عشرون عاما على وفاة أمير الخطباء في البحرين: الملا عطية بن علي الجمري
عشرون عاما منذ وفاة الملا عطية بين علي الجمري، أمير خطباء البحرين بلا منازع وهو الذي يتردداسمه على كل منبر حسيني في ألف حسينية تغطي أرجاء البحرين، بل يصل الأمر إلى إن أهل البحرين لا يتقبلون الخطيب الحسيني الذي لا يرجع إلى أشعار الملا عطية (أبو يوسف).
ولد الملا عطية في العام 1899م، في قرية بني جمرة الواقعة شمال غرب البحرين، التي ينتمي أهاليها إلى البحارنة الذين قطنوا البحرين قبل الإسلام بقرون عديدة، وينحدر أصلهم إلى اليمن. ولا تزال قبيلة "جمرة" معروفة في اليمن حتى يوما هذا، وقد هاجر بعض أفرادها ضمن الهجرات اليمنية إلى شمال الجزيرة العربية ثم ارتحل بعضهم إلى البحرين وأقاموا في المنطقة المسماة الآن بني جمرة.
كما ارتحل آخرون إلى العراق ولبنان وتوجد جذورهم في لبنان في قرية "أهدن" النصرانية، وأحدهم مؤلف كبير عاش قبل مائتي إلى ثلاثمائة سنة واسمه سركيس الجمري، وله مؤلفات باليونانية كتب عليها اسمه باليونانية "جماريوس". ويعرف عن أهالي بني جمرة في البحرين، امتهانهم (ماضيا) الزراعة والنسيج وصيد السمك واللؤلؤ بالإضافة لانتشار علماء الدين واللغة والقرآن بينهم.
كان جد الملا عطية (عبد الرسول) تاجرا كبيرا في الأقمشة والنسيج وله مكان معروف في المنامة وقد كان يتاجر مع الهند من خلال التجار الهنود المتواجدين آنذاك في البحرين. وبعد وفاة عبد الرسول استلم خمسة من أبنائه تجارته، احدهم كان علي والد الملا عطية والآخر محمد (جد الشيخ عبد الأمير الجمري).
غير أن الأخوة الخمسة لم تنجح تجارتهم في مطلع القرن العشرين وتراكمت عليهم ديون تجارية إلى أحد التجار الهنود، بالإضافة إلى ديون صغيرة أخرى. أحد هذه الديون الصغيرة كان لاحد الأشخاص وقد كان يقدر بمائتي روبية هندية. التاجر الهندي ولمعرفته بعبد الرسول وأبنائه وعلاقته الجيدة معهم سوى الأمور معهم، إلا أن الشخص الاخر اشتكى على أبناء عبد الرسول لدى الشيخ الخليفي الذي كان يحكم المنطقة، وكان ذلك في العام 1909م. كان الشيخ الخليفي يستعين بمجموعات بدوية قاسية تسمى الفداوية وهؤلاء لا يلتزمون بقانون وإنما ينفذون ما يحلو لهم مستغلين أي خلافات شخصية بين أهالي البحرين. وبينما كان أبناء عبد الرسول نائمين هجمت عليهم مجموعة من الفداوية في منتصف الليل ودمرت محتويات منازلهم وصادرت ما وقعت عليه أيديهم واعتقلت محمد بن عبد الرسول، وبدأت بمطاردة علي بن عبد الرسول، إلا أن علي نجا من أيديهم فأخذ زوجته وابنه الصغير (الملا عطية) وهاجر معهم إلى البصرة بالعراق.
أما محمد بن عبد الرسول فقد كان كبيرا وخاف عليه أهله من الموت إذا سحبه الفداوية بالخيل (طريقة الاعتقال المتبعة لديهم انذاك). ولهذا ترجوهم لأخذ ابنه منصور مكانه (منصور هو والد الشيخ عبد الأمير الجمري). وهكذا اقتيد منصور إلى السجن مربوطا بالخيل وبقي هناك شهرين مقيدا طوال الوقت حتى أخذالفداوية ما يريدون. وكان منصور يدرس القرآن ويهتم كثيرا بالطهارة والنجاسة،ولكن مكان سجنه كان هو مكان الخلاء أيضا ولا يسمح له بفك قيده (كما كان الحال لكل معتقل انذاك). ولهذا قام والده محمد بنسج قطع من القماش الثمينة (بشت ومجموعها بشوت) وأعطاها إلى مسؤول السجن للسماح لمنصور بالصلاة في مكان طاهر.
هاجر علي بن عبد الرسول العام 1909، مع ابنه الملا عطية وأنجب مزيدا من الأبناء، وكبر الملا عطية وتزوج طيبة بنت زاير محمد. وطيبة أصلها من البحرين، وكان جدها صاحب مصنع للنسيج في بني جمرة. وفي يوم من الأيام هرب طير من طيور القنص التابع للشيخ الخليفي الذي كان يحكم قرية "القرية"، وبدأ الفداوية يبحثون عن الطير. فقيل لهم أن الطير قد حل على المكان الذي يوجد فيه مصنع النسيج المذكور. فما كان من الفداوية إلا انهالوا عليه بالضرب المبرح وهددوه ن لم يجدوا الطير فسوف يأخذوه ويقتلوه. ولعلمه بظلم الفدواية وعدم رحمتهم ترك بلده وهاجر إلى البصرة هربا من ظلمهم في حال عدم اصطيادهم الطير الذي هرب من شيخهم الخليفي.
تزوج الملا عطية وأنجب ابنه الملا يوسف في المهجر، ثم عاد للبحرين في العام 1919م، بعد أن طرأ تحسن طفيف على الأوضاع في البلاد. وفي البحرين واصل تعليمه الديني على يدي الشيخ الشهيد عبد الله العرب لمدة ثلاث سنوات، حتى استشهد الشيخ عبد الله في العام 1922م. وكان الشيخ عبد الله العرب قد قتل لأنه شجع أهالي باربار على الإدلاء بشهادتهم عندما تعرضت قريتهم لهجوم من قبيلة الدواسر، التي شنت عدة هجمات ضد قرى البحرين لا سيما عالي وباربار. وكانت تلك الهجمات قد شنت لمنع اجراء إصلاحات في البلاد تحد من صلاحيات الفداوية شيوخ آل خليفة وحلفاؤهم أمثال قبيلة الدواسر. بعد استشهاد الشيخ عبد الله العرب، درس الملا عطية على يد الشيخ محسن بن الشيخ عبد الله العرب حتى وفاة الأخير في العام 1937.
وفي حوالي العام 1940 تزوج الملا يوسف بن الملا عطية من سلمى بنت الشيخ عبد الله العرب، كما تزوج قبل ذلك الملا ابراهيم (الاخ الاصغر للملا عطية) من كاملة بنت الشيخ عبد الله العرب، تأكيدا على عمق العلاقة بين العائلتين. بدأ الملا عطية يصعد المنبر الحسيني في العام 1911 (أي منذ كان صغيرا) ، عندما كان بالمحمرة خورمشهر في إيران). وعندما عاد إلى البحرين بدأ يقرأ في مأتم بن زبر منذ العام 1927. كان عندما بدأ الخطابة يتابع المدرسة التي أسسها الملا علي بن فايز في البحرين. وبن فايز أصله عراقي هاجر إلى البحرين في نهاية القرن التاسع عشر وبدأ أول أمره في كتابة الشعر الحسيني ولم يكن لديه مواد للكتابة ولذا كان يكتب الشعر على الرمل الموجود على الأرض. ثم تطورت مدرسته الشعرية وأصبحت هي الأساس للخطابة الحسينية في البحرين.
وعندما جاء الملا عطية إلى البحرين أسس مدرسة أخرى في الخطابة الحسينية، أصبحت هي المسيطرة منذ طباعة الجزء الأول من "الجمرات الودية"، في العام 1953. إلا ان الملا عطية واخلاصا منه للملا علي بن فايز فقد خصص قسم من شعره في الجمرات الودية على طريقة بن فايز.
توفي الملا عطية في العام 1981، في الهند إثر مرض ألم به، رحمه الله وتغمده فسيح جناته وحشره مع الإمام الحسين (ع).
Thursday, January 10, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment