Tuesday, November 18, 2008

الانتفاضة2

اقرأ الحلقة الثانية من ملف "تسعينات البحرين": إرهاصات 1994... والعريضة الشعبية //البحرين
الوسط - حيدر محمد
خريف قاسٍ ومؤلم عاشته البحرين بعد حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وهالة من الإحباط تلاحق كثيراً من الشباب الذين ازدادت أعدادهم، فقدرهم أن يكونوا ضحية، لا لذنب ارتكبوه وإنما لأنهم ولدوا في بقعة جغرافية تنتمي إلى محيط إقليمي ملتهب.ثمانينيات القرن الماضي أشعلت الحس الطائفي في المنطقة العربية والإسلامية بعد الحرب العراقية الايرانية التي استمرت من العام 1980 حتى 1988... وتحول الحس الطائفي الى غربة لدى كثير من شباب الشيعة في البحرين. «أنت شيعي إذن أنت في دائرة المراقبة»... هذه ببساطة مخلفات الثمانينيات.في تلك الفترة لم يكن أحد يجرؤ على المرور بجانب مبنى وزارة الداخلية (القلعة)، لأن القلعة كانت تذكِّر بصنوف من المعاملة الخارجة عن إطار القانون، وممارسات مُحِطَّة بالكرامة، ثمة شباب معتقلون خلف أسوارها يتعرضون لتعذيب ممنهج بحسب تقارير المنظمات الحقوقية الدولية. ولكن الثمانينيات لم تكن سوى بوابة العبور لعقدٍ مرٍّ آخر، هوس الشك يطوِّق عنق كل من يعيش مع بقايا حلم بالإصلاح. زهور قضت تحت التعذيب وعوائل تطرد الى المنافي في العالم من أقصاه إلى أقصاه، تحولت الحياة في الداخل إلى حياة بلا لون وليست ذات معنى، هكذا رآها جزء كبير من شباب الوطن آنذاك الذين كتب عليهم الحرمان في كل شيء تقريباً... من كل شيء... وحتى المتفوقون دراسيّاً لم يجدوا سبيلاً إلى استكمال دراساتهم، لأن البعثات لهذه الشريحة - بشكل عام - باتت في دائرة الممنوعات.حينما خيّم الصمت على كل شيء، وظنت السُّلطة أنها أرعبت وأرهبت وأسكتت كل ذي صوت عالٍ برز في الأفق. غير أن عمامة نفضت غبار السنين لتقود الشارع إلى المطالبة العلنية بالإصلاح، فقد تعلق آلاف الشباب بشخصية المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري الذي نجح في أن يعبر بالوطن إلى مربع جديد من مراحل النِّضال الشَّعبي السِّلمي من أجل الحرية والحياة الدستورية، وذلك من خلال الانفتاح على مختلف الاتجاهات والفئات في المجتمع.ففي وقت أغلقت فيه كل الأبواب تقريباً، فتح الشيخ عبدالأمير الجمري مجلسه للناس، ورفض أن يزوي أو أن ينأى بجانبه... لم يكن يعرف سوى البحرين، وعمامته لم تحُلْ بينه وبين تلاوين الطيف الاجتماعي، فقد شيّد جسراً مع كل التيارات التي جمعها تحت عباءة وطنيته، عازماً مع بضع من رفاقه والمحيطين به أن يخرج الساحة الى أفق رحب من الحوار والتعاون بين الجميع من أجل الصالح العام.«نحن أصحاب قضية»... هكذا حمل الجمري ورفاقه في مطلع التسعينيات شعار المطالبة بالحياة الدستورية كاملة، وعودة المجلس الوطني المنتخب وإغلاق صفحة أمن الدولة، كان رهانه على الناس كبيراً وأكبر من أي شيء آخر. في تلك الفترة بدأت بعض الجدران تحمل شعار: «البرلمان هو الحل»، وجاء هذا الشعار على صفيح ساخن في أجواء أمنية رهيبة، فالتسعينيات ورثت صفحة الثمانينيات التي أرهقت الشارع.قد لا يختلف اثنان في أن العريضة النخبوية في 1992 مثلت نقلة نوعية في تاريخ الحركة الوطنية بصورة عامة، وفي تاريخ حركة الشارع الإسلامي الشيعي في البحرين من مختلف الجوانب. فلو رجعنا إلى ما قبل هذه العريضة، فقد تميزت مرحلة الثمانينيات بأحداث قاسية جدّاً، فالحرب العراقية الإيرانية اشتعلت أوارها، و «إسرائيل» وصلت إلى قلب بيروت، والاحتلال السوفياتي لأفغانستان، والثمانينيات خلَّفت استقطاباً كبيراً (شيعي - سني)، وتنامى المد السلفي بشكل واضح جدّاً، وبرزت ظاهرة «المجاهدين العرب» في أفغانستان، وكان في لبنان مد شيعي جديد متمثل في نشوء حزب الله في منتصف الثمانينيات بعد الغزو الاسرائيلي الذي سبق تلك الفترة.لم تكن البحرين بعيدة عن هذه الأجواء، بل لربما كانت الأكثر تأثراً بما يجري من حولها على أن الساحة كانت مشتعلة أصلاً، فالوضع في الثمانينيات كان قاسياً من الناحية الأمنية على الشارع الشيعي، والثمانينيات شهدت بدء السياسة التمييزية، والشاب الشيعي أصبح محروماً من العمل والسفر والبعثة، وبصورة عامة هو متهم لأنه ضحية لاستقطاب أكبر منه خارج البحرين، واستغل هذا الاستقطاب لممارسة سياسات التهميش، وكان هذا الشارع في مطلع الثمانينيات مرهقاً جدّاً بسبب شدة الضغط الأمني والقمع وسيطرة أجهزة المخابرات على كل شيء.ساحة مقموعة وتعمل في السرِّ وعدة حركات سرية ضربت في الساحة البحرينية وكانت الشعارات والأجندة المطروحة على الأرض مختلطة، فهناك مؤثرات آتية من الخارج بسبب الأحداث. وفي نهاية الثمانينيات مع انتهاء الحرب كان سعر برميل النفط قد انخفض وكان الوضع الاقتصادي سيئاً وازدادت البطالة وانتهت الحرب العراقية الإيرانية، ولكن لم تنجلِ غبارها. التغييرات الدراماتيكية تتعاقب، وخصوصاً بعد غزو الكويت في صيف 1990، فقد أدى هذا الغزو إلى انهيار مفاهيم السياسة الإقليمية وتغيرت منظومة «التَّضامن العربي» الذي كان سائداً ذي قبل على المستوى النظري على الأقل، وكانت هذه الدول الخليجية تمد العراق بالأموال من أجل ضرب إيران ولكن عادت الأموال التي دفعوها باحتلال الكويت عكساً لتكوي هذه الدول.أميركا تدخل «جزيرة العرب»اضطرت دول المنطقة بعد غزو الكويت في 2 أغسطس / آب 1990 إلى السماح لأميركا بدخول أراضيها، فتغيرت المفاهيم بل المعادلات تماماً، وحتى اليسار تغيرت منظومته لأن انهيار الاتحاد السوفياتي وانفراد أميركا بقيادة العالم مع جورج بوش الأب مباشرة بعد أن سقط المعسكر الشرقي أوجد عالماً ذا قطب واحد، كما تحركت الحركات الإسلامية الشيعية والسنية على حد سواء باتجاهات مختلفة.الحركات اليسارية تجاوزت مفهوم التجاذب والاستقطاب بين الشرق والغرب، لأن أميركا أصبحت متحكمة في المشهد الدَّولي لوحدها، فسارعت بعض النخب اليسارية والوطنية والاسلامية إلى تبني منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، وأصبح هذا هو الخيار الأكثر واقعية المطروح على الساحة، كما تبنت هذه القوى الأجندة الدولية الجديدة المتمثلة بتفعيل دور المجتمع المدني وحماية البيئة وحقوق المرأة ومنع الانفجار السكاني، الخ. وبدأت النزعة الواقعية لدى النخب تسيطر بدلاً من الأيديولوجية المعهودة. وكان للإسلاميين قصتهم أيضاً، فالاتجاه الإسلامي السني بدا في مطلع الثمانينيات مع أفغانستان، وساندت دول الخارج وأميركا وبريطانيا باكستان لشن عمليات جهادية ضد المحتل السوفياتي، ولكن الاحتلال السوفياتي سقط وخرج من أفغانستان... ولكن كل البنية التحتية من تمويل وقواعد للمجاهدين ومدارس دينية بقيت موجودة، وكلها كانت حليفة أميركيّاً وبريطانيّاً وباكستانيّاً ومدعومة خليجيّاً، ولكن عندما غزا صدام الكويت وجاءت أميركا إلى أرض الجزيرة العربية وجد بعض الحركات السلفية - الجهادية أنهم في حيرة من أمرهم، وبدا لهم أن أميركا جاءت إلى جزيرة العرب لاحتلالها، وإذا كان الاتحاد السوفياتي قد خرج من أفغانستان فإن أميركا أتت إلى الخليج، فانقلبت البوصلة لدى الأفغان العرب ضد أميركا، وهذا تغير استراتيجي غير مسبوق، ونشأ تنظيم القاعدة على هذه الفلسفة لاحقاً.الاتجاه الإسلامي الشيعي عاش فصولاً من التغيرات التاريخية هو الآخر، ففي الثمانينيات اهتزت المنطقة بزلزال الثورة الإسلامية في إيران، وكان هذا السبب مضافاً إلى أسباب أخرى كفيل بالإجهاز من قبل حكومات المنطقة على كل التحركات السياسية الشيعية، فعلى المستوى الإقليمي ضربت التنظيمات الشيعية المتحركة في كل الوطن العربي ماعدا لبنان، فقد ضرب حزب الدعوة في العراق وصفيت قياداته تصفية جسدية، ومع انتهاء الثمانينيات لم تبقَ إلا أطلال حزب الدعوة، وتجمع العراقيون في إيران وأسسوا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية.ضرب التنظيمات الشيعيةشيعة الخليج لم يسلموا من هذه الحملة، ففي دول الخليج تفتت كل المؤسسات العلنية تقريباً، والضربة الأمنية قضت على التنظيمات السياسية الشيعية ... ففي الكويت مثلاً عطلت جمعية الثقافة الاجتماعية وكذلك دار التوحيد، وفي البحرين أغلقت السلطة جمعية التوعية الإسلامية في 1984وطوردت النشاطات الإسلامية وتم التشديد على مراقبة المساجد ومنعت الاجتماعات وأصبح كل شيء خاضعاً تحت المجهر أكثر من أي وقت آخر. هذه التغيرات على المسرح الإقليمي وانتهاء الحرب العراقية - الإيرانية وغزو صدام للكويت وتأسف دول الخليج على ما فعلته تجاه إيران (لأن صدام انقلب عليها) ودخول أميركا على الخط وإعلانها أن نظاماً عالميّاً جديداً قد بدأ، وأن هذا النظام يتمحور حول الديمقراطية والمفاهيم الملاصقة لها مثل تنشيط المجتمع المدني وتمكين المرأة والمساواة، وأصبحت أميركا وأروبا والمنظمات الدولية وغيرها يتحدثون عن أجندة إنسانية جديدة، وجد الإسلاميون في مناطق عدة أن هذه الأجندة تتوافق مع مطالبهم بل تمثل سقفاً أعلى ومتاحاً بلغة يفهمها العالم، وكانت الحركة الإسلامية الشيعية في مقدمة من تبنى هذه الأجندة.الشيخ الجمري يتصدر الساحةفي مطلع التسعينيات كانت البحرين على موعد مع تغيير طارئ على الساحة، وتمحور هذا التغيير في قطبين:أولاً: قيادة الشيخ عبدالأمير الجمري وهو الذي عرف عنه الانفتاح على كل الاتجاهات الأخرى منذ عمله في المجلس الوطني والمعروف أيضاً بعلاقاته مع مختلف الفعاليات في المجتمع، فالشيخ الجمري لم يكن عضواً في المجلس الوطني فحسب، وإنما قاضٍ في المحاكم الجعفرية، وناشط في الحوزات الدينية وخطيب حسيني سابقاً، وبالتالي فإن شخصيته فرضت حضورها وبرزت ميدانيّاً وأصبح الرجل الأول في الساحة بالنسبة إلى الشارع الإسلامي الشيعي.الشيخ الجمري كانت له المبادرة الأساسية في تبني أجندة سياسية جديدة للشارع الشيعي وهو الذي باشر بالاتصال مع الوطنيين واليساريين الذين وجدوا منه حليفاً ومتنفساً ونافذة مطلة على الشارع المتحرك، وقد سبق الشيخ الجمري غيره من الإسلاميين وكذلك اليساريين في تبني هذه الأجندة.وعلى المستوى الخارجي، فعاصمة الضَّباب احتضنت «مجموعة لندن» التي تتحرك سياسيّاً منذ العام 1982 باسم حركة أحرار البحرين، ونشطائها الذين كانوا ينتمون إلى حزب الدعوة - فرع البحرين الذي انحل في العام 1984، ومنذ ذلك الوقت أصبحت حركة أحرار البحرين تتحرك على محاور عدة أهمها التصدي لمجال حقوق الإنسان كما نشطت في محور الاتصالات السياسية وتوثيق أرشيف متكامل للبحرين من خلال إصدارات شهرية راصدة للأحداث بدقة، وكانت لفترة طويلة الوحيدة التي تتصدى لهذا الأمر.تقاطع الأجندةإن تقاطع الأجندة وتشاطر الأهداف أوجدا التحالف الطبيعي بين قيادة الشيخ عبدالأمير الجمري للساحة ومجموعة لندن، ولاسيما أن أحد القياديين الذين أعادوا تأسيس الحركة في لندن هو ابنه منصور الجمري بجانب آخرين مثل سعيد الشهابي ومجيد العلوي. وقد بدا واضحاً التناغم بين لندن والساحة البحرينية من خلال الشيخ الجمري والمحيطين به الذين قادوا التحالف مع الوطنيين في الدَّاخل. أمَّا في الخارج؛ فحركة أحرار البحرين تولَّت مهمة تنسيق المواقف مع الفعاليات الناشطة في الخارج مثل: الجبهة الشعبية في البحرين بقيادة المناضل عبدالرحمن النعيمي وجبهة التحرير الوطنية البحرانية بقيادة المناضل المرحوم أحمد الذَّواذي وكان الاثنان يقيمان في دمشق التي كانت أيضاً حاضنة لأعضاء الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، وبعضهم الآخر كان مقيماً في الدنمارك، وكذلك «مجموعة طلبة قم المقدسة» الذين كانوا يركزون على الدراسات والعلوم الدينية ولكن كانت لديهم اهتمامات سياسية قريبة من الشارع.وعندما جاء العام 1992 أصبحت هناك أجندة مشتركة بين كل هذه المحاور، فالعريضة النخبوية كانت نتاجاً لتغيرات داخلية وإقليمية ودولية أهمها بروز الحركة الإسلامية الشيعية بقيادة الشيخ الجمري في الدَّاخل وحركة أحرار البحرين في لندن والاتفاق على التحالف مع الوطنيين الأمر الذي توّج بإصدار عريضة 1992، وهذه العريضة أصبحت رئة كبيرة جدّاً وأصبحت منطلقاً كبيراً وجديداً لكثير من الحركات التي وجدت فيها فرصة سانحة لأن تتنفس وأن تخاطب العالم بأجندتها.«حركة أحرار البحرين»«مجموعة لندن» عملت كخلية نحل على أن توصل العريضة النخبوية إلى أوسع نطاق، ونجحت في الوصول إلى مواقع قرار نافذة في البرلمانات الأوروبية ومنظمات حقوق الإنسان المهمة مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وآراتكل نايتين والكثير من المنظمات المهتمة بالدفاع عن حرية التعبير، وكانت هناك منظمات رائدة على اتصال وثيق بمجموعة لندن، بالإضافة إلى قيام مجموعة لندن بتكوين شبكة واسعة من العلاقات مع وسائل الإعلام المهمة وكبريات وكالات الأنباء الدَّولية والصحف وكتاب الأعمدة ومؤسسات البحث والجامعات وتكوين قاعدة معلومات غنية عن البحرين.كل هذه المنابر وصلت إليها حركة أحرار البحرين (في تشكيلتها آنذاك، والتي تختلف عن تشكيلتها الحالية) بفضل نشطائها، وبعض هؤلاء الناشطين معروف ولكن آخرين آثروا العمل كجنود مجهولين، وبذل نشطاء الحركة جهوداً كبيرة لجعل قضية البحرين حية وحاضرة ومتفاعلة في كل المحافل المهمة دوليّاً. وبالفعل فقد كتبت عدة دراسات عليا وبحوث مهمة كانت تقدم في الجامعات والمؤتمرات عن قضية البحرين ما شكل أجندة حقيقية من التحركات السياسية والإعلامية على المستويات كافة، فكانت عريضة 1992 مثلت قمة الإنجاز الذي تحقق بفعل التأطير المنظم والمتجانس بين الشيخ عبدالأمير الجمري ورفاقه وتحالف هؤلاء مع الأطراف الأخرى.المعارضة تجهر بمطالبهاحينما طرحت العريضة النخبوية في العام 1992 دبت حركة جديدة مع بدء مرحلة جسورة من النشاطات العلنية لتحلَّ محلَّ كثير من الأنشطة ذات الطبيعة السريَّة، ففي لندن أصبح هناك لأول مرة من يتحدث رسميّاً باسم المعارضة، فحتى ذلك الحين لم يكن أحد يجرؤ على الإفصاح عن هويته علناً، وحتى قيادات ونشطاء اليسار والإسلاميين كانوا يختارون أسماء وهمية، بينما التطور النَّوعي الذي حدث في لندن بأن نشطاء معارضين بدأوا يتحركون بأسمائهم الحقيقية وأرقام هواتفهم، فهذه المجموعة أضحت ذات مرجعية واضحة، هذه القوة نبعت من الدَّاخل لأن نشطاء لجنة العريضة النخبوية تحركوا بأسماء مشهرة أيضاً، فالتغير المهم إذن هو لا وجود لأسماء مجهولة، فهذه الأسماء لا يمكن النيل منها ببساطة، لأنها أسماء ذات ثقل ولها تاريخ حافل وتنتمي إلى كل الاتجاهات، وبالتالي أصبحت انطلاقة الحركة في البحرين تفوق الحجم الجغرافي والسكاني.كل هذا كان يجري مترافقاً مع تصاعد عدد الناشطين الإسلاميين في البحرين وكثر عدد المتطوعين وتنامى عدد الناشطين من النخب من الاتجاهات الأخرى كالوطنيين واليساريين الذين بدأوا يعملون كجنود مجهولين، وفي هذه الفترة أيضاً بدأت وفود إعلامية تأتي إلى البحرين وتكتب تقارير من الدَّاخل، كما شرعت منظمات حقوق الإنسان في كتابة تقارير عن البحرين التي وجدت سبيلها إلى وكالات الأنباء الدولية.ثمة عوامل مختلفة جعلت من قدرة التواصل بين الناشطين في الدَّاخل والخارج أكثر من ذي قبل، فقد انتشرت الهواتف العمومية كما تمكن الكثيرون من السفر إلى الخارج لتأمين تواصلهم بحرية، كما ازداد استخدام الفاكس لاحقاً وأصبحت وسائل الاتصال متاحة أكثر من ذي قبل (قبل عصر الانترنت). لقد أصبح الهدف معروفاً ومشروعاً ومتفقاً عليه، فتحركت الساحة وبدا أن أجهزة الأمن والاستخبارات ترتبك لأنها لم تكن تتعود على مثل هذه الأنشط النوعية، فأصبحت الساحة تحت المجهر الإعلامي والحقوقي الدولي معاً، فما أن يعتقل أي شخص حتى ينتشر خبره في كل الأرجاء.وثمة تطور آخر مهم حصل أيضاً، فقد أخضعت لجنة حقوق الإنسان في جنيف البحرين إلى المحاسبة السرية في مطلع التسعينيات كما ذكر في الحلقة الماضية، واضطرت الحكومة بسبب ذلك إلى السماح بعودة عدد من المبعدين، وتقليص عدد الاعتقالات.الانطلاقة الشعبيةالاحتضان الشعبي للمعارضة كان سمة مميزة لهذه الفترة، وتعزز تعلق الشباب بالشيخ عبدالأمير الجمري الذي كان اسمه يتصدر العرائض... الانطلاقة الشعبية أصبحت قوية جدّاً وبات هذا المد يزداد يوماً بعد يوم وبدأ ناشطو الدَّاخل في توزيع دستور البحرين للعام 73، كما استثمروا المواسم الدينية للتعبير عن المطالب الدستورية.بدأت لغة جديدة تنتشر في الساحة،غير أن الحكومة لم تبارح أسلوبها السابق، وقد انكسر حاجز الخوف لأول مرة منذ نهاية عقد الثمانينيات، فالناس كانوا قبل ذلك يمرون على مقر وزارة الداخلية (القلعة) وهم خائفون، أما في التسعينيات فأصبح هناك توزيع للمنشورات أمام الشرطة كما حدث في البلاد القديم في 1994، وأيضاً أصبح مندوبو وكالات الإعلام الدولية والاذاعات الدولية ينقلون الخبر من البحرين واضطرت الحكومة إلى طرد معظم المندوبين من البحرين ما أكد لوسائل الإعلام أن هناك شيئاً تود الحكومة أن تخفيه.في الوقت ذاته استمرت حركة أحرار البحرين في إصدار البيانات اليومية ووفرت خدمة خبرية معتبرة في تلك الفترة، في الوقت الذي طرحت لجنة العريضة الشعبية وتصدرها الشيخ الجمري وجمعت نحو 25 ألف توقيع وكان أبطالها ورموزها معروفين.في منتصف العام 1994 فتحت صفحة أخرى من صفحات الحراك الشعبي فقد حدث أول اعتصام للشباب العاطلين عن العمل أمام وزارة العمل في يونيو / حزيران 1994 وكان رد فعل الحكومة مضطرباً جدّاً، لأن الاعتصام كان مفاجئاً، وقد وجهت السلطة اتهاماً إلى الشيخ علي سلمان بأنه وراء هذا الحدث.وفي حديث إلى «الوسط» مع الشيخ علي سلمان عن الوضع في تلك الفترة، قال: «لقد كان هناك غياب للقوى السياسية للدَّولة لصالح القوى الأمنية، فقد كانت هي التي تتعامل مع الشخصيات السياسية والتيارات، وفي هذه الأثناء لم يكن هناك أي نوع من التواصل بين القوى السياسية والنظام، وغياب هذا التواصل أدى إلى أن تكون المعالجات أمنية أساساً... كان هناك نوع من العناد والمقاومة، لكنها انهارت تحت تتالي الضربات الأمنية، فتمت تصفيتها، وبقي نوع من المقاومة المسجدية التي تتميز بآلية معقدة، وهي الاعتماد على الرَّمزية، وعندما يغيب الرَّمز لأي ظرف، تنتقل العملية إلى الشخص الذي يليه...حاولنا الحوار مع السلطة، ولكن الأبواب كانت موصدة، وكان أي توقيع على عريضة يرافقه تهديد وإنذار من البوليس السياسي بالكف عن الموضوع، وكان الأمر عند توقيع العريضة أننا كنا نتوقع أن نعتقل في أية لحظة، ولم تلتقِِ السلطة مع الناس في تلك الفترة إلا لقاءً واحداً لتسلم العريضة، وفي اللقاء قيل للوفد إن هناك تجربة جديدة لمجلس الشورى، وإن على الناس الانتظار حتى تتبين ثمار هذه التجربة الجديدة، فبينت اللجنة أن المجلس الشوروي ليست له علاقة بالبرلمان، ولكن الحوار انقطع هنا. وهنا بدأ الإعداد للعريضة الشعبية، ولكن الشعب يحتاج إلى تثقيف: ما الذي يعنيه البرلمان؟ وما الذي سيعود على الناس منه؟». وأضاف «هنا بدأت حملة توعية مسجدية - وهي الوسائل المتاحة للتواصل في تلك الفترة مع الناس - انطلاقاً من مسجد الخواجة، وغيره من المساجد تحت مظلة «منبر الجمعة»، وكان من أبرز المنشغلين بهذا الأمر من الناحية الدينية الشيعية أشخاص من أمثال الشيخ عبدالأمير الجمري، عبدالوهاب حسين، حسن مشيمع، الشيخ حسن سلطان، الشيخ عادل الشعلة، إضافة إلى المثقفين، وربما استغرب البعض - وخصوصاً من كبار السن - هذا الطرح الذي ربما صعب عليهم فهمه، ولكنه كان الوسيلة الوحيدة للتوعية... وفي الاجتماعات الرَّامية إلى توحيد المواقف فيما بيننا، اتخذنا قراراً بألا تتخذ الاجتماعات طابع السرية، وأن تكون في مجالس معروفة، إذ لم يكن لدينا ما نخفيه أو نخاف عليه، فقد كان الحديث في الشأن الوطني. وبعد العريضة الأولى، بدأ توقيع العريضة الثانية، والكل كان مجمعاً على نبذ العنف واتخاذ الأساليب السلمية في التعبير».العريضة الشعبيةبعد مشاورات عدة تصدرتها رموز الساحة والاتجاهات الفاعلة الممثلة لمختلف فئات المجتمع، انطلقت في أكتوبر / تشرين الأول 1994 العريضة الشعبية، وهي نسخة مطورة من العريضة النخبوية، والفرق أنها طرحت للتوقيع بشكل عام لكل مواطن (ومواطنة) يبلغ من العمر 18 سنة وما فوق. كانت عملية جمع التواقيع بحاجة إلى التواصل الشعبي من خلال المؤسسة الدينية والشرح للحاضرين أهمية ما هم مقدمون عليه، وتم تشكل ما يشبه اللجان في عدد من القرى والمناطق، وهي لجان كانت تنظم نفسها بنفسها، فبدأ جمع التوقيعات يوم السبت، فيما طرحنا العريضة الجمعة بشكل رسمي، بعدها بأسبوعين بدأ متطوعون بحمل العريضة إلى مناطق متعددة للتوقيع.الماراثونفي 25 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1994 كان هناك سباق للماراثون يجري على شارع البديع، إذ إن بعض المشاركات فيه من الأجنبيات يلبسن ملابس لا تتناسب مع قيم المجتمع وثقافته. واعتصم بعض الشباب في ساحة في منطقة القدم، وساروا إلى دوار جنوسان وعادوا من جديد، في هذه الحركة حدث نوع من الاحتكاك مع 3 من المشاركين في الماراثون، هذا الحدث في ذلك التاريخ في البحرين لم يكن مقبولاً، لأن الاعتصام بحد ذاته كان يقع تحت طائلة قانون أمن الدولة، فاعتقل عدد من الشباب، وطبيعة الجهاز الأمني في البحث عن «قضية» ليحمّلها المخالفات القانونية ويرفعها بالتالي إلى المحكمة. وعندما توجهت «الوسط» بالسؤال إلى عدد من الناشطين في تلك الفترة، بدا واضحاً أن قرار مواجهة المارثون اتخذ بصورة شخصية من قبل المنظمين الذين ربما استشفُّوا موافقة ارتجالية من خارج إطار العمل الجماعي المحسوب على تحرك العريضة الشعبية.(... يتبع)العريضة الشعبيةبسم الله الرحمن الرحيمحضرة الفاضل/ صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين حفظه الله ورعاهالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:لقد كانت خطوتكم التاريخية الموفقة في إرساء دعائم دولة البحرين الحديثة بعد الاستقلال بمصادقتكم على الدستور في 6 ديسمبر 1973م واجراء الانتخابات التشريعية علامة بارزة في تاريخ دولة البحرين الحديث وتاريخ المنطقة تؤكد إيمانكم بأهمية المشاركة الشعبية على أساس من الشورى والعدل، لمواجهة متطلبات مستقبل التطور الحضاري لدولتنا الحديثة وتوطيد دعائم مؤسساتها بعزم وثقة لا حدود لها بأبنائها وبأهليتهم لتحمل مسئولياتهم في تنمية البلاد وتوطيد الأمن والاستقرار فيها على أساس من الإخاء والتضامن والتكافل الاجتماعي. واذا كان وطننا قد عانى الكثير بعد حل المجلس الوطني منذ يوم 26-8-1975م وحتى يومنا هذا وتراكمت من جراء ذلك العديد من الرواسب نتيجة تعطيل المسيرة الديمقراطية الرائدة التي افتتحتموها بافتتاحكم أول فصل تشريعي للمجلس الوطني المنتخب، وكان شعبكم حريصاً على ترفير فرص التفكير المتروي لسموكم الكريم في التجربة التي مرت بها دولة البحرين ونتائجها بعد افتتاح المجلس الوطني وبعد حله بموجب المرسوم الأميري رقم 4\1975، فان أملنا كان كبيراً في فتح باب التحاور مع سموكم الكريم حول مستقبل هذا الوطن، عندما تقدمت نخبة من أبناء وطنكم ومن مواطنيكم بالعريضة التي قدمت الى سموكم في 15-11-1992م والتي لخصت مطالبها في عودة المجلص الوطني وفقاً للدستور. وكما تعلمون سموكم فإن مجلس الشورى الذي ارتأيتم تأسيسه بإرادة أميرية لا يسد الفراغ الدستوري الموجود بسبب تعطل أهم مؤسسة تشريعية عن العمل. والحقيقة التي تظهر أمامنا كمواطنينن ومسلمين هي أننا سنكون مقصرين في تحملنا المسئولية ما لم نصارحكم ونصارح فيكم القيادة الحكيمة المؤمنة بما نلمسه من أوضاع غير سوية يمر بها بلدنا في ظروف من المتغيرات الدولية والإقليمية في ظل تعطيل المؤسسة الدستورية، والتي لو انتهى عطلها لكانت خير معين على ايقاف التراكمات السلبية التي تكاد تسد مجرى حياتنا كمواطنين نعيش معاناة متعددة الأوجه في محدودية فرص العمل وتضخم البطالة وغلاء المعيشة وتضرر القطاع التجاري ومشاكل الجنسية والتجنس ومنع العديد من أبنائنا من العودة الى وطنهم، يرافق كل ذلك القوانين التي صدرت منذ غياب السلطة التشريعية التي تحد من حرية المواطنين، وتتناقض مع الدستور، وما رافقها من انعدام حرية التعبير والرأي وخضوع الصحافة للسلطة التنفيذية خضوعاً مباشراً الى جانب الاعلام الموجه من قبلها. وهذه الأمور مجتمعة يا صاحب السمو الكريم هي التي تستحثنا كمواطنين الى المطالبة بعودة المجلس الوطني للعمل مع النظر في اشتراط المرأة في العملية الديموقراطية، وذلك باجراء انتخابات حرة إن ارتأيتم عدم دعوة المجلس الوطني المنحل الى الانعقاد طبقاً للمادة 65 من الدستور التي نصها:«للأمير أن يحل المجلس الوطني بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، ولا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى، واذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل، فان لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله الى أن ينتخب المجلس الجديد».واننا على أمل وثقة في رؤيتكم لعدالة مطالب هذه العريضة التي قصدنا منها الحث على استكمال هيكل دولتنا الفتية، وتقديم العون لقيادتكم الحكيمة على أساس من العدل والشورى والايمان بما أرساه ديننا الاسلامي الحنيف من دعائم متينة اعتمدتها حكمتكم السامية في دستور وطننا الغالي. وأدامكم الله وأدام لكم موفور الصحة والعزيمة، ووفقنا الله وإياكم لما فيه خير وعزة وطننا.اكتوبر 1994
العدد 2230 الثلثاء 14 اكتوبر 2008 الموافق 14 شوال 1429 هــ
طباعة
ارسل لصديق
حفظ
اضف تعليق
Processing, Please Wait
اسم المستلم
*
بريد المستلم
* *

اسمك
*
بريدك الالكتروني
* *

Processing, Please Wait
اسمك
*
بريدك الالكتروني
* *
البلد
اختر البلد البحرين قطر المملكة العربية السعودية الإمارات العربية المتحدة الكويت عُمان مصر العراق إيران الأردن لبنان ليبيا المغرب سوريا تونس اليمن الجزائر إثيوبيا جيبوتي مدغشقر السودان الصومال الإتحاد السوفيتي السلفادور رومانيا يوغسلافيا جنوب أفريقيا زامبابوي السويد سنغافورة الفلبين باكستان بولندا البرتغال برغواي تركيا المملكة المتحدة الولايات المتحدة الأمريكية أورغواي أوزبكستان فيتنام موريتانيا المكسيك ماليزيا موزمبيق النيجر هولندا النرويج نيوزيلاندا سريلانكا كازاكستان اليابان كينيا كمبوديا الدنمارك إسبانيا إيطاليا جامايكا فرنسا بريطانيا العظمى المملكة المتحدة جورجيا غانا اليونان كرواتيا إندونيسا إيرلندا الهند أفغانستان إسلامية. ألبانيا آرمينيا الأرجنتين النمسا استراليا بانغلادش بلجيكا بوركينا فاسو بلغاريا البرازيل كندا الكونغو سويسرا تشيلي كاميرون الصين كولومبيا كوستريكا كوبا قبرص ألمانيا *

عنوان التعليق
*
التعليق
*
function Validatecomm_body(source, arg){
if(arg.Value.length > 500)
arg.IsValid = false;
else
arg.IsValid = true;
}

*

@import url('http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/templates_files/themes/orange/style.css');

Processing, Please Wait

1. رحمك الله ايها المواطن الشريف
بواسطة بحريني ومن كلامة رحمه الله " تعال اليها السني وضع يدك في يد الشيعي من أجل مصلحة ابنائناو وطننا " وبعض الاخوة افكرون ان اصحاب المبادرة يريدون السلطة وهذا ما اركس الجميع في مستنقع التجنيس فهي الآن ليس للسني ولا للشيعي وانما للأجانب هم اصبحو مواطنين ، خلو عنصريتكم تنفعكم جاية الايام او بتسمعون عن اسم معالي الوزير افتب أو اختر والمواطن الأصرلي ادور عمل ومسكن مافي الا الشارع انام فيه؟؟؟؟
2. الجمري
بواسطة ام حسن رحمك الله شيخنا الجليل ذهبت وتركت في قلوبنا وفي ساحة البلاد فراغا لا يملؤه غيرك فنعم الأب انت ونعم العالم كنت اثابك الله عنا حسن المثاب وفرج عنا ببركة نبيك.

No comments: