Thursday, January 10, 2008

منقول

بقلم عادل مرزوق:

يعود تاريخ الرساله الى الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني 1996 اذ كان رهين المعتقل .

يقول الشيخ الجمري في رسالته إلى عائلته:

بسمه تعالى، قرة العين أم جميل، أعزائي وعزيزاتي، فسلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد: فأحمد الله سبحانه على عظيم نعمه علي، ومنها نعمة السجن، لتكفير ذنوبي، وإعلاء درجتي إذا شاء سبحانه، ومواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء، وحصولي على تربية نفسية عالية، وإتاحة فرصته كبيرة لعبادته سبحانه وتلاوة كتابه، فله المنة وله الحمد.
قرة العين، أحبائي، حبيباتي: ما أعظم شوقي إليكم، وما أشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب. وليكن ذلك، وليكن السجن، فما عسى أن يكون مهما عظم بلاؤه - في سبيل الله تعالى، وبسبب قضية عادلة، ومن أجل شعب عظيم وفي سبيل يستحق أن يفدى بأغلى الأشياء.
أحبائي بلغني ما حصل للحبيبة منى - زوجة ابن الشيخ الجمري المهندس محمد جميل عبدالأمير الجمري الذي كان معتقلاً أيضاً لقضاة فترة سجنه لمدة عشر سنوات - من اعتقال شهرين، وذلك بعد الإفراج عنها، وقد كدر هذا وجدي وضاعف ألمي، ولكن ذلك بعين الله تعالى.
بلغني مرض العزيز صادق ورقاده بالمستشفى عشرة أيام، وذلك بعد أن رخص، فلله الحمد والمنة على شفائه، وكفى وكفيتم كل بلاء.
بعد مرور 9 أشهر و12 يوماً في السجن الانفرادي جيء إليّ - بفضل الله ومنه - بالشيخ علي أحمد، فكان كالماء البارد على قلب الظمآن، في الحر الشديد، فلله الحمد والمنة.
أحبائي: لا تقلقوا، فالفرج قريب تلوح أمامي تباشيره ومؤشراته. أجل: سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة... وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا.
تحياتي لكل الأهل والأبناء وأبناء العم والجيران وتحياتي وأشواقي للغائبين جمع الله الشمل معهم، وإلى اللقاء
، يا كل الأحبة، القريب القريب بإذن الله تعالى ودمتم محروسين«.

يقول الكاتب في تعليقه على الرسالة:
في استعراض سريع لفحوى الرسالة لابد من مراعاة ظهور الدلالات المباشرة لمفردات الشق العاطفي لدى الشيخ الجمري ( قرة العين - أحبائي - حبيباتي - للحبيبة »منى« - ما أعظم شوقي إليكم، وما أشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب - وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا)، الغريب في الأمر هو أن الرسالة - المهربة - كان من المفترض أن تحتوي على أية قيمة معلوماتية أو سياسية في خضم الظرف الذي كتبت فيه في السجن بعد ما لا يقل عن 9 أشهر و12 يوماً كما تورد الرسالة، لكننا نجد أن الشيخ في رسالته بدا مهتماً ومتأثراً ومبالغاً في تركيزه على الاهتمام بأجواء عائلته. على أن حدود العائلة في خطاب الشيخ هي حدود كبيرة، فهو وإن كان يركز على »زوجة ابنه منى، وابنه المريض صادق، والسجين المهندس محمد جميل« إلا أنه لا عن يغفل ذكر أبناءه الآخرين، يقول الشيخ: »مواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء« كما أنه لا عن عودته مفرداً بل يربط عودته بعودة أبنائه المساجين معه »أجل: سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة«، وفي مجمل هذا التعابير يظهر الشيخ شمولياً في قراءته للعائلة، فالعائلة ليست العائلة المكونة من زوجته وأبنائه وبناته، بل وتشمل زوجاتهم وجميع المعتقلين والمبعدين. وعلى رغم ذلك فإن صوغ الرسالة يوحي بخصوصية عائلية دقيقة، فهو لا يخاطب زوجته إلا واصفاً إياها بـ »قرة العين«، ولا يتحدث عن أبنائه وبناته وزوجات أبنائه إلا بصفات »الأعزة« أو »الأحبة«، يقول الشيخ: »وما أعظم شوقي إليكم«، ومن ظاهر القول فإن الشيخ الجمري كان لا يبدأ جل خطاباته للناس بعد الإفراج عنه إلا بذات الكلمات (اشتقت إليكم اشتياق يعقوب إلى يوسف)، وهو ما يصل إلى أنه كان يؤسس إلى اعتبار إحساسه بالأبوة تجاه أبناء البحرين إحساساً شمولياً كانت دلالته الكبرى ساعة نطقت المحكمة التي شُكلت بسجنه إذ اعتبر ذلك قليل أمام ما يعانيه المستضعفون والمعذبون من أبناء الشعب.
تظهر هذه الرسالة أبعاداً أخرى، وخصوصاً فيما يتعلق بإدراك الشيخ لـ »السجن« بوصفه »نعمة« وبوصفه المكان الملائم للتكفير عن الذنوب، وفي هذا السياق قراءة مختلفة في السياق الأيديولوجي الديني. محتويات الرسالة مضافاً إليها حديثه الطويل عن زوجته »أم جميل« وتضحياتها ووقوفها إلى جانبه في أيام الوجع تستحق منا الوقوف طويلاً، وسيكون لنا أن نقوم بذلك في الأيام المقبلة.
__________________

No comments: