في ذكرى الميثاق
عفاف الجمري
مثّل يوم 14 فبراير/ شباط من العام 2001 نقلة نوعية ونهاية لأزمة استمرت سنين طوالاً منذ حل البرلمان في العام 1975 مروراً بأزمات كبرى بين الشعب والحكومة وصلت إلى أوجها في التسعينات.
وبالعودة بالذاكرة إلى بوادر الانفراج أذكر عندما بدأ الأمر بإرسال مستشار جلالة الملك في ذلك الوقت الدكتور حسن فخرو للمغفور له الشيخ عبدالأمير الجمري أثناء الإقامة الجبرية ليخبره بنية الملك، فبدأت منذ ذلك الوقت اللقاءات بينه وبين جلالته لأجل التحاور بشأن الإصلاح وبدء صفحة جديدة. وقد اجتمع الشيخ حينها مع ممثلي قوى المعارضة بكل أطيافها ودارت حوارات حتى توصلوا للموافقة على قبول الميثاق ودعوة الشعب للتوقيع عليه بعد أن اشترطوا على السلطة إعطاء ضمانات موثقة بحاكمية دستور 1973 على الميثاق وجعل التشريع في المجلس النيابي فقط من دون الشورى ففعلت ذلك، إلا أن المعارضة في لندن ترددت كثيراً خوفاً من كون الأمر غير جدي أو فيه لعبة سياسية معينة، خصوصاً مع وجود بعض الجمل العائمة في الميثاق التي من الممكن إيجاد تطبيقات لها مخالفة لمطالب الشعب، فيكون الأمر على حسب تعبيرهم كأنه «إمضاء على ورقة شيك بيضاء» لكن أياً كان المحذور ومهما كان مقنعاً، فإن كلا الحكومة والشعب في ذلك الوقت كانوا في حاجة إلى الخروج من عنق الزجاجة، فمن ناحية الحكومة فإنها تريد الاستقرار أولاً، وتنصيع سمعتها الدولية ثانياً.
ومن ناحية الشعب، فإن غالبية أفراده في السجون أو المنفى، ومادامت الحكومة قد مدت يدها فإن المصلحة الوطنية هي الأهم وهي فرصة عليهم تجربتها. وتمت الموافقة فأصدر قادة المعارضة الأمر للشعب بالتوقيع بـ «نعم» على الميثاق فجاءت النسبة التاريخية المشهورة 4,98%، وطبعاً وفت الحكومة حينها وقابلت الإحسان بمثله فبيضت السجون للمرة الأولى من كل المعتقلين، وسمحت لجميع المبعدين بالعودة، وأطلق العنان لحرية الصحافة وعشنا حينها عرساً بكل معنى الكلمة.
في تلك الأيام أتذكر أن كثرة من المراسلين وممثلي المنظمات الدولية كانوا يقابلون الشيخ الجمري، وفي إحدى المرات بعد أن اجتمعت به مراسلة إحدى القنوات الأجنبية، جلست معي ودار حوار طويل فكنت أقول لها إن شعب البحرين بمنتهى الطيبة يسامح بسرعة وفي الوقت نفسه لا يطلب كثيراً، فعلى سبيل المثال فإن مدينة سترة لو مر بها «جيب شغب» قبل شهر من الآن لتم حرقه، أما الآن فإن الملك بنفسه بينهم وإذا بهم يخرجون جميعاً نساء ورجالاً وأطفالاً وحتى العجائز يهللون لاستقباله حتى حملوا سيارته بصورة لم يضاهيهم فيها أحد (لحد الآن) وأثلجوا قلبه، فضحكت المراسلة وقالت «هذه هي الصورة المعروفة عن العرب من خلال خبرتنا، فأهالي غزة كذلك يرضون بسرعة بالقليل ويتحولون من حالة المواجهة إلى الأفراح والاستقبال بالأحضان في طرفة عين».
ثم سألت «هل تعتقدين بأن التمييز الطائفي سينتهي إلى الأبد؟»، فقلت لها «هذا أمر صعب التأكد منه والجزم بشأنه منذ الآن». كان من الممكن أن تستمر هذه الأفراح لحد الآن، ولو سرنا على الوتيرة نفسها لكنا قد وصلنا الآن لمصاف أفضل الدول ديمقراطياً، فما سبب كل الانتكاسات التي بدأت بالتغيير غير المتوافق عليه للدستور والذي أسس لكل ما لحقه من انتكاسات، حيث أسس للتفرد بالتشريع، فتلاه التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية والقوانين المجحفة التي أخذت تمثل التفافاً على الميثاق وعودة للعهد السابق عليه، فمن قوانين الجمعيات والتجمعات والإرهاب إلى قانون الصحافة، هذا غير بقاء ملفات الفساد المالي والإداري والتمييز والمحسوبية على حالها بسبب تشوه آلية المحاسبة (البرلمان). أضف إلى ذلك كله التقرير المثير، وهذا كله طبعاً يسيء لسمعة الحكومة دولياً ويعيد حالة السخط الشعبي.
فقد جاء في تقرير مشترك لمؤسسة «كارنيغي» الأميركية غير الحكومية ومؤسسة «فرايد» الإسبانية عن مؤشرات الإصلاح السياسي في دول العالم، غطى التطورات حتى آخر ,2007 أن «التمييز في مملكة البحرين معمول به ضد الأجانب وضد المواطنين وضد المرأة بشكل واسع[1]».
وقد فصل التقرير كثيراً بشأن عدم استقلالية القضاء والتمييز الطائفي وعدم عدالة توزيع الدوائر وانخفاض مؤشر حرية الصحافة، وعن طريق منظمة «مراسلون بلا حدود»، فإن البحرين قد حصلت على المرتبة 118 من 169 بلداً، والمؤشر يمتد من المرتبة «1» (الأكثر حرية في الصحافة) إلى 169 (الأقل حرية). لقد افتقدنا أهم صمام أمان وهو الحوار بين الحكومة والمعارضة. فقد كان بداية الإصلاح بين الملك والشيخ الجمري ثم بعد فترة من الانتكاسة حدث ما يشبه الحوار بين جمعيات المعارضة الأربع وبين الحكومة ممثلة في وزير العمل، وهو غير جدي وكأنه لذر الرماد في العيون وانقطع، ولم نرَ شيئاً بعده. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا حدثت هذه الانتكاسة في الإصلاح؟ ومن المسؤول؟ هل هي ضغوط خارجية على الحكومة؟ أم خلافات داخل البيت الواحد الحكومي؟ وإلى متى سيستمر هذا الانحدار؟ ألا من وقفة جريئة من مسؤول حكومي شجاع حكيم يشعر بقيمة هذه السفينة التي إن غرقت أغرقت الجميع معها فيعيد المسيرة إلى جادة الطريق؟
[1] يمكن قراءة التقرير في موقع مؤسسة «كارنيغي» على الإنترنت على الرابط: www.carnegieendowment.org
* كاتبة بحرينية
للتعليق والحوار مع الكاتبة: afaf39474225@gmail.com
Saturday, April 19, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment