عشر من كانون الأول، لكن ما لا يقل عن عدة مئات من المعتقلين ظلّوا في السجن. وبالنتيجة، فقد استمرت الاحتجاجات وقد تميّزت الأيام القليلة الأخيرة من عام 1995 باحتجاجات في الديراز وبني جمرة. وقد فُرض على الشيخ الجمري منعٌ من مغادرة منزله، وانفجرت شحناتٌ ناسفة في المنامة ليلةَ رأس السنة.
وقعت اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين في جمعات متتالية من شهر كانون الثاني 1996، مما دفع السلطات البحرينية لاستدعاء الشيخ الجمري وعدد من قادة الشيعة إلى وزارة الداخلية حيث أُمِروا بالتوقف عن استخدام المساجد لنشر العصيان. تضمنت الاحتجاجات سلسلة من أحداث العنف، بما في ذلك انفجار قنبلة في أحد الفنادق البارزة، وحالات من التخريب وحرق الممتلكات باستخدام أسطوانات الغاز. وفي 22 كانون الثاني، اعتقلت الشرطة ثمانية من قادة المعارضة بسبب "التحريض على جرائم الشغب والتخريب..."، وهم الشيخ عبد الأمير الجمري وعبد الوهاب حسين وحسن مشيمى وعلي أحمد حوراه وحسن علي محمد سلطان وإبراهيم عدنان ناصر العلوي هاشم وعلي عبد الله عاشور الستراوي وحسين علي حسن الدائخي. استمر عدد الموقوفين بالتزايد، متراوحاً بين التقدير الحكومي بوجود 544 شخصاً فقط في الحجز، وبين ادعاء المعارضة بحدوث 2000 اعتقال. بالإضافة إلى ذلك، فقد نفي عشرات البحرينيين من البلاد. وفي نفس الوقت أصرت الحكومة على اتهامها إيران بالوقوف وراء الاحتجاجات، وطردت أحد الدبلوماسيين الإيرانيين[10].
رغم الموقف الحكومي القوي، فقد استمر العنف والكراهية بالنمو الشديد في الأشهر اللاحقة. وبتواترٍ مقلق ، بدأت الإنفجارات بضرب الفنادق والسيارات الواقفة في العاصمة وغيرها، ومراكز التسوق، ومعارض السيارات والمطاعم، والمتاجر الصغيرة قرب القرى الشيعية.
استمرت المظاهرات في الكثير من القرى الشيعية واستمرت قوات الأمن بمهاجمتها واعتقال المتظاهرين. واستمرت محكمة أمن الدولة، وهي هدفٌ للاحتجاجات على نحوٍ خاص، بإصدار الأحكام بجرائم الحرق والتخريب. وفي آذار قتلت زجاجة مولوتوف ألقيت على أحد المطاعم البنغالية في سترة سبعةً من العمال البنغال. وقد قيل أن البحرينيين الثلاثة الذين حكموا بالإعدام بسبب تلك الجريمة كانوا قد اعترفوا بها تحت التعذيب. وبعد أسبوع، تم إعدام بحريني مدان بقتل شرطي، وهو حكم الإعدام الأول الذي يتم تنفيذه منذ 1977. وبعد 40 يوماً من موته، اندلعت موجة أخرى من التظاهر وأعمال الحرق. استمرت الاعتقالات بالتزايد، إلى جانب وجود ادعاءات بأن ثمة أطفالاً ونساء من بين الذين تم اعتقالهم وضربهم. اندلعت أحداث شغب في آب عند قبر رجل في التاسعة عشرة من العمر قيل أنه عُذِّب حتى الموت.
تواصلت هجمات الحرق خلال 1997، مع مقتل عدد من العمال الآسيويين الذين منعوا من مغادرة المتاجر التي أضرمت فيها النار. استمرت المعارضة بالإصرار على ادعائها بأن المعتقلين يتعرضون للتعذيب وأن موت الشيخ علي ميرزا النحاس أثناء اعتقاله في حزيران كان بسبب تعرضه للتعذيب؛ وقد وجّهت ادعاءات مماثلة بعد سنةٍ من ذلك بشأن شيعي يبلغ 23 سنة من العمر.
بدا وكأن عدم الارتياح الدولي بشأن تلك الادعاءات، بما في ذلك إدانة البحرين من قبل لجنة فرعية في الأمم المتحدة، قد لعبا دوراً في تقاعد المدير العام لجهاز الأمن العام إيان هندرسون، والذي شغل ذلك المنصب لزمنٍ طويل، ليصير مستشاراً لدى وزارة الداخلية. في نيسان 1997، ونزولاً عند إصرار حكومة البحرين، اعتقلت الكويت من البحرينيين المقيمين فيها وأدانت خمسةً منهم بالتآمر ضد حكومتهم.
بدا أن أية فرصةٍ لمصالحةٍ يمكن أن تنهي الانتفاضة قد ضاعت بفعل قرار الحكومة بإخضاع ثمانية من الناشطين في المنفى للمحاكمة الغيابية في تشرين الثاني 1997.
أصدرت محكمة أمن الدولة أحكاماً بالسجن من 5 إلى 15 سنة بتهم التجسس لصالح بلد أجنبي غير مسمى والعمل للإطاحة بحكم آل خليفة. رأى كثيرون أن تلك المحاكمة هي من عمل رئيس الوزراء المتشدد وأخو الأمير الشيخ خليفة بن سلمان، وربما كان ذلك سعياً منه لإضعاف ولي العهد الشيخ حمد بن عيسى الذي يعتبر أكثر انفتاحاً للحوار مع المعارضة، نسبياً[11].
استمرت الاحتجاجات وأعمال الحرق خلال 1999 وبدا أن لا نهاية لها عندما توفي الشيخ عيسى بن سلمان فجأةً وبشكلٍ غير متوقع في السادس من آذار. وخلفه ابنه ولي العهد الشيخ حمد بن عيسى، وبعد ثلاثة أيام عيّن الشيخ حمد ابنه سلمان كولي عهد.
بدا أن تولي الشيخ حمد يعد بحقبةٍ جديدةٍ في السياسية البحرينية إذ أنه سرعان ما بدأ التحرك لنزع فتيل التوتر. تراجع العنف بعد عدة أشهر واضعاً بذلك نهايةً لعدم الاستقرار.
انتفاضة التسعينات تخطت عقد التاريخ ورسمت مستقبل البحرين
بقلم : د. منصور الجمري - فبراير 2000
1. مقدمة:
ان الإنتفاضة الشعبية في ديسمبر 1994 فاجأت الكثيرين بالزخم الكبير للتحرك الشعبي وبقوة الإرادة والتي تمثلت في الخروج إلى الشوارع وتحدي سياسة القمع الشديدة . ومع مرور الأيام والشهور والسنين بدأت تتوضح أجزاء من الصورة المعقدة لواقع السياسة في البحرين . التعقيد السياسي متعدد الجوانب ويشمل تاريخ البحرين ، جغرافيتها ، تركيبتها السكانية والمذهبية ، أهميتها بالنسبة لدول الجوار ، وأهميتها بالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا ، إداراتها وتركيبتها البيروقراطية ، إمكانياتها الإقتصادية المحدودة وارتباطاتها الإقليمية في مختلف النواحي . كل هذه التعقيدات كانت عوامل بارزة في تحرك الشارع وفي الرد الحكومي على ذلك التحرك . وعندما يحاول المرء التطرق للتعقيد السياسي فإنه أمام طريق شائك تشوبه الحساسيات المختلفة. اذ هناك من يطرح أن استخدام "التحرك الشعبي" لا يعتبر صحيحا ، لأن الذين تحركوا يمثلون جزءا من شعب البحرين (مهما كبر حجمه) ، كما أن غض الطرف عن استخدام التعبيرات المذهبية لم يساعد كثيرا في واقع التحرك على الأرض . فالحكومة اتبعت نهجا معينا لم تحيد عنه ، ركزت فيه القمع على فئات معينة من المجتمع بحيث ان حميع المعتقلين والشهداء من القرى والمناطق السكنية الشيعية، وهم المتحركون الأساسيون في الانتفاضة. من جانب آخر فإن الخضوع للعقلية الحكومية والإنخراط في نهج طائفي على مستوى الفكر والسياسة له عواقبه الوخيمة على المستوى البعيد ، وأهم تلك العواقب تأكيد السياسة الطائفية ومساعدة الحكومة في نهجها وخلق حالة من الغربة بين أبناء البلد الواحد .
لقد نجحت المجتمعات المماثلة لمجتمع للبحرين حينما قررت مواجهة التاريخ على حقيقته دون ألاخذ بسياسات متطرفة تؤدي إلى الفتنة الداخلية، كما حدث في البوسنة والهرسك . وفي الوقت الذي نواجه فيه تاريخ المجتمع يجب أن نحدد صورة أخرى للمستقبل، متكاملة تشمل جميع فئات المجتمع بمختلف مذاهبه الفقهية والفكرية والسياسية . فالمستقبل هو للمجتمعات المتعددة والمتداخلة والمتعاضدة فيما بينها. وهذا الشكل التعددي المجتمعي متوفر في البحرين، وسوف يكون من الخطأ عدم الاستفادة من هذا التعدد المجتمعي . ولذا فإن التطرق لأمور حرجة (مع الأخذ بعين الإعتبار الملاحظات المذكورة) سيكون من أجل الإصلاح وليس من اجل الاثارة السلبية، ولنلاحظ مايلي.
2. من هم الذين تحركوا وخرجوا إلى الشارع ؟
عندما نقرأ التحليلات التي تبنتها الحكومة ومانشر في الصحف المحلية وبعض الصحف الخليجية نلاحظ تركيزا واضحا ومحددا على فئة معينة، وهذه بعض العبارات التي استخدمتها الجهات الحكومية بصورة علنية أو ضمنية :
? إن هؤلاء "قرويون" "وريفيون" .
? إنهم "شيعة" .
? إنهم "متطرفون" .
? إنهم "يستلمون أوامر من جهات أجنبية" .
? إن كثرتهم العددية سببها "توالدهم بصورة كبيرة وعدم تحديدهم للنسل" .
? إنهم يرفعون شعارات ديمقراطية ولكنهم "طائفيون" يستبطنون هدفهم الحقيقي وهم يريدون نقل السلطة لهم ومن ثم "اضطهاد" أهل السنة .
? لو كانوا في بلد آخر "لمسحت قراهم" (راجع افتتاحيات أخبار الخليج والأيام في الأشهر الخمسة الأولى من 1996)
هذه بعض من ماورد في مقالات نشرت في صحف محلية وخليجية ، وفي رسائل خاصة بعثتها الحكومة لمؤسسات بحث سياسية في الغرب ، ووردت أثناء الحوارات الخاصة التي أجراها عدد من السياسيين الغربيين مع رموز الحكم ، وجميعها تعكس جوهر السياسة التي اتبعتها المؤسسة الحاكمة تجاه التحرك الذي برز على السطح في العام 1994 . فيما عدا حالات معدودة على الأصابع ، فإن الحكومة استخدمت تعريفها وتشخيصها للفئة "القروية" بأنها "عدوة" لتبرير سياسة قمعية شرسة لم يشهدها تاريخ البلاد ، اشتملت على حصار المناطق السكنية ، العقاب الجماعي ، تخريب ممتلكات المواطنين بصورة متعمدة وسرقة مجوهرات ومقتنيات ثمينة من المنازل المعتدى عليها ، القتل بالرصاص ، استخدام جميع أنواع الرصاص ، تكثير عدد السجون وفتح معسكرات في الحوض الجاف والقرين وسجون جو الجديدة ، التعذيب حتى الموت ، وجلبت محققين غير محدودي العدد من الخارج، إصدار قوانين استثنائية وتنفيذها على الأطفال والنساء والشباب والكهول ، مصادرة الحقوق الدينية ، الإعتداء على المساجد والمآتم وإغلاقها ، الطرد من الوطن ، جلب آلاف المرتزقة وتجنيسهم وتوظيفهم في أجهزة القمع ، تكبير الجهاز الأمني وتوسيع دوائره وصلاحياته وإعطاء صلاحيات غير محدودة لمراكز الشرطة لاعتقال وتعذيب المشتبه بهم ، تقسيم البلاد إلى مناطق أمنية وتسليط المرتزقة على المواطنين، عسكرة الجامعة وتسليط نظام قمعي على التعليم الجامعي لا يوجد له مثيل في المنطقة ، الخ …
وأثناء حملات الحكومة القمعية لم تتعرض قوات الأمن لغير "الفئة العدوة" بل أنها جهدت للإيحاء بأن الفئات الأخرى "غير عدوة" وتمنيها الإستفادة من الوضع لصالحها . كما أنها لم توفر جهدا لتسليط العملاء والمخبرين الذين جندتهم من "الفئة العدوة" لخلق الفتنة داخل تلك الفئة وإشغالها ببعضها الآخر . ووصلت سياسة الحكومة ذروتها في منتصف 1996 عندما ادعت أنها اكتشفت "مخططا" يتضمن أعدادا كبيرة ، وقالت في إحدى تقاريرها الأولى إن "الفئة العدوة" لديها خطة تجنيد "ثمانية آلاف" من "ألشيعة" لإحداث انقلاب واستلام الحكم من "السنة" . والأقلام الرخيصة التي كتبت في "الأيام" "وأخبار الخليج" ستبقى وثائق تؤكد نهج الحكومة المذكور أعلاه تجاه فئة من فئات المجتمع ، وهي شهادة دامغة على همجية الماسكين بالسلطة وهي إنذار للفئات الاجتماعية الأخرى بأنها ستتعرض لسياسة مماثلة فيما لو تم تشخيصها بأنها "الفئة العدوة" .
3. خلفية التشخيص الحكومي "للفئة العدوة" :
من أفضل التقارير التي أعدتها هيئة الإذاعة البريطانية كان التقرير الذي أعده "نيك بلهام" بعد أن زار البحرين إثر إعلان الحكومة في يونيو 1996 اكتشافها "محاولة انقلابية" كبرى . ذلك التقرير أشار إلى أن هناك حركة مطلبية يشترك فيها مختلف الفئات الاجتماعية، وهناك حركة أخرى موازية تختص بالشيعة فقط. وفي حديث لاحق أشار إلى أن المشكلة تكمن في طبيعة العلاقة بين آل خليفة والشيعة. فما هي الخلفية لهذا الطرح ؟
ربما أنه من الصحيح القول أن الأزمة السياسية في البحرين التي برزت على السطح في منتصف التسعينيات لها بعدان . بعد وطني يتعامل مع الحاضر والمستقبل ويرفع مطالب وطنية شاملة للجميع . أما البعد الآخر فهو بعد تاريخي يختص بشعور فئة من المجتمع (البحارنة/الشيعة) بمظلوميتها، وشعور العائلة الحاكمة بحقها المطلق القائم على أساس "الفتح" والقهر والنصر وتتعامل مع تلك الفئة على ذلك الأساس.
هذا البعد التاريخي للأزمة السياسية حساس جدا لأنه يثير المشاعر ويدفع الذين يستشعرونه من الطرفين للتطرف . ولذلك فلا بد أن أشير إلى أنني لا أتبنى التاريخ منطلقا للتحرك ولا أطالب بمطالب خاصة بفئة معينة ، بل أؤكد أن مجتمع البحرين المعاصر متعدد المذاهب والإثنيات واستطاع أن يتعايش سلميا بالرغم من السياسة الحكومية الطائفية ، ويستطيع أن يبني مستقبلا أفضل قائم على المساواة أمام القانون الدستوري العادل ، دون اضطهاد فئة لفئة أخرى . كما إنني أؤمن بأن الحكومة سوف تضطهد أي فئة أخرى بنفس الشراسة فيما لو تم تشخيصها مستقبلا أنها "الفئة العدوة" . وقد حصل مثل هذا الأمر في 1938 عندما اضطهدت الحكومة المتحركين السنة فقط ولم تلمس الشيعة الذين تحركوا مع إخوانهم السنة رافعين المطالب ذاتها . مع الأخذ بعين الإعتبار ما ذكر أعلاه ، فإن البعد التاريخي للأزمة السياسية يحتاج لمعالجة لمواجهة التشخيص الحكومي الخاطئ للمشكلة السياسية .
4. البعد التأريخي للمشكلة السياسية :
المقصود - مرة أخرى - بالبعد التاريخي هو ذلك البعد الذي ركزت عليه الحكومة أثناء مواجهتها للتحرك السياسي الجماهيري ، والذي أسسته الحكومة على أساس طرفين : الطرف الأول هو العائلة الحاكمة "المنتصرة" التي "افتتح" جدها (أحمد الفاتح) البحرين واستطاع التغلب على أهلها آنذاك ، وهم المعروفون باسم "البحارنة" . الطرف الثاني (في المعادلة الحكومية الخاطئة) هم البحارنة الذين هزمتهم عائلة آل خليفة في العام 1783م واستولت على أراضيهم وفرضت عليهم الضرائب القاسية وتم محاصرتهم في مناطقهم وعاملتهم على أساس "السخرة" "والرقابية" . والسخرة هي نظام استمر حتى العام 1923 يقوم على ان أفراد البحارنة يتوجب عليهم أن يخدموا في المزارع التي صادرها منهم شيوخ آل خليفة مقابل لا شئ. والرقابية أيضا استمرت حتى 1923 وهي ضريبة كانت عائلة آل خليفة تفرض على كل عائلة (من عوائل البحارنة فقط) دفعها لكل شخص يبلغ من العمر 15 سنة وما فوق . وكانت عائلة آل خليفة تستخدم حرسها الذي تطلق عليه "الفداوية" لمعاقبة البحارنة إذا رفضوا الإنصياع لما تريده منهم .
ينتمي أغلبية البحارنة ، وهو الاسم الذي يطلق على من كان يسكن البحرين قبل مجئ آل خليفة ، إلى قبائل عربية كعبد القيس وبكر بن وائل ، وكانوا يحكمون البحرين على المستوى الداخلي /المحلي لقرون عديدة حتى مجئ الإحتلال البرتغالي في 1521م . استمر ذلك الاحتلال حتى 1601م ، وبعدها استلمت الدولة الإيرانية الصفوية السيطرة على الجزر بعد انقطاع دام قرون. الحكم الإيراني الصفوي (المتقطع بين الفترة 1601 و 1783م) كان ذا صفة خاصة ، فالبحرين كانت إدارتها المحلية أيضا بيد البحارنة ، ما عدا الحاكم الذي كان في الغالب إيراني يعينه الشاه الصفوي . في العام 1700 ضعفت الدولة الإيرانية الصفوية وبدأت تنهار وتعرضت البحرين في ذلك العام لهجوم بقيادة قبائل العتوب (آل خليفة احد فروع العتوب) . إلا أن ذلك الهجوم فشل بعد أن استعان البحارنة بجيش من "الهولة" الذين قدمو إلى البحرين بطلب من شيخ الإسلام آنذاك الشيخ محمد بن عبد الله ابن ماجد (شيخ الإسلام لقب كان يحمله قاضي القضاة ، هو أعلى سلطة دينية آنذاك). إلا أن البحرين تعرضت بعد ذلك للحصار والدمار على أيدي العمانيين عدة مرات وهذا كله أدى "لخراب البحرين" وهروب الكثير من سكانها إلى المناطق المجاورة وسمي هذا العصر بعصر "خراب البحرين" . ومع وصول نادر شاه للحكم (1736 - 1747م) في إيران عاد الهدوء للبحرين بعد أن استعادت إيران سيطرتها. وأصبح حاكم البحرين في هذه الفترة نصر آل مذكور. إلا أن الوضع لم يستقر كثيرا وعادت الهجمات على البحرين التي كانت مستهدفة كونها من أغنى مناطق الخليج بسبب اللؤلؤ والزراعة والتجارة . وأدت تلك الهجمات لتزعزع الإدارة المحلية وانقسام أهل البحرين على أنفسهم والإقتتال فيما بينهم (خصوصا بين العاصمة آنذاك البلاد القديم والمدينة الثانية بعدها جدحفص). أدت الهجمات المتكررة وضعف الإدارة والإقتتال الداخلي لتمكين عائلة آل خليفة من الهجوم على البحرين والسيطرة عليها في العام 1783م . غير أن العمانيين عاودوا الهجوم على البحرين واستولوا عليها ما بين 1799-1801 ، مما أدى لأن يتحالف آل خليفة مع الوهابيين والهجوم على البحرين مرة أخرى . إلا أن الوهابيين استأثروا بالحكم حتى عام 1811 ، وعندها تحالف آل خليفة مع العمانيين ضد الوهابيين وعاودوا الهجوم مرة أخرى (وهذا هو الهجوم الرابع منذ 1700) والإستيلاء على البحرين . إلا أن البحرين لم تهنأ بالإستقرار مما حدا بحاكم البحرين آنذاك إلى التوقيع على المعاهدة البريطانية في 1820م ومنذ ذلك الوقت ضمن الوجود البريطاني حماية لآل خليفة من أي اعتداء خارجي ووفر لهم حرية التصرف بمن كان يستوطن ارض البحرين. بعد ذلك التاريخ انفجر الصراع بين أطراف آل خليفة مما أدى إلى نزوح الكثير من البحرين ، إلى الإحساء والقطيف والبصرة والمحمرة وبندر لنجة وغيرها. وفي 1869 تدخلت بريطانيا ونصبت الشيخ عيسى بن علي حاكما للبحرين ، استمر في حكمه حتى 1923 .
تميز حكم الشيخ عيسى بن علي بالظلم المركز على البحارنة الذين تم استحلال دمائهم وممتلكاتهم وأعراضهم حتى العام 1923 . وكان البحارنة محاصرون في مناطقهم السكنية (الريف حاليا) ولا يستطيعون الهروب من الضرائب المفروضة عليهم إلا بالتنازل عن أراضيهم والخروج من بلادهم البحرين (يتواجد البحارنة بكثرة في المحمرة والحدود العراقية-ايرانية الحالية وبندر لنجة والقطيف - وجميع هؤلاء اضطروا للهروب من الظلم في بلادهم). وهناك من البحارنة من استطاع الهروب من المناطق الريفية إلى المدينة الجديدة (المنامة) التي بدأت في الظهور بصورة رئيسية في القرن التاسع عشر . واخذ هؤلاء يعملون في صناعة اللؤلؤ أساسا ، في خرق اللؤلؤ (فريق المخارقة) ، في بناء السفن (النعيم) وغيرها . وبرزت أيضا المحرق كمدينة رئيسية ، واستطاع الإحسائيون الشيعة العاملون في الحدادة والحياكة والصياغة وغيرها في الإشتغال في كل من المنامة والمحرق . وهؤلاء جميعهم لم يكونوا جزءا من الفئة المحاصرة في مناطقها السكنية من أجل "السخرة" "والرقابية" والضرائب الأخرى .
الفرق بين الشيعة البحارنة وغيرهم من الشيعة الإحسائيين والعجم هو أن الكثير ممن عاش في البحرين قبل العام 1923 كان يفضل أن يعامل كأجنبي قدر استطاعته . فالإحسائيون كان باستطاعتهم اللجوء الى حماية ابن سعود ولذلك فإن آل خليفة لا يستطيعون التعامل معهم كما كانوا يتعاملون مع البحارنة الذين لم يكن أحد يحميهم . وكذلك الشيعة العجم كان باستطاعتهم اللجوء إلى حماية إيران آنذاك . وكان النجديون وكثير من الساكنين في البحرين يحفظون مصالحهم عبر الحصول على حماية خارجية للوقاية من ظلم شيوخ آل خليفة . وهذا يفسر كيف أن الشيعة الإحسائيين لم يعاملوا مثل البحارنة ، وكانت لهم مجالات واسعة في امتهان الحرف المختلفة (الحدادة ، الحياكة ، الصياغة ، الخ ) في كل من المنامة والمحرق . وهذا أيضا يفسر لنا لماذا أن أكثرية الإحسائيين الشيعة هم من الأغنياء أو الطبقة الوسطى . وكان شيوخ آل خليفة يستفيدون من تجارتهم وتجارة غيرهم من خلال رسوم الجمارك التي يدفعها التجار .
أما فئة البحارنة فكانوا "شبه عبيد" كما يصفهم الدكتور طلال فرح في رسالته للدكتوراه حول "البحرين ما بين 1869-1915" . فالشيعة البحارنة المحاصرون في قرى الريف يمثلون مصدر دخل رئيسي لال خليفة من خلال الضرائب المفروضة عليهم كالرقابية وغيرها ومن خلال "السخرة" ومن خلال مصادرة مزارعهم وممتلكاتهم . هذه الفئة المستضعفة "البحارنة" لم تستطع الخروج من قيود الذل إلا في العام 1923 بعد انتفاضة قاموا بها في 1922 وبعد أن تدخلت الحكومة البريطانية لإزاحة عيسى بن علي وتعيين ابنه حمد بن عيسى. حينها طلبت بريطانيا من البحارنة مساندة حمد بن عيسى مقابل إنهاء السخرة والرقابية والفداوية عنهم ومقابل الإعتراف بشهاداتهم في المحاكم وتسجيل الاراضي المتبقية لديهم في السجل العقاري الجديد (دائرة الطابو) لكي يتوقف النهب والسلب المسلط عليهم . وهكذا كان فقد ساند البحارنة حمد بن عيسى (مقابل اخيه عبدالله بن عيسى) وتبع ذلك مجئ المستشار تشارلز بلجريف في 1926 وهو الذي أسس الإدارة الجديدة للدولة ونظم شئونها. غير أن بليجريف وقف أمام المطالب السياسية الإصلاحية بشدة .
يمكن القول أن البعد التاريخي انتهى في العام 1923 مع انتهاء السخرة والرقابية وارهاب الفداوية ، وبدأ بعد ذلك العصر الحديث في البحرين مع بدء التعليم النظامي واكتشاف البترول ونشوء طبقة عاملة واندماج النخبة المتعلمة ضمن مشروع وطني واحد للمطالبة بالإصلاح السياسية . هكذا بدأت المطالبة الوطنية المشتركة (بين الشيعة والسنة) منذ العام 1938 .
5. مواجهة البعد التاريخي للازمة السياسية في البحرين:
ان التاريخ المعقد للبحرين وعدم مواجهته بالدراسة الدقيقة انتج ولايزال العراقيل أمام الحركة الوطنية الإصلاحية لعدة أسباب ، وسوف نتطرق لبعض تلك العقد بالايجاز:
1- إن الحديث عن "البحارنة" من شأنه استثارة فئات المجتمع الأخرى التي قد تتحسس من استعراض تاريخ البحرين المرتبط بجزء من الشعب يسمى "البحارنة" . وهذا المشكلة واجهت الإدارة الحديثة التي أنشأها شارلز بلجريف . فقبل 1923 كان أهل البحرين يطلق عليهم "بحارنة" أو "بحرانيون" . أما آل خليفة والقبائل المتحالفة معها فكانوا يسمون "عربا" ، وبعد ذلك تأتي التقسيمات الأخرى : النجدون ، العجم ، الهولة ، الهنود البانيان ، الحساوية ، الخ. وعندما شرعت الإدارة الجديدة في مطلع القرن في ترتيب شئون الدولة وتسجيل الأراضي واصدار أحكام وتشريعات ، فإنها تورطت في صيغة النسب التي ستطلقها على المواطنين . ولهذا فقد استحدثت مصطلح "بحريني" (في منتصف القرن) لوصف المواطن بغض النظر عن كونه من أية فئة إثنية معينة . ومصطلح "بحريني" ليس صحيحا من الناحية اللغوية ، لأن الذي ينتمي للبحرين يطلق عليه بحراني ، تماما مثل الذي ينتمي لليمن يسمى "يماني" . غير أنه مع وجود الحساسيات من مصطلح بحراني لارتباطه بالبحارنة فإنه يعتبر أحد الحلول لواحدة من العقد التاريخية .
2- حاولت الأوساط المقربة من العائلة الحاكمة الضرب باستمرار على وتر "بحريني " "وبحراني" خلال العقود المنصرمة. ونتج عن ذلك وصف الشيعي بالبحراني ، والسني بالبحريني. إلا أن هذه المشكلة خفت مع الأيام، خصوصا مع التفات الكثير من فئات المجتمع لخطورة هذا التفريق غير الملائم للعصر الحاضر.
3- شارلز بلجريف قسم المجتمع إثنيا وطائفيا ووزع المناصب والنفوذ والدوائر حسب انتماء الفرد أولا ثم حسب كفاءته، وبعد رحيل بليجريف ازدادت المشكلة سوءا لأن الطرف المسيطر من عائلة آل خليفة وجد أن هذا التقسيم الإثني - الطائفي يصب في صالحه مباشرة . ولهذا فإن البحرين تحكم نظريا حسب المواطنة، أما فعليا فإن كل شئ من الوظائف والتعليم ، إلى خدمات المناطق السكنية ، إلى أسماء الشوارع والمستشفيات والمدارس، إلى المحاكم الشرعية (المحكمة الجعفرية تعتبرها وزارة العدل تابعة وليست مساوية للمحكمة السنية) ، إلى الإعلام والتراث وإلى كل شئ في جميع مجالات الحياة ، كله يخضع لحساب دقيق من تفضيل فئة على فئة، حسب الإنتماء الإثني والمذهبي. وقد استفادت الحكومة كثيرا من اللعب بهذه الورقة من خلال فصل أجزاء المجتمع عن بعضه الآخر وتخويف فئة من فئة أخرى .
4- والحكومة لا تخيف السنة من الشيعة فقط وإنما أيضا تخيف الشيعة من السنة. والوقائع تثبت ذلك، فعندما تحرك رموز من الشيعة مع السنة في العام 1992 و1994 ، أرسل رئيس الوزراء أعوانه من التجار ورجال الدين الشيعة لعدد كبير من الرموز التي تحركت يقولون لهم "مالنا والتحالف مع السنة الذين سيجلبون السعودية للقضاء علينا" . رموز الحكومة نفسها ذهبت إلى المحرق (مركز ثقل السنة في البحرين) لتخويف أبناء السنة من الشيعة "الذين سيتحالفون مع إيران للقضاء على السنة" حسب تعبير رموز الحكم . وكانت الرسالة التي أرادت توجيهها الحكومة في يونيو 1996 عبر البث التلفزيوني لمجموعة من شباب الشيعة المعذبين واضحة عندما فرض جهاز المخابرات على أولئك الشباب التصريح على شاشة التلفزيون بأن "المسئولين الإيرانيين حرضوهم لاستلام الحكم لأن الشيعة أكثرية" . كانت تلك الرسالة الحكومية واضحة فهي تلعب على تخويف كل فئة من أخرى . وقد اقتنع عدد من العاملين في الحركة الإصلاحية (من السنة) بكلام الحكومة وتراجعوا عن المطالبة بالإصلاح السياسي .
5- ان العقدة لدى الطرف النافذ في العائلة الحاكمة يتركز على البحارنة الذين يعيشون في الريف أكثر من أي فئة أخرى منهم. وهذا الطرف لم يكن سينزعج لو أن رموز التحرك السياسي من البحارنة جاءوا من المنامة (كما كان في الخمسينيات) ولكن أن تأتي رموز التحرك من الريف البحراني يصبح بعضهم رموز وطنية تستقطب الساحة. وهم الذين كانوا شبه مستعبدين حتى 1923 ، فهذا أمر لم يقبله ذاك الطرف.
6- ان الحديث عن البحارنة واعتبار كل شيعي بحراني أمر خطير. فالشيعة في البحرين يتكونون من البحارنة والعجم والاحسائيين وغيرهم ممن وفدوا واستقروا في البلاد . وورد عن رئيس الوزراء استدعاءه لرموز العجم وتحذيرهم من "مشاركة البحارنة" أثناء التحرك السياسي في منتصف التسعينات. وعندما اكتشفت المخابرات أن شباب ورجال العجم في المحرق والمنامة والمناطق الأخرى ، شاركوا بصورة أساسية في التحرك الوطني جن جنونهم ومارسوا اضطهادا بشعا بحق عوائل بأكملها بصورة أشرس من الاضطهاد المسلط على البحارنة. ومن ذلك سحب حقهم في الحصول على جواز بحريني وطردهم من البحرين باسلوب خاص وبشع جدا.
7- الحديث عن البحارنة وكأنهم فئة واحدة عدوة لآل خليفة بأكملها غير صحيح . فالحكومة تود طرح هذا القول وتعزيزه . صحيح أن العذاب والتمييز موجه ضد الشيعة البحارنة بصورة عامة ، إلا أن الصحيح أيضا هو أن عددا مهم من رموز البحارنة (تجار ورجال دين ورؤساء مآتم) ارتبطت مصالحهم مع رموز العائلة الحاكمة ، وهذه الرموز - رغم قلتها - استخدمتها الحكومة بصورة شرسة لتفريق البحارنة فيما بينهم ، كما استخدمت غيرهم في تفريق فئات المجتمع الأخرى . وهذه القلة من رموز الشيعة لا يهمها أي شئ ولا تطالب بأي إصلاح وطني سوى الإستمرار في الحفاظ على مصالحها الشخصية حتى ولو كان ذلك على حساب المواطنين جميعهم سواء كانوا شيعة أو سنة .
8- رغم أن الطرف النافذ في العائلة الحاكمة يدعي للسنة بأنه يحميهم ضد "الخطر الشيعي" ، إلا أنه لا يثق بالسنة. ولعل اكبر دليل على ذلك انه عندما قررت الحكومة استخدام الأموال والمساعدات التي حصلت عليها من الإمارات والسعودية لمضاعفة الإمكانيات العسكرية والأمنية لم تعتمد على السنة ، استعانت بآلاف البدو السوريين والأردنيين وجنستهم، كما جنست البلوش وغيرهم من العاملين في الجهاز الأمني .
9- أخلصت الحكومة كثيرا لسياستها التفريقية القائمة على التمييز بين المواطنين على أساس إثني ومذهبي. فخلال التحرك السياسي الذي بدأ منذ العام 1992 وازداد حده بعد عام 1994 لم تعتقل أجهزة الأمن من المواطنين السنة الذين رفعوا المطالب ذاتها إلا عدد محدود. وقد فضلت أن تمارس إرهابا من نوع آخر ضدهم أدى لفصل رموز وطنية هامة من وظائفهم وتدهور صحة اخرين.
10- المعارضة التي تصدت للتحرك السياسي أيضا أخلصت لطرحها وجاهدت كثيرا لكي لا تنزلق في النهج الحكومي. ومع كل ما قد يقال فإن الخطاب السياسي استمر شاملا للجميع دون تفريق بين المواطنين واستمرت الأهداف المطروحة مرفوعة رغم السياسة الطائفية الرسمية. وقد أدى إخلاص المعارضة لأهدافها أن تتراجع الحكومة (ولو من الباب الخلفي) أمام تلك المطالب من خلال السماح لبعض النقاش حول الاصلاح السياسي المطلوب في بعض الندوات وفي بعض المقالات الصحافية وفي بعض التقريرات السياسية . وبعد أن كانت الحكومة تتحدث عن "مسح القرى" في العام 1996 ، بدأت الحديث عن "انتخابات بلدية" في العام 1999 .
11- إذا كان هناك من درس يستلهم من الأحداث السياسية في الأعوام الماضية فهو أن الإنتصارات التي حققتها المعارضة (اعتراف دولي بوجود حركة إصلاحية وشجب دولي لإنتهاكات حقوق الإنسان ، وتراجع حكومي عن فكرة "مسح القرى" ، وانتشار واسع وعميق لثقافة حقوقية مقبولة إسلاميا ودوليا وتعزيز التكافل الإجتماعي والمشاركة في الآلام والأفراح والشعور بالكرامة الإنسانية رغم الظلم والتعذيب ، وغيرها من الإنجازات بعيدة المدى) لم تكن ستتحقق لو انجرت المعارضة لسياسة التمييز العنصري والطائفي والقبلي التي انتهجها الطرف النافذ في العائلة الحاكمة. إن مستقبل البحرين حددته انتفاضة التسعينات وتضحيات الشعب وهو مستقبل سيجد الظالم نفسه معزولا ليس محليا فقط، وإنما إقليميا ودوليا ، ولا مجال له إلا الاعتراف بالحقوق السياسية لاهل البحرين (سنة وشيعة) وفتح الباب أمام الإصلاحات السياسية وضمان كرامة المواطن بغض النظر عن انتمائه الإثني والطائفي.
الاختراق الديموقراطي في البحرين
دايفيد هرست*
David HIRST
"هل تريد الديموقراطية؟ اتخذ لك ملكاً". هذا ما كتبته المجلة الفصلية الاميركية Middle East في اشارة ساخرة الى احدى الميزات البارزة للمشهد السياسي العربي المعاصر. ففي منطقة تمانع في مواكبة الاتجاه العالمي نحو "السلطة للشعب"، تقوم الانظمة الوراثية قبل الجمهوريات باتخاذ هذا المنحى خصوصاً في المنطقة الاقل قابلية ربما وهي منطقة الخليج. فبعد الاختراقات الدستورية في كل من عُمان وقطر، ها هي الانظمة الاكثر محافظة مثل السعودية او البحرين تحمل راية الاصلاح الزاهية.
لدى وفاة والده في آذار/مارس 1999 صار الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة اميراً على البحرين وهو سليل عائلة ترأست هذه الدولة الصغيرة منذ العام 1783. وبعد بدايات غير واعدة تجاوز الشيخ حمد افضل الآمال في التقدم الديموقراطي لصالح شعب الامارة. ويقول احد مناضلي حقوق الانسان: "انها اقرب الى الثورة. فبين يوم وآخر انتقلنا من التشاؤم الى التفاؤل بالمستقبل". وكانت نقطة الذروة في الاستفتاء الذي جرى في شهر شباط/فبراير وحصل على نسبة 98.4 في المئة من الاصوات المؤيدة للميثاق الوطني الجديد. ويؤكد احد المحامين المعارضين "انها نسبة حقيقية وليست ظاهرة مفبركة على غرار ما يصنعه الاسد وصدام ومبارك".
ان هذا الدستور التقليدي بلا مواربة بل الرجعي يخوّل من جهة الامير ان يصير ملكاً بالفعل. لكنه يدعو من جهة اخرى وفي توجه تقدمي الى قيام نظام برلماني بمجلسين أي اعادة العمل بالمجلس الوطني القديم المنتخب في موازاة مجلس الشورى الجديد. وقد ترافق الاستفتاء مع اطلاق سراح السجناء السياسيين والسماح بعودة المنفيين السياسيين والغاء قوانين الطوارئ الصارمة واطلاق حرية التعبير بشكل يصعب تصديقه. وقد حظي الشيخ حمد ونجله سلمان خريج جامعة كمبردج بشعبية مباشرة وتحلقت حولهما جماهير متحمسة حتى في مناطق المعارضة حيث لم تكن شرطة مكافحة الشغب تتجرأ على الدخول.
صحيح ان هذه الديموقراطية حصلت بقرار لكنها تستجيب ايضاً للارادة الشعبية. ويقول عبد النبي العكري بعد عودته المظفرة من 27 سنة في المنفى: "انها ثمرة نضال وتصميم وتضحيات كبيرة". يضاف الى ذلك ايضاً تقليد من النضال الشعبي. فلاسباب عديدة كان البحرانيون دائماً في طليعة بلدان الخليج لجهة بناء وعي اجتماعي ـ سياسي حديث. ومنذ مطلع القرن العشرين وهم يدعمون باستمرار مطالب السيادة الشعبية والكيان الدستوري والحكومات التمثيلية مقابل السلطة الوراثية والبطريركية الممانعة في تلبية مطالبهم. لكن في العام 2000 وصل الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الى درجة من التردي يهدد استمراره بدكّ سلطة آل خليفة انفسهم.
سنة 1973 وبعد الاستقلال الذي انتزع من بريطانيا، اصدر آل خليفة دستوراً يرتكز على جمعية وطنية مكونة من 30 عضواً منتخباً ومن 14 وزيراً. لكن في 1975 اقدم الامير على حلّ الجمعية المنتخبة حديثاً بعدما اغتاظ من رؤيتها تطالب بمحاسبة العائلة الحاكمة حول مشاريعها المتعلقة بالمداخيل النفطية المتدنية وبالاراضي العامة وبعدما عبّرت عن معارضتها الصارمة لقانون الطوارئ الذي يجيز اعتقال أي مواطن من دون محاكمة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. وقد تلى ذلك 25 عاماً من الاستياء الشعبي المتصاعد ضد مساوئ هذا القانون غير الدستوري.
كان احد اجنحة المعارضة يتشكل من حركة تدين بالحداثة غير الطائفية المقربة عموماً من القوميين العرب والاشتراكيين الذين خاضوا في الستينات والسبعينات نضالاً في سبيل اقامة حكومة تمثيلية. وكان اعضاء هذا الاتجاه عموماً من المسلمين السنة على غرار آل خليفة انفسهم والذين يمثلون اقلية لا تبلغ نسبة الـ 40 في المئة ومع ذلك تسيطر تقليدياً على البلد. اما المعارضة الاخرى والتي برزت في مرحلة لاحقة فهي شيعية تقودها مجموعة جديدة من العلماء المتأثرين بالتيار السياسي ـ الديني المناضل في سياق الثورة الايرانية. والشيعة غالباً من اهل الريف اكثر فقراً واقل تعليماً من السنة. كما عانوا تمييزاً طائفياً رسمياً. رغم اهدافها المتعارضة في اغلب الاحيان فان جناحي الحركة توافقا على المطالبة معاً باستعادة الحياة البرلمانية. وفي المرحلة الاخيرة قدم الاسلاميون الشيعة بقاعدتهم العريضة والمناضلة مساهمة حاسمة في الحملة الاصلاحية التي كانت بدأتها القوى السنية غير الطائفية.
وقد عرفت الحملة انطلاقة جديدة مع بداية حرب الخليج (1990-1991) والضربة التي سددتها الى هيبة الانظمة الوراثية في المنطقة. وقد لجأ الاصلاحيون الى الوسيلة المعروفة وهي رفع العرائض الى الامير. فجمعوا على احداها عدداً مدهشاً من التواقيع بلغ 25 الفاً. لكن الامير رفضها باحتقار وانشأ مجلساً استشارياً دون سلطة فتوسعت المعارضة لتتحول انتفاضة(1). ومع انها لم تكن مسلحة وغير عنيفة في اساسها فان النظام تخلص منها بوسائل القمع والرقابة اللصيقة. وقد تم اعتقال 25 الف شخص في مختلف الاوقات من اصل عدد السكان البالغ 400 الف نسمة. وقد قضى حوالى 30 متظاهراً في مواجهات الشوارع. ومن بين ستة اشخاص توفوا تحت التعذيب اختطف احدهم وهو سعيد اسكافي، 16 عاماً، من منزله في قرية سنابيس الشيعية وارسلت جثته الى اهله بعد ايام. كذلك لجأ اكثر من 200 قيادي الى المنفى الاضطراري.
وقد صعّد النظام من طائفيته في صورة فاضحة. ورغم ان حركة العرائض كانت نابعة من السنة والشيعة فقد ركز قمعه على الشيعة وحدهم. وضاعف في الوقت نفسه من اجراءات التمييز في حقهم فابعدهم تماماً عن الجيش وقوى الامن وبقية المؤسسات "الحساسة". حتى الجامعة لم تتمكن من تعيين الشيعة او ترقيتهم بعد 1995 رغم مؤهلاتهم. وقد عززت هذه السياسة من الوعي والروح النضالية في صفوفهم. كما ساهمت في تسهيل مهمة النظام لتصوير التمرد على انه شيعي تحديداً واصولي متأثر بايران واعتباره تهديداً للامن الاقليمي ذي الطابع السني وللقوى الخارجية الداعمة له.
وقد جند النظام مرتزقة اجانب. وكان يمكن ان يكونوا عرباً او من غير العرب، قادمين من السودان او اليمن او الاردن او سوريا او باكستان لكنهم كانوا دائماً من السنة. وكان الهدف تأمين "التوازن الديموغرافي". وبصفتهم اجانب لم يتردد هؤلاء المرتزقة امام أي اعمال عنف حيال السكان المحليين فلجأوا الى السرقة والنهب في البيوت التي دخلوا اليها. وقد حصّلت مجموعة كبيرة منهم، من البدو القساة والاميين القادمين من شمال سوريا، صيتاً سيئاً ونسب اليهم السكان الاصليون من سنة وشيعة كل انواع التجاوزات. وقد وصل الامر بالحكومة الى اعطائهم الجنسية، هم وعائلاتهم، وقدمت لهم المساكن الرخيصة الثمن.
واضافت العائلة الحاكمة الفساد الى تجاوز السلطة هذا. فالبحرين كانت في ما مضى اكثر المجتمعات استقامة في الخليج. وكان جد الامير الجديد منع على افراد عائلته التدخل في الاعمال معتقداً ان ذلك من شأنه الحاق الاذى بوضعهم وامتيازاتهم القبلية. ويشير احد رجال الاعمال: "يقول اصدقائي الاجانب اليوم اننا بتنا متساوين مع نيجيريا". يعدّ آل خليفة 3 الاف شخصاً وهم يتجاوزون عائلة سعود الكبيرة نسبة الى عدد السكان. وهم يحصلون على مخصصات من المهد الى اللحد. اضافة الى استفادتهم عبر علاقاتهم من الصفقات التجارية المربحة. يدير خال الامير، رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان، مؤسسات تتداخل فيها الصفقات العامة بالارباح الخاصة. يمارس الشيخ الحكم منذ 1961 وقد ملأ الادارة باتباعه الخاصين حيث يوجد ثمانية من آل خليفة في الحكومة وغيرهم بعدد اكبر في ادارات اخرى. يختصر احد الخبراء الاقتصاديين المعارضين الوضع بالقول: "انه يدير الحكومة كأنها شركته الخاصة".
وتلعب الارض دوراً مهماً في هذا التعطش للربح. ويتنافس كبار اعضاء العائلة الحاكمة للسيطرة على اراض واسعة بدون اصحاب اذ يفترض ان تكون ملكاً للدولة في الاحوال الطبيعية. وقد حصل هؤلاء على عدد من الجزر الثلاث والثلاثين التي يتشكل منها الارخبيل. يردمون البحر ويبيعون الارض من المواطنين الذين يضطرون ايضاً لدفع الكلفة الى الدولة.
هناك من جهة اخرى مداخيل "تأشيرات الدخول الحرة"، اذ يرعى آل خليفة واصدقاؤهم استيراد العمال الاجانب. ويتقاضون من كل عامل رسماً سنوياً قد يصل الى 1500 دولار. ويبلغ عدد هؤلاء العمال 200 الف نصفهم من الهنود ويمثلون 70 في المئة من اليد العاملة الاجمالية. وهم في حال تنافس مباشر مع البحرانيين الذين يقومون بالاعمال اليدوية خلافاً لما هو رائج في بلدان الخليج الغنية. وتبلغ البطالة نسبة مرتفعة تصل الى 30 في المئة واكثر في اوساط الشيعة. يقول احد الخبراء الاقتصاديين ان قراهم "تشبه ما يمكن رؤيته في بنغلادش".
في هذه الاثناء بدأت الطبقة الوسطى بالاستدانة وهي عانت من التدهور العام، من هرب الشركات الاجنبية والاستثمارات وكذلك من سنوات الاضطراب التي اضرت بالاقتصاد القائم على الخدمات.
تلك هي اذاً تجاوزات السلطة التي يفترض بالجمعية الوطنية العائدة مواجهتها. لكن يبقى السؤال قائما حول نوع المؤسسات المطروح اذ يقوم كل شيء على حسن ارادة الامير، الشيخ حمد، الذي وصل بالاصلاح الى حد لم يتوقعه احد كما يجمع على ذلك المراقبون. ويعترف العكري: "لقد برهن عن شجاعة لكن عليه مواجهة مهمة انشاء دولة ديموقوراطية حقيقية". وسوف يجد نفسه على الارجح في حال تمزق بين ميوله القديمة، العشائرية والبطريركية، ونزعته الديموقراطية التي اكتشفها حديثاً، وبين الارتهان المستمر لاداة حكم موالية وضرورة اشراك المجتمع باكمله. والنزاع ليس فقط نزاعاً داخلياُ يعاني الملك بل يمكن ان يؤدي الى مواجهة بينه هو وولي العهد من جهة و "الحرس القديم" بقيادة رئيس الوزراء الذي يخوض معركة سرية وخفية ضد الاصلاحات من جهة اخرى.
في الصيغة الاساسية كان الميثاق الوطني يتمتع بسلطة اعلى من سلطة الدستور كما تعطى سلطات تشريعية ليس فقط للمجلس المنتخب بل ايضاً لمجلس الشورى الجديد. لكن خلال النقاشات الصاخبة ومن اجل الحصول على موافقة المعارضة قبل الامير باولوية الدستور وبحصر التشريع في المجلس المنتخب. كذلك وجد مسؤولو المعارضة في تسمية الموالين رئيس الوزراء في لجنة تعديل الدستور اشارة لا تدل على حسن نية. ويقول احد المعارضين: "انه يحاول بالتأكيد تحميلنا فشل الجمعية الوطنية التي سيكون لها سلطات اقل من 25 سنة مضت. كيف يمكننا الحصول على اصلاحات من دون التخلص من المسؤولين عما نريد اصلاحه؟".
حتى ولو ان الشيخ حمد في توجهه الشعبوي الجديد يدرك ضرورة تطهير كهذا فانه يشعر في طبيعة الحال بالقلق. ويبقى الحفاظ على كرامة العائلة الحاكمة وتماسكها احد الاهتمامات التي تثقل كاهل الامير الذي سيصير ملكاً. فهو اكتفى حتى الآن بحرب الانهاك وبمشاركة ولي العهد في اجتماعات الحكومة الى جانب رئيس الوزراء.
لكن حتى لو توقع المواجهة فهو يعتبر ان ميزان القوى الحالي لا يسمح له بالمخاطرة. فالمواجهة قد تثير ردة فعل الحرس القديم الذي لا يزال يسيطر على مؤسسات السلطة. ذلك ان هذا الحرس القديم خائف كما يوضح ذلك احد مناضلي حقوق الانسان: "عندما تفتح ملفات حقوق الانسان والفساد، لا احد يعرف الى اين يمكن ان تصل. فلدينا نحن ايضاً مسؤولون مثل ميلوسيفيتش وبينوشيه والبعض منا يطالب بتعويضات".
لكن بانتظار ذلك فان قوى الاعتدال تسيطر في صفوف المعارضة وسيزداد نفوذها كلما تبين ان ثقتها بالامير كانت في محلها وانه سيقوم بتنفيذ ما وعد به. وتقول المعارضة ان لا وجود لحل بديل في نهاية المطاف. بالطبع ان الامير هو الذي اقترح الاصلاحات لكن انتفاضة الشعب ارغمته على ذلك. واذا خاب ظن الشعب واعاد اطلاق التمرد؟ يقول احد الصحافيين المعارضين: "لن يكتفوا عند ذلك بالمطالبة ببرلمان ودستور بل باستبدال آل خليفة".
Wednesday, December 16, 2009
القصة الكاملة لخلفيات محاكمة الشيخ الجمري والإفراج عنه
بقلم د. منصور الجمري (26 يوليو 1999)
الحدث الذي هز البحرين
في 7 يوليو 1999 أصدرت محكمة أمن الدولة برئاسة عبد الرحمن جابر آل خليفة وعضوية على منصور (مصري) ومحمد رأفت مصطفى برغش ( مصري) حكما قاسيا على الشيخ عبد الأمير الجمري بالسجن عشر سنوات ودفع غرامة قدرها 15 مليون دولار (5.7 مليون دينار). جاء هذا الحكم بعد أربعة جلسات، عقدت الأولى في 21 فبراير 1999 وكانت مدتها 45 دقيقة قرأت فيها التهم الموجهة للشيخ الجمري تضمنت خمسة تهم أساسية وهي:
1 - جناية السعي و التخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية.
2 - جناية إدارة منظمة ترمي إلى قلب نظام الحكم بالقوة.
3 - جناية التحريض على اتفاق الغرض منه ارتكاب جناية الإتلاف العمدي للمباني والأملاك العامة.
4 - جنحة التحريض على إتلاف أموال خالصة ثابتة ومنقولة مما ترتب عليه حمل حياة الناس وأمنهم في خطر.
5 - جنحة إذاعة أخبار و إشاعات كاذبة وبث دعايات مثيرة في داخل البلاد وخارجها من شأنها النيل من هيبة الدولة واعتبارها ولضرب الأمن العام.
وكان من المتوقع أن تعقد الجلسة الثانية في 7 مارس، إلا أن وفاة الأمير السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في 6 مارس أدى إلى تأجيل المحاكمة حتى 4 يوليو. وهذه الجلسة (الثانية) كانت مدتها قرابة 40 دقيقة. أما الجلسة الثالثة والجلسة الرابعة لم تستغرق كل واحدة منهما أكثر من 5 دقائق. الجلسة الثانية عقدت في 4 يوليو وتمكن الدفاع من إحضار أربعة شهود احدهم ابن الشيخ الجمري ( المهندس محمد جميل ) وكل من الأستاذ عبد الوهاب حسين والأستاذ حسن المشيمع وكلاهما موقوف منذ يناير 1996. وقد تحدث رئيس محكمة أمن الدولة مع المحامين لإقناعهم بعدم استدعاء شهود آخرين كان الدفاع سيطلبهم وهؤلاء كانوا بالتحديد الأستاذ علي ربيعة والشيخ عيسى الجودر والسيد جواد الوداعي. وكان الدفاع يريد - إثبات بطلان ادعاء الحكومة بأن الشيخ الجمري له ارتباطات خارجية من خلال شهادة رفاق دربه في المشروع الوطني ( اثنان من السنة وهم علي ربيعة وعيسى الجودر) وشخصية دينية شيعية مرموقة متمثلة في السيد جواد الوداعي.
غير أن رئيس محكمة أمن الدولة قال لبعض المحامين " بأن الشيخ الجمري صديقي وأنا أعلم بأن تهمة التخابر ليست جدية ولن تكون هدفا للمحكمة خصوصا وأن القيادة العليا في البلاد طلبت تخليص موضوع الشيخ الجمري بسرعة". والادعاء العام ايضا اوحى بأنه لن يصر على هذه التهم. غير أن هدف محكمة أمن الدولة اتضح لاحقا، لأنها أدانت الشيخ الجمري في آخر المحاكمة بتهمة التخابر، واصبح واضحا بعد ذلك أن القاضي كان سيوضع في حرج فيما لو استدعى الشهود الثلاثة. فإدانة الشيخ الجمري بالتخابر لأنه طالب مع آخرين (من السنة) بمطالب وطنية سوف يكون أمرا غير معقولا. كما أن السيد جواد الوداعي لديه علاقات دينية مماثلة للشيخ الجمري، وإذا أدين الشيخ الجمري بالتخابر مع دولة أجنبية ( إيران ) فإن جميع علماء الشيعة تلزم إدانتهم بنفس التهمة لأنهم جميعا لديهم علاقات دينية منذ القدم مع كل من النجف الأشرف في العراق وقم المقدسة في إيران.
في الجلسة الثانية، شهد الشهود أنهم جميعا ليس لهم علاقة بأي من التهم الموجهة للشيخ الجمري، وأن الشيخ كان يشارك الشعب في مطالبه بصورة علنية تشهد بذلك جميع نشاطاته وخطبه واتصالاته ونهجه. أما الجلسة الثالثة، فكانت للإدعاء العام لكي يطرح رده على الشهود. إلا أن الإدعاء العام لم يقدم أي شهود، لأن جميع الملفات التي قدمها هي عبارة عن اعترافات لأشخاص موقوفين واكتفى الادعاء العام بتسليم مذكرة مكتوبة مملوءة بالعبارات الشعرية والشتائم البذيئة مثل وصف الشيخ الجمري "بالأفعى"، وشتمه بأسلوب لا يليق بمهنة الإدعاء أو القضاء. ولذلك فإن الجلسة لم تدم أكثر من خمس دقائق بعد تسليم مذكرة الادعاء العام. استلم الدفاع المذكرة وذهب للرد عليها في اليوم التالي 7 يوليو. وفي صباح 7 يوليو سلم الدفاع مذكرة مكتوبة لقضاة محكمة أمن الدولة. وبعد دقيقة من استلام المذكرة المكتوبة، فتح القاضي ورقة وقرأ حكما قاسيا دون أن يطلع على رد الدفاع. وانتهت الجلسة بعد أقل من خمس دقائق من انعقادها.
الهزة التي أحدثتها هذه المحكمة لم تتوقع مردوداتها الحكومة. فقد كانت الأوضاع هادئة منذ تولي الشيخ حمد آل خليفة مقاليد الحكم في 6 مارس إثر وفاة والده. وكانت فصائل المعارضة قد دعت للهدوء وقدمت العزاء للأمير الجديد وتمنت أن يكون عهده عهد إصلاح وخير. وأمل الشعب كثيرا بعد سماع تصريحات الأمير التي تحدثت عن تغييرات وإصلاحات ومساواة بين المواطنين. إلا أن الحكم القاسي غير كل شيء، وعاد الوضع للتوتر مرة أخرى، وانتشرت الكتابات الجدارية وبدأت الحرائق الاحتجاجية في العودة وسمعت أصوات اسطوانات الغاز التي يفجرها أبناء الشعب تعبيرا عن احتجاجهم. هذا الوضع المتفجر كان على موعد مع هزة أخرى في اليوم التالي.
ففي صباح الثامن من يوليو، كان الوضع متأزما ومتفجرا، إلا أنه ومع الظهيرة نشرت الحكومة خبرا بأنها سوف تفرج عن الشيخ الجمري في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر. واتصل مكتب رئيس الوزراء بمنزل الشيخ الجمري وطلب لقاء عاجلا مع اثنين من أبناء الشيخ الجمري (محمد جميل وصادق) وكان الاثنان قد استدعيا من قبل جهاز المخابرات في صباح ذلك اليوم. بعد ان عادا للمنزل قرابة الساعة الثانية عشرة والنصف علما عن استدعائهما لجلسة طارئة مع رئيس الوزراء. وهكذا وصلا إلى مكتب رئيس الوزراء، وكان في استقبالهما الأخير وابرز حفاوة لهما وجلس معهما لمدة نصف ساعة قال فيها أنه " ليس لديه شئ ضد الشيخ الجمري وأنه يعرفه منذ أيام المجلس الوطني ولكن أطراف أخرى دخلت بيننا"، وأخبرهما أن الشيخ الجمري سيفرج عنه قبل الساعة الخامسة عصرا.
رجع ابنا الشيخ الجمري إلى المنزل، وكان هناك اتصال آخر بصادق يطلب منه أخذ ثياب علماء الدين التي يلبسها الشيخ الجمري والتوجه بها إلى سجن القلعة. وهناك كان الشيخ على موعد آخر. إذ طلبت منه المخابرات الذهاب للأمير لتعزيته بوفاة الأمير السابق. ولكنه عندما وصل إلى قصر الأمير في الرفاع فوجيء بوجود رموز العائلة الحاكمة ومجلس الوزراء. وقبل دخوله سلمت له ورقة لقراءة "رسالة اعتذار" أمام كل من الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد وجميع أعضاء مجلس الوزراء. وكان هناك طاقم تلفزيوني كامل التجهيزات يصور كل شئ ليعرضه في الساعة السابعة مساءً على تلفزيون البحرين، وليشاهد الشعب كيف "يقدم الشيخ الجمري اعتذاره"، وكيف يطلب العفو وكيف يتحدث عن تعهده بالالتزام بالشروط التي طلبتها وزارة الداخلية. الكاميرا لم تكن أمينة في النقل، فقد حذفت عبارات وحركات هنا وهناك.
قبل ساعتين من العرض التلفزيوني كانت الشوارع قد امتلأت بأبناء الشعب الذين انهالوا من كل حدب وصوب للقاء الشيخ الجمري. إلا أن قوات مكافحة الشغب انتشرت في كل مكان، وما أن تفرقت الحشود حتى سيطرت قوات الأمن والمخابرات ومكافحة الشغب على جميع المنافذ وفرضت حصارا مستمرا منعت تجمع أبناء الشعب ومنعت وصول الأشخاص إلى منطقة بني جمرة التي يسكنها الشيخ الجمري. وهكذا فرض الحصار على منزل ومنطقة سكنى الشيخ الجمري بعد الإفراج، والحصار مستمر حتى كتابة هذه السطور.
خلفيات الحدث الدرامي
أولا: الاعتقال الأول والمبادرة
وضع الشيخ الجمري في 1 أبريل 1995 تحت الإقامة الجبرية وقتل اثنان من جيران الشيخ الجمري عند محاصرة المنزل ثم نقل إلى المعتقل وبقي هناك حتى 25 سبتمبر 1995. وفي نهاية أبريل 1995 تقدم الشيخ الجمري مع رفاقه بمبادرة لتهدئة الوضع مقابل الإفراج عن الموقوفين والمعتقلين، على أن يتم تقديم المطالب السياسية بعد عودة الهدوء. افرج عن " جماعة المبادرة" في أغسطس وسبتمبر 1995، وعاد الهدوء وانتشرت الأفراح في البحرين. غير أن وزارة الداخلية لم تطلق الموقوفين والمعتقلين الذين وعدت بالإفراج عنهم، بل واستمرت المحاكمات مما وضع جماعة المبادرة في حرج شديد، أدى بهم لإعلان الاعتصام داخل منزل الشيخ الجمري والإضراب عن الطعام لمدة عشرة أيام حتى 1 نوفمبر 1995. وفي 1 نوفمبر اجتمع قرابة 80 ألف مواطن أمام منزل الشيخ الجمري معلنين التضامن والصمود، وكان هذا اكبر تجمع في تاريخ البحرين.
استشاطت الحكومة غيظا وبدأت المصادمات تزداد داخل المساجد بين قوات الأمن وأبناء الشعب، وتصاعدت وتيرتها حتى 21 يناير 1996، عندما أعيد اعتقال جميع أفراد المبادرة وجميع الخطباء وعلماء الدين والنشطاء والذين ظهروا على السطح خلال الفترة المنصرمة.
ثانيا: الاعتقال الثاني والزنزانة الانفرادية
وضع الشيخ الجمري في زنزانة انفرادية مباشرة بعد اعتقاله في الساعات الأولى (بعد منتصف الليل) في 21 يناير 1996، لمدة تزيد على تسعة شهور. ونعرف هذه الحقيقة من رسالة استطاع الشيخ الجمري تسريبها لاحقا إلى عائلته مؤرخة بتاريخ 2 نوفمبر 1996 يقول فيها ما يلي (وهي موجهة لزوجة الشيخ "أم جميل"):
" بسمه تعالى، قرة العين أم جميل، أعزائي وعزيزاتي، فسلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد:
فأحمد الله سبحانه على عظيم نعمه علي، ومنها نعمة السجن، لتكفير ذنوبي، وإعلاء درجتي إذا شاء سبحانه، ومواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء، وحصولي على تربية نفسية عالية، وإتاحة فرصته كبيرة لعبادته سبحانه وتلاوة كتابه، فله المنة وله الحمد.
قرة العين، أحبائي، حبيباتي: ما اعظم شوقي إليكم، وما اشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب. وليكن ذلك، وليكن السجن، فما عسى أن يكون مهما عظم بلاؤه - في سبيل الله تعالى، وبسبب قضية عادلة، ومن اجل شعب عظيم وفي سبيل يستحق أن يفدى بأغلى الأشياء.
أحبائي بلغني ما حصل للحبيبة منى (زوجة ابن الشيخ الجمري المهندس محمد جميل الذي كان معتقلا أيضا لقضاة فترة سجنه لمدة عشر سنوات - بدأت منذ 1988) من اعتقال شهرين، وذلك بعد الإفراج عنها، وقد كدر هذا وجدي وضاعف ألمي، ولكن ذلك بعين الله تعالى. بلغني مرض العزيز صادق ورقاده بالمستشفى عشرة أيام وذلك بعد أن رخص، فلله الحمد والمنة على شفائه، وكفى وكفيتم كل بلاء.
بعد مرور 9 أشهر و12 يوما في السجن الانفرادي جيء إليّ - بفضل الله ومنه- بالشيخ علي أحمد، فكان كالماء البارد على قلب الظمآن، في الحر الشديد، فلله الحمد والمنة.
أحبائي: لا تقلقوا، فالفرج قريب تلوح أمامي تباشيره ومؤشراته. اجل : سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة... وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا. تحياتي لكل الأهل والأبناء وأبناء العم والجيران وتحياتي وأشواقي للغائبين جمع الله الشمل معهم، والى اللقاء، يا كل الأحبة، القريب القريب بإذن الله تعالى ودمتم محروسين".
توضح الرسالة المذكورة الوضع القاسي الذي كان يعيشه الشيخ الجمري في الزنزانة الانفرادية لا يعلم ماذا حصل في هذه الفترة التي شهدت معظم الحوادث الخطيرة في فترة الانتفاضة التي بدأت في ديسمبر 1994.
ثالثا: الصمود داخل السجن
كان الشيخ الجمري يرفض جميع التهم الموجهة إليه واستطاع الصمود أمام ظروف الاعتقال حتى مارس 1998، وبعد هذا التاريخ تحول الوضع كثيرا. طوال عام 1997 كان الشيخ الجمري يعاني الأمرين ويعاني من ازدياد مرضه ( ضيق التنفس وحالة ضعف عامة) ومع ذلك فقد كان صامدا وشامخا وفي كل مقابلة يسمح له بها مع عائلته كان يتحدث بجرأة ويوصي بالصمود. وخلال هذه الفترة كانت هناك محاولات لإعادة فتح حوار مع الحكومة، وكان الشيخ يرفض إعادة ما حصل عام 1995. وكان يطالب أن يكون الحوار مع القيادة السياسية وليس الجهاز الأمني، وأن يكون الحوار مع الأطراف الوطنية الأخرى لكي لا تنحصر المشكلة بالطائفة الشيعية فذلك خطر إستراتيجي.
كان الشيخ الجمري يضايق كثيرا أثناء مقابلته لعائلته ووضعت أجهزة تصنت وتصوير دقيقة، وبعد كل مقابلة يتم استدعاء ابن الشيخ الجمري (صادق) ويشغل له الفيديو ليشاهد ويسمع ما يقوله الشيخ الجمري بصورة منخفضة جدا لعائلته. ويتم تهديد صادق وبقية أفراد العائلة إذا استمروا في التحدث بقضايا لا تعلم عنها المخابرات. وبالفعل تمكن جهاز المخابرات من الأطباق على المنفذ الوحيد الذي كان متوفرا للشيخ الجمري مع العالم الخارجي.
منذ مطلع1997 لم يستطع الشيخ الجمري أن يتعرف على ما يجري خارج السجن ولم يستطع أن ينقل أي شئ إلى خارج السجن. وهذه المعاملة القاسية لم يخضع لها أي سجين آخر. وبعد أن تمكنت المخابرات من أحكام السيطرة على جميع منافذ العالم الخارجي ( خارج السجن) بدأت مرحلة أخرى انتهت بكسر عزيمة الشيخ الجمري.
رابعا: محاولات كسر العزيمة
في الأيام الأولى من مارس 1998 حصلت زيارة عائلية للشيخ الجمري، وبعد انتهاء المقابلة تلك أخضع الشيخ الجمري لأسلوب شديد في المعاملة وتعذيب اشتمل على الضرب. فقد درست المخابرات شخصية الشيخ كثيرا وعلمت كيف تزعجه. وأكثر ما يزعجه هو الاعتداء على كرامته واحترامه. وبالفعل أمروا أحد الشرطة بسحبه ودفعه وتمزيق ثيابه . ثم وبعد ذلك وضعوه في غرفة يوجد بها ضوء شديد الأشعة وأحاط به ستة ضباط وبدأوا معه دورات قاسية من التحقيق والصراخ والتهديد بالاعتداء عليه وعلى عائلته. وقالوا له "أن الوضع خارج السجن هدأ، ولم تبقى إلا أنت، ولا يفكر فيك أحد، ولا توجد سلطة في العالم تمنعنا من عمل أي شئ نريده، وسوف نخلص عليك". وتناوشوه بالشتم والشدة والتهديد وحرموه من النوم إلى أن سقط مغشيا عليه عدة مرات وقالوا له: "لن نتركك إلا إذا وقعت على ورقة تقول فيها كل ما نريد، وبالتحديد بأنك تطالب بالدستور للتغطية على مطالبك الحقيقية وهي إقامة دولة شيعية في البحرين وأنك مرتبط بإيران .. .. الخ". ونتيجة للمعاملة الشنيعة فإن الشيخ الجمري بحاجة للعلاج حتى بعد الإفراج عنه في 8 يوليو. وقد دخل المستشفى أكثر من مرة بعد أن سقط من الوجع المؤلم في أذنه اليسرى.
انهارت قوى الشيخ الجسدية كثيرا ووافق على كتابة ما يريدون اعتقادا منه أنه سيستطيع نفي ذلك في المرحلة التي تلي كتابة الاعترافات. فحسب الإجراءات الأمنية تقوم المخابرات بسحب الاعتراف ثم ينقل المتهم إلى "قاضي تحقيق". وبمجرد أنه يوقع على الاعترافات أمام قاضي التحقيق، تعتبر الأدلة كافية لتقديم الشخص لمحكمة أمن الدولة. ذلك لأن محكمة أمن الدولة تقبل بكل ما هو موقع أمام قاضي التحقيق كشهادة ثابتة وغير قابلة للنقاش. ولأن الشيخ الجمري على علم بهذا الإجراء، تصور أن بإمكانه أن يوقع أمام المخابرات ويفلت من ذلك التوقيع لاحقا. وبالفعل بعد التوقيع أمام المخابرات (أثناء التعذيب) أخذ الشيخ الجمري لقاضي التحقيق، وعندما طلب منه الاعتراف أمام قاضي التحقيق أبى ذلك بشدة ونفى كامل الاعترافات التي اكره على التوقيع عليها.
وهنا قال له المدعو عادل فليفل: "سأخيّسك في السجن"، فرد عليه الشيخ: "افعل ما تشاء، فأنا لست بأحسن من غيري". رفض الشيخ الإدلاء بأي شئ أو التوقيع على أي شيء أمام قاضي التحقيق، مما أدى لتعريضه لوجبات تعذيب أخرى. وهذا أدى بدوره أن يسقط مريضا بشكل خطر أدى لنقله للمستشفى العسكري وانتقل الخبر عن الحالة الصحية المتدهورة للشيخ بعد نقله للمستشفى العسكري، وقامت المعارضة باتصالات فورية مع لجنة الصليب الأحمر الدولي ومنظمات حقوق الإنسان. وعلم لاحقا أن وفدا من الصليب الأحمر توجه إلى البحرين وتم إيقاف التعذيب في حدود 18 أبريل 1998، أي بعد عدة أسابيع من وجبات التعذيب الشديدة.
استهدفت المخابرات الشيخ الجمري بالأساس لأنها أرادت الانتقام منه (والانتقام من حشده لـ80 ألف مواطن أمام منزله في 1 نوفمبر 1995) ولأنها تعلم أيضا أن كسره يعني كسر عزيمة الشعب. وهكذا حاولت المخابرات إجبار الشيخ الجمري أن يوقع على الاعترافات أمام قاضي التحقيق طوال الأشهر المتبقية من 1998 ولكنها فشلت في إجباره على التوقيع أمام قاضي تحقيق.
كان الشيخ الجمري يعيش الآلام وهو يسمع ما يجري بالقرب منه في الزنزانة. فبالقرب من زنزانته الانفرادية هناك يقع سجن يسمى "سجن المكاتب"، وكان الشيخ يسمع التكبيرات والتأوّهات والصرخات عندما تداهم الشرطة السجن لممارسة الضرب بالهراوات، حتى أنه أخذ يكبّر في إحدى المرات و يقول "دعوا أبنائي بسلام". ناهيك عن أنه كان يرى الشباب وهم معصّبوا الأعين، يُقادون هنا وهناك، في الوقت الذي
تقول له المخابرات بأنه وراء كل عذاب يصيب هؤلاء إن لم يتنازل.
من الضروري الإشارة لما كان يجري داخل السجن مع الشيخ الجمري طوال الأشهر المتبقية من 1998. فعندما رفض الشيخ الجمري التوقيع على اعترافات أمام قاضي التحقيق، سعت الحكومة لكسره مرة أخرى، ولكن بطريقة أخرى، وذلك من خلال إيصال معلومات مغلوطة - بوسائل شتى وبصورة مستمرة - لتشويش
وجهة نظر الشيخ. كما وأشاعت الحكومة بأنها ستوسط الإمام محمد مهدي شمس الدين (رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان) لزيارة البحرين.
خامسا: انتهاء فترة التوقيف دون محاكمة
مع اقتراب موعد انتهاء فترة الثلاث سنوات التي يحددها قانون أمن الدولة للإفراج عن المتهم إذا لم يقدم لمحاكمة شعرت الحكومة بحرج شديد خصوصا مع ازدياد المطالبات الداخلية والخارجية للإفراج عن الشيخ عبد الأمير الجمري القاضي والنائب في البرلمان المنحل وعضو لجنة العريضة الشعبية، والكاتب والشاعر وعالم الدين.
لقد اعتقد الشيخ الجمري أن خطته (وهي عدم التوقيع أمام قاضي تحقيق) قد نجحت. إلا أن القانون - حتى قانون أمن الدولة - لا يلزم دولة لم تعد تحترم نفسها. فعندما انتهت فترة الثلاث سنوات تقدم المحامي عبد الله هاشم بتظلم لدى محكمة أمن الدولة استعرض فيها نصوص قانون أمن الدولة وكيف أن هذا القانون نفسه يوجب الإفراج عن الشيخ الجمري في 21 يناير 1999. ذلك لأن المادة الأولى من قانون أمن الدولة تقول "ولا يجوز أن تزيد مدة الإيداع على ثلاث سنوات كما لا يجوز القيام بأي تفتيش أو اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الأولى إلا بأمر من القضاء". إلا أن الحكومة لم ترد على لائحة التظلم هذه.
سادسا: الشروع في المحاكمة بعد انقضاء وقتها
غير أن وزارة الداخلية بيدها كل شئ والحكومة لا يوجد من يسائلها عما تعمل. وبالفعل قامت وزارة الداخلية بتقديم الشيخ الجمري للمحاكمة في 21 فبراير1999، أي بعد شهر كامل من وجوب الإفراج عنه. حيثيات الجلسات كثيرة، وأدى تقديم الشيخ الجمري للمحاكمة لحدوث ضجة إعلامية وحقوقية دولية. وقد قال الشيخ الجمري أمام المحكمة (وتناقلت ذلك وكالات الأنباء) انه ليس مجرما وان كل ما يطالب به هو عودة المجلس الوطني.
بدأت الأوضاع تزداد توترا، حتى توفى الأمير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في 6 مارس، واستلم الحكم ابنه الشيخ حمد، وتأجلت الجلسة الثانية التي كان من المقرر أن تعقد في 7 مارس حتى إشعار آخر. وارجع الشيخ الجمري إلى زنزانته انفرادية حتى أنه لم يعلم بوفاة الأمير السابق إلا بعد أن التقى بعائلته في شهر أبريل، أي بعد شهر من الوفاة.
أثناء فترة الحداد لثلاثة اشهر، انتشرت الآمال بأن الحكم الجديد سوف يتبع سياسة جديدة مع أبناء الشعب. وبالفعل كان هناك آمال وتفاؤلات حسنة خصوصا عندما تحدث الأمير الجديد عن عزمه للإصلاح وأنه لا يفرق بين المواطنين على أساس المذهب. وفي هذه الفترة طلب الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة (عم الأمير) الاتصال بأبناء الشيخ الجمري. وبالفعل ذهب أبناء الشيخ الجمري للقائه، وهناك استقبلهم بحفاوة بالغة، وقال لهم أن الشيخ حمد رجل يختلف كثيرا عما يعتقده الآخرون وسيكون من افضل الحكام، وأنا اعلم ذلك لأني من كبار عائلة آل خليفة. إنني معكم وأطالب بالإفراج عن الشيخ الجمري وتعويض عوائل المقتولين والإفراج عن جميع المسجونين. واقترح عليهما كتابة رسالة يوجهونها للأمير ووعد أن يسلمها بنفسه.
علمت المخابرات بموضوع الرسالة فاستدعت صادق ابن الشيخ الجمري للتحقيق معه حول الأمر. وكان واضحا أن قضية الشيخ الجمري أصبحت ضمن الأوراق التي يختلف عليها أطراف الحكم. فرئيس الوزراء استشاط غضبا وأصر على إهانة الشيخ الجمري وتقديمه للمحاكمة في مقابل رأي آخر يطالب بالإفراج عنه لفتح صفحة جديدة مع أبناء الشعب. المخابرات كانت تستدعي صادق كل عدة أيام وتحقق معه وتهدده أحيانا وتأمله خيرا أحيانا أخرى. كما أن المخابرات طلبت من صادق الاتصال بالوكالات الأجنبية (مثل رويتر) عدة مرات لنفي تعرض الشيخ الجمري للضغوط. وكانوا يهددونه بأنه إذا لم يفعل ذلك فسيعاقبونه وسيعاملون والده بشدة وسيصدرون عليه أحكاما قاسية.
في هذه الفترة أيضا استدعت المخابرات صادق وقالت له إن الأمير يريد الإفراج عن والدك ولكن وزير الداخلية ورئيس الوزراء يريدان تعهدا مكتوبا من والدك بالأمور الأساسية التالية:
أ - أن لا يصرح لأي وكالة صحافية وأن لا يعطي تصريحا سياسيا لأحد.
ب- أن لا يلقي خطابات جماهيرية وأن لا يرفع مطالب سياسية أمام الجماهير.
ج- أن يتوقف عن تدريس طلاب العلوم الدينية في جامع الإمام زين العابدين (الكائن أمام منزل الشيخ الجمري في بني جمرة).
وقالوا له "إذا وقع والدك على هذه الشروط فأنه سوف يؤخذ لقراءتها أمام الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد، وسوف تقوم المخابرات بتصويره للاحتفاظ بالفلم في الأرشيف، وبعد ذلك سوف يفرج عنه". بعد ذلك احضر الشيخ الجمري لمقابلة ابنه والتحدث معه حول هذه الشروط. ونتيجة للمحيط الذي عاشه الشيخ ونتيجة لإيمانه بأن المرحلة الجديدة قد تغيرت وأن بإمكانه أن يعمل بصورة أخرى مع رفاق دربه فقد قرر التوقيع على هذا التعهد.
في اليوم التالي للتوقيع، استدعت المخابرات صادق مرة أخرى وأحضرت الشيخ الجمري وقالت لهما "أن رئيس الوزراء يرفض إطلاق سراحك دون محاكمة". وهنا استشاط الشيخ الجمري غضبا وقال "لقد غدرتم بي كعادتكم".
سابعا: إصدار الحكم الجائر ومسرحية الإفراج والحصار المنزلي
وهكذا كان، فبعد يوم أو يومين (في 28 يونيو) اعلنت الحكومة عن نيتها لتقديم الشيخ الجمري للمحاكمة، وكانت النتيجة هي جلسات الخمس دقائق، وإصدار الحكم الجائر. بعد إصدار الحكم الجائر اهتز جميع من حضر المحاكمة وقال الشيخ الجمري لعائلته بعد المحاكمة: "إنها أصغر هدية أقدمها للمستضعفين من هذا الشعب".
ارجع الشيخ الجمري لزنزانته الانفرادية، وبعد ذلك قال له الضابط الأول المسؤول عن تعذيب الشيخ الجمري (المدعو عادل جاسم فليفل): "إنسى كل شيء قلناه لك وعن الإفراج عنك. سوف تبقى في هذه الزنزانة الانفرادية مدى الحياة" لإكمال العشر سنوات والتعويض عن غرامة 15 مليون دولار.
في اليوم التالي تغيرت الأوضاع وجاء المعذب فليفل ومعه خالد بن محمد آل خليفة ليقولا "أن الأمير قرر الإفراج عنك ولكن بشرط زيارة قصر الرفاع لتقديم العزاء للأمير بوفاة والده". في هذا الوضع المؤلم لم يكن للشيخ الجمري أن يختار أي شي أو أن يستطيع التفكير في أي شيء.
وهكذا كان يوم 8 يوليو 1999. وصل صادق ابن الشيخ الجمري إلى سجن القلعة ومعه الزي الذي يلبسه الشيخ الجمري (زي علماء الدين). لبس الشيخ الجمري ثيابه وركب سيارة تابعة للمخابرات متجهة إلى قصر الأمير بالرفاع. وعند وصوله هناك ولدى دخوله القاعة سلمت له رسالة اعتذار مفروضة عليه. وهناك في قصر الإمارة كان الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد وأعضاء مجلس الوزراء - وطاقم تلفزيوني - كلهم جاهزين لتنفيذ آخر بنود الدراما التي هزت المجتمع البحريني.
بعد الإفراج عن الشيخ الجمري في 8 يوليو فرض الحصار على منطقة بني جمرة لمنع المواطنين من زيارته. فهناك أحد عشر مدخلا للمنطقة ووقف على كل منها ما بين سبعة وعشرة من الشرطة، ويمنع هؤلاء أي مواطن من خارج المنطقة من دخولها ويطلبون البطاقة السكانية للتأكد من هوية الشخص. أما الدائرة الثانية المحيطة بمنزل الشيخ ومقبرة المنطقة فهي اكثر حصارا ولا يسمح باجتيازها إلا بصعوبة. ويتكثف الحصار خلال أوقات الصلاة والليل. وهناك ثلاث سيارات للشرطة ترابط بالقرب من منزل الشيخ والمسجد الذي يصلي فيه لمنع المواطنين من دخولهما. ويتم تنفيذ إجراءات الحصار بشدة. وأقيم مكتب خاص لذلك الحصار بمركز الشرطة بالبديع يقيم فيه عناصر المخابرات.
الشيخ الجمري كان في وضع لا يحسد عليه والتاريخ سيقرأ الأحداث مرات ومرات، إلا أن المؤكد أن الحكومة خسرت فرصة ذهبية لبناء جسور الثقة مع شعبها باللجوء لهذه الأساليب الرخيصة.
كانت ردة الفعل الشعبية الأولية بعد العرض التلفزيوني للشيخ الجمري، هي الصدمة، إلا أن الشعب كشف تلك اللعبة التي لعبتها الحكومة. ففي ذلك مساء 8 يوليو - أي بعد العرض التلفزيوني بأقل من ساعة - خرج الكثير من الناس للشوارع لإعلان مساندته
بقلم د. منصور الجمري (26 يوليو 1999)
الحدث الذي هز البحرين
في 7 يوليو 1999 أصدرت محكمة أمن الدولة برئاسة عبد الرحمن جابر آل خليفة وعضوية على منصور (مصري) ومحمد رأفت مصطفى برغش ( مصري) حكما قاسيا على الشيخ عبد الأمير الجمري بالسجن عشر سنوات ودفع غرامة قدرها 15 مليون دولار (5.7 مليون دينار). جاء هذا الحكم بعد أربعة جلسات، عقدت الأولى في 21 فبراير 1999 وكانت مدتها 45 دقيقة قرأت فيها التهم الموجهة للشيخ الجمري تضمنت خمسة تهم أساسية وهي:
1 - جناية السعي و التخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية.
2 - جناية إدارة منظمة ترمي إلى قلب نظام الحكم بالقوة.
3 - جناية التحريض على اتفاق الغرض منه ارتكاب جناية الإتلاف العمدي للمباني والأملاك العامة.
4 - جنحة التحريض على إتلاف أموال خالصة ثابتة ومنقولة مما ترتب عليه حمل حياة الناس وأمنهم في خطر.
5 - جنحة إذاعة أخبار و إشاعات كاذبة وبث دعايات مثيرة في داخل البلاد وخارجها من شأنها النيل من هيبة الدولة واعتبارها ولضرب الأمن العام.
وكان من المتوقع أن تعقد الجلسة الثانية في 7 مارس، إلا أن وفاة الأمير السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في 6 مارس أدى إلى تأجيل المحاكمة حتى 4 يوليو. وهذه الجلسة (الثانية) كانت مدتها قرابة 40 دقيقة. أما الجلسة الثالثة والجلسة الرابعة لم تستغرق كل واحدة منهما أكثر من 5 دقائق. الجلسة الثانية عقدت في 4 يوليو وتمكن الدفاع من إحضار أربعة شهود احدهم ابن الشيخ الجمري ( المهندس محمد جميل ) وكل من الأستاذ عبد الوهاب حسين والأستاذ حسن المشيمع وكلاهما موقوف منذ يناير 1996. وقد تحدث رئيس محكمة أمن الدولة مع المحامين لإقناعهم بعدم استدعاء شهود آخرين كان الدفاع سيطلبهم وهؤلاء كانوا بالتحديد الأستاذ علي ربيعة والشيخ عيسى الجودر والسيد جواد الوداعي. وكان الدفاع يريد - إثبات بطلان ادعاء الحكومة بأن الشيخ الجمري له ارتباطات خارجية من خلال شهادة رفاق دربه في المشروع الوطني ( اثنان من السنة وهم علي ربيعة وعيسى الجودر) وشخصية دينية شيعية مرموقة متمثلة في السيد جواد الوداعي.
غير أن رئيس محكمة أمن الدولة قال لبعض المحامين " بأن الشيخ الجمري صديقي وأنا أعلم بأن تهمة التخابر ليست جدية ولن تكون هدفا للمحكمة خصوصا وأن القيادة العليا في البلاد طلبت تخليص موضوع الشيخ الجمري بسرعة". والادعاء العام ايضا اوحى بأنه لن يصر على هذه التهم. غير أن هدف محكمة أمن الدولة اتضح لاحقا، لأنها أدانت الشيخ الجمري في آخر المحاكمة بتهمة التخابر، واصبح واضحا بعد ذلك أن القاضي كان سيوضع في حرج فيما لو استدعى الشهود الثلاثة. فإدانة الشيخ الجمري بالتخابر لأنه طالب مع آخرين (من السنة) بمطالب وطنية سوف يكون أمرا غير معقولا. كما أن السيد جواد الوداعي لديه علاقات دينية مماثلة للشيخ الجمري، وإذا أدين الشيخ الجمري بالتخابر مع دولة أجنبية ( إيران ) فإن جميع علماء الشيعة تلزم إدانتهم بنفس التهمة لأنهم جميعا لديهم علاقات دينية منذ القدم مع كل من النجف الأشرف في العراق وقم المقدسة في إيران.
في الجلسة الثانية، شهد الشهود أنهم جميعا ليس لهم علاقة بأي من التهم الموجهة للشيخ الجمري، وأن الشيخ كان يشارك الشعب في مطالبه بصورة علنية تشهد بذلك جميع نشاطاته وخطبه واتصالاته ونهجه. أما الجلسة الثالثة، فكانت للإدعاء العام لكي يطرح رده على الشهود. إلا أن الإدعاء العام لم يقدم أي شهود، لأن جميع الملفات التي قدمها هي عبارة عن اعترافات لأشخاص موقوفين واكتفى الادعاء العام بتسليم مذكرة مكتوبة مملوءة بالعبارات الشعرية والشتائم البذيئة مثل وصف الشيخ الجمري "بالأفعى"، وشتمه بأسلوب لا يليق بمهنة الإدعاء أو القضاء. ولذلك فإن الجلسة لم تدم أكثر من خمس دقائق بعد تسليم مذكرة الادعاء العام. استلم الدفاع المذكرة وذهب للرد عليها في اليوم التالي 7 يوليو. وفي صباح 7 يوليو سلم الدفاع مذكرة مكتوبة لقضاة محكمة أمن الدولة. وبعد دقيقة من استلام المذكرة المكتوبة، فتح القاضي ورقة وقرأ حكما قاسيا دون أن يطلع على رد الدفاع. وانتهت الجلسة بعد أقل من خمس دقائق من انعقادها.
الهزة التي أحدثتها هذه المحكمة لم تتوقع مردوداتها الحكومة. فقد كانت الأوضاع هادئة منذ تولي الشيخ حمد آل خليفة مقاليد الحكم في 6 مارس إثر وفاة والده. وكانت فصائل المعارضة قد دعت للهدوء وقدمت العزاء للأمير الجديد وتمنت أن يكون عهده عهد إصلاح وخير. وأمل الشعب كثيرا بعد سماع تصريحات الأمير التي تحدثت عن تغييرات وإصلاحات ومساواة بين المواطنين. إلا أن الحكم القاسي غير كل شيء، وعاد الوضع للتوتر مرة أخرى، وانتشرت الكتابات الجدارية وبدأت الحرائق الاحتجاجية في العودة وسمعت أصوات اسطوانات الغاز التي يفجرها أبناء الشعب تعبيرا عن احتجاجهم. هذا الوضع المتفجر كان على موعد مع هزة أخرى في اليوم التالي.
ففي صباح الثامن من يوليو، كان الوضع متأزما ومتفجرا، إلا أنه ومع الظهيرة نشرت الحكومة خبرا بأنها سوف تفرج عن الشيخ الجمري في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر. واتصل مكتب رئيس الوزراء بمنزل الشيخ الجمري وطلب لقاء عاجلا مع اثنين من أبناء الشيخ الجمري (محمد جميل وصادق) وكان الاثنان قد استدعيا من قبل جهاز المخابرات في صباح ذلك اليوم. بعد ان عادا للمنزل قرابة الساعة الثانية عشرة والنصف علما عن استدعائهما لجلسة طارئة مع رئيس الوزراء. وهكذا وصلا إلى مكتب رئيس الوزراء، وكان في استقبالهما الأخير وابرز حفاوة لهما وجلس معهما لمدة نصف ساعة قال فيها أنه " ليس لديه شئ ضد الشيخ الجمري وأنه يعرفه منذ أيام المجلس الوطني ولكن أطراف أخرى دخلت بيننا"، وأخبرهما أن الشيخ الجمري سيفرج عنه قبل الساعة الخامسة عصرا.
رجع ابنا الشيخ الجمري إلى المنزل، وكان هناك اتصال آخر بصادق يطلب منه أخذ ثياب علماء الدين التي يلبسها الشيخ الجمري والتوجه بها إلى سجن القلعة. وهناك كان الشيخ على موعد آخر. إذ طلبت منه المخابرات الذهاب للأمير لتعزيته بوفاة الأمير السابق. ولكنه عندما وصل إلى قصر الأمير في الرفاع فوجيء بوجود رموز العائلة الحاكمة ومجلس الوزراء. وقبل دخوله سلمت له ورقة لقراءة "رسالة اعتذار" أمام كل من الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد وجميع أعضاء مجلس الوزراء. وكان هناك طاقم تلفزيوني كامل التجهيزات يصور كل شئ ليعرضه في الساعة السابعة مساءً على تلفزيون البحرين، وليشاهد الشعب كيف "يقدم الشيخ الجمري اعتذاره"، وكيف يطلب العفو وكيف يتحدث عن تعهده بالالتزام بالشروط التي طلبتها وزارة الداخلية. الكاميرا لم تكن أمينة في النقل، فقد حذفت عبارات وحركات هنا وهناك.
قبل ساعتين من العرض التلفزيوني كانت الشوارع قد امتلأت بأبناء الشعب الذين انهالوا من كل حدب وصوب للقاء الشيخ الجمري. إلا أن قوات مكافحة الشغب انتشرت في كل مكان، وما أن تفرقت الحشود حتى سيطرت قوات الأمن والمخابرات ومكافحة الشغب على جميع المنافذ وفرضت حصارا مستمرا منعت تجمع أبناء الشعب ومنعت وصول الأشخاص إلى منطقة بني جمرة التي يسكنها الشيخ الجمري. وهكذا فرض الحصار على منزل ومنطقة سكنى الشيخ الجمري بعد الإفراج، والحصار مستمر حتى كتابة هذه السطور.
خلفيات الحدث الدرامي
أولا: الاعتقال الأول والمبادرة
وضع الشيخ الجمري في 1 أبريل 1995 تحت الإقامة الجبرية وقتل اثنان من جيران الشيخ الجمري عند محاصرة المنزل ثم نقل إلى المعتقل وبقي هناك حتى 25 سبتمبر 1995. وفي نهاية أبريل 1995 تقدم الشيخ الجمري مع رفاقه بمبادرة لتهدئة الوضع مقابل الإفراج عن الموقوفين والمعتقلين، على أن يتم تقديم المطالب السياسية بعد عودة الهدوء. افرج عن " جماعة المبادرة" في أغسطس وسبتمبر 1995، وعاد الهدوء وانتشرت الأفراح في البحرين. غير أن وزارة الداخلية لم تطلق الموقوفين والمعتقلين الذين وعدت بالإفراج عنهم، بل واستمرت المحاكمات مما وضع جماعة المبادرة في حرج شديد، أدى بهم لإعلان الاعتصام داخل منزل الشيخ الجمري والإضراب عن الطعام لمدة عشرة أيام حتى 1 نوفمبر 1995. وفي 1 نوفمبر اجتمع قرابة 80 ألف مواطن أمام منزل الشيخ الجمري معلنين التضامن والصمود، وكان هذا اكبر تجمع في تاريخ البحرين.
استشاطت الحكومة غيظا وبدأت المصادمات تزداد داخل المساجد بين قوات الأمن وأبناء الشعب، وتصاعدت وتيرتها حتى 21 يناير 1996، عندما أعيد اعتقال جميع أفراد المبادرة وجميع الخطباء وعلماء الدين والنشطاء والذين ظهروا على السطح خلال الفترة المنصرمة.
ثانيا: الاعتقال الثاني والزنزانة الانفرادية
وضع الشيخ الجمري في زنزانة انفرادية مباشرة بعد اعتقاله في الساعات الأولى (بعد منتصف الليل) في 21 يناير 1996، لمدة تزيد على تسعة شهور. ونعرف هذه الحقيقة من رسالة استطاع الشيخ الجمري تسريبها لاحقا إلى عائلته مؤرخة بتاريخ 2 نوفمبر 1996 يقول فيها ما يلي (وهي موجهة لزوجة الشيخ "أم جميل"):
" بسمه تعالى، قرة العين أم جميل، أعزائي وعزيزاتي، فسلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد:
فأحمد الله سبحانه على عظيم نعمه علي، ومنها نعمة السجن، لتكفير ذنوبي، وإعلاء درجتي إذا شاء سبحانه، ومواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء، وحصولي على تربية نفسية عالية، وإتاحة فرصته كبيرة لعبادته سبحانه وتلاوة كتابه، فله المنة وله الحمد.
قرة العين، أحبائي، حبيباتي: ما اعظم شوقي إليكم، وما اشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب. وليكن ذلك، وليكن السجن، فما عسى أن يكون مهما عظم بلاؤه - في سبيل الله تعالى، وبسبب قضية عادلة، ومن اجل شعب عظيم وفي سبيل يستحق أن يفدى بأغلى الأشياء.
أحبائي بلغني ما حصل للحبيبة منى (زوجة ابن الشيخ الجمري المهندس محمد جميل الذي كان معتقلا أيضا لقضاة فترة سجنه لمدة عشر سنوات - بدأت منذ 1988) من اعتقال شهرين، وذلك بعد الإفراج عنها، وقد كدر هذا وجدي وضاعف ألمي، ولكن ذلك بعين الله تعالى. بلغني مرض العزيز صادق ورقاده بالمستشفى عشرة أيام وذلك بعد أن رخص، فلله الحمد والمنة على شفائه، وكفى وكفيتم كل بلاء.
بعد مرور 9 أشهر و12 يوما في السجن الانفرادي جيء إليّ - بفضل الله ومنه- بالشيخ علي أحمد، فكان كالماء البارد على قلب الظمآن، في الحر الشديد، فلله الحمد والمنة.
أحبائي: لا تقلقوا، فالفرج قريب تلوح أمامي تباشيره ومؤشراته. اجل : سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة... وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا. تحياتي لكل الأهل والأبناء وأبناء العم والجيران وتحياتي وأشواقي للغائبين جمع الله الشمل معهم، والى اللقاء، يا كل الأحبة، القريب القريب بإذن الله تعالى ودمتم محروسين".
توضح الرسالة المذكورة الوضع القاسي الذي كان يعيشه الشيخ الجمري في الزنزانة الانفرادية لا يعلم ماذا حصل في هذه الفترة التي شهدت معظم الحوادث الخطيرة في فترة الانتفاضة التي بدأت في ديسمبر 1994.
ثالثا: الصمود داخل السجن
كان الشيخ الجمري يرفض جميع التهم الموجهة إليه واستطاع الصمود أمام ظروف الاعتقال حتى مارس 1998، وبعد هذا التاريخ تحول الوضع كثيرا. طوال عام 1997 كان الشيخ الجمري يعاني الأمرين ويعاني من ازدياد مرضه ( ضيق التنفس وحالة ضعف عامة) ومع ذلك فقد كان صامدا وشامخا وفي كل مقابلة يسمح له بها مع عائلته كان يتحدث بجرأة ويوصي بالصمود. وخلال هذه الفترة كانت هناك محاولات لإعادة فتح حوار مع الحكومة، وكان الشيخ يرفض إعادة ما حصل عام 1995. وكان يطالب أن يكون الحوار مع القيادة السياسية وليس الجهاز الأمني، وأن يكون الحوار مع الأطراف الوطنية الأخرى لكي لا تنحصر المشكلة بالطائفة الشيعية فذلك خطر إستراتيجي.
كان الشيخ الجمري يضايق كثيرا أثناء مقابلته لعائلته ووضعت أجهزة تصنت وتصوير دقيقة، وبعد كل مقابلة يتم استدعاء ابن الشيخ الجمري (صادق) ويشغل له الفيديو ليشاهد ويسمع ما يقوله الشيخ الجمري بصورة منخفضة جدا لعائلته. ويتم تهديد صادق وبقية أفراد العائلة إذا استمروا في التحدث بقضايا لا تعلم عنها المخابرات. وبالفعل تمكن جهاز المخابرات من الأطباق على المنفذ الوحيد الذي كان متوفرا للشيخ الجمري مع العالم الخارجي.
منذ مطلع1997 لم يستطع الشيخ الجمري أن يتعرف على ما يجري خارج السجن ولم يستطع أن ينقل أي شئ إلى خارج السجن. وهذه المعاملة القاسية لم يخضع لها أي سجين آخر. وبعد أن تمكنت المخابرات من أحكام السيطرة على جميع منافذ العالم الخارجي ( خارج السجن) بدأت مرحلة أخرى انتهت بكسر عزيمة الشيخ الجمري.
رابعا: محاولات كسر العزيمة
في الأيام الأولى من مارس 1998 حصلت زيارة عائلية للشيخ الجمري، وبعد انتهاء المقابلة تلك أخضع الشيخ الجمري لأسلوب شديد في المعاملة وتعذيب اشتمل على الضرب. فقد درست المخابرات شخصية الشيخ كثيرا وعلمت كيف تزعجه. وأكثر ما يزعجه هو الاعتداء على كرامته واحترامه. وبالفعل أمروا أحد الشرطة بسحبه ودفعه وتمزيق ثيابه . ثم وبعد ذلك وضعوه في غرفة يوجد بها ضوء شديد الأشعة وأحاط به ستة ضباط وبدأوا معه دورات قاسية من التحقيق والصراخ والتهديد بالاعتداء عليه وعلى عائلته. وقالوا له "أن الوضع خارج السجن هدأ، ولم تبقى إلا أنت، ولا يفكر فيك أحد، ولا توجد سلطة في العالم تمنعنا من عمل أي شئ نريده، وسوف نخلص عليك". وتناوشوه بالشتم والشدة والتهديد وحرموه من النوم إلى أن سقط مغشيا عليه عدة مرات وقالوا له: "لن نتركك إلا إذا وقعت على ورقة تقول فيها كل ما نريد، وبالتحديد بأنك تطالب بالدستور للتغطية على مطالبك الحقيقية وهي إقامة دولة شيعية في البحرين وأنك مرتبط بإيران .. .. الخ". ونتيجة للمعاملة الشنيعة فإن الشيخ الجمري بحاجة للعلاج حتى بعد الإفراج عنه في 8 يوليو. وقد دخل المستشفى أكثر من مرة بعد أن سقط من الوجع المؤلم في أذنه اليسرى.
انهارت قوى الشيخ الجسدية كثيرا ووافق على كتابة ما يريدون اعتقادا منه أنه سيستطيع نفي ذلك في المرحلة التي تلي كتابة الاعترافات. فحسب الإجراءات الأمنية تقوم المخابرات بسحب الاعتراف ثم ينقل المتهم إلى "قاضي تحقيق". وبمجرد أنه يوقع على الاعترافات أمام قاضي التحقيق، تعتبر الأدلة كافية لتقديم الشخص لمحكمة أمن الدولة. ذلك لأن محكمة أمن الدولة تقبل بكل ما هو موقع أمام قاضي التحقيق كشهادة ثابتة وغير قابلة للنقاش. ولأن الشيخ الجمري على علم بهذا الإجراء، تصور أن بإمكانه أن يوقع أمام المخابرات ويفلت من ذلك التوقيع لاحقا. وبالفعل بعد التوقيع أمام المخابرات (أثناء التعذيب) أخذ الشيخ الجمري لقاضي التحقيق، وعندما طلب منه الاعتراف أمام قاضي التحقيق أبى ذلك بشدة ونفى كامل الاعترافات التي اكره على التوقيع عليها.
وهنا قال له المدعو عادل فليفل: "سأخيّسك في السجن"، فرد عليه الشيخ: "افعل ما تشاء، فأنا لست بأحسن من غيري". رفض الشيخ الإدلاء بأي شئ أو التوقيع على أي شيء أمام قاضي التحقيق، مما أدى لتعريضه لوجبات تعذيب أخرى. وهذا أدى بدوره أن يسقط مريضا بشكل خطر أدى لنقله للمستشفى العسكري وانتقل الخبر عن الحالة الصحية المتدهورة للشيخ بعد نقله للمستشفى العسكري، وقامت المعارضة باتصالات فورية مع لجنة الصليب الأحمر الدولي ومنظمات حقوق الإنسان. وعلم لاحقا أن وفدا من الصليب الأحمر توجه إلى البحرين وتم إيقاف التعذيب في حدود 18 أبريل 1998، أي بعد عدة أسابيع من وجبات التعذيب الشديدة.
استهدفت المخابرات الشيخ الجمري بالأساس لأنها أرادت الانتقام منه (والانتقام من حشده لـ80 ألف مواطن أمام منزله في 1 نوفمبر 1995) ولأنها تعلم أيضا أن كسره يعني كسر عزيمة الشعب. وهكذا حاولت المخابرات إجبار الشيخ الجمري أن يوقع على الاعترافات أمام قاضي التحقيق طوال الأشهر المتبقية من 1998 ولكنها فشلت في إجباره على التوقيع أمام قاضي تحقيق.
كان الشيخ الجمري يعيش الآلام وهو يسمع ما يجري بالقرب منه في الزنزانة. فبالقرب من زنزانته الانفرادية هناك يقع سجن يسمى "سجن المكاتب"، وكان الشيخ يسمع التكبيرات والتأوّهات والصرخات عندما تداهم الشرطة السجن لممارسة الضرب بالهراوات، حتى أنه أخذ يكبّر في إحدى المرات و يقول "دعوا أبنائي بسلام". ناهيك عن أنه كان يرى الشباب وهم معصّبوا الأعين، يُقادون هنا وهناك، في الوقت الذي
تقول له المخابرات بأنه وراء كل عذاب يصيب هؤلاء إن لم يتنازل.
من الضروري الإشارة لما كان يجري داخل السجن مع الشيخ الجمري طوال الأشهر المتبقية من 1998. فعندما رفض الشيخ الجمري التوقيع على اعترافات أمام قاضي التحقيق، سعت الحكومة لكسره مرة أخرى، ولكن بطريقة أخرى، وذلك من خلال إيصال معلومات مغلوطة - بوسائل شتى وبصورة مستمرة - لتشويش
وجهة نظر الشيخ. كما وأشاعت الحكومة بأنها ستوسط الإمام محمد مهدي شمس الدين (رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان) لزيارة البحرين.
خامسا: انتهاء فترة التوقيف دون محاكمة
مع اقتراب موعد انتهاء فترة الثلاث سنوات التي يحددها قانون أمن الدولة للإفراج عن المتهم إذا لم يقدم لمحاكمة شعرت الحكومة بحرج شديد خصوصا مع ازدياد المطالبات الداخلية والخارجية للإفراج عن الشيخ عبد الأمير الجمري القاضي والنائب في البرلمان المنحل وعضو لجنة العريضة الشعبية، والكاتب والشاعر وعالم الدين.
لقد اعتقد الشيخ الجمري أن خطته (وهي عدم التوقيع أمام قاضي تحقيق) قد نجحت. إلا أن القانون - حتى قانون أمن الدولة - لا يلزم دولة لم تعد تحترم نفسها. فعندما انتهت فترة الثلاث سنوات تقدم المحامي عبد الله هاشم بتظلم لدى محكمة أمن الدولة استعرض فيها نصوص قانون أمن الدولة وكيف أن هذا القانون نفسه يوجب الإفراج عن الشيخ الجمري في 21 يناير 1999. ذلك لأن المادة الأولى من قانون أمن الدولة تقول "ولا يجوز أن تزيد مدة الإيداع على ثلاث سنوات كما لا يجوز القيام بأي تفتيش أو اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الأولى إلا بأمر من القضاء". إلا أن الحكومة لم ترد على لائحة التظلم هذه.
سادسا: الشروع في المحاكمة بعد انقضاء وقتها
غير أن وزارة الداخلية بيدها كل شئ والحكومة لا يوجد من يسائلها عما تعمل. وبالفعل قامت وزارة الداخلية بتقديم الشيخ الجمري للمحاكمة في 21 فبراير1999، أي بعد شهر كامل من وجوب الإفراج عنه. حيثيات الجلسات كثيرة، وأدى تقديم الشيخ الجمري للمحاكمة لحدوث ضجة إعلامية وحقوقية دولية. وقد قال الشيخ الجمري أمام المحكمة (وتناقلت ذلك وكالات الأنباء) انه ليس مجرما وان كل ما يطالب به هو عودة المجلس الوطني.
بدأت الأوضاع تزداد توترا، حتى توفى الأمير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في 6 مارس، واستلم الحكم ابنه الشيخ حمد، وتأجلت الجلسة الثانية التي كان من المقرر أن تعقد في 7 مارس حتى إشعار آخر. وارجع الشيخ الجمري إلى زنزانته انفرادية حتى أنه لم يعلم بوفاة الأمير السابق إلا بعد أن التقى بعائلته في شهر أبريل، أي بعد شهر من الوفاة.
أثناء فترة الحداد لثلاثة اشهر، انتشرت الآمال بأن الحكم الجديد سوف يتبع سياسة جديدة مع أبناء الشعب. وبالفعل كان هناك آمال وتفاؤلات حسنة خصوصا عندما تحدث الأمير الجديد عن عزمه للإصلاح وأنه لا يفرق بين المواطنين على أساس المذهب. وفي هذه الفترة طلب الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة (عم الأمير) الاتصال بأبناء الشيخ الجمري. وبالفعل ذهب أبناء الشيخ الجمري للقائه، وهناك استقبلهم بحفاوة بالغة، وقال لهم أن الشيخ حمد رجل يختلف كثيرا عما يعتقده الآخرون وسيكون من افضل الحكام، وأنا اعلم ذلك لأني من كبار عائلة آل خليفة. إنني معكم وأطالب بالإفراج عن الشيخ الجمري وتعويض عوائل المقتولين والإفراج عن جميع المسجونين. واقترح عليهما كتابة رسالة يوجهونها للأمير ووعد أن يسلمها بنفسه.
علمت المخابرات بموضوع الرسالة فاستدعت صادق ابن الشيخ الجمري للتحقيق معه حول الأمر. وكان واضحا أن قضية الشيخ الجمري أصبحت ضمن الأوراق التي يختلف عليها أطراف الحكم. فرئيس الوزراء استشاط غضبا وأصر على إهانة الشيخ الجمري وتقديمه للمحاكمة في مقابل رأي آخر يطالب بالإفراج عنه لفتح صفحة جديدة مع أبناء الشعب. المخابرات كانت تستدعي صادق كل عدة أيام وتحقق معه وتهدده أحيانا وتأمله خيرا أحيانا أخرى. كما أن المخابرات طلبت من صادق الاتصال بالوكالات الأجنبية (مثل رويتر) عدة مرات لنفي تعرض الشيخ الجمري للضغوط. وكانوا يهددونه بأنه إذا لم يفعل ذلك فسيعاقبونه وسيعاملون والده بشدة وسيصدرون عليه أحكاما قاسية.
في هذه الفترة أيضا استدعت المخابرات صادق وقالت له إن الأمير يريد الإفراج عن والدك ولكن وزير الداخلية ورئيس الوزراء يريدان تعهدا مكتوبا من والدك بالأمور الأساسية التالية:
أ - أن لا يصرح لأي وكالة صحافية وأن لا يعطي تصريحا سياسيا لأحد.
ب- أن لا يلقي خطابات جماهيرية وأن لا يرفع مطالب سياسية أمام الجماهير.
ج- أن يتوقف عن تدريس طلاب العلوم الدينية في جامع الإمام زين العابدين (الكائن أمام منزل الشيخ الجمري في بني جمرة).
وقالوا له "إذا وقع والدك على هذه الشروط فأنه سوف يؤخذ لقراءتها أمام الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد، وسوف تقوم المخابرات بتصويره للاحتفاظ بالفلم في الأرشيف، وبعد ذلك سوف يفرج عنه". بعد ذلك احضر الشيخ الجمري لمقابلة ابنه والتحدث معه حول هذه الشروط. ونتيجة للمحيط الذي عاشه الشيخ ونتيجة لإيمانه بأن المرحلة الجديدة قد تغيرت وأن بإمكانه أن يعمل بصورة أخرى مع رفاق دربه فقد قرر التوقيع على هذا التعهد.
في اليوم التالي للتوقيع، استدعت المخابرات صادق مرة أخرى وأحضرت الشيخ الجمري وقالت لهما "أن رئيس الوزراء يرفض إطلاق سراحك دون محاكمة". وهنا استشاط الشيخ الجمري غضبا وقال "لقد غدرتم بي كعادتكم".
سابعا: إصدار الحكم الجائر ومسرحية الإفراج والحصار المنزلي
وهكذا كان، فبعد يوم أو يومين (في 28 يونيو) اعلنت الحكومة عن نيتها لتقديم الشيخ الجمري للمحاكمة، وكانت النتيجة هي جلسات الخمس دقائق، وإصدار الحكم الجائر. بعد إصدار الحكم الجائر اهتز جميع من حضر المحاكمة وقال الشيخ الجمري لعائلته بعد المحاكمة: "إنها أصغر هدية أقدمها للمستضعفين من هذا الشعب".
ارجع الشيخ الجمري لزنزانته الانفرادية، وبعد ذلك قال له الضابط الأول المسؤول عن تعذيب الشيخ الجمري (المدعو عادل جاسم فليفل): "إنسى كل شيء قلناه لك وعن الإفراج عنك. سوف تبقى في هذه الزنزانة الانفرادية مدى الحياة" لإكمال العشر سنوات والتعويض عن غرامة 15 مليون دولار.
في اليوم التالي تغيرت الأوضاع وجاء المعذب فليفل ومعه خالد بن محمد آل خليفة ليقولا "أن الأمير قرر الإفراج عنك ولكن بشرط زيارة قصر الرفاع لتقديم العزاء للأمير بوفاة والده". في هذا الوضع المؤلم لم يكن للشيخ الجمري أن يختار أي شي أو أن يستطيع التفكير في أي شيء.
وهكذا كان يوم 8 يوليو 1999. وصل صادق ابن الشيخ الجمري إلى سجن القلعة ومعه الزي الذي يلبسه الشيخ الجمري (زي علماء الدين). لبس الشيخ الجمري ثيابه وركب سيارة تابعة للمخابرات متجهة إلى قصر الأمير بالرفاع. وعند وصوله هناك ولدى دخوله القاعة سلمت له رسالة اعتذار مفروضة عليه. وهناك في قصر الإمارة كان الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد وأعضاء مجلس الوزراء - وطاقم تلفزيوني - كلهم جاهزين لتنفيذ آخر بنود الدراما التي هزت المجتمع البحريني.
بعد الإفراج عن الشيخ الجمري في 8 يوليو فرض الحصار على منطقة بني جمرة لمنع المواطنين من زيارته. فهناك أحد عشر مدخلا للمنطقة ووقف على كل منها ما بين سبعة وعشرة من الشرطة، ويمنع هؤلاء أي مواطن من خارج المنطقة من دخولها ويطلبون البطاقة السكانية للتأكد من هوية الشخص. أما الدائرة الثانية المحيطة بمنزل الشيخ ومقبرة المنطقة فهي اكثر حصارا ولا يسمح باجتيازها إلا بصعوبة. ويتكثف الحصار خلال أوقات الصلاة والليل. وهناك ثلاث سيارات للشرطة ترابط بالقرب من منزل الشيخ والمسجد الذي يصلي فيه لمنع المواطنين من دخولهما. ويتم تنفيذ إجراءات الحصار بشدة. وأقيم مكتب خاص لذلك الحصار بمركز الشرطة بالبديع يقيم فيه عناصر المخابرات.
الشيخ الجمري كان في وضع لا يحسد عليه والتاريخ سيقرأ الأحداث مرات ومرات، إلا أن المؤكد أن الحكومة خسرت فرصة ذهبية لبناء جسور الثقة مع شعبها باللجوء لهذه الأساليب الرخيصة.
كانت ردة الفعل الشعبية الأولية بعد العرض التلفزيوني للشيخ الجمري، هي الصدمة، إلا أن الشعب كشف تلك اللعبة التي لعبتها الحكومة. ففي ذلك مساء 8 يوليو - أي بعد العرض التلفزيوني بأقل من ساعة - خرج الكثير من الناس للشوارع لإعلان مساندته
Sunday, September 20, 2009
جمريات 1: الشيخ الجمري وحادثة العشرون ديناراً
Posted by: Ali Hussain Jawad Alhalwachi on: July 26, 2009
In: Miscellaneous Comment!
3 الأصوات
أباجميل كنت فينا جميلا
في يوميات وخواطر سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري – طيب الله ثراه- الكثير من المعاني والعبر والكثير من المواعظ والتجارب، الكثير مما يعكس ماإحتوته جوانب هذه الشخصية العظيمة والفذة من صفات حميدة أشاد بها الداني والقاصي بل وأشاد بها حتى ألد خصومه عند وفاته. استوقفني ماسرده سماحه الشيخ المجاهد في ذكر حياته الزوجية، اليكم باختصار بعض المحطات
تزوج سماحة الشيخ من ابنة عمه زهراء ملا يوسف ملا عطية الجمري، وكان عمره حينها عشرون على الأرجح كما يعبر الشيخ نفسه. اللطيف في الأمر أن والد العروس كان قد سمى ابنته للشيخ وهو في الرابعة عشر من عمره وأرسل يدعوه لخطبتها جَدُها العلامة والخطيب الأشهر في تاريخ البحرين و المنطقة ملا عطية الجمري رحمه الله وذلك حرصا منه أن لا تكون لغيره وقد تخاطفها الخُطاب، وكان جدها وأبوها يرون في عبدالأمير الشابَ الأهلَ والكُفئَ الكريم وكان صداق زواجه منها مائة وخمسون دينارا فقط، أينك يا شيخنا عن مهور بناتنا اليوم؟
خلال قراءتك لما يسرده الشيخ الراحل في ذكر زوجته ينتابك الإعجاب، فلقد كان يحب زوجته ويقدرها ويرفع من شئنها بشكل يبعث على الدهشة والإحترام والتقدير. يذكر الشيخ الراحل بعضا من المواقف التي يستشهد بها أدلةً على وفائها له وتفانيها في دعمه وتشجيعه، فلقد آزرته مادياً إذ كانت تخيط الثياب ليبتاعها في السوق، وآزرته معنوياً حين شجعته على المضي في أمر سفره للعراق لطلب العلم وقد إعترض على ذلك اهلها وقالت له “لا تهتم، أينما تذهب أذهب معك” وكيف أنها وقفت في وجه العقيد عادل فليفل حين جاء لأعتقال الشيخ في 6 ديسمبر 1988 وكانت تصرخ في وجهه وتذود عن زوجها وكان لمافعلته بعد اعتقاله من فضح العقيد ومن معه من الضباط الفضلُ في تهييج القرية والشارع ماإضطر الأمن لإخلاء سبيله ، ولقد وصفها الشيخ الجمري بالنعمة الثانية عليه من الله بعد نعمة الإسلام
أخيرا، أتركم مع حادثة لطيفة سميتها “حادثة العشرون دينارا” يسردها الشيخ الكريم بنفسه في حديثه عن زوجته، يقول أبو جميل
مرت بي حالة ضيق في بعض السنين في النجف الأشرف، وضاق صدري، حتى اني عرّضت نفسي للاستدانة من بعض المؤمنين فاعتذر، فلما رأت ما بي من ضيق الصدر قالت: خذ ذهبي وارهنه، واذا تمكنت من فكّه فكّه، ولا تهتم، قالت ذلك بصدق وايجابية، وعزمتُ علي أن أذهب الى السوق الكبير وارهن ذهبها عند بعض الصاغة، ولكن تصورتها كيف ستبقى-وهي شابة-عاطلة من ذهبها وزينتها، فانكسر خاطري لها، وتراجعت عن رهن ذهبها، وهنا فتح الله عليّ ويسَّر لي لمصرف بما يشبه المعجزة، حيث دخلت إلى مكتبي وفتحت بعض الكتب انظر فيه، وإذا بي نوطاً فئة العشرة دنانير عراقية، فأخذتني الرهبة والدهشة والعجب اذ لم اذكر انني وضعت في هذا الكتاب أوغيره مالاً، وليس هذا من عادتي، وليس هناك غيري يتصرّف في المكتبة أو يمارس استعمال الكتب فيها. وهذا القدر من المال هو الذي طلبت من ذلك المؤمن-غفر الله له-أن يقرضني إياه فأعتذر
أبا جميل كنت فينا جميلا، جوزيت أجرك عند ربك جزاءاً طيباً كثيرًا
ملاحظة: إمتثالا لرغبة الأحبة سأقوم بمواصلة الكتابة عن الشيخ الجليل في صورة حلقات سميتها “جمريات”، علي الحلواجـــي
* الصورة عن
http://www.saffar.org/?act=artc&id=1072
ونص يوميات الشيخ ومضمون ماجاء في المدونه أعلاه (قسم سيرة وعطاء – قصة حياتي) عن
http://www.aljamri.org
علي حسين الحلواجي
26-07-2009
Tags: شخصيات
8 Responses to "جمريات 1: الشيخ الجمري وحادثة العشرون ديناراً"
1 | جسين عاشور
July 26, 2009 at 2:30 pm
ما شاء الله فهذا المؤمن المجاهد ما زال يعلمنا حتى بعد مماته…..
و لازلت اقول ان اسطورة كتاباتك تهز المشاعر فما لك و انظمة المعلومات و عندك هذا الحبر الرنان الذي يهدم و يبني شعوب
اعتقد انه يجب عليك اعادة حساباتك و اتمنى لك التوفيق اخي علي…
10Rating التقييم
Reply
alhalwachi
July 26, 2009 at 2:48 pm
أخي العزيز حسين
اطراءك أخجلني واسكتني حسن مديحك، انما مقولتك ماشجعني وماهو الا نصحك ماجعلني أواصل الكتابة، شكرا جزيلا. مازلت أذكر كم امضينا معا سنوات جميله نشارك أباجميل همومه وأحزانه، وكما كنا ندعو له في آخر مرضه فاننا ندعو الله أن يجزيه عنا و – ونحن المقصرون – خير الجزاء
00Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 6, 2009 at 9:40 am
سيبقى الجمري الجمرة التي تشتعل في قلوبنا وسنزرع حرارة تلك الجمرة في قلوب أبنائنا
شكرا جزيلا أم معصومة
علي الحلواجــــــــــــي
00Rating التقييم
Reply
2 | ابوزينب
August 5, 2009 at 4:58 am
تسلم يا أخ علي على المقالة الرائعة، وأتمنى لك التوفيق في المستقبل القريب
10Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 5, 2009 at 5:14 am
شكرا جزيلا ومرحبا بك
تحياتي
الحلواجي
00Rating التقييم
Reply
3 | أم معصومة
August 6, 2009 at 9:32 am
ما شاء الله..
رحمك الله يا أبا جميل.. هذا الرجل الذي كتب على جدار التاريخ اسطورة نضال وثقافة وإيمان راسخ
ما زال ينبض فينا قلباً حياً وإن غيبه تراب القبر
سلمت يداك على هذا المقال الذي طال شغاف القلب
10Rating التقييم
Reply
4 | واحة خضراء
August 21, 2009 at 11:44 am
حسين دعني اقول لك :
إني متفاجـأ من عُبق هذه المُدونـة ..
عرفتُك عندما زرتني بالمدونة .. وقد اطللت اطلالة شعاع الشمس حينما الظُهر .. فما اجمل اشعةُ مدونتك في هذا الموضوع .. انني لأخجل بما تُرسمه ريشتُك لكون القرابة ..
لكِن دعنـي اقول لك .. رغم كل ذلك الا اننا نتمنى ان نقـرأ المزيد من هذه الحكايـات فربما بعضها نعرفها وبعضها لا نعرفها فنتزود منها ذكراً وذكريات ..
سلامٌ على روحُك الشفافـة البيضاء ..
20Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 21, 2009 at 12:09 pm
أخي العزيز ، لا أدري صراحة ماذا أقول فلقد عبقت من كلماتك رائحة طيبة ملئتي ولمست عميق وجداني، شكرا والشكر لايجزي كرم أخلاقك ولسيكون من دواعي سروري وبهجتي أن ألتقيقك يوما كما إلتقيتك في مدونتك ومدونتي، تشرفت بزيارتك.
الحكاية أعلاه هي حكاية أب حنون ذهب عنا وترك خلفه ألف ابن وابنه، وألف ألف وآلاف
أبناءٌ يتذكرون كيف كان يكلم الناس وكيف كان يخاطب الشباب
ولقد كان رحمه الله ينادينا بــ “أبنائي” ويعلم الله أنه كان يعني ذلك النداء بكل مايحمله من معنى
أنا وأنت وكلنا أحببنا أبا جميل، لقد كان فينا جميلا
Posted by: Ali Hussain Jawad Alhalwachi on: July 26, 2009
In: Miscellaneous Comment!
3 الأصوات
أباجميل كنت فينا جميلا
في يوميات وخواطر سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري – طيب الله ثراه- الكثير من المعاني والعبر والكثير من المواعظ والتجارب، الكثير مما يعكس ماإحتوته جوانب هذه الشخصية العظيمة والفذة من صفات حميدة أشاد بها الداني والقاصي بل وأشاد بها حتى ألد خصومه عند وفاته. استوقفني ماسرده سماحه الشيخ المجاهد في ذكر حياته الزوجية، اليكم باختصار بعض المحطات
تزوج سماحة الشيخ من ابنة عمه زهراء ملا يوسف ملا عطية الجمري، وكان عمره حينها عشرون على الأرجح كما يعبر الشيخ نفسه. اللطيف في الأمر أن والد العروس كان قد سمى ابنته للشيخ وهو في الرابعة عشر من عمره وأرسل يدعوه لخطبتها جَدُها العلامة والخطيب الأشهر في تاريخ البحرين و المنطقة ملا عطية الجمري رحمه الله وذلك حرصا منه أن لا تكون لغيره وقد تخاطفها الخُطاب، وكان جدها وأبوها يرون في عبدالأمير الشابَ الأهلَ والكُفئَ الكريم وكان صداق زواجه منها مائة وخمسون دينارا فقط، أينك يا شيخنا عن مهور بناتنا اليوم؟
خلال قراءتك لما يسرده الشيخ الراحل في ذكر زوجته ينتابك الإعجاب، فلقد كان يحب زوجته ويقدرها ويرفع من شئنها بشكل يبعث على الدهشة والإحترام والتقدير. يذكر الشيخ الراحل بعضا من المواقف التي يستشهد بها أدلةً على وفائها له وتفانيها في دعمه وتشجيعه، فلقد آزرته مادياً إذ كانت تخيط الثياب ليبتاعها في السوق، وآزرته معنوياً حين شجعته على المضي في أمر سفره للعراق لطلب العلم وقد إعترض على ذلك اهلها وقالت له “لا تهتم، أينما تذهب أذهب معك” وكيف أنها وقفت في وجه العقيد عادل فليفل حين جاء لأعتقال الشيخ في 6 ديسمبر 1988 وكانت تصرخ في وجهه وتذود عن زوجها وكان لمافعلته بعد اعتقاله من فضح العقيد ومن معه من الضباط الفضلُ في تهييج القرية والشارع ماإضطر الأمن لإخلاء سبيله ، ولقد وصفها الشيخ الجمري بالنعمة الثانية عليه من الله بعد نعمة الإسلام
أخيرا، أتركم مع حادثة لطيفة سميتها “حادثة العشرون دينارا” يسردها الشيخ الكريم بنفسه في حديثه عن زوجته، يقول أبو جميل
مرت بي حالة ضيق في بعض السنين في النجف الأشرف، وضاق صدري، حتى اني عرّضت نفسي للاستدانة من بعض المؤمنين فاعتذر، فلما رأت ما بي من ضيق الصدر قالت: خذ ذهبي وارهنه، واذا تمكنت من فكّه فكّه، ولا تهتم، قالت ذلك بصدق وايجابية، وعزمتُ علي أن أذهب الى السوق الكبير وارهن ذهبها عند بعض الصاغة، ولكن تصورتها كيف ستبقى-وهي شابة-عاطلة من ذهبها وزينتها، فانكسر خاطري لها، وتراجعت عن رهن ذهبها، وهنا فتح الله عليّ ويسَّر لي لمصرف بما يشبه المعجزة، حيث دخلت إلى مكتبي وفتحت بعض الكتب انظر فيه، وإذا بي نوطاً فئة العشرة دنانير عراقية، فأخذتني الرهبة والدهشة والعجب اذ لم اذكر انني وضعت في هذا الكتاب أوغيره مالاً، وليس هذا من عادتي، وليس هناك غيري يتصرّف في المكتبة أو يمارس استعمال الكتب فيها. وهذا القدر من المال هو الذي طلبت من ذلك المؤمن-غفر الله له-أن يقرضني إياه فأعتذر
أبا جميل كنت فينا جميلا، جوزيت أجرك عند ربك جزاءاً طيباً كثيرًا
ملاحظة: إمتثالا لرغبة الأحبة سأقوم بمواصلة الكتابة عن الشيخ الجليل في صورة حلقات سميتها “جمريات”، علي الحلواجـــي
* الصورة عن
http://www.saffar.org/?act=artc&id=1072
ونص يوميات الشيخ ومضمون ماجاء في المدونه أعلاه (قسم سيرة وعطاء – قصة حياتي) عن
http://www.aljamri.org
علي حسين الحلواجي
26-07-2009
Tags: شخصيات
8 Responses to "جمريات 1: الشيخ الجمري وحادثة العشرون ديناراً"
1 | جسين عاشور
July 26, 2009 at 2:30 pm
ما شاء الله فهذا المؤمن المجاهد ما زال يعلمنا حتى بعد مماته…..
و لازلت اقول ان اسطورة كتاباتك تهز المشاعر فما لك و انظمة المعلومات و عندك هذا الحبر الرنان الذي يهدم و يبني شعوب
اعتقد انه يجب عليك اعادة حساباتك و اتمنى لك التوفيق اخي علي…
10Rating التقييم
Reply
alhalwachi
July 26, 2009 at 2:48 pm
أخي العزيز حسين
اطراءك أخجلني واسكتني حسن مديحك، انما مقولتك ماشجعني وماهو الا نصحك ماجعلني أواصل الكتابة، شكرا جزيلا. مازلت أذكر كم امضينا معا سنوات جميله نشارك أباجميل همومه وأحزانه، وكما كنا ندعو له في آخر مرضه فاننا ندعو الله أن يجزيه عنا و – ونحن المقصرون – خير الجزاء
00Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 6, 2009 at 9:40 am
سيبقى الجمري الجمرة التي تشتعل في قلوبنا وسنزرع حرارة تلك الجمرة في قلوب أبنائنا
شكرا جزيلا أم معصومة
علي الحلواجــــــــــــي
00Rating التقييم
Reply
2 | ابوزينب
August 5, 2009 at 4:58 am
تسلم يا أخ علي على المقالة الرائعة، وأتمنى لك التوفيق في المستقبل القريب
10Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 5, 2009 at 5:14 am
شكرا جزيلا ومرحبا بك
تحياتي
الحلواجي
00Rating التقييم
Reply
3 | أم معصومة
August 6, 2009 at 9:32 am
ما شاء الله..
رحمك الله يا أبا جميل.. هذا الرجل الذي كتب على جدار التاريخ اسطورة نضال وثقافة وإيمان راسخ
ما زال ينبض فينا قلباً حياً وإن غيبه تراب القبر
سلمت يداك على هذا المقال الذي طال شغاف القلب
10Rating التقييم
Reply
4 | واحة خضراء
August 21, 2009 at 11:44 am
حسين دعني اقول لك :
إني متفاجـأ من عُبق هذه المُدونـة ..
عرفتُك عندما زرتني بالمدونة .. وقد اطللت اطلالة شعاع الشمس حينما الظُهر .. فما اجمل اشعةُ مدونتك في هذا الموضوع .. انني لأخجل بما تُرسمه ريشتُك لكون القرابة ..
لكِن دعنـي اقول لك .. رغم كل ذلك الا اننا نتمنى ان نقـرأ المزيد من هذه الحكايـات فربما بعضها نعرفها وبعضها لا نعرفها فنتزود منها ذكراً وذكريات ..
سلامٌ على روحُك الشفافـة البيضاء ..
20Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 21, 2009 at 12:09 pm
أخي العزيز ، لا أدري صراحة ماذا أقول فلقد عبقت من كلماتك رائحة طيبة ملئتي ولمست عميق وجداني، شكرا والشكر لايجزي كرم أخلاقك ولسيكون من دواعي سروري وبهجتي أن ألتقيقك يوما كما إلتقيتك في مدونتك ومدونتي، تشرفت بزيارتك.
الحكاية أعلاه هي حكاية أب حنون ذهب عنا وترك خلفه ألف ابن وابنه، وألف ألف وآلاف
أبناءٌ يتذكرون كيف كان يكلم الناس وكيف كان يخاطب الشباب
ولقد كان رحمه الله ينادينا بــ “أبنائي” ويعلم الله أنه كان يعني ذلك النداء بكل مايحمله من معنى
أنا وأنت وكلنا أحببنا أبا جميل، لقد كان فينا جميلا
جمريات 2: الشيخ الجمري وحكم الــ 15 مليون ديناراً
Posted by: Ali Hussain Jawad Alhalwachi on: August 21, 2009
In: Bahrain| Politics Comment!
1 الأصوات
أباجميل كنت فينا جميلا
قرأت مقالا للأخت الفاضلة عفاف الجمري، أبنة الأب الراحل سماحة الشيخ الجمري ويعلم الله كم قطعتني كلماتها وكم هيجني الشجن الذي فاح من كلامها. أقول لك سيدتي: لازال أبوك فينا حياً، فالأحرار كما الحسين سيد الشهداء أحياءٌ لايموتون فكيف وأبوك هو الجمري، أبو الأحرار وسيد الأحرار في هذا البلد الكريم؟
تسرد لنا عفاف عدداً من المواقف وتحكي بعجالة شيئاً من مما عاناه سماحة الشيخ الجمري وماقدمه من التضحيات الجسام مما لا يحتاج إلى تدوين، فلقلد دونت أفعاله في كل قلبٍ ومحفل أعظم اللحظات. تستحضر عفاف كيف كان يُضيق على سماحة الشيخ من قبل قوات أمن الدولة وجلاوزتها وعلى رأسم العقيد. من تلك المواقف قيام أجهزة الأمن بنصب حُجرةٍ خشبية أمام المأتم أحياناً وأخرى أمام المنزل علناً ، تضييقاً وترهيباً منهم لسماحة الشيخ ولمن تسولُ له نفسه أن يرتاد مجالسهُ الحسينيةَ الثورية، وكانوا قد عرضوا عليه المناصب والأموال حيناً والكيد والتنكيل به وبأبناءه أحياناً أخرى وكان رده عليهم في كل مرة: “الشعب كلهم أبنائي، و ليس فقط جميل و عبدالجليل“. وفي سياق ذلك تذكر عفاف كيف أن أباها أشفق عليهم يوماً وهم واقفون في الشمس الحارقة فما كان منه – وهو صاحب القلب الكبير- ألا أن ذهب إليهم بنفسه يدعوهم لدخول بيته وشرب الماء وتناول الغذاء رحمةً منه وإشفاقاً وانسانية. تقول عفاف، فلما سألناه عن ذلك قال بلسان حاله الحنون: “مساكين كسروا خاطري في الشمس“
في حياة شيخنا الجليل سجلٌ حافل من العذابات والآهات، فيوماً يرسلون جيشاً من الجنود المضججين بالسلاح، ويوماً يقتلون الشباب ويقطعون الكهرباء ويحاصرون القرية وبيت الشيخ على وجه الخصوص ناهيك عن المروحية التي تحوم كالطير الباشق فوق بيت الشيخ مباشرةً وكأنهم يريدون رجلاً يقود جيشاً لارجلَ دين متواضعٍ يلبس عمامة! نعم، لقد كنت تُرهبهم وكنت الجيشَ الذي يرهبون. في أيام الحصار الأليم، حاصروا منزل الشيخ بمن فيه من الأطفال والرُضع والنساء ومنعوا الشيخ وأهله عن الناس وأخذوا كل هاتفٍ وتلفازٍ ومذياع وأحضروا للبيت يوماً كيسَ خبز كتبوا عليه “19 مجرماً” وفي البيت كان عدد الأفراد 19 شخصاً بينهم رضيعٌ ذو ثمانية أشهر. في تلك الأيام العجاف وفي تلك الظروف الصعاب خرج لهم شيخنا الكريم بابتسامته السماوية يقدم لهم الشاي!
ولأنه قدم له الشاي، إقتادوه الى السجن وعذبوه ونكلوا به ومنعوا عنه الدواء وأفقدوه سمعه في أذنه اليسرى وسجنوه سنةً كاملة، وحيداً لايرى أحبته وأبناءه وكانوا يعذبون الشباب على مقربة من زنزانته الإنفرادية ويُسموعنه صراخاتهم وعذاباتهم ليصرخَ في وجههم ويقول: “دعوا أبنائي بسلام“ وكان العقيد يرد عليه ويقول له بأنه كان السببَ في عذابهم وهو السببُ -إن يرضخ لأوامرهم- في خلاصهم. أقول رداً على العقيد وعلى كل من أراد أن يطفئ النور الجمري، كنت أيها الجمري سبب عزتنا وأصل كرامتنا فجزاك الله عنا خير جزاء العاملين. تقول عفاف -صاحبة القلب المدمى- أن العقيد كان يتفنن بتعذيب والدها، وكانوا يضايقون والدتهم ويضايقونهم حين يسمح لهم بزيارته وكانوا يمزقون عليه ثيابه في وسط الساحة وكان العقيد يستخدم الأساليب أياً كانت في إيذاء شيخنا الكريم، فأين العقيد اليوم وأين الجمري؟ أين الثرى وأين الثريا؟
هل تعرفون بم حوكم الشيخ الجمري؟
“بنخيسك إلى الأبد في السجن” ، هذا ما قاله العقيد للشيخ الجمري وقد حكمت المحكمة -والتي تمت بسرية تامة بعيداً عن الناس- على الشيخ بغرامة مالية قدرها 15 مليون ديناراً وعشر سنواتٍ من الحبس وكان -رحمه الله- يتمم بكلماتٍ حين أُصدر الحكم، كلماتٌ لا نعرفها ولا تعرفها عفاف. ولم يكن ليمضي الشيئُ الكثير من الأيام حتى آلت صحته الى ما آلت إليه من تدهورٍ لكثرة التعذيب والجراحات وكلنا يذكر تلك المسرحيةَ الهزلية التي أرادوا أن يحيكوها له ولكنهم كادوا ويكيد الله والله خير الكائدين ويده فوق يد الظالمين.
في الحلق شُجون وفي الصدر غُصة ولحديثنا عن شيخنا الكريم تتمة إن شاء الله …
تحياتي
علي حسين الحلواجي
21-08-2009
Ads by Google
تاجر الفوركس
حسابات اسلامية افتح حساب تجريبي
www.Forex.com/ar
Tags: سياسة, شخصيات
7 Responses to "جمريات 2: الشيخ الجمري وحكم الــ 15 مليون ديناراً"
1 | متهوره بٌلطف
August 22, 2009 at 12:58 am
يالله , ماتوقعت كل هالامور تصير ببلد عربي
بلد مجاوره لنا وماسمعنا كل هالامور
ليش اللي يتكلم ويطالب بحقوقه يعٌاقب مافي تقدير لكبر سنه
ع الاقل ماعذبوه بقسوه
حسبي الله ونعم الوكيل
شششكرآ علي لتوضيح الصور لنآ
متابعه بأذن المولى لعالمك ..
احترامي وتقديري
10Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 22, 2009 at 10:34 am
شكرا أختي الفاضلة. ما أوردته أعلاه شهادة لابنة الشيخ نفسه وهنالك آلاف الشهادات الموثقة وللأسف كما ذكرت لم تتم حتى الآن محاكمة المتهمين وعومل الجلاد كالمجلود، الجاني كالمجني عليه لكنا إن شاء الله ماضون نحو المطالبة بالعدل ومحاربة الفساد بكل الطرق والأساليب السلمية في سبيل تحقيق مطالب هذا الشعب وتوفير الحياة الكريمة للمواطن البحريني كما كفل له بذلك الدستور، ونحن ضد العنف سواء أكان من جهات وفئات جاهلة في مجتمعنا أو كان من قبل من تبقى من مسؤوليين مازالوا يفكرون بمنطق ومنهج حقبة أمن الدولة
احترامي وتقديري وشكرا على المداخلة واثراء الفكرة
علي الحلواجـــي
00Rating التقييم
Reply
2 | علي الملا
August 22, 2009 at 1:23 pm
سيدي الجليل
رحل أبو جميل جسدا ولكنه بقى روحا تغذينا بطعم الحرية والكلمة الحق
بقي روحا تغذينا بطعم قول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر مهما كانت العاقبة في يومنا إلا أنها ستثمر يوما بظهور الحقيقة
10Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 22, 2009 at 1:32 pm
نعم رحل شيخنا الحبيب جسدا وبقت روحه الطاهره تغذي أرواحنا بالحب والإيمان
لاتكفيك أيها الجمري ولا تسعك الكلمات ولكن وسعتكَ قلوب الأحرار والمؤمنين
شكرا أخي علي الملا على المداخلة الطيبة
تحياتي
علي الحلواجــــي
00Rating التقييم
Reply
3 | هيام
August 23, 2009 at 5:57 pm
السودان أرض مصرية
لم يعد مخطط تقسيم السودان إلى دويلات – بالأمر السري الذي تتداوله أجهزة مخابرات الدول الكبرى بل أصبح متداول فى وسائل الأعلام الأوروبية و الأمريكية . فالسودان سيتم تقسيمه إلى خمسة دويلات هي : دارفور ، جبال النوبة ، الشرق ، السودان الجديد ، السودان الشمالي والمقصود بالسودان الجديد – بداهةً – جنوب السودان. ويهدف هذا المخطط لخدمة “إسرائيل” أولاً وأخيراً، وحرمان العرب من أن يكون السودان الغني بأراضيه الخصبة وموارد المياه “سلة الغذاء العربية”، ومحاصرة واستهداف مصر، بالتحكم في مصدر حياتها، أي مياه النيل، ودفعها لأن تضطر إلى شراء مياه النيل بعد اجتراح قوانين جديدة بتقنين حصص الدول المتشاطئة القديمة والدويلات الجديدة….
.أرجو من كل من يقراء هذا أن يزور مقالات ثقافة الهزيمة فى الرابط التالى:
http://www.ouregypt.us
10Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 23, 2009 at 10:33 pm
على الرغم من اختلاف الموضوع والقضية في التعليق أختي الفاضلة لكن إلتقاء الفكر يجمعنا، شكرا جزيلا للمداخلة الطيبة، تشرفني زيارتك جدا. قمت بزيارة الموقع أعلاه ونال حقيقة انتباهي لكنني سأقوم بقراءة الموضوع بكل تأكيد بشي من الإسهاب نظرا لضيق الوقت، وأتمنى أن يستمر التواصل، أرحب بمشاركاتكم وأجدد فائق الإحترام وأطيب التحيات وأبارك لكم الشهير الفضيل
مجددا، تشرفني زيارتك …
تحياتي
علي الحلواجـــــي
00Rating التقييم
Reply
4 | Ahmed Aldorasi
September 7, 2009 at 10:01 am
رحمك الله ياشيخنا الجمري، لن ننساك أبدا لاوالله
00Rating التقييم
Posted by: Ali Hussain Jawad Alhalwachi on: August 21, 2009
In: Bahrain| Politics Comment!
1 الأصوات
أباجميل كنت فينا جميلا
قرأت مقالا للأخت الفاضلة عفاف الجمري، أبنة الأب الراحل سماحة الشيخ الجمري ويعلم الله كم قطعتني كلماتها وكم هيجني الشجن الذي فاح من كلامها. أقول لك سيدتي: لازال أبوك فينا حياً، فالأحرار كما الحسين سيد الشهداء أحياءٌ لايموتون فكيف وأبوك هو الجمري، أبو الأحرار وسيد الأحرار في هذا البلد الكريم؟
تسرد لنا عفاف عدداً من المواقف وتحكي بعجالة شيئاً من مما عاناه سماحة الشيخ الجمري وماقدمه من التضحيات الجسام مما لا يحتاج إلى تدوين، فلقلد دونت أفعاله في كل قلبٍ ومحفل أعظم اللحظات. تستحضر عفاف كيف كان يُضيق على سماحة الشيخ من قبل قوات أمن الدولة وجلاوزتها وعلى رأسم العقيد. من تلك المواقف قيام أجهزة الأمن بنصب حُجرةٍ خشبية أمام المأتم أحياناً وأخرى أمام المنزل علناً ، تضييقاً وترهيباً منهم لسماحة الشيخ ولمن تسولُ له نفسه أن يرتاد مجالسهُ الحسينيةَ الثورية، وكانوا قد عرضوا عليه المناصب والأموال حيناً والكيد والتنكيل به وبأبناءه أحياناً أخرى وكان رده عليهم في كل مرة: “الشعب كلهم أبنائي، و ليس فقط جميل و عبدالجليل“. وفي سياق ذلك تذكر عفاف كيف أن أباها أشفق عليهم يوماً وهم واقفون في الشمس الحارقة فما كان منه – وهو صاحب القلب الكبير- ألا أن ذهب إليهم بنفسه يدعوهم لدخول بيته وشرب الماء وتناول الغذاء رحمةً منه وإشفاقاً وانسانية. تقول عفاف، فلما سألناه عن ذلك قال بلسان حاله الحنون: “مساكين كسروا خاطري في الشمس“
في حياة شيخنا الجليل سجلٌ حافل من العذابات والآهات، فيوماً يرسلون جيشاً من الجنود المضججين بالسلاح، ويوماً يقتلون الشباب ويقطعون الكهرباء ويحاصرون القرية وبيت الشيخ على وجه الخصوص ناهيك عن المروحية التي تحوم كالطير الباشق فوق بيت الشيخ مباشرةً وكأنهم يريدون رجلاً يقود جيشاً لارجلَ دين متواضعٍ يلبس عمامة! نعم، لقد كنت تُرهبهم وكنت الجيشَ الذي يرهبون. في أيام الحصار الأليم، حاصروا منزل الشيخ بمن فيه من الأطفال والرُضع والنساء ومنعوا الشيخ وأهله عن الناس وأخذوا كل هاتفٍ وتلفازٍ ومذياع وأحضروا للبيت يوماً كيسَ خبز كتبوا عليه “19 مجرماً” وفي البيت كان عدد الأفراد 19 شخصاً بينهم رضيعٌ ذو ثمانية أشهر. في تلك الأيام العجاف وفي تلك الظروف الصعاب خرج لهم شيخنا الكريم بابتسامته السماوية يقدم لهم الشاي!
ولأنه قدم له الشاي، إقتادوه الى السجن وعذبوه ونكلوا به ومنعوا عنه الدواء وأفقدوه سمعه في أذنه اليسرى وسجنوه سنةً كاملة، وحيداً لايرى أحبته وأبناءه وكانوا يعذبون الشباب على مقربة من زنزانته الإنفرادية ويُسموعنه صراخاتهم وعذاباتهم ليصرخَ في وجههم ويقول: “دعوا أبنائي بسلام“ وكان العقيد يرد عليه ويقول له بأنه كان السببَ في عذابهم وهو السببُ -إن يرضخ لأوامرهم- في خلاصهم. أقول رداً على العقيد وعلى كل من أراد أن يطفئ النور الجمري، كنت أيها الجمري سبب عزتنا وأصل كرامتنا فجزاك الله عنا خير جزاء العاملين. تقول عفاف -صاحبة القلب المدمى- أن العقيد كان يتفنن بتعذيب والدها، وكانوا يضايقون والدتهم ويضايقونهم حين يسمح لهم بزيارته وكانوا يمزقون عليه ثيابه في وسط الساحة وكان العقيد يستخدم الأساليب أياً كانت في إيذاء شيخنا الكريم، فأين العقيد اليوم وأين الجمري؟ أين الثرى وأين الثريا؟
هل تعرفون بم حوكم الشيخ الجمري؟
“بنخيسك إلى الأبد في السجن” ، هذا ما قاله العقيد للشيخ الجمري وقد حكمت المحكمة -والتي تمت بسرية تامة بعيداً عن الناس- على الشيخ بغرامة مالية قدرها 15 مليون ديناراً وعشر سنواتٍ من الحبس وكان -رحمه الله- يتمم بكلماتٍ حين أُصدر الحكم، كلماتٌ لا نعرفها ولا تعرفها عفاف. ولم يكن ليمضي الشيئُ الكثير من الأيام حتى آلت صحته الى ما آلت إليه من تدهورٍ لكثرة التعذيب والجراحات وكلنا يذكر تلك المسرحيةَ الهزلية التي أرادوا أن يحيكوها له ولكنهم كادوا ويكيد الله والله خير الكائدين ويده فوق يد الظالمين.
في الحلق شُجون وفي الصدر غُصة ولحديثنا عن شيخنا الكريم تتمة إن شاء الله …
تحياتي
علي حسين الحلواجي
21-08-2009
Ads by Google
تاجر الفوركس
حسابات اسلامية افتح حساب تجريبي
www.Forex.com/ar
Tags: سياسة, شخصيات
7 Responses to "جمريات 2: الشيخ الجمري وحكم الــ 15 مليون ديناراً"
1 | متهوره بٌلطف
August 22, 2009 at 12:58 am
يالله , ماتوقعت كل هالامور تصير ببلد عربي
بلد مجاوره لنا وماسمعنا كل هالامور
ليش اللي يتكلم ويطالب بحقوقه يعٌاقب مافي تقدير لكبر سنه
ع الاقل ماعذبوه بقسوه
حسبي الله ونعم الوكيل
شششكرآ علي لتوضيح الصور لنآ
متابعه بأذن المولى لعالمك ..
احترامي وتقديري
10Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 22, 2009 at 10:34 am
شكرا أختي الفاضلة. ما أوردته أعلاه شهادة لابنة الشيخ نفسه وهنالك آلاف الشهادات الموثقة وللأسف كما ذكرت لم تتم حتى الآن محاكمة المتهمين وعومل الجلاد كالمجلود، الجاني كالمجني عليه لكنا إن شاء الله ماضون نحو المطالبة بالعدل ومحاربة الفساد بكل الطرق والأساليب السلمية في سبيل تحقيق مطالب هذا الشعب وتوفير الحياة الكريمة للمواطن البحريني كما كفل له بذلك الدستور، ونحن ضد العنف سواء أكان من جهات وفئات جاهلة في مجتمعنا أو كان من قبل من تبقى من مسؤوليين مازالوا يفكرون بمنطق ومنهج حقبة أمن الدولة
احترامي وتقديري وشكرا على المداخلة واثراء الفكرة
علي الحلواجـــي
00Rating التقييم
Reply
2 | علي الملا
August 22, 2009 at 1:23 pm
سيدي الجليل
رحل أبو جميل جسدا ولكنه بقى روحا تغذينا بطعم الحرية والكلمة الحق
بقي روحا تغذينا بطعم قول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر مهما كانت العاقبة في يومنا إلا أنها ستثمر يوما بظهور الحقيقة
10Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 22, 2009 at 1:32 pm
نعم رحل شيخنا الحبيب جسدا وبقت روحه الطاهره تغذي أرواحنا بالحب والإيمان
لاتكفيك أيها الجمري ولا تسعك الكلمات ولكن وسعتكَ قلوب الأحرار والمؤمنين
شكرا أخي علي الملا على المداخلة الطيبة
تحياتي
علي الحلواجــــي
00Rating التقييم
Reply
3 | هيام
August 23, 2009 at 5:57 pm
السودان أرض مصرية
لم يعد مخطط تقسيم السودان إلى دويلات – بالأمر السري الذي تتداوله أجهزة مخابرات الدول الكبرى بل أصبح متداول فى وسائل الأعلام الأوروبية و الأمريكية . فالسودان سيتم تقسيمه إلى خمسة دويلات هي : دارفور ، جبال النوبة ، الشرق ، السودان الجديد ، السودان الشمالي والمقصود بالسودان الجديد – بداهةً – جنوب السودان. ويهدف هذا المخطط لخدمة “إسرائيل” أولاً وأخيراً، وحرمان العرب من أن يكون السودان الغني بأراضيه الخصبة وموارد المياه “سلة الغذاء العربية”، ومحاصرة واستهداف مصر، بالتحكم في مصدر حياتها، أي مياه النيل، ودفعها لأن تضطر إلى شراء مياه النيل بعد اجتراح قوانين جديدة بتقنين حصص الدول المتشاطئة القديمة والدويلات الجديدة….
.أرجو من كل من يقراء هذا أن يزور مقالات ثقافة الهزيمة فى الرابط التالى:
http://www.ouregypt.us
10Rating التقييم
Reply
alhalwachi
August 23, 2009 at 10:33 pm
على الرغم من اختلاف الموضوع والقضية في التعليق أختي الفاضلة لكن إلتقاء الفكر يجمعنا، شكرا جزيلا للمداخلة الطيبة، تشرفني زيارتك جدا. قمت بزيارة الموقع أعلاه ونال حقيقة انتباهي لكنني سأقوم بقراءة الموضوع بكل تأكيد بشي من الإسهاب نظرا لضيق الوقت، وأتمنى أن يستمر التواصل، أرحب بمشاركاتكم وأجدد فائق الإحترام وأطيب التحيات وأبارك لكم الشهير الفضيل
مجددا، تشرفني زيارتك …
تحياتي
علي الحلواجـــــي
00Rating التقييم
Reply
4 | Ahmed Aldorasi
September 7, 2009 at 10:01 am
رحمك الله ياشيخنا الجمري، لن ننساك أبدا لاوالله
00Rating التقييم
Wednesday, June 17, 2009
السبت الأسود -منقول
حبيب الجمري يتذكر فجر السبت
في بداية سرده لما يتذكره عن يوم السبت الأول من أبريل العام 1995 (قبل 14سنة مضت)، والذي تعارف أهالي بني جمرة والبحرين على تسميته بالسبت الأسود، حيث سقطت فيه ضحيتان من أبناء قرية بني جمرة، قضيا بعد إصابتهما بعشرات الطلقات من «الشوزن» حينما هجمت قوات الأمن على القرية بغرض اعتقال الشيخ عبدالأمير الجمري (رح)، يقول الشيخ حبيب الجمري الذي كان احد شهود فجر ذلك السبت: ربما أكون في حالة من البشاشة إلا إذا سئلت عن يوم السبت الأسود، حيث تتحول مشاعري الى الحزن والكآبة وربما استذكرت المعنى الكبير الذي يعنيه أن ينسكب الدم على الأرض وأنت تراه أمامك.
وأضاف الجمري، الذي كان أحد ضيوف ندوة جمعية العمل الإسلامي التي أقامتها يوم أمس الأول في ذكرى هذه الحادثة، سأكون شاهدا صادقا على ما حدث، ولن استطيع أن أفصل أكثر مما سأقول، وكنت أحبذ لو كان هناك أكثر من شاهد على الحادثة التي جرت لتكتمل الصورة أكثر.
وبدأ بسرد ما يتذكره عن ذلك اليوم بقوله: كنا في الأول من ابريل 1995 الموافق 1 رجب 1416 وبعد صلاة الصبح سمعنا صوتا في بني جمرة من أحد المساجد، فاستعلمنا عن الخبر فاخبرونا ان قوات الامن أحاطت بمنزل الشيخ عبدالامير الجمري تمهيدا لاعتقاله، وإنهم احتلوا بعض البيوت القريبة من منزل الشيخ تسهيلا لمهمتهم، فخرجت إلى مسجد أبوذر الغفاري بالقرية، وكان هناك مجموعة من الاهالي فقررنا الخروج في مسيرة سلمية ورسمنا مخططا للمسيرة التي عزمنا عليها، حيث عزمنا أن ننتقل من مسجد الى مسجد لنناشد الأهالي المشاركة في فك الحصار عن الشيخ الجمري، وكان هناك بعض الشباب اقترحوا توفير بعض المولوتوفات، ولكن نحن فضلنا ان تكون المسيرة سلمية، وانتقلنا إلى مسجد العيد ففتحنا مكبرات الصوت، ثم لمسجد الزهراء، ثم لمسجد الإمام علي، وكلها مساجد في القرية، وكانت المسيرة تزداد والتكبيرات ترتفع حتى وصلنا إلى مسجد الشيخ فرج، وبذلك كنا قد مررنا على كامل مساجد بني جمرة، وخرج الجميع بعفوية شبابا وصغارا وشيبا حتى جاءتنا أول الاطلاقات من الشوزن وأصيب في أول إطلاق أسعد ابن الشهيد محمد علي الذي قتل بعده بساعات، وكان الأب حينها يشجع ابنه للاستمرار حيث واصلنا حتى وصلنا الى مسجد الخضر حيث أطلق الشوزن علينا بغزارة فتجمعنا عند مسجد زيد، للملمة صفوفنا مرة أخرى، إلا أننا تفاجأنا بقوات تقدر بالمئات تحيط بنا، فحاولنا التفرق، مجموعة دخلت البيوت والبعض الآخر وصل إلى سدرة الشيخ (منطقة بالقرية) وكان عددنا 10 تقريبا، وفي هذه الاثناء أحاطوا بنا من كل اتجاه ورمونا بالشوزن، على رغم انه كان بإمكانهم أن يعتقلونا بكل سهولة لأنهم أحاطونا من جميع الجهات، لكنهم بادروا بإطلاق الشوزن علينا من قرب فأصابوا محمد جعفر في الرأس فاستشهد من فوره، ثم سقط محمد علي بعده بلحظات، بينما أدرت ظهري لهم حيث قاموا برشي بالشوزن على جميع أنحاء جسمي، كما صوبوا على جعفر طالب الذي تهتكت أعضاؤه وأصبح معاقا طوال عمره، أما صادق العرب فقد كان ينوي الرجوع لبيته فتلقته مجموعة ورشته في رجله التي تم قطعها بعد ذلك كما أصيب آخرون بإصابات مباشرة.
وأكمل الجمري: بعد ذلك بدأت أحس بضيق في التنفس وسقطت على الأرض، وتم اعتقالي وسحبوني سحبا وألقوني في الجيب الى جانب مجموعة أخرى جرى اعتقالها، وأصبت بنزيف حاد حيث أصبت بنحو 24 طلقة وأخذ النزيف يزداد في سيارة قوات الأمن، فخاف رجال الامن ورموني، وطلبوا مني اللجوء الى أقرب بيت، فقصدت اقرب بيت وأخذت اضرب على الباب برجلي وخرجت لي زوجة الحاج يوسف كاظم حيث صرخت عندما شاهدت حالي، ونادت على أولادها واتصلت بأهلي وتم اخذي الى أحد المستشفيات القريبة حيث تم علاجي هناك، فيما أخذ صادق العرب إلى السلمانية.
وختم الجمري: كنت في جوار الشهيد محمد جعفر في المستشفى، وكان على رغم جروحه صاحب نفسية شهيد، وكان يقول لي انه سيرحل عن الدنيا وطلب مني ان انقل وصيته، بأن نواصل النضال وانه لابد أن يزال الظلم من هذا البلد، واخذ يتشهد حتى اختفى صوته وقضى إلى جوار ربه.
الشملاوي: ما جرى قتل بدم بارد
وفي تعقيبه على ما شهده الشيخ حبيب الجمري عن يوم السبت، قال المحامي عبدالله الشملاوي: هناك جريمة في القانون تسمى جريمة التعسف في استخدام السلطة وهي تعني الشطط في استخدام السلطة؛ لأن ذلك يجعل الإن سان بلا حرية فلا يكاد يساوي اية قيمة والحيوان يصبح اكثر قيمة منه.
وقال الشملاوي في إعمال حكم القانون: لا افراط ولا تفريط، فلا شطط في حقوق الافراد ولا بغي في سلطة الحكومة، وحتى الميثاق العالمي لحقوق الانسان الذي يشترط ان توافق عليه اية دولة عضو أكد أنه لا يجوز أن تتهور السلطة مع مواطنيها بما أوتيت من صلاحية بانتهاك حقوقهم في سلامة بدنهم، وهذا الحق مصون بالدستور حيث حرم التعدي على سلامة الغير الا بحق.
وأضاف إذا طبقنا هذه المعايير على الحادثة نقول إنه كان ينبغي أن يكون هدف قوات الامن ألا تحيد عن روح القانون معنى وروحا، إذ يجب على هذه القوات ان تحافظ على النظام دون ان تخرج عنه، فلا يحق لها التعدي على الناس، وكان يمكن في هذه الحالة توجيه إنذار للمحاصرين ولا تتم بأي حال من الأحوال توجيه السلاح والقتل بروح باردة.
في بداية سرده لما يتذكره عن يوم السبت الأول من أبريل العام 1995 (قبل 14سنة مضت)، والذي تعارف أهالي بني جمرة والبحرين على تسميته بالسبت الأسود، حيث سقطت فيه ضحيتان من أبناء قرية بني جمرة، قضيا بعد إصابتهما بعشرات الطلقات من «الشوزن» حينما هجمت قوات الأمن على القرية بغرض اعتقال الشيخ عبدالأمير الجمري (رح)، يقول الشيخ حبيب الجمري الذي كان احد شهود فجر ذلك السبت: ربما أكون في حالة من البشاشة إلا إذا سئلت عن يوم السبت الأسود، حيث تتحول مشاعري الى الحزن والكآبة وربما استذكرت المعنى الكبير الذي يعنيه أن ينسكب الدم على الأرض وأنت تراه أمامك.
وأضاف الجمري، الذي كان أحد ضيوف ندوة جمعية العمل الإسلامي التي أقامتها يوم أمس الأول في ذكرى هذه الحادثة، سأكون شاهدا صادقا على ما حدث، ولن استطيع أن أفصل أكثر مما سأقول، وكنت أحبذ لو كان هناك أكثر من شاهد على الحادثة التي جرت لتكتمل الصورة أكثر.
وبدأ بسرد ما يتذكره عن ذلك اليوم بقوله: كنا في الأول من ابريل 1995 الموافق 1 رجب 1416 وبعد صلاة الصبح سمعنا صوتا في بني جمرة من أحد المساجد، فاستعلمنا عن الخبر فاخبرونا ان قوات الامن أحاطت بمنزل الشيخ عبدالامير الجمري تمهيدا لاعتقاله، وإنهم احتلوا بعض البيوت القريبة من منزل الشيخ تسهيلا لمهمتهم، فخرجت إلى مسجد أبوذر الغفاري بالقرية، وكان هناك مجموعة من الاهالي فقررنا الخروج في مسيرة سلمية ورسمنا مخططا للمسيرة التي عزمنا عليها، حيث عزمنا أن ننتقل من مسجد الى مسجد لنناشد الأهالي المشاركة في فك الحصار عن الشيخ الجمري، وكان هناك بعض الشباب اقترحوا توفير بعض المولوتوفات، ولكن نحن فضلنا ان تكون المسيرة سلمية، وانتقلنا إلى مسجد العيد ففتحنا مكبرات الصوت، ثم لمسجد الزهراء، ثم لمسجد الإمام علي، وكلها مساجد في القرية، وكانت المسيرة تزداد والتكبيرات ترتفع حتى وصلنا إلى مسجد الشيخ فرج، وبذلك كنا قد مررنا على كامل مساجد بني جمرة، وخرج الجميع بعفوية شبابا وصغارا وشيبا حتى جاءتنا أول الاطلاقات من الشوزن وأصيب في أول إطلاق أسعد ابن الشهيد محمد علي الذي قتل بعده بساعات، وكان الأب حينها يشجع ابنه للاستمرار حيث واصلنا حتى وصلنا الى مسجد الخضر حيث أطلق الشوزن علينا بغزارة فتجمعنا عند مسجد زيد، للملمة صفوفنا مرة أخرى، إلا أننا تفاجأنا بقوات تقدر بالمئات تحيط بنا، فحاولنا التفرق، مجموعة دخلت البيوت والبعض الآخر وصل إلى سدرة الشيخ (منطقة بالقرية) وكان عددنا 10 تقريبا، وفي هذه الاثناء أحاطوا بنا من كل اتجاه ورمونا بالشوزن، على رغم انه كان بإمكانهم أن يعتقلونا بكل سهولة لأنهم أحاطونا من جميع الجهات، لكنهم بادروا بإطلاق الشوزن علينا من قرب فأصابوا محمد جعفر في الرأس فاستشهد من فوره، ثم سقط محمد علي بعده بلحظات، بينما أدرت ظهري لهم حيث قاموا برشي بالشوزن على جميع أنحاء جسمي، كما صوبوا على جعفر طالب الذي تهتكت أعضاؤه وأصبح معاقا طوال عمره، أما صادق العرب فقد كان ينوي الرجوع لبيته فتلقته مجموعة ورشته في رجله التي تم قطعها بعد ذلك كما أصيب آخرون بإصابات مباشرة.
وأكمل الجمري: بعد ذلك بدأت أحس بضيق في التنفس وسقطت على الأرض، وتم اعتقالي وسحبوني سحبا وألقوني في الجيب الى جانب مجموعة أخرى جرى اعتقالها، وأصبت بنزيف حاد حيث أصبت بنحو 24 طلقة وأخذ النزيف يزداد في سيارة قوات الأمن، فخاف رجال الامن ورموني، وطلبوا مني اللجوء الى أقرب بيت، فقصدت اقرب بيت وأخذت اضرب على الباب برجلي وخرجت لي زوجة الحاج يوسف كاظم حيث صرخت عندما شاهدت حالي، ونادت على أولادها واتصلت بأهلي وتم اخذي الى أحد المستشفيات القريبة حيث تم علاجي هناك، فيما أخذ صادق العرب إلى السلمانية.
وختم الجمري: كنت في جوار الشهيد محمد جعفر في المستشفى، وكان على رغم جروحه صاحب نفسية شهيد، وكان يقول لي انه سيرحل عن الدنيا وطلب مني ان انقل وصيته، بأن نواصل النضال وانه لابد أن يزال الظلم من هذا البلد، واخذ يتشهد حتى اختفى صوته وقضى إلى جوار ربه.
الشملاوي: ما جرى قتل بدم بارد
وفي تعقيبه على ما شهده الشيخ حبيب الجمري عن يوم السبت، قال المحامي عبدالله الشملاوي: هناك جريمة في القانون تسمى جريمة التعسف في استخدام السلطة وهي تعني الشطط في استخدام السلطة؛ لأن ذلك يجعل الإن سان بلا حرية فلا يكاد يساوي اية قيمة والحيوان يصبح اكثر قيمة منه.
وقال الشملاوي في إعمال حكم القانون: لا افراط ولا تفريط، فلا شطط في حقوق الافراد ولا بغي في سلطة الحكومة، وحتى الميثاق العالمي لحقوق الانسان الذي يشترط ان توافق عليه اية دولة عضو أكد أنه لا يجوز أن تتهور السلطة مع مواطنيها بما أوتيت من صلاحية بانتهاك حقوقهم في سلامة بدنهم، وهذا الحق مصون بالدستور حيث حرم التعدي على سلامة الغير الا بحق.
وأضاف إذا طبقنا هذه المعايير على الحادثة نقول إنه كان ينبغي أن يكون هدف قوات الامن ألا تحيد عن روح القانون معنى وروحا، إذ يجب على هذه القوات ان تحافظ على النظام دون ان تخرج عنه، فلا يحق لها التعدي على الناس، وكان يمكن في هذه الحالة توجيه إنذار للمحاصرين ولا تتم بأي حال من الأحوال توجيه السلاح والقتل بروح باردة.
Saturday, January 3, 2009
تساؤلات في ذكرى الرحيلعفاف الجمري
في خضم الاحتفالات بالذكرى الثانية لرحيل زعيم انتفاضة التسعينات الشيخ عبدالأمير الجمري، تكثر المداولات والنقاشات والطروحات. قدمت لي مجموعة من الأسئلة في إحدى المنتديات الحوارية بمناسبة الذكرى في احتفال تديره مجموعة من الشابات متحفزات بشدة وذوات مواهب فريدة، فجرتها التجربة فصيرتها واعدة، مثل أخواتهن في مناطق أخرى أيضا موهوبات وطرحن طرحا يتضمن الجواب على سؤالهن ألا وهو: ماذا حققت انتفاضة التسعينات؟ ماذا حققت وقد رجعت الأوضاع لسابق عهدها قبل الانتفاضة وكأن التضحيات كلها قد ذهبت هباء؟ فالدستور وقد تم الانقلاب عليه وقانون أمن الدولة قد عاد بثوب جديد (قانون الإرهاب) بل وأصبحت الأوضاع أسوأ، حيث إنها سابقا كانت سيئة ولكن هذا السوء لم يكن مشهرا ولا مقننا. فالمسيرات كانت ممنوعة لكن ذلك لم يكن معلنا أما الآن فقد منعت تحت قانون التجمعات. والتجنيس السياسي بدأ من التسعينات لكن من دون قانون أما الآن فالتجنيس جار ليل نهار وبقانون وهلم جرى، أجبت باختصار: صحيح كل ما ذكر وأن التجربة الإصلاحية، قد تم التراجع عنها في مهدها منذ أن تم الانقلاب على الدستور، وفتح باب التجنيس السياسي، وشيئا فشيئا أخذت المكاسب في الانحسار حتى نوشك أن ندفن آخرها (حرية التعبير)، وصحيح أن القبضة الحديدية قد عادت وكأن شيئا لم يكن، وصحيح أن الحل الأمني قد لاح في الأفق من جديد بدلا من الحوار، وأن الفساد مازال مستشريا، صحيح كل ذلك إلا أن هناك إنجازا فريدا جدا من نوعه حققته انتفاضة التسعينات على وجه الخصوص، وهو إنجاز لا يمكن سلبه أبدا بل إنه يتجدد وينمو بسرعة كبيرة كلما زاد الضغط ألا وهو (الحس الثوري المطلبي) وأقول بأن هذا إنجاز خاص بانتفاضة التسعينات لأسباب أولها: أن الانتفاضة تزعمها رجال الدين.ثانيا: الإجماع الوطني على مطالبها من كل الطوائف والتوجهات، ثالثا: جماهيريتها الناشئة بسبب تزعم رجال الدين لها، وهذا ليس انتقاصا من النخب الوطنية التي لا ينسى دورها من زمن بعيد، لكن ولكون الشعب متدينا، فإنه لا يتحرك ولا يندفع إلا إذا تحرك رجال الدين خصوصا من ذوي الوزن الثقيل. إن انتفاضة التسعينات غيرت العقلية الشعبية السائدة بنسبة مئة وثمانين درجة، فقبلها كان الوعي السائد لدى الشعب هو: عدم صحة الانجرار وراء الثوريين بل وقد يصل للحرمة، من باب «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»[1] ووجوب التقية (عند الشيعة، وطاعة أولي الأمر عند السنة)، وبأنه علينا أن نبني أنفسنا ونربيها فكريا وسلوكيا. أما السياسة فإنه لم يحن وقتها بعد، فلا يصح التصدي لأي أمر مطلبي سياسي فذلك خلاف للعقل والشرع. الانتفاضة قلبت هذا المفهوم رأسا على عقب بسبب تصدر رجل دين بوزن الجمري لها (ورفاقه)، حيث إن الشارع يعامل الزعماء الدينيين وأفكارهم بقداسة. الآن وبعد أن مضت حقبة التسعينات وتم الانقلاب على الدستور ولاحت في الأفق الحلول الأمنية مرة أخرى، هل يعني ذلك أن الأمر قد انتهى؟ أبدا فبجولة ميدانية سريعة على الاحتفالات المقامة في كل القرى، وبتصفح المواقع الالكترونية وزيارة المجالس والتجمعات الشبابية في القرى والمدن، يدرك المرء بسهولة بأن الشعب أصبح مسيسا من رأسه إلى أخمص قدميه، وليس هناك من لا يتحدث في السياسة والمطالب الإصلاحية من الشيخ الكبير إلى الطفل الصغير، بل إن الساحة أصبحت تولد أجيالا متفجرة، مع أنها لم تحضر الانتفاضة، حيث كانوا أجنة أو أطفالا. والجميع يطرح مطالب التسعينات نفسها وهي كما ذكرها المرحوم الجمري في إحدى خطبه بقوله: «إن أهداف هذا التوجه واضحة معتدلة موضوعية، لا تريد إسقاط الحكم ولا زعزعة الأمن، بل كل ما تريده تحقيق الأمن والاستقرار، وما هي هذه الأهداف؟ إنها كما أعلنت مرارا وتكرارا تفعيل الدستور (يقصد دستور العام 1973)، وعودة الحياة النيابية (يقصد برلمانا كامل الصلاحيات وليس الحالي)، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، وعودة المبعدين ..[2]». كما ذكرنا فالجميع مازال يطالب بمطالب التسعينات، المطالب الحقيقية لا المشوهة التي أعطيت لكسب الرأي العام العالمي، وعليه فحبا للوطن ؟ والحال هذه ؟ فإن أي عاقل، يدعو السلطة للعودة للإصلاح الحقيقي والجلوس لطاولة الحوار بدلا من الحلول الأمنية التي لن تجدي إلا بل تزيد الوضع تأجيجا، وتولد أجيالا متفجرة جيلا بعد جيل. فالجذوة اشتعلت منذ زمن وبقيت تحت الرماد، لا يطفئها إلا تحقيق المطالب بذاتها، لأجل هذا الوطن الغالي.. فرفقا به.[1] سورة البقرة (195)[2] راجع: كتاب «دعاة حق وسلام»: خطبة الجمعة بتاريخ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني ,1995 ص 45 - كاتبة بحرينية
اضف تعليقاً المزيد من مقالات الكاتب السيرة الذاتية للكاتب مراسلة الكاتب
التعليقات
تعليق #1
أب هو لألوان عدة، أحاطها بسماحته، احتواها، احتضنها، واضفى عليها جميعاً لمسة من ذاته، على خلاف ما هو مألوف في ثقافتنا الساجدة من ثقل الأوزار. ياسمين روحه يطوقنا بعمق ...
رباب الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #2
عفية على الأقلام الواعية المدركة التواقة لقول الحق عشتي ياعفافيابنت العفاف والوقارلقد أبكاني المقال وحلق بي الى ذلك الملاك الساحرذو القلب الحاني و الأب الكبيررحمك الله ياوالدي يا أباجميل شكرا عفاف تحياتي
بوحمود الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #3
كلمات قائدنا الراحل "الجمري" يرحمه اللهأقول بحرارة: نحن ندَّعي أننا أبناء علي(ع) فإذا كنَّا نحن أبناء علي حقَّاً فيجب أن نسير على خطِّه، ونتقيَّد بتعاليمه. لا يمكن أبداً لمن يظلم أو يسرق أو يُفرِّق أن يقول أنه من أبناء علي(ع)، هذا ليس خط علي(ع) بل هو خط الشيطان!! وشتَّان بين الخطين. ويهمنا أن نُركِّز على النتائج، والجوهر، وسلامة الخط، وصحَّة الأسلوب، بعيداً عن العناوين والمُسمَّيات. لا تقولوا أنا من خط فلان ،وزيدٌ من خط فلان ، كيف ذلك وكلُّنا أبناء علي(ع)؟ ما يهمنا هو أن نبتعد كلَّ البعد عمَّا يُفرِّقنا ويخلق الفتن بيننا. من حديث الجمعة 7/12/2001موتسلمي اختي عفاف على المقال الاكثر من رائع والمعطر بأسم قائدنا الراحل والباقي في قلوبنا "ابا جميل"
واحد من الوطن الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #4
شكرا استاذتي الكريمه على مقالك فرحمك الله يا ابتي ايهاالشيخ الجليل رحمة من رحيم غفور . وحشرك الله مع من تحبه وتتولاه . ابتي منذ رحيلك وقلبي يعتصر الم . ابيتي منذ رحيلك وقلبي لم يجف من المه ابتي اتمنى ان تاخذني معك ايه الشيخ المبجلرحمك الله
ابو حميد الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #5
رحم الله قائدنا فقد كان قائدا بحق صاحب قلب كبير اتسع لجميع الطوائفله ذكرى خالدة في نفوسنا ولا ينقصمن قدره شيئا ما آلت إليه الأمورفكما لم ينقص شيئا من مقام الإمام الحسن عليه السلام ما قام به معاويةمن نقض للمعاهدة كذلك جمرينا.فليس هو من أخل بما عاهد عليه الناس فلقد قال كلمته ووقف معهاولم يتزلزل قيد انملةرحمه الله وأسكنه فسيح جناجته وحشره مع اهل بيت نبيه (ص)
فارس بني بحرون الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #6
هذا الموضوع يعبر عن أحساس ومشاعر المواطن وهو واقع وحقيقة نلمسها بعد رحيل القائد لان الأمة بحاجة ماسة الى قائد حر يمثل ضميرها ويضحي من أجل حقوقها ويرسم البسمة على شفاه أبنائها من الفقراء والبسطاء وأصحاب الحقوق المسلوبة ، رحمك الله ياشيخنا الجليل وطيب ثراك.
عباس العصفور الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #7
الأخت الفاضلة / عفاف ، تحية لك على هذا المقال وتوضيحك الجميل لما حققه الأب الكبير أبا جميل .اسمحي لي أن أقتبس كلمات كنت قد كتبتها بعد عام على رحيل شيخنا الجمري وتم نشرها في إحدى الصحف المحلية :في يوم ذكراك يا شيخ المجاهدين أقف عند قبرك أقلب في صفحات تاريخك العظيم الحافل بالعطاء ، عطاءٌ قلَّ نظيره ، لن أكتب بلغة الأرقام عن ذلك التاريخ ، فأنت غنيٌ عن التعريف ، فقد شهد القاصي والداني بأنك عالماً ربانياً تغرف العلم من منابعه ، وسياسياً قد علمت الذين لا يفقهون معنى السياسة كيف يكونون ، وكنت اجتماعياً علمتنا معنى حب الآخرين والإحساس بهم فكنت حاضراً بيننا .عذراً أيها الراحلُ الكبير أنت لم تمت لأنك كبيرٌ بعطائك ، جاحدٌ من ينساك ، وجاحدٌ من يقول بفنائك لأنك حاضرٌ بيننا فروحك ترفرف فوقنا وجسدك غائبٌ عنا .حضورنا لتشييع جثمانك قليلٌ من وفاء لك ، وحضورنا في تلك الليلة القارصة لا تساوي ذرة من تضحياتك ، واليوم نجدد هذه الذكرى لرحيل جسدك الطاهر لنقدم جزءاً يسيراً من وفاءك .في يوم ذكراك سأظل أتذكر كلماتك البالغة وحضورك وشخصك الكريم ، وأتذكر ثغرك الباسم في وجه محبيك يا أيها القلب الكبير ، وسأحكي لأبنائي قصة إباءك لأنك علمتني معنى الأبوة ، وجعلتني ابناً من أبنائك ، وسأحكي لهم أنك صافحتني يوماً بكل حنانك وسألتني عن أحوالي ، وسأحكي عن جبينك الذي قبلته يوماً لأنك لم تحني رأسك إلا لله ، وسأكتب إن أمدَّ الله في عمري أنك إنسانٌ تحمل كل معاني الإنسانية ، ورجلاً مقداماً تحمل كل معاني الشجاعة ، ورجلاً معطاء تحمل كل معاني العطاء والتضحيات .إنني لم أرى رجلاً في هذا الوطن أحبه القاصي والداني كحبك ، لقد علمتني كيف أرفع رأسي عالياً وأطالب بحقي ، وعلمتني حب الناس كي يبادلونني المحبة .في يوم ذكراك لن أقول وداعاً أيها الشيخ الكبير لأنك حاضرٌ في ذلك المنبر الحسيني ، وحاضرٌ في تلك الحوزة العلمية ، وحاضرٌ في تلك المؤسسة التوعوية وحاضرٌ في كل المسيرات المطلبية وحاضرٌ بيننا ، أنت في كل قرية أحببت الشعب وقلت يوماً " أني اشتقت إليكم اشتياق يعقوب ليوسف " فأحبوك فكنت يعقوبُ شعبك . هنيئاً لهذا الوطن برجل من رجالاته العلماء رجل الجهاد رجل العطاء رجل المحبة بكل ما يحويه من معاني ، وحزينٌ هذا الوطن لفراقك ، وهنيئاً لتلك الأرض التي دفن فيها ذلك الجسد .
حسن مقداد الأربعاء 24 ديسمبر 2008
في خضم الاحتفالات بالذكرى الثانية لرحيل زعيم انتفاضة التسعينات الشيخ عبدالأمير الجمري، تكثر المداولات والنقاشات والطروحات. قدمت لي مجموعة من الأسئلة في إحدى المنتديات الحوارية بمناسبة الذكرى في احتفال تديره مجموعة من الشابات متحفزات بشدة وذوات مواهب فريدة، فجرتها التجربة فصيرتها واعدة، مثل أخواتهن في مناطق أخرى أيضا موهوبات وطرحن طرحا يتضمن الجواب على سؤالهن ألا وهو: ماذا حققت انتفاضة التسعينات؟ ماذا حققت وقد رجعت الأوضاع لسابق عهدها قبل الانتفاضة وكأن التضحيات كلها قد ذهبت هباء؟ فالدستور وقد تم الانقلاب عليه وقانون أمن الدولة قد عاد بثوب جديد (قانون الإرهاب) بل وأصبحت الأوضاع أسوأ، حيث إنها سابقا كانت سيئة ولكن هذا السوء لم يكن مشهرا ولا مقننا. فالمسيرات كانت ممنوعة لكن ذلك لم يكن معلنا أما الآن فقد منعت تحت قانون التجمعات. والتجنيس السياسي بدأ من التسعينات لكن من دون قانون أما الآن فالتجنيس جار ليل نهار وبقانون وهلم جرى، أجبت باختصار: صحيح كل ما ذكر وأن التجربة الإصلاحية، قد تم التراجع عنها في مهدها منذ أن تم الانقلاب على الدستور، وفتح باب التجنيس السياسي، وشيئا فشيئا أخذت المكاسب في الانحسار حتى نوشك أن ندفن آخرها (حرية التعبير)، وصحيح أن القبضة الحديدية قد عادت وكأن شيئا لم يكن، وصحيح أن الحل الأمني قد لاح في الأفق من جديد بدلا من الحوار، وأن الفساد مازال مستشريا، صحيح كل ذلك إلا أن هناك إنجازا فريدا جدا من نوعه حققته انتفاضة التسعينات على وجه الخصوص، وهو إنجاز لا يمكن سلبه أبدا بل إنه يتجدد وينمو بسرعة كبيرة كلما زاد الضغط ألا وهو (الحس الثوري المطلبي) وأقول بأن هذا إنجاز خاص بانتفاضة التسعينات لأسباب أولها: أن الانتفاضة تزعمها رجال الدين.ثانيا: الإجماع الوطني على مطالبها من كل الطوائف والتوجهات، ثالثا: جماهيريتها الناشئة بسبب تزعم رجال الدين لها، وهذا ليس انتقاصا من النخب الوطنية التي لا ينسى دورها من زمن بعيد، لكن ولكون الشعب متدينا، فإنه لا يتحرك ولا يندفع إلا إذا تحرك رجال الدين خصوصا من ذوي الوزن الثقيل. إن انتفاضة التسعينات غيرت العقلية الشعبية السائدة بنسبة مئة وثمانين درجة، فقبلها كان الوعي السائد لدى الشعب هو: عدم صحة الانجرار وراء الثوريين بل وقد يصل للحرمة، من باب «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»[1] ووجوب التقية (عند الشيعة، وطاعة أولي الأمر عند السنة)، وبأنه علينا أن نبني أنفسنا ونربيها فكريا وسلوكيا. أما السياسة فإنه لم يحن وقتها بعد، فلا يصح التصدي لأي أمر مطلبي سياسي فذلك خلاف للعقل والشرع. الانتفاضة قلبت هذا المفهوم رأسا على عقب بسبب تصدر رجل دين بوزن الجمري لها (ورفاقه)، حيث إن الشارع يعامل الزعماء الدينيين وأفكارهم بقداسة. الآن وبعد أن مضت حقبة التسعينات وتم الانقلاب على الدستور ولاحت في الأفق الحلول الأمنية مرة أخرى، هل يعني ذلك أن الأمر قد انتهى؟ أبدا فبجولة ميدانية سريعة على الاحتفالات المقامة في كل القرى، وبتصفح المواقع الالكترونية وزيارة المجالس والتجمعات الشبابية في القرى والمدن، يدرك المرء بسهولة بأن الشعب أصبح مسيسا من رأسه إلى أخمص قدميه، وليس هناك من لا يتحدث في السياسة والمطالب الإصلاحية من الشيخ الكبير إلى الطفل الصغير، بل إن الساحة أصبحت تولد أجيالا متفجرة، مع أنها لم تحضر الانتفاضة، حيث كانوا أجنة أو أطفالا. والجميع يطرح مطالب التسعينات نفسها وهي كما ذكرها المرحوم الجمري في إحدى خطبه بقوله: «إن أهداف هذا التوجه واضحة معتدلة موضوعية، لا تريد إسقاط الحكم ولا زعزعة الأمن، بل كل ما تريده تحقيق الأمن والاستقرار، وما هي هذه الأهداف؟ إنها كما أعلنت مرارا وتكرارا تفعيل الدستور (يقصد دستور العام 1973)، وعودة الحياة النيابية (يقصد برلمانا كامل الصلاحيات وليس الحالي)، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، وعودة المبعدين ..[2]». كما ذكرنا فالجميع مازال يطالب بمطالب التسعينات، المطالب الحقيقية لا المشوهة التي أعطيت لكسب الرأي العام العالمي، وعليه فحبا للوطن ؟ والحال هذه ؟ فإن أي عاقل، يدعو السلطة للعودة للإصلاح الحقيقي والجلوس لطاولة الحوار بدلا من الحلول الأمنية التي لن تجدي إلا بل تزيد الوضع تأجيجا، وتولد أجيالا متفجرة جيلا بعد جيل. فالجذوة اشتعلت منذ زمن وبقيت تحت الرماد، لا يطفئها إلا تحقيق المطالب بذاتها، لأجل هذا الوطن الغالي.. فرفقا به.[1] سورة البقرة (195)[2] راجع: كتاب «دعاة حق وسلام»: خطبة الجمعة بتاريخ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني ,1995 ص 45 - كاتبة بحرينية
اضف تعليقاً المزيد من مقالات الكاتب السيرة الذاتية للكاتب مراسلة الكاتب
التعليقات
تعليق #1
أب هو لألوان عدة، أحاطها بسماحته، احتواها، احتضنها، واضفى عليها جميعاً لمسة من ذاته، على خلاف ما هو مألوف في ثقافتنا الساجدة من ثقل الأوزار. ياسمين روحه يطوقنا بعمق ...
رباب الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #2
عفية على الأقلام الواعية المدركة التواقة لقول الحق عشتي ياعفافيابنت العفاف والوقارلقد أبكاني المقال وحلق بي الى ذلك الملاك الساحرذو القلب الحاني و الأب الكبيررحمك الله ياوالدي يا أباجميل شكرا عفاف تحياتي
بوحمود الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #3
كلمات قائدنا الراحل "الجمري" يرحمه اللهأقول بحرارة: نحن ندَّعي أننا أبناء علي(ع) فإذا كنَّا نحن أبناء علي حقَّاً فيجب أن نسير على خطِّه، ونتقيَّد بتعاليمه. لا يمكن أبداً لمن يظلم أو يسرق أو يُفرِّق أن يقول أنه من أبناء علي(ع)، هذا ليس خط علي(ع) بل هو خط الشيطان!! وشتَّان بين الخطين. ويهمنا أن نُركِّز على النتائج، والجوهر، وسلامة الخط، وصحَّة الأسلوب، بعيداً عن العناوين والمُسمَّيات. لا تقولوا أنا من خط فلان ،وزيدٌ من خط فلان ، كيف ذلك وكلُّنا أبناء علي(ع)؟ ما يهمنا هو أن نبتعد كلَّ البعد عمَّا يُفرِّقنا ويخلق الفتن بيننا. من حديث الجمعة 7/12/2001موتسلمي اختي عفاف على المقال الاكثر من رائع والمعطر بأسم قائدنا الراحل والباقي في قلوبنا "ابا جميل"
واحد من الوطن الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #4
شكرا استاذتي الكريمه على مقالك فرحمك الله يا ابتي ايهاالشيخ الجليل رحمة من رحيم غفور . وحشرك الله مع من تحبه وتتولاه . ابتي منذ رحيلك وقلبي يعتصر الم . ابيتي منذ رحيلك وقلبي لم يجف من المه ابتي اتمنى ان تاخذني معك ايه الشيخ المبجلرحمك الله
ابو حميد الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #5
رحم الله قائدنا فقد كان قائدا بحق صاحب قلب كبير اتسع لجميع الطوائفله ذكرى خالدة في نفوسنا ولا ينقصمن قدره شيئا ما آلت إليه الأمورفكما لم ينقص شيئا من مقام الإمام الحسن عليه السلام ما قام به معاويةمن نقض للمعاهدة كذلك جمرينا.فليس هو من أخل بما عاهد عليه الناس فلقد قال كلمته ووقف معهاولم يتزلزل قيد انملةرحمه الله وأسكنه فسيح جناجته وحشره مع اهل بيت نبيه (ص)
فارس بني بحرون الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #6
هذا الموضوع يعبر عن أحساس ومشاعر المواطن وهو واقع وحقيقة نلمسها بعد رحيل القائد لان الأمة بحاجة ماسة الى قائد حر يمثل ضميرها ويضحي من أجل حقوقها ويرسم البسمة على شفاه أبنائها من الفقراء والبسطاء وأصحاب الحقوق المسلوبة ، رحمك الله ياشيخنا الجليل وطيب ثراك.
عباس العصفور الأربعاء 24 ديسمبر 2008
تعليق #7
الأخت الفاضلة / عفاف ، تحية لك على هذا المقال وتوضيحك الجميل لما حققه الأب الكبير أبا جميل .اسمحي لي أن أقتبس كلمات كنت قد كتبتها بعد عام على رحيل شيخنا الجمري وتم نشرها في إحدى الصحف المحلية :في يوم ذكراك يا شيخ المجاهدين أقف عند قبرك أقلب في صفحات تاريخك العظيم الحافل بالعطاء ، عطاءٌ قلَّ نظيره ، لن أكتب بلغة الأرقام عن ذلك التاريخ ، فأنت غنيٌ عن التعريف ، فقد شهد القاصي والداني بأنك عالماً ربانياً تغرف العلم من منابعه ، وسياسياً قد علمت الذين لا يفقهون معنى السياسة كيف يكونون ، وكنت اجتماعياً علمتنا معنى حب الآخرين والإحساس بهم فكنت حاضراً بيننا .عذراً أيها الراحلُ الكبير أنت لم تمت لأنك كبيرٌ بعطائك ، جاحدٌ من ينساك ، وجاحدٌ من يقول بفنائك لأنك حاضرٌ بيننا فروحك ترفرف فوقنا وجسدك غائبٌ عنا .حضورنا لتشييع جثمانك قليلٌ من وفاء لك ، وحضورنا في تلك الليلة القارصة لا تساوي ذرة من تضحياتك ، واليوم نجدد هذه الذكرى لرحيل جسدك الطاهر لنقدم جزءاً يسيراً من وفاءك .في يوم ذكراك سأظل أتذكر كلماتك البالغة وحضورك وشخصك الكريم ، وأتذكر ثغرك الباسم في وجه محبيك يا أيها القلب الكبير ، وسأحكي لأبنائي قصة إباءك لأنك علمتني معنى الأبوة ، وجعلتني ابناً من أبنائك ، وسأحكي لهم أنك صافحتني يوماً بكل حنانك وسألتني عن أحوالي ، وسأحكي عن جبينك الذي قبلته يوماً لأنك لم تحني رأسك إلا لله ، وسأكتب إن أمدَّ الله في عمري أنك إنسانٌ تحمل كل معاني الإنسانية ، ورجلاً مقداماً تحمل كل معاني الشجاعة ، ورجلاً معطاء تحمل كل معاني العطاء والتضحيات .إنني لم أرى رجلاً في هذا الوطن أحبه القاصي والداني كحبك ، لقد علمتني كيف أرفع رأسي عالياً وأطالب بحقي ، وعلمتني حب الناس كي يبادلونني المحبة .في يوم ذكراك لن أقول وداعاً أيها الشيخ الكبير لأنك حاضرٌ في ذلك المنبر الحسيني ، وحاضرٌ في تلك الحوزة العلمية ، وحاضرٌ في تلك المؤسسة التوعوية وحاضرٌ في كل المسيرات المطلبية وحاضرٌ بيننا ، أنت في كل قرية أحببت الشعب وقلت يوماً " أني اشتقت إليكم اشتياق يعقوب ليوسف " فأحبوك فكنت يعقوبُ شعبك . هنيئاً لهذا الوطن برجل من رجالاته العلماء رجل الجهاد رجل العطاء رجل المحبة بكل ما يحويه من معاني ، وحزينٌ هذا الوطن لفراقك ، وهنيئاً لتلك الأرض التي دفن فيها ذلك الجسد .
حسن مقداد الأربعاء 24 ديسمبر 2008
في ذكرى الميثاق
عفاف الجمري
مثّل يوم 14 فبراير/ شباط من العام 2001 نقلة نوعية ونهاية لأزمة استمرت سنين طوالاً منذ حل البرلمان في العام 1975 مروراً بأزمات كبرى بين الشعب والحكومة وصلت إلى أوجها في التسعينات.وبالعودة بالذاكرة إلى بوادر الانفراج أذكر عندما بدأ الأمر بإرسال مستشار جلالة الملك في ذلك الوقت الدكتور حسن فخرو للمغفور له الشيخ عبدالأمير الجمري أثناء الإقامة الجبرية ليخبره بنية الملك، فبدأت منذ ذلك الوقت اللقاءات بينه وبين جلالته لأجل التحاور بشأن الإصلاح وبدء صفحة جديدة. وقد اجتمع الشيخ حينها مع ممثلي قوى المعارضة بكل أطيافها ودارت حوارات حتى توصلوا للموافقة على قبول الميثاق ودعوة الشعب للتوقيع عليه بعد أن اشترطوا على السلطة إعطاء ضمانات موثقة بحاكمية دستور 1973 على الميثاق وجعل التشريع في المجلس النيابي فقط من دون الشورى ففعلت ذلك، إلا أن المعارضة في لندن ترددت كثيراً خوفاً من كون الأمر غير جدي أو فيه لعبة سياسية معينة، خصوصاً مع وجود بعض الجمل العائمة في الميثاق التي من الممكن إيجاد تطبيقات لها مخالفة لمطالب الشعب، فيكون الأمر على حسب تعبيرهم كأنه «إمضاء على ورقة شيك بيضاء» لكن أياً كان المحذور ومهما كان مقنعاً، فإن كلا الحكومة والشعب في ذلك الوقت كانوا في حاجة إلى الخروج من عنق الزجاجة، فمن ناحية الحكومة فإنها تريد الاستقرار أولاً، وتنصيع سمعتها الدولية ثانياً.ومن ناحية الشعب، فإن غالبية أفراده في السجون أو المنفى، ومادامت الحكومة قد مدت يدها فإن المصلحة الوطنية هي الأهم وهي فرصة عليهم تجربتها. وتمت الموافقة فأصدر قادة المعارضة الأمر للشعب بالتوقيع بـ «نعم» على الميثاق فجاءت النسبة التاريخية المشهورة 4,98%، وطبعاً وفت الحكومة حينها وقابلت الإحسان بمثله فبيضت السجون للمرة الأولى من كل المعتقلين، وسمحت لجميع المبعدين بالعودة، وأطلق العنان لحرية الصحافة وعشنا حينها عرساً بكل معنى الكلمة. في تلك الأيام أتذكر أن كثرة من المراسلين وممثلي المنظمات الدولية كانوا يقابلون الشيخ الجمري، وفي إحدى المرات بعد أن اجتمعت به مراسلة إحدى القنوات الأجنبية، جلست معي ودار حوار طويل فكنت أقول لها إن شعب البحرين بمنتهى الطيبة يسامح بسرعة وفي الوقت نفسه لا يطلب كثيراً، فعلى سبيل المثال فإن مدينة سترة لو مر بها «جيب شغب» قبل شهر من الآن لتم حرقه، أما الآن فإن الملك بنفسه بينهم وإذا بهم يخرجون جميعاً نساء ورجالاً وأطفالاً وحتى العجائز يهللون لاستقباله حتى حملوا سيارته بصورة لم يضاهيهم فيها أحد (لحد الآن) وأثلجوا قلبه، فضحكت المراسلة وقالت «هذه هي الصورة المعروفة عن العرب من خلال خبرتنا، فأهالي غزة كذلك يرضون بسرعة بالقليل ويتحولون من حالة المواجهة إلى الأفراح والاستقبال بالأحضان في طرفة عين».ثم سألت «هل تعتقدين بأن التمييز الطائفي سينتهي إلى الأبد؟»، فقلت لها «هذا أمر صعب التأكد منه والجزم بشأنه منذ الآن». كان من الممكن أن تستمر هذه الأفراح لحد الآن، ولو سرنا على الوتيرة نفسها لكنا قد وصلنا الآن لمصاف أفضل الدول ديمقراطياً، فما سبب كل الانتكاسات التي بدأت بالتغيير غير المتوافق عليه للدستور والذي أسس لكل ما لحقه من انتكاسات، حيث أسس للتفرد بالتشريع، فتلاه التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية والقوانين المجحفة التي أخذت تمثل التفافاً على الميثاق وعودة للعهد السابق عليه، فمن قوانين الجمعيات والتجمعات والإرهاب إلى قانون الصحافة، هذا غير بقاء ملفات الفساد المالي والإداري والتمييز والمحسوبية على حالها بسبب تشوه آلية المحاسبة (البرلمان). أضف إلى ذلك كله التقرير المثير، وهذا كله طبعاً يسيء لسمعة الحكومة دولياً ويعيد حالة السخط الشعبي.فقد جاء في تقرير مشترك لمؤسسة «كارنيغي» الأميركية غير الحكومية ومؤسسة «فرايد» الإسبانية عن مؤشرات الإصلاح السياسي في دول العالم، غطى التطورات حتى آخر ,2007 أن «التمييز في مملكة البحرين معمول به ضد الأجانب وضد المواطنين وضد المرأة بشكل واسع[1]». وقد فصل التقرير كثيراً بشأن عدم استقلالية القضاء والتمييز الطائفي وعدم عدالة توزيع الدوائر وانخفاض مؤشر حرية الصحافة، وعن طريق منظمة «مراسلون بلا حدود»، فإن البحرين قد حصلت على المرتبة 118 من 169 بلداً، والمؤشر يمتد من المرتبة «1» (الأكثر حرية في الصحافة) إلى 169 (الأقل حرية). لقد افتقدنا أهم صمام أمان وهو الحوار بين الحكومة والمعارضة. فقد كان بداية الإصلاح بين الملك والشيخ الجمري ثم بعد فترة من الانتكاسة حدث ما يشبه الحوار بين جمعيات المعارضة الأربع وبين الحكومة ممثلة في وزير العمل، وهو غير جدي وكأنه لذر الرماد في العيون وانقطع، ولم نرَ شيئاً بعده. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا حدثت هذه الانتكاسة في الإصلاح؟ ومن المسؤول؟ هل هي ضغوط خارجية على الحكومة؟ أم خلافات داخل البيت الواحد الحكومي؟ وإلى متى سيستمر هذا الانحدار؟ ألا من وقفة جريئة من مسؤول حكومي شجاع حكيم يشعر بقيمة هذه السفينة التي إن غرقت أغرقت الجميع معها فيعيد المسيرة إلى جادة الطريق؟[1] يمكن قراءة التقرير في موقع مؤسسة «كارنيغي» على الإنترنت على الرابط: www.carnegieendowment.org* كاتبة بحرينية للتعليق والحوار مع الكاتبة: afaf39474225@gmail.com
اضف تعليقاً المزيد من مقالات الكاتب السيرة الذاتية للكاتب مراسلة الكاتب
التعليقات
تعليق #1
أحسنتي رحم الله والديك وعسي شيخنا الجمري أبا الأحرار في الجنة
نارالبحرين الثلاثاء 19 فبراير 2008
تعليق #2
أعتقد أختي عفاف أنك قد وضعت أصبعك على الجرح فشتان ما بين فرحتنا بالتصويت على الميثاق وبعدها بعام أعتقد أننا طعنا في الظهر أريد لنا أن نسكت برهة حتى يتسنى لهم تمرير ما أرادوا كما أنني أعتقد أنه حتى لو استمر الأصلاح على نفس الوتيرة فان من شأن التجنيس أن ينسفه نسفا وهكذا فبينما ذهبت وعودهم في الهواء كانت هناك طبخة تجري في الخفاء من أجل استبدالنا بشعب آخر ارتأوا فيهم أنهم أكثر ولاء ووطنية منا مقابل أقصائنا وتهميشنا حتى نكون أقلية لا يحق لها المطالبة بأقل أقل حقوقها! وبشأن علامات الأستفهام الأخيرة فيبدو أن خلافات البيت الواحد هي السبب والحل لا يبدو قريبا في الأفق!
جنان الثلاثاء 19 فبراير 2008
تعليق #3
ألا من وقفة جريئة من مسؤول حكومي شجاع حكيم يشعر بقيمة هذه السفينة التي إن غرقت أغرقت الجميع معها فيعيد المسيرة إلى جادة الطريق؟
ابوهبه الثلاثاء 19 فبراير 2008
تعليق #4
للكاتبة / عفاف الجمري ، تحية لك على هذا التحليل لبداية صدور الميثاق وانتهاءها بالانتكاسة التي يسميها البعض ( انقلاب ) وعودة الأوضاع شيئاً فشيئاً إلى الوراء .المتابع للشأن المحلي خصوصاً السياسي منه يلحظ هذا التراجع في تنفيذ ما جاء في الميثاق، مما أعطى دستور 1973 أفضلية بالعودة إليه وممارسة صلاحياته.كانت بوادر الحوار والمصالحة مع بداية العام 2001 قد أينعت ثمارها وقطفت ولكن حالما ذبلت أوراقها شيئاً فشيئا ، بدأت ثمار الانفتاح السياسي بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وباقي المعتقلين وعودة المهجرين وممارسة الحرية الصحافية والتعبير وانتهاء بتفعيل المجلس الوطني المنتخب ( البرلمان ) عبر صناديق الاقتراع .في تلك الفترة كان الجميع يلمس ذلك التغير في الإصلاح ، ولكن بعد فترة وجيزة من ( الانفتاح ) ظهرت قوانين جديدة تحد من ممارسة الحريات وكان من ضمنها تسجيل الجمعيات تحت مظلة قانون وزارة التنمية الاجتماعية ، وما تلاه من قانون الصحافة وقانون المسيرات والتجمعات وغيرها من القوانين التي تضعف ما جاء في الدستور والميثاق.بعد مضي سنوات قليلة على صدور الميثاق وصولاً إلى هذا التاريخ ، دوَّنَ كثير من المراقبين والنقاد والمحللين والسياسيين وحتى عامة الناس حسنات الميثاق وسيئاته التي جاءت بعده ، البعض منهم يصرح بأنه لا يزال يعيش من خيرات الميثاق وينهل من بنوده ، والبعض الآخر منهم يجد فيه تراجعاً عن مبادئه التي جاءت فيه وذلك بإصدار قوانين تحد من صلاحياته وصلاحيات ممثلي الشعب في البرلمان ويحد من الحرية العامة في التعبير .وترى فئة من المراقبين بأن هناك ازدواجية في الحسنات والمساوئ للميثاق، وهناك فئات كبيرة من أفراد المجتمع توجه أصابع الاتهام لأطراف المعارضة بقبولها بالميثاق وتوقيعها عليه.البعض الآخر من السياسيين يبعد أصابع الاتهام عنه، عبر تحليل منطقي يحتاج لمن يتفهم موقفهم من قبول التوقيع على الميثاق، وبقراءة متأنية للظرف الذي سبق التوقيع عليه بعيداً عن العصبية يمكن تفهُّم الموقف.جماعة من المعارضين للتوقيع على الميثاق تنأى بنفسها عن كل تلك المهاترات التي سلمت منها ، عبر رفضها لقبول الميثاق عوضاً عن الدستور السابق .مع كل ذلك أقول للكاتبة / عفاف يبقى السؤال كما جاء في استنتاجك للموضوع ( من المسئول عن هذه الانتكاسة في الإصلاح ؟ ) .نريد مصارحة حقيقية لما يجري على الساحة، ووقفة شجاعة للأطراف المختلفة عبر حوار جدي حقيقي فعال يضع النقاط على الحروف، ليعرف أفراد هذا الوطن إلى أين تسير بهم السفينة ؟ .
حسن مقداد الثلاثاء 19 فبراير 2008
تعليق #5
بيتالشعب و ليس الحكومةكلمة ديمقراطية جاءت من منشئ يوناني قديم ، وتتكون من كلمتين ممتزجتين و هما : (ديموس) و معناها : أمة ، و( كراتوس) و معناها: سلطة ، أي سلطة الأمة ، بمعنى آخر: الأمة هي مصدر السلطات ।وقد حققت الحضارة اليونانية القديمة إنجازات عظيمة على مستوى الفكر و الفلسفة و الحكم و السياسة و بسبب كونها سابقة للحضارة الإسلامية بقرون ( القرن السابع قبل الميلاد) فقد ترجم المسلمون كتبهم إبان النهضة الإسلامية و استفادوا منهم ، أضافوا إليهم في جوانب و انتقدوا و صححوا في أخرى ، و أصبحوا همزة وصل لنقل تراثهم للحاضر ، و بما أن المنظرون الإسلاميون و الفقهاء قد استفادوا من الحضارات السابقة ، خصوصا في مناطق الفراغ التشريعي و بما لا يتعارض مع الثوابت الإسلامية ، فإن من أهم ما استفاد منه( أو التقى معهم فيه ) بعض المنظرين الحديثين للفكر الإسلامي ( مثل آية الله محمد حسين النائيني و غيره )، من المفكرين اليونانيين ، هي نظرية الحكم الديمقراطية ، و هي ذاتها التي أجمع عليها االعالم في العصر الحديث بعد مخاضات مريرة مرت بها الشعوب من الصراع مع السلطات الحاكمة ، و بذلك أصبحت هذه النظرية تقريبا بمثابة مرجعية عامة موحدة لكل شعوب العالم و يحتكم على أساسها و هي المدار الذي ( أو ينبغي أن ) تدور حوله كل الاتفاقيات و القرارات الدولية ، و التي تكالبت كل الدول للتوقيع عليها مع اختلاف سرعة أو بطئ بعضها عن بعض بحسب درجة الضغوط الداخلية و الخارجية الدافعة لها و ذلك سعيا لمواكبة ركب التقدم العالمي ، الذي لم يعد يقبل بأي متخلف عنه ، فأصبحت الكيانات التي تندفع فقط لأجل التجمل في حيرة و تناقض كبيرين و ضغوط داخلية و خارجية أكبر و كلما أمعنت في الخداع كلما غاصت في أزماتها أكثر حتى تصل إلى نقطة التصالح بين ذاتها و شعوبها فتستقر لتمضي قدما في ركب النمو و التطور ।و البحرين مثلها مثل بقية دول العالم حاولت اللحاق بالركب الديمقراطي في فترتين من عمرها الحديث و الانتقال من الحكم القبلي إلى الديمقراطي فقفزت قفزة كبيرة مباشرة بعد الاستقلال بداية السبعينيات و لكن الحكم لم يستطع التأقلم مع هذه القفزة الكبيرة و سرعان ما انكفأ على نفسه و أنهى الحياة البرلمانية و عاد لسابق عهده ،و القفزة الثانية هي التي تلت انتفاضة التسعينيات و سميت بالعهد الإصلاحي و بدأت بخطوات كبيرة ثم فجأة بدأت بالتوقف ثم التراجع التدريجي ، بيد أن المشكلة الآن هي ليست مع الشعب وحده و لكن مع المجتمع الدولي الذي لايقبل بمن يتخلف عن الركب أولا ، و ثانيا و بسبب توقيع البحرين على الاتفاقيات الدولية الداعمة للديمقراطية و حقوق الإنسان و التي من أهمها العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق السياسية و المدنية ، فإن ذلك يعطي صلاحية للمجتمع الدولي أن يقوم بعملية الرقابة على تنفيذ الاتفاقيات بصورة مستمرة و بالطرق التي يرتئيها و هذا هو التحدي ।إن ما حدث في جلسة يوم الثلاثاء الماضي البرلمانية (26/2/2008) ، لهو خروج ليس فقط على الديمقراطية بل حتى على بنود اللائحة الداخلية للمجلس ، وعلى ما فيها من تضييق للعمل البرلماني و تشوهات فإنها لم يتم الالتزام بها ،فبحسب اللائحة ، يمر أي استجواب بثلاث مراحل: الأولى : النظر في الاستجواب من حيث استيفائه للشروط من الناحية الموضوعية و الشكلية و عدم تعارضه مع الدستور طبقا للمادة (145) من اللائحة الداخلية ।الثانية : أن يحال من هيئة المكتب إلى اللجنة المختصة حيث تباشرالاستجواب التفصيلي مع المستجوب ثم تكتب تقريرها و تعرضه على المجلس .الثالثة : يتم التصويت عليه في المجلس من حيث الإدانة فيتم طرح الثقة أو البراءة .و الإدانة تحتاج إلى 27 صوتا(ثلثي الأعضاء) و هذه النسبة لا يمتلكها أحد ، لا نواب المعارضة و لا الموالاة .إن موضوع الاستجواب هذا مشكل ديقراطيا من أوله لآخره ففضيحة بهذا الحجم (التقرير المثير )لاتحتمل الصمت و قد استجاب الجميع لطلب الحكومة بحجة أن الموضوع عند القضاء و مر الوقت و لم يطلع علينا القضاء بشيء، و لم يتناول جميع الجوانب( كالجوانب المالية مثلا ) و كل ما طلع به هو إدانة من سرب الوثائق الخاصة بالتقرير ، و لما ضبطت المعارضة أعصابها و حاولت معالجة الموضوع برلمانيا بدءا بالجوانب المالية و طرحت الموضوع في دور الانعقاد الأول و تم قبوله من قبل هيئة المكتب حيث أوضحت مذكرة المستشار عمر بركات التي وزعت على الصحافة ، سلامة مذكرة الاستجواب من جميع النواحي ووافق الرئيس عليها بل صوت لصالحها و لكن التوقيت لم يكن موفقا حيث انتهى الدور الأول ، و عندما أعيد تقديم الطلب في الدور الثاني تم رفضه بحجة الشبهة الدستورية فكيف يكون ذلك؟ الاستجواب هو نفسه و المحاور هي نفسها و لم يعط الرئيس تفسيرا منطقيا لتغير موقفه ، خصوصا و أن الاستجواب جاء متزامنا مع طلب استجواب الوزير منصور بن رجب و الذي أعطى رسالة خطيرة مفادها أن سبب التغيير هو قرار سياسي أو ضغط وقع على الرئيس مما يعكس خللا في تفعيل أدوات المجلس الرقابية و التي يجب أن تنطبق على كل وزير مهما كان مذهبه أو نسبه سواء كان من العائلة المالكة أو غيرها ، و بغض النظر عن الكتل و توجهاتها و موضوع الاستجواب و جدواه فإن الأهم و الذي ينبغي من الجميع الحفاظ عليه هومبدأ تفعيل الأدوات البرلمانية و أن ماحدث يؤسس لانقلاب على استقلال البرلمان الذي هو بيت الشعب و ليس بيت التجار و لا الحكومة .عفاف الجمري .Afaf
39474225@gmail.com
عفاف الجمري الخميس 6 مارس 2008
عفاف الجمري
مثّل يوم 14 فبراير/ شباط من العام 2001 نقلة نوعية ونهاية لأزمة استمرت سنين طوالاً منذ حل البرلمان في العام 1975 مروراً بأزمات كبرى بين الشعب والحكومة وصلت إلى أوجها في التسعينات.وبالعودة بالذاكرة إلى بوادر الانفراج أذكر عندما بدأ الأمر بإرسال مستشار جلالة الملك في ذلك الوقت الدكتور حسن فخرو للمغفور له الشيخ عبدالأمير الجمري أثناء الإقامة الجبرية ليخبره بنية الملك، فبدأت منذ ذلك الوقت اللقاءات بينه وبين جلالته لأجل التحاور بشأن الإصلاح وبدء صفحة جديدة. وقد اجتمع الشيخ حينها مع ممثلي قوى المعارضة بكل أطيافها ودارت حوارات حتى توصلوا للموافقة على قبول الميثاق ودعوة الشعب للتوقيع عليه بعد أن اشترطوا على السلطة إعطاء ضمانات موثقة بحاكمية دستور 1973 على الميثاق وجعل التشريع في المجلس النيابي فقط من دون الشورى ففعلت ذلك، إلا أن المعارضة في لندن ترددت كثيراً خوفاً من كون الأمر غير جدي أو فيه لعبة سياسية معينة، خصوصاً مع وجود بعض الجمل العائمة في الميثاق التي من الممكن إيجاد تطبيقات لها مخالفة لمطالب الشعب، فيكون الأمر على حسب تعبيرهم كأنه «إمضاء على ورقة شيك بيضاء» لكن أياً كان المحذور ومهما كان مقنعاً، فإن كلا الحكومة والشعب في ذلك الوقت كانوا في حاجة إلى الخروج من عنق الزجاجة، فمن ناحية الحكومة فإنها تريد الاستقرار أولاً، وتنصيع سمعتها الدولية ثانياً.ومن ناحية الشعب، فإن غالبية أفراده في السجون أو المنفى، ومادامت الحكومة قد مدت يدها فإن المصلحة الوطنية هي الأهم وهي فرصة عليهم تجربتها. وتمت الموافقة فأصدر قادة المعارضة الأمر للشعب بالتوقيع بـ «نعم» على الميثاق فجاءت النسبة التاريخية المشهورة 4,98%، وطبعاً وفت الحكومة حينها وقابلت الإحسان بمثله فبيضت السجون للمرة الأولى من كل المعتقلين، وسمحت لجميع المبعدين بالعودة، وأطلق العنان لحرية الصحافة وعشنا حينها عرساً بكل معنى الكلمة. في تلك الأيام أتذكر أن كثرة من المراسلين وممثلي المنظمات الدولية كانوا يقابلون الشيخ الجمري، وفي إحدى المرات بعد أن اجتمعت به مراسلة إحدى القنوات الأجنبية، جلست معي ودار حوار طويل فكنت أقول لها إن شعب البحرين بمنتهى الطيبة يسامح بسرعة وفي الوقت نفسه لا يطلب كثيراً، فعلى سبيل المثال فإن مدينة سترة لو مر بها «جيب شغب» قبل شهر من الآن لتم حرقه، أما الآن فإن الملك بنفسه بينهم وإذا بهم يخرجون جميعاً نساء ورجالاً وأطفالاً وحتى العجائز يهللون لاستقباله حتى حملوا سيارته بصورة لم يضاهيهم فيها أحد (لحد الآن) وأثلجوا قلبه، فضحكت المراسلة وقالت «هذه هي الصورة المعروفة عن العرب من خلال خبرتنا، فأهالي غزة كذلك يرضون بسرعة بالقليل ويتحولون من حالة المواجهة إلى الأفراح والاستقبال بالأحضان في طرفة عين».ثم سألت «هل تعتقدين بأن التمييز الطائفي سينتهي إلى الأبد؟»، فقلت لها «هذا أمر صعب التأكد منه والجزم بشأنه منذ الآن». كان من الممكن أن تستمر هذه الأفراح لحد الآن، ولو سرنا على الوتيرة نفسها لكنا قد وصلنا الآن لمصاف أفضل الدول ديمقراطياً، فما سبب كل الانتكاسات التي بدأت بالتغيير غير المتوافق عليه للدستور والذي أسس لكل ما لحقه من انتكاسات، حيث أسس للتفرد بالتشريع، فتلاه التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية والقوانين المجحفة التي أخذت تمثل التفافاً على الميثاق وعودة للعهد السابق عليه، فمن قوانين الجمعيات والتجمعات والإرهاب إلى قانون الصحافة، هذا غير بقاء ملفات الفساد المالي والإداري والتمييز والمحسوبية على حالها بسبب تشوه آلية المحاسبة (البرلمان). أضف إلى ذلك كله التقرير المثير، وهذا كله طبعاً يسيء لسمعة الحكومة دولياً ويعيد حالة السخط الشعبي.فقد جاء في تقرير مشترك لمؤسسة «كارنيغي» الأميركية غير الحكومية ومؤسسة «فرايد» الإسبانية عن مؤشرات الإصلاح السياسي في دول العالم، غطى التطورات حتى آخر ,2007 أن «التمييز في مملكة البحرين معمول به ضد الأجانب وضد المواطنين وضد المرأة بشكل واسع[1]». وقد فصل التقرير كثيراً بشأن عدم استقلالية القضاء والتمييز الطائفي وعدم عدالة توزيع الدوائر وانخفاض مؤشر حرية الصحافة، وعن طريق منظمة «مراسلون بلا حدود»، فإن البحرين قد حصلت على المرتبة 118 من 169 بلداً، والمؤشر يمتد من المرتبة «1» (الأكثر حرية في الصحافة) إلى 169 (الأقل حرية). لقد افتقدنا أهم صمام أمان وهو الحوار بين الحكومة والمعارضة. فقد كان بداية الإصلاح بين الملك والشيخ الجمري ثم بعد فترة من الانتكاسة حدث ما يشبه الحوار بين جمعيات المعارضة الأربع وبين الحكومة ممثلة في وزير العمل، وهو غير جدي وكأنه لذر الرماد في العيون وانقطع، ولم نرَ شيئاً بعده. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا حدثت هذه الانتكاسة في الإصلاح؟ ومن المسؤول؟ هل هي ضغوط خارجية على الحكومة؟ أم خلافات داخل البيت الواحد الحكومي؟ وإلى متى سيستمر هذا الانحدار؟ ألا من وقفة جريئة من مسؤول حكومي شجاع حكيم يشعر بقيمة هذه السفينة التي إن غرقت أغرقت الجميع معها فيعيد المسيرة إلى جادة الطريق؟[1] يمكن قراءة التقرير في موقع مؤسسة «كارنيغي» على الإنترنت على الرابط: www.carnegieendowment.org* كاتبة بحرينية للتعليق والحوار مع الكاتبة: afaf39474225@gmail.com
اضف تعليقاً المزيد من مقالات الكاتب السيرة الذاتية للكاتب مراسلة الكاتب
التعليقات
تعليق #1
أحسنتي رحم الله والديك وعسي شيخنا الجمري أبا الأحرار في الجنة
نارالبحرين الثلاثاء 19 فبراير 2008
تعليق #2
أعتقد أختي عفاف أنك قد وضعت أصبعك على الجرح فشتان ما بين فرحتنا بالتصويت على الميثاق وبعدها بعام أعتقد أننا طعنا في الظهر أريد لنا أن نسكت برهة حتى يتسنى لهم تمرير ما أرادوا كما أنني أعتقد أنه حتى لو استمر الأصلاح على نفس الوتيرة فان من شأن التجنيس أن ينسفه نسفا وهكذا فبينما ذهبت وعودهم في الهواء كانت هناك طبخة تجري في الخفاء من أجل استبدالنا بشعب آخر ارتأوا فيهم أنهم أكثر ولاء ووطنية منا مقابل أقصائنا وتهميشنا حتى نكون أقلية لا يحق لها المطالبة بأقل أقل حقوقها! وبشأن علامات الأستفهام الأخيرة فيبدو أن خلافات البيت الواحد هي السبب والحل لا يبدو قريبا في الأفق!
جنان الثلاثاء 19 فبراير 2008
تعليق #3
ألا من وقفة جريئة من مسؤول حكومي شجاع حكيم يشعر بقيمة هذه السفينة التي إن غرقت أغرقت الجميع معها فيعيد المسيرة إلى جادة الطريق؟
ابوهبه الثلاثاء 19 فبراير 2008
تعليق #4
للكاتبة / عفاف الجمري ، تحية لك على هذا التحليل لبداية صدور الميثاق وانتهاءها بالانتكاسة التي يسميها البعض ( انقلاب ) وعودة الأوضاع شيئاً فشيئاً إلى الوراء .المتابع للشأن المحلي خصوصاً السياسي منه يلحظ هذا التراجع في تنفيذ ما جاء في الميثاق، مما أعطى دستور 1973 أفضلية بالعودة إليه وممارسة صلاحياته.كانت بوادر الحوار والمصالحة مع بداية العام 2001 قد أينعت ثمارها وقطفت ولكن حالما ذبلت أوراقها شيئاً فشيئا ، بدأت ثمار الانفتاح السياسي بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وباقي المعتقلين وعودة المهجرين وممارسة الحرية الصحافية والتعبير وانتهاء بتفعيل المجلس الوطني المنتخب ( البرلمان ) عبر صناديق الاقتراع .في تلك الفترة كان الجميع يلمس ذلك التغير في الإصلاح ، ولكن بعد فترة وجيزة من ( الانفتاح ) ظهرت قوانين جديدة تحد من ممارسة الحريات وكان من ضمنها تسجيل الجمعيات تحت مظلة قانون وزارة التنمية الاجتماعية ، وما تلاه من قانون الصحافة وقانون المسيرات والتجمعات وغيرها من القوانين التي تضعف ما جاء في الدستور والميثاق.بعد مضي سنوات قليلة على صدور الميثاق وصولاً إلى هذا التاريخ ، دوَّنَ كثير من المراقبين والنقاد والمحللين والسياسيين وحتى عامة الناس حسنات الميثاق وسيئاته التي جاءت بعده ، البعض منهم يصرح بأنه لا يزال يعيش من خيرات الميثاق وينهل من بنوده ، والبعض الآخر منهم يجد فيه تراجعاً عن مبادئه التي جاءت فيه وذلك بإصدار قوانين تحد من صلاحياته وصلاحيات ممثلي الشعب في البرلمان ويحد من الحرية العامة في التعبير .وترى فئة من المراقبين بأن هناك ازدواجية في الحسنات والمساوئ للميثاق، وهناك فئات كبيرة من أفراد المجتمع توجه أصابع الاتهام لأطراف المعارضة بقبولها بالميثاق وتوقيعها عليه.البعض الآخر من السياسيين يبعد أصابع الاتهام عنه، عبر تحليل منطقي يحتاج لمن يتفهم موقفهم من قبول التوقيع على الميثاق، وبقراءة متأنية للظرف الذي سبق التوقيع عليه بعيداً عن العصبية يمكن تفهُّم الموقف.جماعة من المعارضين للتوقيع على الميثاق تنأى بنفسها عن كل تلك المهاترات التي سلمت منها ، عبر رفضها لقبول الميثاق عوضاً عن الدستور السابق .مع كل ذلك أقول للكاتبة / عفاف يبقى السؤال كما جاء في استنتاجك للموضوع ( من المسئول عن هذه الانتكاسة في الإصلاح ؟ ) .نريد مصارحة حقيقية لما يجري على الساحة، ووقفة شجاعة للأطراف المختلفة عبر حوار جدي حقيقي فعال يضع النقاط على الحروف، ليعرف أفراد هذا الوطن إلى أين تسير بهم السفينة ؟ .
حسن مقداد الثلاثاء 19 فبراير 2008
تعليق #5
بيتالشعب و ليس الحكومةكلمة ديمقراطية جاءت من منشئ يوناني قديم ، وتتكون من كلمتين ممتزجتين و هما : (ديموس) و معناها : أمة ، و( كراتوس) و معناها: سلطة ، أي سلطة الأمة ، بمعنى آخر: الأمة هي مصدر السلطات ।وقد حققت الحضارة اليونانية القديمة إنجازات عظيمة على مستوى الفكر و الفلسفة و الحكم و السياسة و بسبب كونها سابقة للحضارة الإسلامية بقرون ( القرن السابع قبل الميلاد) فقد ترجم المسلمون كتبهم إبان النهضة الإسلامية و استفادوا منهم ، أضافوا إليهم في جوانب و انتقدوا و صححوا في أخرى ، و أصبحوا همزة وصل لنقل تراثهم للحاضر ، و بما أن المنظرون الإسلاميون و الفقهاء قد استفادوا من الحضارات السابقة ، خصوصا في مناطق الفراغ التشريعي و بما لا يتعارض مع الثوابت الإسلامية ، فإن من أهم ما استفاد منه( أو التقى معهم فيه ) بعض المنظرين الحديثين للفكر الإسلامي ( مثل آية الله محمد حسين النائيني و غيره )، من المفكرين اليونانيين ، هي نظرية الحكم الديمقراطية ، و هي ذاتها التي أجمع عليها االعالم في العصر الحديث بعد مخاضات مريرة مرت بها الشعوب من الصراع مع السلطات الحاكمة ، و بذلك أصبحت هذه النظرية تقريبا بمثابة مرجعية عامة موحدة لكل شعوب العالم و يحتكم على أساسها و هي المدار الذي ( أو ينبغي أن ) تدور حوله كل الاتفاقيات و القرارات الدولية ، و التي تكالبت كل الدول للتوقيع عليها مع اختلاف سرعة أو بطئ بعضها عن بعض بحسب درجة الضغوط الداخلية و الخارجية الدافعة لها و ذلك سعيا لمواكبة ركب التقدم العالمي ، الذي لم يعد يقبل بأي متخلف عنه ، فأصبحت الكيانات التي تندفع فقط لأجل التجمل في حيرة و تناقض كبيرين و ضغوط داخلية و خارجية أكبر و كلما أمعنت في الخداع كلما غاصت في أزماتها أكثر حتى تصل إلى نقطة التصالح بين ذاتها و شعوبها فتستقر لتمضي قدما في ركب النمو و التطور ।و البحرين مثلها مثل بقية دول العالم حاولت اللحاق بالركب الديمقراطي في فترتين من عمرها الحديث و الانتقال من الحكم القبلي إلى الديمقراطي فقفزت قفزة كبيرة مباشرة بعد الاستقلال بداية السبعينيات و لكن الحكم لم يستطع التأقلم مع هذه القفزة الكبيرة و سرعان ما انكفأ على نفسه و أنهى الحياة البرلمانية و عاد لسابق عهده ،و القفزة الثانية هي التي تلت انتفاضة التسعينيات و سميت بالعهد الإصلاحي و بدأت بخطوات كبيرة ثم فجأة بدأت بالتوقف ثم التراجع التدريجي ، بيد أن المشكلة الآن هي ليست مع الشعب وحده و لكن مع المجتمع الدولي الذي لايقبل بمن يتخلف عن الركب أولا ، و ثانيا و بسبب توقيع البحرين على الاتفاقيات الدولية الداعمة للديمقراطية و حقوق الإنسان و التي من أهمها العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق السياسية و المدنية ، فإن ذلك يعطي صلاحية للمجتمع الدولي أن يقوم بعملية الرقابة على تنفيذ الاتفاقيات بصورة مستمرة و بالطرق التي يرتئيها و هذا هو التحدي ।إن ما حدث في جلسة يوم الثلاثاء الماضي البرلمانية (26/2/2008) ، لهو خروج ليس فقط على الديمقراطية بل حتى على بنود اللائحة الداخلية للمجلس ، وعلى ما فيها من تضييق للعمل البرلماني و تشوهات فإنها لم يتم الالتزام بها ،فبحسب اللائحة ، يمر أي استجواب بثلاث مراحل: الأولى : النظر في الاستجواب من حيث استيفائه للشروط من الناحية الموضوعية و الشكلية و عدم تعارضه مع الدستور طبقا للمادة (145) من اللائحة الداخلية ।الثانية : أن يحال من هيئة المكتب إلى اللجنة المختصة حيث تباشرالاستجواب التفصيلي مع المستجوب ثم تكتب تقريرها و تعرضه على المجلس .الثالثة : يتم التصويت عليه في المجلس من حيث الإدانة فيتم طرح الثقة أو البراءة .و الإدانة تحتاج إلى 27 صوتا(ثلثي الأعضاء) و هذه النسبة لا يمتلكها أحد ، لا نواب المعارضة و لا الموالاة .إن موضوع الاستجواب هذا مشكل ديقراطيا من أوله لآخره ففضيحة بهذا الحجم (التقرير المثير )لاتحتمل الصمت و قد استجاب الجميع لطلب الحكومة بحجة أن الموضوع عند القضاء و مر الوقت و لم يطلع علينا القضاء بشيء، و لم يتناول جميع الجوانب( كالجوانب المالية مثلا ) و كل ما طلع به هو إدانة من سرب الوثائق الخاصة بالتقرير ، و لما ضبطت المعارضة أعصابها و حاولت معالجة الموضوع برلمانيا بدءا بالجوانب المالية و طرحت الموضوع في دور الانعقاد الأول و تم قبوله من قبل هيئة المكتب حيث أوضحت مذكرة المستشار عمر بركات التي وزعت على الصحافة ، سلامة مذكرة الاستجواب من جميع النواحي ووافق الرئيس عليها بل صوت لصالحها و لكن التوقيت لم يكن موفقا حيث انتهى الدور الأول ، و عندما أعيد تقديم الطلب في الدور الثاني تم رفضه بحجة الشبهة الدستورية فكيف يكون ذلك؟ الاستجواب هو نفسه و المحاور هي نفسها و لم يعط الرئيس تفسيرا منطقيا لتغير موقفه ، خصوصا و أن الاستجواب جاء متزامنا مع طلب استجواب الوزير منصور بن رجب و الذي أعطى رسالة خطيرة مفادها أن سبب التغيير هو قرار سياسي أو ضغط وقع على الرئيس مما يعكس خللا في تفعيل أدوات المجلس الرقابية و التي يجب أن تنطبق على كل وزير مهما كان مذهبه أو نسبه سواء كان من العائلة المالكة أو غيرها ، و بغض النظر عن الكتل و توجهاتها و موضوع الاستجواب و جدواه فإن الأهم و الذي ينبغي من الجميع الحفاظ عليه هومبدأ تفعيل الأدوات البرلمانية و أن ماحدث يؤسس لانقلاب على استقلال البرلمان الذي هو بيت الشعب و ليس بيت التجار و لا الحكومة .عفاف الجمري .Afaf
39474225@gmail.com
عفاف الجمري الخميس 6 مارس 2008
Subscribe to:
Posts (Atom)