اقرأ الحلقة السادسة من ملف "تسعينات البحرين" (1): أبريل 1995... بني جمرة و15 يوماً من طوق الحصار
الوسط - حيدر محمد
لم يكن نبأ حصار المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري (1 - 15 أبريل/ نيسان 1995) ومن ثم إيداعه السجن خبراً اعتيادياً، فقد كان محطة محورية في طريق تفاقم الوضع الأمني في عشرات المناطق، وقد مثل هذا الحدث علامة فارقة منذ انطلاق شرارة الانتفاضة في العام 1994.
الأول من أبريل أو «السبت الأسود» كما يسميه الأهالي هنا... كان يوماً مأساوياً ببني جمرة، فقد شهد سقوط شابين من أبناء القرية وبتر رِجْلِ ثالث، فضلاً عن نحو خمسين جريحاً آخر.
بني جمرة طوت النهار على وقع سيل من الرصاص واقتحام عشرات المنازل، وغابت عنها الشمس بصوت طلقات الرصاص ومسيلات الدموع لم تفارق القرية حتى مطلع الفجر!
فقد كانت بني جمرة ساحة لأحداث دموية ومرعبة... وعاش أهلها 15 يوماً من الحصار المحكم و15 يوماً من المعاناة، ولكن ما ميزها أنها 15 يوماً من التضامن بين الأهالي الذين هبوا احتجاجاً على الإجراءات غير الإنسانية في تعامل السلطات مع كل من في القرية.
فالحصار القاسي الذي فرضته قوات الأمن المدججة في السلاح على الشيخ عبدالأمير الجمري شمل القرية بأكملها...القرية مغلقة بالكامل ومحاطة من كل جانب، ولا يدخلها أحدٌ إلا بعد المرور بتفتيش دقيق عند المنافذ التي نصبتها قوات الأمن التي طوقت القرية.
كثيرة هي القصص وكثيرة هي الروايات وكثيرة هي الجراحات أيضاً، فكل أبناء بني جمرة يتذكرون ذلك اليوم الطويل، كل من في القرية شمله العذاب، ولكن ماذا يقول شهود العيان عن شريط دامٍ عاصروه ولا يزال محفوراً بالذاكرة... لكنه مقرون بطعم تحرك شعبي غير مسبوق، لذلك فإن الحصار كان كفيلاً لاكتشاف صلابة الناس.
حصار قبل مطلع الفجر
ويروي سلمان عطية (شاهد عيان من أبناء بني جمرة) ما واجهه من أحداث خلال هذه الفترة قائلاً: «يمكنني القول إن السلطات الأمنية اختارت الوقت غير المناسب لبدء الحصار على قرية بني جمرة ، لأنه كان قبل أذان الفجر، ففي هذه الفترة كل الناس كانت تتوجه للمساجد، ولذلك فإن قوات الأمن كانت مدهوشة من الجموع الآتية من كل القرية قاصدة جامع الإمام زين العابدين (ع) (القريب من بيت الشيخ الجمري) عن طريقين هما: طريق المقبرة وطريق البر».
ويوضح عطية أن قوات الأمن الكثيفة التي كانت تحاصر الجامع استغربت من هذه الجموع الغفيرة، فتصورت أن ما حدث هو ردة فعل شعبية على قرار الحصار، مع أن الناس كانت تجهل ما كان يحدث أساساً، وكان التصور هو مجرد عملية اعتقال، لأن مسألة الحصار لم تكن معتادة، فظن الناس أنها مجرد اعتقالات.
الطلقات في وجه الجماهير
ويعتقد عطية أن ردة الفعل المباشرة من قبل قوات الأمن كانت هي الأخرى غير متوقعة... فقوات الشغب بادرت بإطلاق الرصاص الحي في كل مكان، وقد لاذ الناس بالفرار وهم مأسورون بهول الصدمة، كما قامت قوات الأمن بإبعاد كل الموجودين في البيوت المجاورة لمنزل الشيخ الجمري حتى تضمن أن يسير مخططها لمحاصرة الشيخ كما خططت له.
ويروي عطية ما شاهده بأم عينيه قائلاً: « لم يكن نبأ اعتقال الشيخ الجمري حدثاً طبيعياً، ولذلك فإن الناس لم تفر إلى بيوتها كما توقعت الشرطة، بيتي كان قريباً من الحدث ولذا فإن أصوات الرصاص كانت تسمع فيه بقوة، لقد وقفت الجماهير محتارة، وتجمّع الناس في منطقة البر (المنطقة القديمة من بني جمرة)، لم تتوقف أصوات الرصاص فأردنا الخروج من المنزل، إلا أن الوالدة وقفت على الباب لتحول بيننا وبين الخروج».
قتلى وجرحى يتساقطون
ويبيّن عطية أن «إطلاق الرصاص استمر لعشر دقائق، وكنا نسمع صوت طلقات مختلفة، وبعد مضي خمس دقائق، سمعنا صوت امرأة تصرخ بقوة... وكانت زوجة محمد صادق العرب الذي بترت رجله في ذلك اليوم... اقتربنا من مزرعتنا القريبة من المنزل، فجاء شخص وجهه مغطى بالدماء، وبالكاد كان قادراً على المشي (جعفر طالب)... أدخلناه في بيتنا ولكننا لم نكن نعلم حتى ذلك الوقت سبب صراخ المرأة».
لم يتمالك عطية نفسه وهو يقص دقائق من الأحداث المؤلمة: «بعد لحظات وجدنا شخصاً آخر ملقياً على الأرض فوق عينيه دائرة سوداء تحوطها نقاط داكنة اللون، كان الجميع في حيرة لمعرفة هذا الشخص، لأن رأسه كان - بفعل النزيف الداخلي - أكبر من كرة قدم، ولاحقاً تعرفنا عليه وكان هو الشهيد محمد جعفر الذي كان يتنفس بشدة، بعدها سرنا خطوات ورأينا شخصاً ملقياً على بطنه وثوبه مسحوبة وكان يئن».
وقد شاهدنا الطلقة التي أصيب بها وكان مضروباً أيضاً، إنه الشهيد محمد علي عبدالرزاق الذي كان مضروباً بعدة طلقات مباشرة... فكان يشتكي من شدة الألم، فالطلقة دمرته لأنها أصابته في موضع حساس، علماً أن الطلقات كانت توجه عن قرب، وبعد إدخاله إلى البيت كان يردد «أسعد، أسعد...»، وكان تشخيص جميع الموجودين انه كان فاقداً للوعي (ولكن عرفنا لاحقاً أنه يردد اسم ابنه)». وبحسب عطية فإن الشرطة كانت قد ضربت هذه المجموعة بصورة مفاجئة، وقد ابتعد الشهيد محمد علي عن هذه المجموعة، إلا أنه بعد إطلاق الرصاص على الشهيد محمد جعفر قرر أن يرجع إليه مرة أخرى، وسرعان ما قد ازدادت جموع الشرطة التي ظهرت بين النخيل فجاءت قوات أمن كثيفة فأطلقت عليه الرصاص، فأردته أرضاً.
مصاب ملقىً وسط نخلة!
ويعود عطية إلى حديث الذكريات بقوله: «بعد عشرين دقيقة عرفنا سبب صراخ المرأة، فزوجها (محمد صادق العرب)... تجمّع الشباب وجرت عملية بحث عن محمد صادق، وبعد ثلث ساعة رأينا زوجها ملقياً في وسط نخلة قرب مزرعتنا، ورأيت تحته بقعة كبيرة من الدم. قمت بالتدقيق في إصابته، إلا أن كسور العظم لمحنا فيها زوايا حادة، حاولت أن أحلل وظننت أنها ضربة أداة حادة، فرأيت أن أطلع على حجم الإصابة... وكانت عدنا سجادة قديمة سميكة فدحرجناه عليها، وهناك شخصان حملهما أحد الأشخاص، وهما الشهيد محمد جعفر وجعفر طالب، بينما الاثنان الآخرين فقد حملتهما في سيارتي «البيكب»، وهما محمد صادق العرب والشهيد محمد علي».
الطريق إلى المستشفى
تحيّرنا إلى أي طريق نسلك - يضيف عطية - بسبب الكثافة الأمنية وكان في نيّتنا أن نذهب إلى المستشفى الدولي، غير أن الرصاص لا يزال يطلق في بني جمرة، وخرجنا إلى قرية المرخ وقد أوقفنا أهالي المرخ وسألونا عما يجري، فشرحنا لهم الوضع، وطلبوا منا التقاط صور للتوثيق، ولكننا رفضنا لشدة الإصابات التي لا تتحمل أي نوع من التأخير، وكان ذلك على الأرجح بعد أذان الفجر ولكن المؤكد أن الشمس لم تظهر بعد...
ويمضي قائلاً: «دخلنا قرية سار واتجهنا نحو دوار سار، إلا أن دوريتي شرطة كانتا واقفتين أيضاً ولكن لحسن الحظ انهما تحركتا بعد قليل وقد، واصلنا السير قاصدين المستشفى الدولي، وعند وصولنا المستشفى استقبلنا رجل أمن مدني كان يسجل أرقام السيارات، وبعد فترة بسيطة وصل الشخص الآخر الذي حمل مصابين آخرين وقد سلك طريقاً آخر».
ولكن ماذا بعد الوصول إلى المستشفى؟ يجيب عطية: « قمنا بإدخال الجرحى الواحد بعد الآخر، وأدخلنا محمد صادق العرب الغرفة ووضعناه على السرير، لحد الآن لم يئنّ، لأنه مازال لا يعلم حجم إصابته، ثوبه كانت مرفوعة... كان واعياً ولكنه في حالة صدمة، عندما وضعناه طلب مني أن يرى مدى إصابته، فأبيت أن أريه إلا انه أصرّ عليَّ ورفع رأسه فساعدته، ورأى رجله فأغمي عليه مباشرة من شدة صدمته من حجم الإصابة.
ويضيف «وعند إدخال جعفر طالب أتت زوجة الشهيد محمد جعفر وكانت موجودة في المستشفى بسبب الاعتداء عليها بالضرب المبرح هي ووالدتها فسمعت صوتنا، وبادرتنا بالسؤال عن زوجها... ارتبكنا، ولكنها أصرت علينا، فقلت لها: «اطمئني، هو تعرض لإصابة كالآخرين»، مردفاً «بعد ذلك، حاولنا أن نرجَع بني جمرة مرة أخرى ولكن «البيكيب» كان مملوءاً بالدماء، لم نتمكن من ذلك، فقد حوصرنا لثلاثة أيام خارج بني جمرة حتى قلَّ التشديد الأمني على كل منافذ القرية فاستطعنا الدخول لبني جمرة من منفذ ثانوي».
«إنهم يريدون أن يعتقلوا الشيخ الجمري»
أما فيصل الخباز (شاهد عيان ومصاب) فيقول: بالنسبة إلى اعتقال الشيخ الجمري فقد كان أمراً متوقعاً، فقد كان الشباب يتوقعون ذلك في أية لحظة، وكانوا يتواصون بالدفاع عن الشيخ الجمري، وفي ليلة السبت كنت عند والدتي إلى وقت متأخرٍ من الليل ومن ثم رجعت إلى حجرتي وألقيت بنفسي. وقبل نحو نصف ساعة من الأذان انتبهت على صوتٍ غريب: «إنهم يريدون أن يعتقلوا الشيخ الجمري».
ويضيف الخباز «كان الصوت حلماً بالنسبة لي، فبادرت ولبست ثوبي للصلاة، وايقظت زوجتي، وقلت لها: إنني أتوقع عدم رجوعي إلى المنزل، فقالت: ولم؟ فأخبرتها أنني أسمع صوتاً يقولون «إنهم سيعتقلون الشيخ الجمري»، نزلت زوجتي خلفي ونزل خلفنا ولدي مهدي وكان صغيراً حينها، وتوجهت إلى الشخص، وكان عبدالأمير عبدالوهاب هو من ينادي في المأذنة».
المقبرة تتحول إلى ثكنة أمنية
ويواصل الخباز حديثه قائلاً: «جاء أستاذ عمران حسين للمنزل، وأخبرنا أن الشيخ الجمري محاصر وأن المنازل تم الاستيلاء عليها وإخراج أهلها، وقد بادرت إلى الخروج رغم معارضة البعض خوفاً علَيَّ، إلا أنني أصريت وذهبت إلى بيت الشيخ الجمري وأثناء مروري بجانب المقبرة متجهاً لمنزل الشيخ، توقفت لأتامّل، وكنت أدقق النظر عند الزاوية للتأمل إلى المقبرة فرأيت حركة غريبة في المقبرة فدققت النظر وإذا بالمقبرة كلها تحوّلت إلى ثكنة أمنية، فتوقفت عن الرواح، وصرت أفكر «ماذا نفعل»؟، فكان القرار أن نكبّر في كل المساجد، فطلبت من أحد الإخوة تشغيل المبكرات الصوتية في جميع المساجد، وبدأنا نتنقل من مسجدٍ إلى آخر للتكبير.
التكبير يصدح من مآذن بني جمرة
وكانت البداية من مسجد الوسطة (أبا ذر الغفاري حالياً) وبدأنا التكبير وتجمع الناس شيئاً فشيئاً، وأخذت المسيرة تتجه إلى المسجد الآخر وهو مسجد الإمام علي(ع)، وفي طريقنا كان بعض الأشخاص يطرقون المنازل ليخبرونهم عن اعتقال الشيخ، والمسيرة يزيد عددها بشكل واسع، وقامت جماعة بالتكبير في مسجد الإمام علي، وعندما وصلنا إلى قرب بيت علي محمد، ونحن متجهين إلى مسجد الخضر، وهنا المسيرة بلغت ذروتها من كثرة المشاركين، الذين وصل عددهم في هذا التجمع العفوي إلى نحو 500 شخص، وكان هذا العدد كبيراً، رغم أنه في وقت الفجر، وعندما وصلنا مسجد الخضر بدأ بعض الأشخاص في المسيرة بترديد بعض الشعارات، إلا أن البعض نهاهم، وأفهمهم أن هدفنا أكبر من مجرد شعارات!
المسيرة تتفرق إلى اتجاهات شتى
ويضيف «عندما وصلنا مسجد الخضر سمعنا أصوات الطلق بكثافة، وبدأت المسيرة تتراجع إلا أن الشهيد محمد علي عبدالرزاق وهو من شهداء يوم السبت الأسود كان مرابطاً، وطلبت منه الخروج من مسجد الخضر، ومسيلات الدموع كانت تضرب فوق المسجد، وهنا تفرقت المسيرة إلى مناطق مختلفة، ولكن القسم الأكبر بقي معنا، ودخلنا إلى الممر القريب من مأتم الانثيعشرية ، وعندما وصلنا زاوية المأتم (الشرقية الجنوبية) هنا أصيب «أسعد» ابن الشهيد محمد علي عبدالرزاق برصاصة في ظهره، ولكن أباه كان قوي الجأش، وحاول أن يهدئه، فأخذ ولده إلى مكان آخر، فاتجهنا إلى البر، وهنا فوجئنا أن كل شبر في القرية تحوّل إلى (معسكر)، ولم يبقَ محل في القرية يمكن الاختباء فيه، الكل بدا محتاراً وهو يبحث عن الوجهة الأنسب».
ولكن عندما رجعت إلى السدرة (سدرة الشيخ كما يعرفها أهالي بني جمرة) حاولت أن أركض فضربوني بالرصاص، ومن حرارة الضربة، لم أتوقف بل سرت مهرولاً إلى أن وصلت بالقرب من مأتم الخضر، فوجدت كراجاً بجانبه سيارة وزحفت ودخلت تحت السيارة، وقد كنت أنزف إلى أن بلغت نفسي الموت، وكان رجائي أن أرى الشيخ الجمري... بعد هذه الخاطرة كأنما ذهب عني كل شيء وكأنني لم أصَبْ فنهضت وذهبت أجري بسرعة».
ويشرح الخباز اللحظات الأخيرة التي رآها في القرية بقوله «تفاجأت مرة أخرى بأن سيارة الشغب نازلة وكنت آتياً من مسجد الخضر متجهاً لمأتم الاثنيعشرية. وكان أمامي برميل للقمامة في الطريق وأنا من سرعتي ضربت البرميل، وهذا المنظر أرهب الشرطي، وأنا لم ألتفت إلى الخلف وواصلت المسير إلى أحد البيوت و طرقت الباب، إلا أن بعض الأبواب لم تفتح خوفاً من ملاحقة الشرطة. فالتفتُّ للخلف ورأيت أن قوات الأمن قد غادرت، وصارت عندي طمأنينة وجئت مسجد الوسطة وتفاجأت بوجود أحد الأشخاص الذي أوصلني إلى منزلي... وقعت على الباب، بينما زوجتي وولدي كانا في المسيرة ولكن لم أكن أعلم عنهما شيئاً، وقد غبت عن الوعي وما أتذكره هو أنني في المستشفى الدولي وانتبهت على السرير، وعندما تقيأت دماً خفّ عني الوجع كثيراً، وصرت في وعيي الكامل، وكنا نسمع أصوات الطلق في محيط المستشفى».
استيقظنا على أصوات الحواجز
أمام منزل الشيخ الجمري
أما جعفر عبدالحسين منصور (جار الشيخ الجمري من جهة الشرق) فيروي لقطات من الحصار المحكم على منزل الشيخ قائلاً: «لقد استيقظنا في يوم السبت الأسود (1 أبريل 1995) في الساعة الثانية والنصف صباحاً على أصوات الحواجز التي ألقتها قوات الأمن في الأرض، وكان ذلك مثار استغراب، ففي بادئ الأمر كانت هناك مضايقات مختلفة للشيخ، نظرت من غرفة السلّم (الدرج) فرأيت قوات الأمن يطوقون بيت الشيخ الجمري، كما داهموا غالبية البيوت الملاصقة لبيت الشيخ، أرادوا عزل الشيخ الجمري، وبدأوا إخراج أبناء الشيخ، كانت قوات الأمن ترصد كل شي، في بادئ الأمر اعتقدنا أنها إجراءات سريعة، ولكن الحواجز جعلتني متيقناً أن الهدف هو فرض إقامة جبرية على الشيخ الجمري وأن المسألة ستطول كثيراً».
يوم استثنائي في تاريخ البحرين
كل شيء كان ممنوعاً، لأنه يوم استثنائي لم يمر ليس فقط على بني جمرة وإنما البحرين من قبل. يضيف منصور «في السادسة صباحاً سمعنا صوت الرصاص عن بعد، وسمعنا التكبيرات أيضاً، وسمعت أحد المسئولين الأمنيين أمام منزل الشيخ يوجه الشرطة إلى ملاحقة الخارجين في القرية، وكنت مستعداً لأن أنقل بناتي إلى المدرسة، وجعلتهن يفتحن الباب أولاً لأختبر رد قوات الأمن الذين طلبوا من بناتي الرجوع إلى المنزل، فخرجت لهم فقال لي أحد المسئولين الأمنيين: ارجع بيتك لا يوجد أي شيء اليوم!».
ويضيف «رجعنا البيت، وكنا نريد الاطمئنان على وضع الشيخ الجمري، لم أذهب الدوام إلا عند الساعة الواحدة عندما طلبت من الشرطة أن أذهب لعملي في أمرٍ شديد الأهمية، وفي العمل تم إخباري عما جرى في القرية».
ويشير منصور إلى أن الطوق الأمني قد أحكم على مجمع المنطقة 539، فقد نصبت العديد من نقاط التفتيش، كانت في البداية نقطتين للخروج والدخول، ولاحقاً اقتصروا على نقطة واحدة، فإذا كان العنوان على المجمع المذكور يسمح لصاحبه بالدخول ويرفض ما سواه، ولا يسمح الدخول إلا في فترات محدودة فضلاً عن تفتيش دقيق للسيارة، فأحياناً بعض المفتشين لا يعرف البطاقة، فيطلب مني جلب تصريح من مركز البديع للدخول إلى القرية. تم التضييق على المنطقة، والتفتيش لم يقتصر على السائق بل شمل جميع ركاب السيارة.
كنا نرى بعض التحركات وقد انقطعت الأخبار عن الشيخ الجمري «لقد كان هاتف منزل الشيخ مقطوعاً، ولم نكن نعرف شيئاً سوى أن منزل الشيخ كان مطوَّقاً بشدة، ومنعوا أيَّ اتصال للشيخ بالعالم الخارجي، والأمر الأكثر غرابة أننا كنا نتلقى الأخبار عن وضع الشيخ الجمري من إذاعة البي بي سي، واستمر الحصار الأول لمدة أسبوعين، وحسب ما كنا نعرفه أن الشيخ رفض أن يتنازل عن كل شيء في مقابل رفع الحصار».
قوات الأمن تسيطر على منزل الشيخ
إلى ذلك يقول مهدي عبدالأمير الجمري: كنت صغيراً، إلا انني بعدما استيقظت من النوم، رأيت قوات الشغب داخل المنزل، في الطابق الأرضي، وفي الطابق العلوي كانت شقة أخي جميل فيها شرفة (بلكونة) وثلاثة من قوات الشغب، وحتى فوق السطح كانوا يقفون مدججين في السلاح ليراقبوا محيط المنزل، فهذا الطوق كان موجوداً في الداخل والخارج، كما أزيلت من المنزل كل الأجهزة والكتب.
وكانوا يحاولون الدخول إلى داخل القاعة التي يوجد فيها الشيخ، كنا لا نستطيع الخروج إلى داخل المنزل، ما أتذكره أن أختي كانت حاملاً وأتوا بممرضة، وكانت خالتي معنا فانحجزت لأسبوعين في داخل المنزل، كنا نسمع طلقات الرصاص، وكانت النافذة مفتوحة، فتألم الوالد من الأخبار السيئة المتوالية من القرية.
ولكن الأخبار السيئة لم تنتهِ برفع الحصار!
العدد 2258 الثلثاء 11 نوفمبر 2008 الموافق 13 ذو القعدة 1429 هــ
Sunday, November 16, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment