لقاء مجلة فدك مع سماحة الشيخ الجمري
--------------------------------------------------------------------------------
في هذا العدد التقينا مع سماحة العلامة الشيخ عبد الأمير الجمري ، وقد دار
بين أسرة تحرير المجلة وسماحته الحوار التالي :
سماحة العلامة الشيخ عبد الأمير منصور الجمري حفظه الله ورعاه وسدد خطاه
..
نشكر جهودكم وعملكم في سبيل خدمة الدين والمجتمع المسلم في بلدنا البحرين
.
ونرغب في أن تشاركونا العمل في سبيل وعي أبناءنا من خلال القبول بإجراء هذا
الحوار عبر مجلة فدك ...
************
فدك: نحن بعد أيام قليلة على لقاء مع ذكرى إستشهاد أبي عبد الله الحسين (ع)
؛ ومن هذه الذكرى تأتي فكرة التوظيف الإجتماعي للثورة وذلك من أجل حفظ
مضامين ومشاعر هذه الثورة وإيصالها وتكرارها وتفعيلها لتصل إلـى كل الأجيال
الإسلامية المتعاقبة بكل زخمها وحرارتها وطاقتها .. ومن الوسائل الأساسية
للتوظيف هو المنبر الحسينـي ، فهو يمثل لنا الإحياء العملي المحسوس لهذه
الثورة ، ومن هنا نود أن يكون لقاءنا مع سماحتكم حول المنبر الحسينـي ..
سماحة الشيخ .. هلا تفضَّلتم ببيان مفهوم المنبر؟
الشيخ: مفهوم المنبر يتمحور في عظمته المعنوية والخطيب الذي يرتقيه والخطبة
التي تشد المستمعين إليها، والمستمعين الذين يتحمَّسون للإنشاد وخطبته، ومن
وراء ذلك كلِّه الإدارة الواعية التي تعطي للمنبر أهميته وللخطيب اندفاعه
وحماسه،وللمستمعين انشدادهم وانجذابهم.
فدك: وما هي أهداف المنبر، هل هي ثابتة أم متغيِّرة؟
الشيخ: أهداف المنبر هي أهداف ثورة الحسين(ع) والتي هي هزَّة ضمير وحياة
رسالة، وتثبيت للموقف الشرعي تجاه أية ظاهرة طارئة أو مستحكمة وتحويل
الموقف النظري إلى موقف عملي، ومن أجل أن يتحرَّك الناس ويوقظ وجدانهم
ويُلهب مشاعرهم وعواطفهم تجاه الإسلام وقضاياه المصيرية مثل قضية أهل
البيت(ع)،وبكلمةٍ مختصرة: أهداف المنبر تتمثَّل في الدفاع عن الإسلام وحماة
الإسلام. وهذه الأهداف ثابتة غير متغيِّرة.
فدك: ما هو واقع المنبر فـي مجتمعنا؟
الشيخ: واقع المنبر متأرجح بين ما هو في خدمة الإسلام وحماته ، وبين ما هو
هزيل لا يشبع ولا يُغني من جوع، ويخرج الناس غير مستفيدين بشيء سوى تسجيل
الحضور، وبينهما حالة الوسط، وبكلمة: إنَّ واقع المنبر قابل للصعود
والهبوط، وهنا لا بدَّ من الإلتفات إلى نقطةٍ مهمَّةٍ ، وهي أنَّ المنبر
وعظمته المعنوية مكسب مهم وأمانة عظمى في أعناقنا جميعاً، ولا بد من الحفاظ
عليها والدفاع الجاد عنها حتى يكون المنبر بالمستوى اللائق في خدمة
الإسلام.
فدك: هل هناك ميزة خاصَّة للمنبر الحسينـي على غيـره؟
الشيخ: كل المفردات التي من خلالها يمكن أن نوصل الإسلام وكلمة الحق إلى
أذهان الناس يجب الإهتمام بها، كالمحاضرات قبل أو بعد صلوات الجماعة،
والإحتفالات والمواسم وغير ذلك، ولكن يبقى للمنبر الحسيني دوره الرائد في
خدمة أهداف الإسلام والدفاع عن أهل البيت(ع)، ومن هنا يجب عدم طغيان
المفردات الأخرى على المنبر وعدم تحجيم دوره في حدود معيَّنة فقط، وذلك لما
يمثِّله المنبر الحسيني من احتواءه على فوائد المفردات الأخرى وزيادة، وهي
مسألة التذكير بمصائب أهل البيت(ع) وخصوصاً مصائب الحسين(ع)، لأنَّها ملحمة
الدين العظمى ومصيبته التي ملأت الدنيا أسىً وحرقة وفجيعة ومرارة، واستقطبت
بهولها المصائب والرزايا، والتي جاء فيها في مناجاة موسى بن جعفر(ع)
المرويَّة الكلمة التالية عن الله سبحانه: { يُصاب- أي الحسين(ع)- بمصيبة
تصغر عند ذكرها المصائب}.
فدك: ما المشكلة الحقيقية التـي يعاني منها المنبر الحسينـي؟
الشيخ: المشكلة الحقيقية التي يعاني منها المنبر في بلدنا: بعض الخطباء
الذين لم يدرسوا الإسلام الدراسة الكافية، ولم يفهموا الأهداف الحقيقية
للمنبر،وكذلك بعض إدارات المآتم الذين يُحجِّمون من دور المنبر ودور الخطيب
انطلاقاً من رؤى ضيِّقة.
فدك: كيف نستطيع أن نطوِّر المنبر الحسينـي؟
الشيخ: تطوير المنبر يكون من عدَّة جهات، والجهة الأساس: جهة الخطيب نفسه
الذي يجب أن يكون مرتبطاً بالله تعالى، وذلك لأنَّ هذه القضية ذات أهمية
بالغة في إثبات نجاح أي مشروع،لأنَّها تمثِّل الهدف الأساس لكلِّ عمل
تغييري في المنظور الإسلامي، فالتغيير يكون على أساس موازين الحق، والعدل،
والمصالح الإنسانية الواقعية، وتجنُّب المفاسد والأضرار التي يمكن أن تلحق
الإنسان في سيرته الفردية أو الجماعية، بعيداً عن الأهواء والميول، أو
المصالح الذاتية، أو الطبقية، أو القومية أو الفئوية، أكثرية كانت أو
أقلية. وأن يكون الخطيب ممتلكاً للشرط العلمي، بحيث يمتلك خطة صحيحة ورؤية
واضحة للأهداف والواقع، لا مجرَّد انفعالات عاطفية، وقد قال تعالى: {ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125). وكذلك من جهة أصحاب
المنبر، فإنَّه يجب عليهم الإخلاص لله تعالى والإبتعاد عمَّا يهبط بالمنبر
عن قيمته المعنوية من أمثال الإختلافات على الرئاسة وحب الظهور، ولهذا وحتى
لا تصير المنابر منابر ضرار لا بد من امتلاك الوعي والإيمان والورع من قبل
أصحاب المنبر والقائمين عليه.
فدك: كيف نقيِّم خطيب المنبر؟
الشيخ: أتصوَّر أنَّ ما ذكرته في إجابة السؤال السابق يفي بالجواب.
فدك: هل هناك مؤهلات وقدرات يجب أن تتوافر في خطيب المنبر؟
الشيخ: ونزيد هنا: أنَّه يجب على الخطيب التوفُّر على المعارف والمعلومات
الأولية التأسيسية للفكر الإسلامي في المجالات المختلفة، فقهاً وعقائد
وذكراً وقرآناً وتاريخاً وغير ذلك، وأن يكون متعرِّفاً على قواعد صياغة
الموضوع وتنظيمه وتنسيقه، ,وأن يُنمِّي الحس الإبداعي والتركيز على
استقلاليته الذاتية، ليكون له طابعه الخاص وإبداعه الخاص.
فدك: هل هناك فرق بين مسئولية كل من الخطيب والرادود الحسينـي؟
الشيخ: لكلٍّ من الخطيب والرادود دوره في جذب الناس للإسلام والدفاع عنه
وتقريب الناس إلى ربِّ العالمين والسير على درب الهداة الميامين صلوات الله
عليهم أجمعين،وعرض أطروحتهم، وربط الناس بها.
فدك: ينتقد الكثيـر من المذاهب الأخرى الشيعة بسبب الشعائر الحسينية، فما
هو الهدف من وراء هذه الشعائر؟ ولماذا نحن متمسِّكون بها؟
الشيخ: الهدف من هذه الشعائر هو تجديد وترسيخ العقيدة والدين والقيم
الإلهية والإنسانية، والتمسُّك بها يعني التمسُّك بالإسلام وقادة
الإسلام،ولو لا تلك الشعائر لم نعرف الإسلام، ولقضي عليه من زمنٍ بعيد،
ولهذا دعا أئمَّة أهل البيت(ع) لعقد المجالس للحسين(ع)ومن ذلك قول الإمام
جعفر الصادق(ع):{ رحم الله تلك المجالس التي يُحي فيها أمرنا. أما إنِّي
لأُحبُّها}. وقال الإمام علي بن موسى الرضا(ع) لفُضيل:{ أحيوا أمرنا يا
فُضيل فإنَّ من أحيا أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب}. كما دعوا (ع)
للبكاء والتباكي والندب والجزع على الحسين(ع) وأهل البيت(ع)، وجَعْلِ
الأيام العشرة من المحرَّم أيام حزن، وجَعْلِ يوم العاشر يوم مصيبةٍ وبكاء،
ولعن قتلة الحسين(ع) بعد شرب الماء، بل مطلقاً، والدعاء عند ذكر الحسين(ع)
وزيارته، والسجود على تربته، والإستشفاء بها، وإنشاد الشعر وإنشاءه في
الحسين(ع) وأهل البيت(ع).
فدك: نلاحظ أنَّ الموكب الحسينـي تحوَّل إلى قناة إعلامية لذكر القضايا
العالمية أو الداخلية والتـي تخرج عن مصيبة الإمام الحسين(ع)، هل تُؤيدون
هذا التوجُّه؟
الشيخ:إنَّ اللطم لا ارتباط له بما يقال في القصيدة، لأنَّ اللطم بحد ذاته
أمرٌ مطلوب، ولكن مع ذلك ينبغي التناسق، وأما ذكر قضايا العالم الإسلامي في
القصائد فلا بأس به وإن كان الأجدر أن تُذكر تلك القضايا انطلاقاً من ذكر
مواقف الإمام،ومصائبه، وتعاليمه، ويُلاحظ هنا ضرورة عدم التقليل من ذكر
المناسبة والمصيبة،وأنَّ الأساس والأكثر وفرة هو مصيبة الحسين(ع) وأهل
البيت(ع)، على أنَّه يمكن رفع تلك القضايا وطرحها في المجالات الأخرى أيضاً
كالإحتفالات، والندوات وغيرها.
فدك: ما هو المنظور الشرعي للحن الحسينـي فـي إطاره الجديد؟
الشيخ: لا بدَّ في اللحن:
أ- أن لا يتمظهر بمظهر أداء غير رجولي، ومتَّزن، حتى لا يكون مثيراً للفرح
والطرب، بدلاً من الحزن والخشوع،
ب:أن يكون الإتيان باللَّحن على أسس وقواعد مهارية قابلة للتعليم والتطوير،
ج:أن يكون اللَّحن حيوياً متوافراً على الحسِّ الولائي العاطفي المرهف،
والمخزون الشعوري الصادق، مع الإهتمام بالجانب اللغوي العام.
فدك: كيف نرتقي بالموكب الحسينـي لنجعل منه رمزاً يُجسِّد الثورة الحسينية
بكلِّ معانيها وأهدافها ومعطياتها؟
الشيخ: يمكن لنا أن نرتقي بالموكب بأمور ومنها: الإتزان في التعاطي مع
الألحان والحركات، وعدم تحويل الموكب لساحة الإستعراضات الحركية، وهو ما
يُمثِّل تشويهاً معنوياً وثقافياً لأهداف الموكب ودوره. وبكلمة: المطلوب هو
الإنضباط في إطار حركة حماسية متَّزنة تجمع بين الحماس والتفاعل والإتِّزان
والإنضباط، وتوحي بالحزن الثوري والحماس الشبابي، وتبتعد عن الإسفاف
والتفاهة والتمايل غير اللائق، لأنَّ الموكب يُمثِّل بحركيته وحماسه فدائية
واندفاع أنصار الحسين(ع)، وحماسهم الولائي واندفاعهم نحو التضحية والدفاع
عن القيادة الإسلامية المتمثِّلة في شخص الإمام الحسين(ع) والإسلام
والمقدَّسات، ولا بدَّ من أن يُجعل المقياس الأول هو دعم مسيرة الشعائر
وتحقيقها لأهدافها العاطفية، والثقافية، والإجتماعية، وأن يكون الهدف على
التوفُّر على استفادة الوعي بأكبر قدر ممكن،ومن هنا أرى أنَّ من الخطأ جعل
المقياس هو بعض الإعتبارات غير المنطقية التي يتحرَّك من خلالها بعض
المعزِّين مثل الإنشداد بصورةٍ غير واعيةٍ لإسم المأتم الذي ينطلق منه
العزاء أو إسم المنطقة أو شهرة الموكب أو الرادود، أو كثافة الحضور، كما لا
بدَّ للمعزّين من توفُّر الوعي لأهداف الموكب وفلسفته واهتمامهم بعطاء
القصائد الملقاة ومستواها.
فضيلة الشيخ .. نرجوا أن نكون موفقين في طرح أسئلتنا المتواضعة ، وأن نكون
معكم تحت ظلال عرض ربنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب
سليم
Friday, November 14, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment