Tuesday, November 18, 2008

الانتفاضة6

اقرأ الحلقة السادسة من ملف "تسعينات البحرين" (2):قصة «المبادرة» والحوار بين المعارضة والحكومة في البحرين (أغسطس 1995 - يناير 1996) كما كتبها منصور الجمري في العام 1996
في منتصف أغسطس/آب 1995 انهالت علينا التقارير من داخل البحرين تتحدث عن إطلاق عدد من الرموز القيادية في التحرك الشعبي المطالب بعودة الحياة الدستورية للبلاد. وما هي الا فترة وجيزة حتى اتصل حسن مشيمع ـ احد القياديين الذين أفرج عنهم ـ بنا في لندن يعلمنا انه عازم على السفر إلى الخارج لتبادل وجهات النظر حول المحادثات التي بدأت في السجن بين القيادة الأمنية (ممثلة في المدير العام ايان هندرسون، ووزير الداخلية) وبين خمسة من قياديي التحرك الشعبي (الشيخ عبدالأمير الجمري، حسن مشيمع، عبدالوهاب حسين، الشيخ خليل سلطان والشيخ حسن سلطان).وهكذا دخلت الانتفاضة مرحلة جديدة اتسمت بالأفراح الشعبية ومظاهر الزينة للاحتفال بمئات من المفرج عنهم بعد أن وصلت الأوضاع إلى حال من الاختناق.بدا وكأن البحرين تدشن مرحلة حرية التعبير عن الرأي والحوار بين المعارضة والحكومة. الشكوك والظنون كثيرة وكذلك الآلام والآمال. وهكذا بدأنا في لندن نترقب مجيئ مشيمع والشيخ خليل سلطان إلى لندن للاطلاع على ما دار مع القيادة الأمنية.وصل الوفد إلى لندن يوم 26 أغسطس 1995، في ختام أسبوع حافل للمعارضة عقدت خلاله مؤتمرا صحافيا وندوة سياسية وخرجت مظاهرة جماهيرية في شوارع لندن. كان في وداع الوفد في مطار البحرين الدولي فريق امني برئاسة عادل فليفل، لتسهيل سفر الوفد (ذلك لأن من يعتقل ويفرج عنه لا يسمح له بالسفر مباشرة).قام مشيمع بتسليم «أحرار البحرين» رسالة كتبها الشيخ الجمري في السجن بتاريخ 24/8/1995، أي قبل يومين من سفر الوفد إلى لندن. لخصت الحوار الجاري بالقول: «فإنني قد اطلعت على البيان الصحفي الصادر عن حركة أحرار البحرين الإسلامية بتاريخ 21 أغسطس 1995، والذي تـناول فيما تـناول موضوع الاتفاق بيننا وبين الحكومة، والذي جاء فيه التزام الحركة مشكورة بما جاء في لاتفاق، وإنني أرجو منكم جميعا التعاون معنا لإتاحة الفرصة الكافية لإنجاحه، وتجنب كل ما يعيق تنفيذه ويطيل زمن محنة شعبنا، وان تتكرس الجهود في البحث عن أفضل السبل بتعزيز الحوار مع الحكومة التي أعربت عن رغبتها فيه، مؤكدا الحاجة القصوى للتعاون من اجل إخراج البلاد من محنتها بأسلوب حضاري حكيم وراق يتناسب مع تراثنا التاريخي والثقافي وقيم ومبادئ شعبنا المسلم وطبائعه الإنسانية النبيلة، ومؤكدا رفض الإسلام لاستخدام العنف مادام يوجد للحوار سبيل، ومؤكدا أيضا أن عودة الأمن والاستقرار إلى البلاد مع المحافظة على الحقوق والواجبات المتبادلة بين الشعب والحكومة تمثل الأساس الأقوى والأفضل لنمو البلاد وازدهارها وتحقيق آمال وطموحات شعبنا والمحافظة على مكتسباته، وإنني على ثقة بأنكم سوف تهتدون بفضل الله تعالى وتسديده لأفضل السبل السلمية الدستورية الحكيمة التي تمر عبر الحوار لتحقيق ذلك، وعدم تضييع الفرص التاريخية الثمينة لاسيما هذه الفرصة التي تمثل منعطفا خطيرا في تاريخ شعبنا».عبرت هذه الرسالة عن الأجواء التي يعيشها قادة المعارضة الذين تحاوروا مع وزارة الداخلية. فلقد كانت الأخيرة توصل المنشورات التي نوزعها داخل البلاد ونعبر فيها عن مواقفنا إلى داخل السجن. وكانت حركة أحرار البحرين قد أصدرت بيانا رحبت فيه بمبادرة الحوار مع الحكومة للخروج من الأزمة. لقد حاز قادة المعارضة في السجن على ثقة الجماهير وكان الجميع بانتظار التعرف على التفاصيل وعلى كيفية التفاهم مع الحكومة للخروج من الأزمة السياسية.الحوار بين مشيمع والشيخ سلطان وبين شخصيات المعارضة المتواجدين في لندن تطرق إلى جميع الأمور المنظورة، وكان النقاش حاداً وصريحاً إلى الدرجة التي كان الوفد (الضيف) يشعر وكأنه خرج من سجون البحرين والمشادات مع المخابرات إلى سجون منازل لندن ومشادات المعارضة. ولكن مثل هذا النقاش كان ضروريا لأن المصلحة العامة للأمة تتطلب الابتعاد عن الجانب العاطفي والشخصي كل البعد للتأكد من سلامة الطريق.وبينما كنا نتحاور مع الوفد القادم إلى لندن، كان وزير الإعلام الجديد، محمد المطوع يصرح لإذاعة لندن أن الإفراج عن المعتقلين ما هو إلا «مكرمة أميرية» لتوفير الفرصة للمفرج عنهم لكي يعودوا إلى الصراط المستقيم. لعبت هذه الكلمات الجارحة دورها لاحقا في عدم عودة احد أفراد الوفد إلى البحرين بعد انتهاء الزيارة. وبالرغم من ذلك شعرنا بضرورة المتابعة لمجريات الأمور بصبر وحذر شديدين مع الإمساك بقدرة التحرك الجماهيري عندما تتراجع الحكومة عن ما تم الاتفاق عليه. أمام هذه المعادلة، كان علينا أن نبتعد عن الجوانب النظرية البحتة ونتعامل مع الواقع وظروفه، وكيفية معالجة السلبيات التي تصاحب مثل هذه التجربة. وكان مشيمع قد بدأ حواره بالإشارة إلى أن مثل هذا الحوار لم يكن ليحصل لو أن القادة كانوا على انفراد في زنزانات متفرقة. وكانت الخطوة الأولى التي سعوا إليها هي إقناع وزارة الداخلية بسجنهم في مكان مشترك لأجل التداول في جميع القضايا. وفي مقابل هذا الطلب، كانت المخابرات تريد الحصول على ورقة مكتوبة وموقعة من القادة الخمسة يعتذرون فيها عما جرى. ومن اجل هذا الأمر تُرك الخمسة في غرفة خاصة ومجهزة بأجهزة التنصت للاستماع لما يتم الاتفاق عليه.وكان القرار الذي اتخذه الخمسة كتابة رسالة تحمل جملة «شرطية» يقول فيها الموقعون عليها أنهم يعتذرون «إذا» كان قد صدر منهم خطأ. وذكر مشيمع أن كلمة «إذا» وضعت في منتصف الكتابة لكي لا يتم حذفها بعد ذلك عندما تقوم الحكومة بنشرها فيما لو تراجعت عن الحوار. وهكذا كتبت الرسـالة الموجهة إلى أمير البلاد بتاريخ 24 ابريل/نيسان 1995 (أي بعد ثلاثة أسابيع من اعتقال الشيخ الجمري) متضمنة الجملة الشرطية التالية: «وإزاء الأحداث المؤلمة التي شهدتها البحرين في الأشهر القليلة الماضية نعرب عن أسفنا الشديد لسموكم «إذا» كانت قد تسببت تصرفاتنا والأعمال التي قمنا بها وأدت إلى الاضطرابات في البلاد».لقد كانت خطـورة الرسـالة واضحة أمام الخمسة ولكنهم فضلوا أن يقدموا على المخاطرة لكي يتمكنوا من الاجتماع مع بعضهم البعض بصورة مستمرة والخروج بمشروع مشتـرك استمر الحوار فيه لإخراجه قرابة الأربعة اشهـر داخل السجن مع قيادة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية. ملخص الحوار في لندنأشار الوفد الزائر إلى أن جذور المبادرة بدأت بعد أيام قلائل من الاعتقال، وخرج عدد من القيادات بصورة مستقلة أثناء اعتقالهم الانفرادي بفكرة لتهدئة الأوضاع مقابل الدخول في حوار مع الحكومة. بعد عدة جلسات من التحقيق المنفرد مع المخابرات بدا واضحا أن هناك رأي مشترك بين عدد من القياديين، ولهذا تم تقديم طلب بالسماح لخمسة منهم بالاشتراك في سجن واحد لكي يخرجوا بمشروع مشترك. ولكن وزارة الداخلية كانت تصر على كتابة رسالة إلى الأمير قبل السماح بذلك. وقال مشيمع: «إلا أن البند الرابع حُذف بطلب من السلطات العليا في الحكومة حسب ما قاله هندرسون. البند الأول: هو الدعوة للهدوء والاستقرار مقابل إطلاق سراح جميع الموقوفين (غير المحكومين) وتم الاتفاق على أن يطلق سراح ثلاثة من المحاورين مع 150 شخص في 16 أغسطس، ثم يتم الإفراج عن عبدالوهاب حسين مع 150 معتقل آخرين، وفي 30 سبتمبر/أيلول يتم الإفراج عن الشيخ الجمري مع 500 ـ 600 موقوف. البند الثاني: معالجة آثار الأزمة. فقد خلفت آثارا مختلفة، ولكي يتحقق استقرار دائم فلا بد من الإفراج عن الذين حُكم عليهم وإرجاع المبعدين ومناقشة عودة البرلمان المنتخب.البند الثالث: تعزيز العلاقة الطيبة بين الشعب والحكومة. وكان الطرف الحكومي قد أصرّ على كلمة تعزيز بدلا من الكلمة الأصلية «خلق».البعد الرابع: (الذي لم توافق عليه السلطات العليا): كان ينص على تصحيح العلاقة بين المعارضة في الخارج والحكومة.ملاحظات ذكرها الوفد الزائر1 - قال رئيس المخابرات هندرسون في إحدى جلسات الحوار: «لقد استطعتم هز الكأس فلا تكسروه. لقد وصلنا إلى قناعة بأن القمع لن يخمد الشارع العام بالصورة التي نحب، كما أن الوجهاء الذين اعتمدنا عليهم لم يستطيعوا حل المشكلة».2 - عندما طلبت المعارضة توثيق الاتفاق قبل بدء الإفراجات تم ترتيب لقاء مع وزير الداخلية بتاريخ 14اغسطس (قبل يومين من الإفراج عن الدفعة الأولى) حضره وزير العمل والشئون الاجتماعية عبدالنبي الشعلة، وقضاة المحكمة الجعفرية الشيخ سليمان المدني والشيخ احمد العصفور والشيخ منصور الستري، بالإضافة إلى الوجيه الحاج احمد منصور العالي. وقام الشيخ الجمري بقراءة المبادرة المكتوبة أمام الحضور الذين استمعوا إلى ما قيل عن الحوار الدائر.3 - قال هندرسون إن زيارة لندن وإقناع المعارضة هناك سوف يكون له الأثر الكبير في الإسراع بحلحلة الأوضاع. خصوصا بعد ذهاب العلماء الثلاثة الذين تم إبعادهم في يناير/كانون الثاني 1995 إلى لندن لأن ذلك قلب الموازين على الحكومة.4 - تم إخبار وزارة الداخلية أن المحاورين لن يطلبوا من المعارضة ومن الجماهير التوقف وإنما سيطلبون إعطاء فرصة للحوار.ملاحظات ذكرها أفراد المعارضة في لندن1 - الحكومة رفضت أن توثق الاتفاق من جانبها كتابيا ورفضت وضع جدولة واضحة للفترة الأمنية من الحوار. كما أن المرحلة الأساسية للحوار غامضة بالنسبة للآلية. فالمعارضة طرحت مطالب دستورية تعتمد على الإجماع الوطني وأي آلية للحوار لا بد أن تحتوي على ممثلين من الأطراف المشاركة في العريضة الشعبية ومن الأطراف الأخرى المؤثرة في الساحة.2 - إن الحكومة طلبت كتابة رسالة اعتذار كمقدمة للحوار، وبالرغم أن الرسالة كتبت بلغة «شرطية» فإن الابتزاز واضح ولن تتوانى وزارة الداخلية عن استخدام هذه الورقة ونكران الحوار لأنها لم تقدم شيئاً مكتوباً.3 - إن تكرار وزير الإعلام الجديد لوصف خروج القياديين بأنه مكرمة أميرية من أجل العودة للصراط القويم أمر آخر لا ينبئ بالخير.4 - الحكومة تريد معالجة عوارض الأزمة وليس جذورها، ولا يبدو أن تغييرا حقيقيا في النهج السياسي قد حصل. فالحديث لا زال عن مجلس الشورى المعيّن وهناك محاولة لتغيير تركيبة الحكم بحيث تستعصي عودة الحياة الدستورية والبرلمان المنتخب.رجوع مشيمع إلى البحرينرجع مشيمع إلى البحرين والتقى مع الشيخ الجمري وحسين داخل السجن ليخبرهما بنتيجة الحوار مع المعارضة في الخارج. ولكن سرعان ما بدأت الحوادث تأخذ منحى آخر عندما جاء موعد الإفراج عن حسين في 7 سبتمبر 1995. فالسلطة لم تفرج عنه في اليوم المحدد، كما لم تفرج عن العدد الكامل المتفق عليه احتجاجا على مظاهر الفرح الجماهيرية التي بدأت تتسع مع الأيام. وعندما أفرج عن الشيخ الجمري في أواخر سبتمبر، وخرجت الجماهير من كل مكان لاستقباله، انزعجت الحكومة من دون سبب وامتنعت عن الإفراج عن باقي الموقوفين المتفق عليهم ويقدر عددهم بـ 500 شخص. ينبغي ان نذكر هنا ان الشيخ خليل سلطان الذي خرج من السجن وسافر الى لندن مع مشيمع لم يرجع الى البحرين، وانما بقي في الخارج وتنقل بين عدة بلدان وانتهى به الأمر في سنوات لاحقة الى تقديم اللجوء السياسي في هولندا.وكان شهر أكتوبر/تشرين الأول 1995 حافلا بالمساجلات والاتهامات بين القيادة الأمنية والمعارضة في الوقت الذي بدا واضحا أن الحكومة لم تكن جادة في فتح باب الحوار بل الالتفاف على المطالب الجوهرية للتحرك الشعبي، وهو إعادة الحياة الدستورية واحترام حقوق المواطن. وهكذا بدأت الحوادث في التصاعد وبدأت تختفي مظاهر الفرح وتعود حالة اللا أمن واللا استقرار والاعتقالات العشوائية والمحاكمات الجائرة والتصريحات غير المسئولة. تسارع الأحداثلقد تسارعت الحوادث في يناير/كانون الثاني 1996 بصورة خاطفة، وبدا الارتباك واضحا في ردود فعل الحكومة، وهذا ملخص ما جرى:25 سبتمبر 1995: الإفراج عن الشيخ الجمري.23 أكتوبر 1995: اعتصام سبعة قياديين وإضرابهم عن الطعام في منزل الشيخ الجمري، احتجاجا على عدم وفاء الحكومة بالاتفاق المبرم معها.1 نوفمبر/تشرين الثاني 1995: انتهاء الاعتصام واحتشاد اكبر تجمع في تاريخ البحرين (قدر العدد بما بين 60 - 70 ألف شخص) أمام منزل الشيخ الجمري للاستماع للبيان الختامي للمعتصمين.3 يناير 1996: بعثت قيادة امن المنامة إلى الحاج علي عبدالله الابريق مسئول جامع الصادق بالقفول (المنامة) وأنذروه بمنع الشيخ الجمري من الصلاة مساء الجمعة كل أسبوع. وعندما اتصل الإبريق بدائرة الأوقاف الجعفرية قيل له انه ليس من مسئوليتهم منع أو تحديد من يصلي جماعة في المسجد. فاتصل مدير مركز امن القرى العقيد (ع.م) بالأوقاف ليأمرهم، لكن دائرة الأوقاف اعتذرت عن ذلك. بعدها اتصل العقيد (ع.م) بالشيخ الجمري وقال له: «انك ممنوع من الصلاة والخطبة في مسجد الصادق» وكررها ثلاث مرات. فرد عليه الشيخ الجمري انه يرفض المنع. 4 يناير 1996: هجمت قوات الأمن على جامع الامام زين العابدين حيث كان الشيخ الجمري مع جمهور من المصلين يقرؤون الدعاء (دعاء كميل). واستخدمت مسيلات الدموع بكثافة وتم الاعتداء على المارة بصورة عشوائية وفرض حصار حول منزل الشيخ الجمري. بعد فترة انسحبت قرابة عشرين سيارة جيب من المنطقة وبقيت السيارات المدنية وأربع شاحنات مملوءة بالقوات. وبعد فترة تجمعت أعداد غفيرة حول منزل الشيخ الجمري وخرج الشيخ وخطب فيهم قائلا: «إن هذه الحركة الصبيانية المراهقة قد فعلها هؤلاء بدون سبب. وارى انها قد أرهقتهم وحدة الشعب وإصراره على مطالبه، وأرهقتهم الجماهير الهائلة التي تجتمع لصلاة يوم الجمعة في جامع الصادق ولا نستغرب مثل هذه الحركة، ونحن صامدون لن نتراجع، والذي أراه أن هذا الانسحاب تكتيكي لكي تتجمعوا بسبب هذه المكيدة ثم يأتوا مرة أخرى للهجوم زاعمين أن هناك فوضى وتجمعا غير مشروع، إننا سوف نظل متمسكين بسلوكنا الذي هزمهم وجعلنا نستـقطب الرأي العـام في الداخل والخارج وهو السلوك السلمي، وأرى أن نفوّت عليهم الفرصة ونحبط هذه المكيدة بالتفرق والانصراف من هذا المكان، شكر الله مساعيكم، على أن الانصراف لا يعني التخـلي عـن المسـئولية، بل هـو انصراف مع التحسـب للطوارئ. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».الجمعة 5 يناير 1996: صلى الشيخ الجمري الظهر في جامع الصادق بالدراز، بينما كانت مداخل الدراز تتواجد فيها القوات ولكن الجماهير انهالت من كل حدب وصوب. أما صلاة المغرب فيصليها الشيخ في جامع الصادق بالقفول. وعندما توجه الناس إلى القفول كانت القوات قد حاصرت الجامع منذ الثالثة بعد الظهر بـ 250 مسلحاً وأغلقت جميع الطرق إلى الجامع. وقامت هذه القوات باستخدام مسيلات الدموع والرصاص المطاطي وأصبحت الأجواء مكفهرة، وأصيب عدد غير قليل من النساء والرجال والأطفال. وقد شاهد هذا الحادث السواح الأجانب الذين كانوا متواجدين في الحديقة المائية القريبة من الجامع. مساء الجمعة 5 يناير 1996: أقيم حفل ديني في منطقة النعيم بالمنامة وكان من بين الحضور الشيخ الجمري. وبينما كان مشيمع يلقي كلمته أمام الحضور هجمت قوات الشغب بالقنابل الخانقة على الحضور. فانفض الجمهور وسقط عدد كبير على الأرض من بينهم الشيخ الجمري، فحمله الشباب إلى بيت صغير ملاصق لمكان الاجتماع. وقد التجأ إلى هذا المنزل حوالي مئة شخص، وبقوا هناك ما لا يقل عن ساعة ونصف لا يستطيعون النزول ويتكلمون بالهمس، لأن البيت مطوق والمنطقة كذلك. بعد ذلك هجمت قوات الشغب على المنزل وكسروا أبوابه ودخلوا واقتادوا الشباب بصورة وحشية ضربا ورفسا وشتما. وقيدوا أيدي الشباب من الخلف. وتعرض الشيخ الجمري لضربة على ظهره من احد أفراد قوات الشغب، بعدها واجه الشيخ الشخص الذي قام بالهجوم واسمه الملازم (ع.ق)، وحمّله مسئولية ما حدث. ثم طالب بالإفراج عن الشباب الذين قيدوا، وتم ذلك بعد فترة من النقاش الحاد. وقام الشيخ والشباب بتفقد الجرحى الذين سقطوا على الأرض ونقل بعضهم إلى المستشفى.8 يناير 1996: الشيخ الجمري يصلي في جامع الصادق رغم التهديد له قبل الصلاة والجماهير تجتمع من كل مكان. بعد ذلك توجه الشيخ الجمري للدراز وحضر احتفالا جماهيريا ضخما رددت فيه هتافات الصمود.12 يناير 1996: طوقت قوات الأمن جامع الصادق بالقفول، وعندما جاء عدد كبير من الناس واغلبهم من الشباب للصلاة وجدوا شرطة مكافحة الشغب قد أغلقت المنافذ المؤدية للجامع من الجهات الأربع مما أدى لامتداد طوابير السيارات القادمة من كل جهة لأكثر من كيلومتر واحد. وحدث إرباك في الحركة المرورية وعم التذمر العام من تصرفات قوات الأمن. ثم قامت الأخيرة بملاحقة القادمين للصلاة باستخدام الرصاص المطاطي الذي تسبب في إتلاف عدد من السيارات والممتلكات. كما أطلقت قوات الأمن قنابل غازية ذات لون احمر لخلق حالة من الفزع. 13 يناير 1996: استدعت وزارة الداخلية الشيخ الجمري وسبعة من رفاقه وأدخلوهم واحداً بعد الآخر في مكتب وزارة الداخلية الذي كان يتوسطه 14 من قوات الأمن. وكان وكان يحاورهم وكيل وزارة الداخلية. وطالب قادة المعارضة بحضور محامي الدفاع إلا أن ضباط الداخلية قالوا إن الهدف هو إبلاغ رسالة، إن الحكومة قررت منع الصلاة جماعة وإلقاء الخطب أمام الناس. وكان جواب الشيخ الجمري ورفاقه، إنهم لا يعتبرون بهذا القرار لأنه غير دستوري.14 يناير 1996: اعتقل الناشط عبد الوهاب حسين من منزله الساعة الثالثة بعد الظهر. وكان حسين قد ألقى كلمة أمام حفل جماهيري في عراد مساء 13 يناير شرح فيه ما جرى مع ضباط وزارة الداخلية وموقف قادة المعارضة الرافض لمثل هذه التهديدات. 15 يناير 1996: بدأت حملة اعتقالات واسعة شملت جميع الذين ظهرت أسماؤهم للعلن خلال الأشهر المنصرمة من علماء دين وأساتذة وخطباء ووجهاء ومسئولي مساجد، من مختلف مناطق البلاد.16 يناير 1996: الشيخ الجمري يلقي كلمة أمام جمهور غفير في مدينة حمد ويتعرض للحوادث الجارية ويدعو لوحدة الشعب ويؤكد المطالب العادلة. 17 يناير 1996: استدعي الشيخ الجمري لمقابلة رئيس اللجنة الأمنية التي انشئت لقمع الانتفاضة. وكان اللقاء مختلفا عما قبله. إذ قدم الاعتذار لإساءة الخُلق في الاجتماع السابق (13 يناير). طالب الشيخ الجمري بالإفراج عن حسين وإيقاف الهجوم على المساجد والتجمعات العامة لكيلا ينفلت الوضع الأمني وتعود الاضطرابات. طلب رئيس اللجنة الأمنية بعدم رفع الشعارات السياسية، إلا أن الشيخ قال إن المطالب سلمية ودستورية وليس من شأنها الإضرار بالأمن، بل على العكس. ولكن الاجتماع انتهى دون معرفة الهدف الأساسي من اللقاء.19 يناير 1996: استدعي الشيخ الجمري للقاء رئيس اللجنة الأمنية مرة أخرى، وكان هذا اللقاء عكس اللقاء الذي سبقه. احتدم الخلاف بين الطرفين بعد أن اتهم رئيس اللجنة الأمنية الشيخ الجمري بالتحريض ضد الحكومة، وطالب بإيقاف النشاطات والتجمعات والصلاة وعدم الإدلاء بأي تصريح لوكالات الأنباء العالمية، إلا أن الشيخ الجمري رفض كل ذلك.20 يناير 1996: فرض الحصار المنزلي الثاني (الأول كان في ابريل 1995) على الشيخ الجمري ابتداء من الساعة الثالثة فجرا. الإحتجاجات تعم مناطق البحرين وتعود مظاهر الاشتباكات مرة أخرى للساحة. اعتقالات واسعة شملت جميع أعضاء «المبادرة» ومعظم العلماء والخطباء والوجهاء الذين وقفوا بحزم أمام هجوم قوات الشغب على المساجد والتجمعات العامة.21 يناير 1996: اعتقال الشيخ الجمري من منزله والعودة الكاملة لحالة الانتفاضة التي سبقت الإفراج عن قادة المبادرة في أغسطس وسبتمبر 1995. بل إن الأوضاع ازدادت حدة ودخلت البحرين مرحلة صراع أخرى كان بالإمكان تفاديها لولا تجنب السلطة من الحوار مع المعارضة. وقبل اعتقاله بساعات قليلة، كتب الشيخ الجمري رسالة أرسلها لي بالفاكس قائلا: «أنا والعائلة نعيش الحصار داخل البيت وقد طوقنا بعشرات الجنود وعدد من السيارات، بل حوصر جيراننا في بيوتهم وهم الذين بجانبنا وخلفنا حتى المغتسل، وشرقا حتى بيت طه جاسم، ويمتد غربا إلى بيت ميرزا آدم، ولم يسمح لأحد منا بالخروج إلا الأطفال إلى المدرسة ويفتشون في خروجهم ودخولهم تفتيشا دقيقا. نحن في حال سيئة جدا . . . لا أدري ما سيجري بالنسبة لنا وللشعب من تطور وتصعيد للعنف... هذا وإذاعتهم وتلفزيونهم وصحفهم تتكلم ضدنا وتربط الأحداث (حوادث العنف) التي استدرجوا الناس إليها بنا وبالمساجد وتزعم أننا استغلينا المساجد. الآن يحاولون إسكات الأمة من خلال اعتقال عدد من العلماء وجميع الشيالين (خطباء المواكب الحسينية) وأعداد كبيرة من الشباب... وتعتبر هذه الأصـوات قـد أخمـدت، ولم يبـق إلا الأمـل فـي الله والرجـاء منه».
العدد 2258 الثلثاء 11 نوفمبر 2008 الموافق 13 ذو القعدة 1429 هــ

الانتفاضة6

اقرأ الحلقة السادسة من ملف "تسعينات البحرين" (1): أبريل 1995... بني جمرة و15 يوماً من طوق الحصار
الوسط - حيدر محمد

var photos=new Array()
var photos2=new Array()
var photosAlt=new Array()
var photosAlt2=new Array()
var which=0
//define images. You can have as many as you want:
photos[0]='http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/archive/2258/images/002_Alwasat-B90-11-11-1.jpg'
photos2[0]='http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/archive/2258/images/008_Alwasat-B90-11-11-1.jpg'
photosAlt[0]=''
photosAlt2[0]=''
//imgsCount.innerText = "1 - " + photos.length;

//do NOT edit pass this line
var preloadedimages=new Array()
for (i=0;i0){
which--
applyeffect()
document.images.photoslider.src=photos[which]
document.images.photoslider2.src=photos2[which]
playeffect()
document.images.photoslider.title=photosAlt[which]
NewsDetails_ImageExpaned_desc.innerText=photosAlt2[which]
keeptrack()
}
}
function forward(){
if (which

document.write('')


document.write('')

document.write(photosAlt2[0]);

لم يكن نبأ حصار المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري (1 - 15 أبريل/ نيسان 1995) ومن ثم إيداعه السجن خبراً اعتيادياً، فقد كان محطة محورية في طريق تفاقم الوضع الأمني في عشرات المناطق، وقد مثل هذا الحدث علامة فارقة منذ انطلاق شرارة الانتفاضة في العام 1994.الأول من أبريل أو «السبت الأسود» كما يسميه الأهالي هنا... كان يوماً مأساوياً ببني جمرة، فقد شهد سقوط شابين من أبناء القرية وبتر رِجْلِ ثالث، فضلاً عن نحو خمسين جريحاً آخر.بني جمرة طوت النهار على وقع سيل من الرصاص واقتحام عشرات المنازل، وغابت عنها الشمس بصوت طلقات الرصاص ومسيلات الدموع لم تفارق القرية حتى مطلع الفجر!فقد كانت بني جمرة ساحة لأحداث دموية ومرعبة... وعاش أهلها 15 يوماً من الحصار المحكم و15 يوماً من المعاناة، ولكن ما ميزها أنها 15 يوماً من التضامن بين الأهالي الذين هبوا احتجاجاً على الإجراءات غير الإنسانية في تعامل السلطات مع كل من في القرية.فالحصار القاسي الذي فرضته قوات الأمن المدججة في السلاح على الشيخ عبدالأمير الجمري شمل القرية بأكملها...القرية مغلقة بالكامل ومحاطة من كل جانب، ولا يدخلها أحدٌ إلا بعد المرور بتفتيش دقيق عند المنافذ التي نصبتها قوات الأمن التي طوقت القرية.كثيرة هي القصص وكثيرة هي الروايات وكثيرة هي الجراحات أيضاً، فكل أبناء بني جمرة يتذكرون ذلك اليوم الطويل، كل من في القرية شمله العذاب، ولكن ماذا يقول شهود العيان عن شريط دامٍ عاصروه ولا يزال محفوراً بالذاكرة... لكنه مقرون بطعم تحرك شعبي غير مسبوق، لذلك فإن الحصار كان كفيلاً لاكتشاف صلابة الناس.حصار قبل مطلع الفجرويروي سلمان عطية (شاهد عيان من أبناء بني جمرة) ما واجهه من أحداث خلال هذه الفترة قائلاً: «يمكنني القول إن السلطات الأمنية اختارت الوقت غير المناسب لبدء الحصار على قرية بني جمرة ، لأنه كان قبل أذان الفجر، ففي هذه الفترة كل الناس كانت تتوجه للمساجد، ولذلك فإن قوات الأمن كانت مدهوشة من الجموع الآتية من كل القرية قاصدة جامع الإمام زين العابدين (ع) (القريب من بيت الشيخ الجمري) عن طريقين هما: طريق المقبرة وطريق البر».ويوضح عطية أن قوات الأمن الكثيفة التي كانت تحاصر الجامع استغربت من هذه الجموع الغفيرة، فتصورت أن ما حدث هو ردة فعل شعبية على قرار الحصار، مع أن الناس كانت تجهل ما كان يحدث أساساً، وكان التصور هو مجرد عملية اعتقال، لأن مسألة الحصار لم تكن معتادة، فظن الناس أنها مجرد اعتقالات.الطلقات في وجه الجماهيرويعتقد عطية أن ردة الفعل المباشرة من قبل قوات الأمن كانت هي الأخرى غير متوقعة... فقوات الشغب بادرت بإطلاق الرصاص الحي في كل مكان، وقد لاذ الناس بالفرار وهم مأسورون بهول الصدمة، كما قامت قوات الأمن بإبعاد كل الموجودين في البيوت المجاورة لمنزل الشيخ الجمري حتى تضمن أن يسير مخططها لمحاصرة الشيخ كما خططت له. ويروي عطية ما شاهده بأم عينيه قائلاً: « لم يكن نبأ اعتقال الشيخ الجمري حدثاً طبيعياً، ولذلك فإن الناس لم تفر إلى بيوتها كما توقعت الشرطة، بيتي كان قريباً من الحدث ولذا فإن أصوات الرصاص كانت تسمع فيه بقوة، لقد وقفت الجماهير محتارة، وتجمّع الناس في منطقة البر (المنطقة القديمة من بني جمرة)، لم تتوقف أصوات الرصاص فأردنا الخروج من المنزل، إلا أن الوالدة وقفت على الباب لتحول بيننا وبين الخروج».قتلى وجرحى يتساقطونويبيّن عطية أن «إطلاق الرصاص استمر لعشر دقائق، وكنا نسمع صوت طلقات مختلفة، وبعد مضي خمس دقائق، سمعنا صوت امرأة تصرخ بقوة... وكانت زوجة محمد صادق العرب الذي بترت رجله في ذلك اليوم... اقتربنا من مزرعتنا القريبة من المنزل، فجاء شخص وجهه مغطى بالدماء، وبالكاد كان قادراً على المشي (جعفر طالب)... أدخلناه في بيتنا ولكننا لم نكن نعلم حتى ذلك الوقت سبب صراخ المرأة».لم يتمالك عطية نفسه وهو يقص دقائق من الأحداث المؤلمة: «بعد لحظات وجدنا شخصاً آخر ملقياً على الأرض فوق عينيه دائرة سوداء تحوطها نقاط داكنة اللون، كان الجميع في حيرة لمعرفة هذا الشخص، لأن رأسه كان - بفعل النزيف الداخلي - أكبر من كرة قدم، ولاحقاً تعرفنا عليه وكان هو الشهيد محمد جعفر الذي كان يتنفس بشدة، بعدها سرنا خطوات ورأينا شخصاً ملقياً على بطنه وثوبه مسحوبة وكان يئن».وقد شاهدنا الطلقة التي أصيب بها وكان مضروباً أيضاً، إنه الشهيد محمد علي عبدالرزاق الذي كان مضروباً بعدة طلقات مباشرة... فكان يشتكي من شدة الألم، فالطلقة دمرته لأنها أصابته في موضع حساس، علماً أن الطلقات كانت توجه عن قرب، وبعد إدخاله إلى البيت كان يردد «أسعد، أسعد...»، وكان تشخيص جميع الموجودين انه كان فاقداً للوعي (ولكن عرفنا لاحقاً أنه يردد اسم ابنه)». وبحسب عطية فإن الشرطة كانت قد ضربت هذه المجموعة بصورة مفاجئة، وقد ابتعد الشهيد محمد علي عن هذه المجموعة، إلا أنه بعد إطلاق الرصاص على الشهيد محمد جعفر قرر أن يرجع إليه مرة أخرى، وسرعان ما قد ازدادت جموع الشرطة التي ظهرت بين النخيل فجاءت قوات أمن كثيفة فأطلقت عليه الرصاص، فأردته أرضاً.مصاب ملقىً وسط نخلة!ويعود عطية إلى حديث الذكريات بقوله: «بعد عشرين دقيقة عرفنا سبب صراخ المرأة، فزوجها (محمد صادق العرب)... تجمّع الشباب وجرت عملية بحث عن محمد صادق، وبعد ثلث ساعة رأينا زوجها ملقياً في وسط نخلة قرب مزرعتنا، ورأيت تحته بقعة كبيرة من الدم. قمت بالتدقيق في إصابته، إلا أن كسور العظم لمحنا فيها زوايا حادة، حاولت أن أحلل وظننت أنها ضربة أداة حادة، فرأيت أن أطلع على حجم الإصابة... وكانت عدنا سجادة قديمة سميكة فدحرجناه عليها، وهناك شخصان حملهما أحد الأشخاص، وهما الشهيد محمد جعفر وجعفر طالب، بينما الاثنان الآخرين فقد حملتهما في سيارتي «البيكب»، وهما محمد صادق العرب والشهيد محمد علي».الطريق إلى المستشفىتحيّرنا إلى أي طريق نسلك - يضيف عطية - بسبب الكثافة الأمنية وكان في نيّتنا أن نذهب إلى المستشفى الدولي، غير أن الرصاص لا يزال يطلق في بني جمرة، وخرجنا إلى قرية المرخ وقد أوقفنا أهالي المرخ وسألونا عما يجري، فشرحنا لهم الوضع، وطلبوا منا التقاط صور للتوثيق، ولكننا رفضنا لشدة الإصابات التي لا تتحمل أي نوع من التأخير، وكان ذلك على الأرجح بعد أذان الفجر ولكن المؤكد أن الشمس لم تظهر بعد... ويمضي قائلاً: «دخلنا قرية سار واتجهنا نحو دوار سار، إلا أن دوريتي شرطة كانتا واقفتين أيضاً ولكن لحسن الحظ انهما تحركتا بعد قليل وقد، واصلنا السير قاصدين المستشفى الدولي، وعند وصولنا المستشفى استقبلنا رجل أمن مدني كان يسجل أرقام السيارات، وبعد فترة بسيطة وصل الشخص الآخر الذي حمل مصابين آخرين وقد سلك طريقاً آخر».ولكن ماذا بعد الوصول إلى المستشفى؟ يجيب عطية: « قمنا بإدخال الجرحى الواحد بعد الآخر، وأدخلنا محمد صادق العرب الغرفة ووضعناه على السرير، لحد الآن لم يئنّ، لأنه مازال لا يعلم حجم إصابته، ثوبه كانت مرفوعة... كان واعياً ولكنه في حالة صدمة، عندما وضعناه طلب مني أن يرى مدى إصابته، فأبيت أن أريه إلا انه أصرّ عليَّ ورفع رأسه فساعدته، ورأى رجله فأغمي عليه مباشرة من شدة صدمته من حجم الإصابة.ويضيف «وعند إدخال جعفر طالب أتت زوجة الشهيد محمد جعفر وكانت موجودة في المستشفى بسبب الاعتداء عليها بالضرب المبرح هي ووالدتها فسمعت صوتنا، وبادرتنا بالسؤال عن زوجها... ارتبكنا، ولكنها أصرت علينا، فقلت لها: «اطمئني، هو تعرض لإصابة كالآخرين»، مردفاً «بعد ذلك، حاولنا أن نرجَع بني جمرة مرة أخرى ولكن «البيكيب» كان مملوءاً بالدماء، لم نتمكن من ذلك، فقد حوصرنا لثلاثة أيام خارج بني جمرة حتى قلَّ التشديد الأمني على كل منافذ القرية فاستطعنا الدخول لبني جمرة من منفذ ثانوي».«إنهم يريدون أن يعتقلوا الشيخ الجمري»أما فيصل الخباز (شاهد عيان ومصاب) فيقول: بالنسبة إلى اعتقال الشيخ الجمري فقد كان أمراً متوقعاً، فقد كان الشباب يتوقعون ذلك في أية لحظة، وكانوا يتواصون بالدفاع عن الشيخ الجمري، وفي ليلة السبت كنت عند والدتي إلى وقت متأخرٍ من الليل ومن ثم رجعت إلى حجرتي وألقيت بنفسي. وقبل نحو نصف ساعة من الأذان انتبهت على صوتٍ غريب: «إنهم يريدون أن يعتقلوا الشيخ الجمري».ويضيف الخباز «كان الصوت حلماً بالنسبة لي، فبادرت ولبست ثوبي للصلاة، وايقظت زوجتي، وقلت لها: إنني أتوقع عدم رجوعي إلى المنزل، فقالت: ولم؟ فأخبرتها أنني أسمع صوتاً يقولون «إنهم سيعتقلون الشيخ الجمري»، نزلت زوجتي خلفي ونزل خلفنا ولدي مهدي وكان صغيراً حينها، وتوجهت إلى الشخص، وكان عبدالأمير عبدالوهاب هو من ينادي في المأذنة».المقبرة تتحول إلى ثكنة أمنيةويواصل الخباز حديثه قائلاً: «جاء أستاذ عمران حسين للمنزل، وأخبرنا أن الشيخ الجمري محاصر وأن المنازل تم الاستيلاء عليها وإخراج أهلها، وقد بادرت إلى الخروج رغم معارضة البعض خوفاً علَيَّ، إلا أنني أصريت وذهبت إلى بيت الشيخ الجمري وأثناء مروري بجانب المقبرة متجهاً لمنزل الشيخ، توقفت لأتامّل، وكنت أدقق النظر عند الزاوية للتأمل إلى المقبرة فرأيت حركة غريبة في المقبرة فدققت النظر وإذا بالمقبرة كلها تحوّلت إلى ثكنة أمنية، فتوقفت عن الرواح، وصرت أفكر «ماذا نفعل»؟، فكان القرار أن نكبّر في كل المساجد، فطلبت من أحد الإخوة تشغيل المبكرات الصوتية في جميع المساجد، وبدأنا نتنقل من مسجدٍ إلى آخر للتكبير.التكبير يصدح من مآذن بني جمرةوكانت البداية من مسجد الوسطة (أبا ذر الغفاري حالياً) وبدأنا التكبير وتجمع الناس شيئاً فشيئاً، وأخذت المسيرة تتجه إلى المسجد الآخر وهو مسجد الإمام علي(ع)، وفي طريقنا كان بعض الأشخاص يطرقون المنازل ليخبرونهم عن اعتقال الشيخ، والمسيرة يزيد عددها بشكل واسع، وقامت جماعة بالتكبير في مسجد الإمام علي، وعندما وصلنا إلى قرب بيت علي محمد، ونحن متجهين إلى مسجد الخضر، وهنا المسيرة بلغت ذروتها من كثرة المشاركين، الذين وصل عددهم في هذا التجمع العفوي إلى نحو 500 شخص، وكان هذا العدد كبيراً، رغم أنه في وقت الفجر، وعندما وصلنا مسجد الخضر بدأ بعض الأشخاص في المسيرة بترديد بعض الشعارات، إلا أن البعض نهاهم، وأفهمهم أن هدفنا أكبر من مجرد شعارات!المسيرة تتفرق إلى اتجاهات شتىويضيف «عندما وصلنا مسجد الخضر سمعنا أصوات الطلق بكثافة، وبدأت المسيرة تتراجع إلا أن الشهيد محمد علي عبدالرزاق وهو من شهداء يوم السبت الأسود كان مرابطاً، وطلبت منه الخروج من مسجد الخضر، ومسيلات الدموع كانت تضرب فوق المسجد، وهنا تفرقت المسيرة إلى مناطق مختلفة، ولكن القسم الأكبر بقي معنا، ودخلنا إلى الممر القريب من مأتم الانثيعشرية ، وعندما وصلنا زاوية المأتم (الشرقية الجنوبية) هنا أصيب «أسعد» ابن الشهيد محمد علي عبدالرزاق برصاصة في ظهره، ولكن أباه كان قوي الجأش، وحاول أن يهدئه، فأخذ ولده إلى مكان آخر، فاتجهنا إلى البر، وهنا فوجئنا أن كل شبر في القرية تحوّل إلى (معسكر)، ولم يبقَ محل في القرية يمكن الاختباء فيه، الكل بدا محتاراً وهو يبحث عن الوجهة الأنسب».ولكن عندما رجعت إلى السدرة (سدرة الشيخ كما يعرفها أهالي بني جمرة) حاولت أن أركض فضربوني بالرصاص، ومن حرارة الضربة، لم أتوقف بل سرت مهرولاً إلى أن وصلت بالقرب من مأتم الخضر، فوجدت كراجاً بجانبه سيارة وزحفت ودخلت تحت السيارة، وقد كنت أنزف إلى أن بلغت نفسي الموت، وكان رجائي أن أرى الشيخ الجمري... بعد هذه الخاطرة كأنما ذهب عني كل شيء وكأنني لم أصَبْ فنهضت وذهبت أجري بسرعة».ويشرح الخباز اللحظات الأخيرة التي رآها في القرية بقوله «تفاجأت مرة أخرى بأن سيارة الشغب نازلة وكنت آتياً من مسجد الخضر متجهاً لمأتم الاثنيعشرية. وكان أمامي برميل للقمامة في الطريق وأنا من سرعتي ضربت البرميل، وهذا المنظر أرهب الشرطي، وأنا لم ألتفت إلى الخلف وواصلت المسير إلى أحد البيوت و طرقت الباب، إلا أن بعض الأبواب لم تفتح خوفاً من ملاحقة الشرطة. فالتفتُّ للخلف ورأيت أن قوات الأمن قد غادرت، وصارت عندي طمأنينة وجئت مسجد الوسطة وتفاجأت بوجود أحد الأشخاص الذي أوصلني إلى منزلي... وقعت على الباب، بينما زوجتي وولدي كانا في المسيرة ولكن لم أكن أعلم عنهما شيئاً، وقد غبت عن الوعي وما أتذكره هو أنني في المستشفى الدولي وانتبهت على السرير، وعندما تقيأت دماً خفّ عني الوجع كثيراً، وصرت في وعيي الكامل، وكنا نسمع أصوات الطلق في محيط المستشفى».استيقظنا على أصوات الحواجزأمام منزل الشيخ الجمريأما جعفر عبدالحسين منصور (جار الشيخ الجمري من جهة الشرق) فيروي لقطات من الحصار المحكم على منزل الشيخ قائلاً: «لقد استيقظنا في يوم السبت الأسود (1 أبريل 1995) في الساعة الثانية والنصف صباحاً على أصوات الحواجز التي ألقتها قوات الأمن في الأرض، وكان ذلك مثار استغراب، ففي بادئ الأمر كانت هناك مضايقات مختلفة للشيخ، نظرت من غرفة السلّم (الدرج) فرأيت قوات الأمن يطوقون بيت الشيخ الجمري، كما داهموا غالبية البيوت الملاصقة لبيت الشيخ، أرادوا عزل الشيخ الجمري، وبدأوا إخراج أبناء الشيخ، كانت قوات الأمن ترصد كل شي، في بادئ الأمر اعتقدنا أنها إجراءات سريعة، ولكن الحواجز جعلتني متيقناً أن الهدف هو فرض إقامة جبرية على الشيخ الجمري وأن المسألة ستطول كثيراً».يوم استثنائي في تاريخ البحرينكل شيء كان ممنوعاً، لأنه يوم استثنائي لم يمر ليس فقط على بني جمرة وإنما البحرين من قبل. يضيف منصور «في السادسة صباحاً سمعنا صوت الرصاص عن بعد، وسمعنا التكبيرات أيضاً، وسمعت أحد المسئولين الأمنيين أمام منزل الشيخ يوجه الشرطة إلى ملاحقة الخارجين في القرية، وكنت مستعداً لأن أنقل بناتي إلى المدرسة، وجعلتهن يفتحن الباب أولاً لأختبر رد قوات الأمن الذين طلبوا من بناتي الرجوع إلى المنزل، فخرجت لهم فقال لي أحد المسئولين الأمنيين: ارجع بيتك لا يوجد أي شيء اليوم!».ويضيف «رجعنا البيت، وكنا نريد الاطمئنان على وضع الشيخ الجمري، لم أذهب الدوام إلا عند الساعة الواحدة عندما طلبت من الشرطة أن أذهب لعملي في أمرٍ شديد الأهمية، وفي العمل تم إخباري عما جرى في القرية».ويشير منصور إلى أن الطوق الأمني قد أحكم على مجمع المنطقة 539، فقد نصبت العديد من نقاط التفتيش، كانت في البداية نقطتين للخروج والدخول، ولاحقاً اقتصروا على نقطة واحدة، فإذا كان العنوان على المجمع المذكور يسمح لصاحبه بالدخول ويرفض ما سواه، ولا يسمح الدخول إلا في فترات محدودة فضلاً عن تفتيش دقيق للسيارة، فأحياناً بعض المفتشين لا يعرف البطاقة، فيطلب مني جلب تصريح من مركز البديع للدخول إلى القرية. تم التضييق على المنطقة، والتفتيش لم يقتصر على السائق بل شمل جميع ركاب السيارة.كنا نرى بعض التحركات وقد انقطعت الأخبار عن الشيخ الجمري «لقد كان هاتف منزل الشيخ مقطوعاً، ولم نكن نعرف شيئاً سوى أن منزل الشيخ كان مطوَّقاً بشدة، ومنعوا أيَّ اتصال للشيخ بالعالم الخارجي، والأمر الأكثر غرابة أننا كنا نتلقى الأخبار عن وضع الشيخ الجمري من إذاعة البي بي سي، واستمر الحصار الأول لمدة أسبوعين، وحسب ما كنا نعرفه أن الشيخ رفض أن يتنازل عن كل شيء في مقابل رفع الحصار».قوات الأمن تسيطر على منزل الشيخإلى ذلك يقول مهدي عبدالأمير الجمري: كنت صغيراً، إلا انني بعدما استيقظت من النوم، رأيت قوات الشغب داخل المنزل، في الطابق الأرضي، وفي الطابق العلوي كانت شقة أخي جميل فيها شرفة (بلكونة) وثلاثة من قوات الشغب، وحتى فوق السطح كانوا يقفون مدججين في السلاح ليراقبوا محيط المنزل، فهذا الطوق كان موجوداً في الداخل والخارج، كما أزيلت من المنزل كل الأجهزة والكتب.وكانوا يحاولون الدخول إلى داخل القاعة التي يوجد فيها الشيخ، كنا لا نستطيع الخروج إلى داخل المنزل، ما أتذكره أن أختي كانت حاملاً وأتوا بممرضة، وكانت خالتي معنا فانحجزت لأسبوعين في داخل المنزل، كنا نسمع طلقات الرصاص، وكانت النافذة مفتوحة، فتألم الوالد من الأخبار السيئة المتوالية من القرية.ولكن الأخبار السيئة لم تنتهِ برفع الحصار!
العدد 2258 الثلثاء 11 نوفمبر 2008 الموافق 13 ذو القعدة 1429 هــ

الانتفاضة6

اقرأ الحلقة السادسة من ملف "تسعينات البحرين" (1): أبريل 1995... بني جمرة و15 يوماً من طوق الحصار
الوسط - حيدر محمد

var photos=new Array()
var photos2=new Array()
var photosAlt=new Array()
var photosAlt2=new Array()
var which=0
//define images. You can have as many as you want:
photos[0]='http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/archive/2258/images/002_Alwasat-B90-11-11-1.jpg'
photos2[0]='http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/archive/2258/images/008_Alwasat-B90-11-11-1.jpg'
photosAlt[0]=''
photosAlt2[0]=''
//imgsCount.innerText = "1 - " + photos.length;

//do NOT edit pass this line
var preloadedimages=new Array()
for (i=0;i0){
which--
applyeffect()
document.images.photoslider.src=photos[which]
document.images.photoslider2.src=photos2[which]
playeffect()
document.images.photoslider.title=photosAlt[which]
NewsDetails_ImageExpaned_desc.innerText=photosAlt2[which]
keeptrack()
}
}
function forward(){
if (which

document.write('')


document.write('')

document.write(photosAlt2[0]);

لم يكن نبأ حصار المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري (1 - 15 أبريل/ نيسان 1995) ومن ثم إيداعه السجن خبراً اعتيادياً، فقد كان محطة محورية في طريق تفاقم الوضع الأمني في عشرات المناطق، وقد مثل هذا الحدث علامة فارقة منذ انطلاق شرارة الانتفاضة في العام 1994.الأول من أبريل أو «السبت الأسود» كما يسميه الأهالي هنا... كان يوماً مأساوياً ببني جمرة، فقد شهد سقوط شابين من أبناء القرية وبتر رِجْلِ ثالث، فضلاً عن نحو خمسين جريحاً آخر.بني جمرة طوت النهار على وقع سيل من الرصاص واقتحام عشرات المنازل، وغابت عنها الشمس بصوت طلقات الرصاص ومسيلات الدموع لم تفارق القرية حتى مطلع الفجر!فقد كانت بني جمرة ساحة لأحداث دموية ومرعبة... وعاش أهلها 15 يوماً من الحصار المحكم و15 يوماً من المعاناة، ولكن ما ميزها أنها 15 يوماً من التضامن بين الأهالي الذين هبوا احتجاجاً على الإجراءات غير الإنسانية في تعامل السلطات مع كل من في القرية.فالحصار القاسي الذي فرضته قوات الأمن المدججة في السلاح على الشيخ عبدالأمير الجمري شمل القرية بأكملها...القرية مغلقة بالكامل ومحاطة من كل جانب، ولا يدخلها أحدٌ إلا بعد المرور بتفتيش دقيق عند المنافذ التي نصبتها قوات الأمن التي طوقت القرية.كثيرة هي القصص وكثيرة هي الروايات وكثيرة هي الجراحات أيضاً، فكل أبناء بني جمرة يتذكرون ذلك اليوم الطويل، كل من في القرية شمله العذاب، ولكن ماذا يقول شهود العيان عن شريط دامٍ عاصروه ولا يزال محفوراً بالذاكرة... لكنه مقرون بطعم تحرك شعبي غير مسبوق، لذلك فإن الحصار كان كفيلاً لاكتشاف صلابة الناس.حصار قبل مطلع الفجرويروي سلمان عطية (شاهد عيان من أبناء بني جمرة) ما واجهه من أحداث خلال هذه الفترة قائلاً: «يمكنني القول إن السلطات الأمنية اختارت الوقت غير المناسب لبدء الحصار على قرية بني جمرة ، لأنه كان قبل أذان الفجر، ففي هذه الفترة كل الناس كانت تتوجه للمساجد، ولذلك فإن قوات الأمن كانت مدهوشة من الجموع الآتية من كل القرية قاصدة جامع الإمام زين العابدين (ع) (القريب من بيت الشيخ الجمري) عن طريقين هما: طريق المقبرة وطريق البر».ويوضح عطية أن قوات الأمن الكثيفة التي كانت تحاصر الجامع استغربت من هذه الجموع الغفيرة، فتصورت أن ما حدث هو ردة فعل شعبية على قرار الحصار، مع أن الناس كانت تجهل ما كان يحدث أساساً، وكان التصور هو مجرد عملية اعتقال، لأن مسألة الحصار لم تكن معتادة، فظن الناس أنها مجرد اعتقالات.الطلقات في وجه الجماهيرويعتقد عطية أن ردة الفعل المباشرة من قبل قوات الأمن كانت هي الأخرى غير متوقعة... فقوات الشغب بادرت بإطلاق الرصاص الحي في كل مكان، وقد لاذ الناس بالفرار وهم مأسورون بهول الصدمة، كما قامت قوات الأمن بإبعاد كل الموجودين في البيوت المجاورة لمنزل الشيخ الجمري حتى تضمن أن يسير مخططها لمحاصرة الشيخ كما خططت له. ويروي عطية ما شاهده بأم عينيه قائلاً: « لم يكن نبأ اعتقال الشيخ الجمري حدثاً طبيعياً، ولذلك فإن الناس لم تفر إلى بيوتها كما توقعت الشرطة، بيتي كان قريباً من الحدث ولذا فإن أصوات الرصاص كانت تسمع فيه بقوة، لقد وقفت الجماهير محتارة، وتجمّع الناس في منطقة البر (المنطقة القديمة من بني جمرة)، لم تتوقف أصوات الرصاص فأردنا الخروج من المنزل، إلا أن الوالدة وقفت على الباب لتحول بيننا وبين الخروج».قتلى وجرحى يتساقطونويبيّن عطية أن «إطلاق الرصاص استمر لعشر دقائق، وكنا نسمع صوت طلقات مختلفة، وبعد مضي خمس دقائق، سمعنا صوت امرأة تصرخ بقوة... وكانت زوجة محمد صادق العرب الذي بترت رجله في ذلك اليوم... اقتربنا من مزرعتنا القريبة من المنزل، فجاء شخص وجهه مغطى بالدماء، وبالكاد كان قادراً على المشي (جعفر طالب)... أدخلناه في بيتنا ولكننا لم نكن نعلم حتى ذلك الوقت سبب صراخ المرأة».لم يتمالك عطية نفسه وهو يقص دقائق من الأحداث المؤلمة: «بعد لحظات وجدنا شخصاً آخر ملقياً على الأرض فوق عينيه دائرة سوداء تحوطها نقاط داكنة اللون، كان الجميع في حيرة لمعرفة هذا الشخص، لأن رأسه كان - بفعل النزيف الداخلي - أكبر من كرة قدم، ولاحقاً تعرفنا عليه وكان هو الشهيد محمد جعفر الذي كان يتنفس بشدة، بعدها سرنا خطوات ورأينا شخصاً ملقياً على بطنه وثوبه مسحوبة وكان يئن».وقد شاهدنا الطلقة التي أصيب بها وكان مضروباً أيضاً، إنه الشهيد محمد علي عبدالرزاق الذي كان مضروباً بعدة طلقات مباشرة... فكان يشتكي من شدة الألم، فالطلقة دمرته لأنها أصابته في موضع حساس، علماً أن الطلقات كانت توجه عن قرب، وبعد إدخاله إلى البيت كان يردد «أسعد، أسعد...»، وكان تشخيص جميع الموجودين انه كان فاقداً للوعي (ولكن عرفنا لاحقاً أنه يردد اسم ابنه)». وبحسب عطية فإن الشرطة كانت قد ضربت هذه المجموعة بصورة مفاجئة، وقد ابتعد الشهيد محمد علي عن هذه المجموعة، إلا أنه بعد إطلاق الرصاص على الشهيد محمد جعفر قرر أن يرجع إليه مرة أخرى، وسرعان ما قد ازدادت جموع الشرطة التي ظهرت بين النخيل فجاءت قوات أمن كثيفة فأطلقت عليه الرصاص، فأردته أرضاً.مصاب ملقىً وسط نخلة!ويعود عطية إلى حديث الذكريات بقوله: «بعد عشرين دقيقة عرفنا سبب صراخ المرأة، فزوجها (محمد صادق العرب)... تجمّع الشباب وجرت عملية بحث عن محمد صادق، وبعد ثلث ساعة رأينا زوجها ملقياً في وسط نخلة قرب مزرعتنا، ورأيت تحته بقعة كبيرة من الدم. قمت بالتدقيق في إصابته، إلا أن كسور العظم لمحنا فيها زوايا حادة، حاولت أن أحلل وظننت أنها ضربة أداة حادة، فرأيت أن أطلع على حجم الإصابة... وكانت عدنا سجادة قديمة سميكة فدحرجناه عليها، وهناك شخصان حملهما أحد الأشخاص، وهما الشهيد محمد جعفر وجعفر طالب، بينما الاثنان الآخرين فقد حملتهما في سيارتي «البيكب»، وهما محمد صادق العرب والشهيد محمد علي».الطريق إلى المستشفىتحيّرنا إلى أي طريق نسلك - يضيف عطية - بسبب الكثافة الأمنية وكان في نيّتنا أن نذهب إلى المستشفى الدولي، غير أن الرصاص لا يزال يطلق في بني جمرة، وخرجنا إلى قرية المرخ وقد أوقفنا أهالي المرخ وسألونا عما يجري، فشرحنا لهم الوضع، وطلبوا منا التقاط صور للتوثيق، ولكننا رفضنا لشدة الإصابات التي لا تتحمل أي نوع من التأخير، وكان ذلك على الأرجح بعد أذان الفجر ولكن المؤكد أن الشمس لم تظهر بعد... ويمضي قائلاً: «دخلنا قرية سار واتجهنا نحو دوار سار، إلا أن دوريتي شرطة كانتا واقفتين أيضاً ولكن لحسن الحظ انهما تحركتا بعد قليل وقد، واصلنا السير قاصدين المستشفى الدولي، وعند وصولنا المستشفى استقبلنا رجل أمن مدني كان يسجل أرقام السيارات، وبعد فترة بسيطة وصل الشخص الآخر الذي حمل مصابين آخرين وقد سلك طريقاً آخر».ولكن ماذا بعد الوصول إلى المستشفى؟ يجيب عطية: « قمنا بإدخال الجرحى الواحد بعد الآخر، وأدخلنا محمد صادق العرب الغرفة ووضعناه على السرير، لحد الآن لم يئنّ، لأنه مازال لا يعلم حجم إصابته، ثوبه كانت مرفوعة... كان واعياً ولكنه في حالة صدمة، عندما وضعناه طلب مني أن يرى مدى إصابته، فأبيت أن أريه إلا انه أصرّ عليَّ ورفع رأسه فساعدته، ورأى رجله فأغمي عليه مباشرة من شدة صدمته من حجم الإصابة.ويضيف «وعند إدخال جعفر طالب أتت زوجة الشهيد محمد جعفر وكانت موجودة في المستشفى بسبب الاعتداء عليها بالضرب المبرح هي ووالدتها فسمعت صوتنا، وبادرتنا بالسؤال عن زوجها... ارتبكنا، ولكنها أصرت علينا، فقلت لها: «اطمئني، هو تعرض لإصابة كالآخرين»، مردفاً «بعد ذلك، حاولنا أن نرجَع بني جمرة مرة أخرى ولكن «البيكيب» كان مملوءاً بالدماء، لم نتمكن من ذلك، فقد حوصرنا لثلاثة أيام خارج بني جمرة حتى قلَّ التشديد الأمني على كل منافذ القرية فاستطعنا الدخول لبني جمرة من منفذ ثانوي».«إنهم يريدون أن يعتقلوا الشيخ الجمري»أما فيصل الخباز (شاهد عيان ومصاب) فيقول: بالنسبة إلى اعتقال الشيخ الجمري فقد كان أمراً متوقعاً، فقد كان الشباب يتوقعون ذلك في أية لحظة، وكانوا يتواصون بالدفاع عن الشيخ الجمري، وفي ليلة السبت كنت عند والدتي إلى وقت متأخرٍ من الليل ومن ثم رجعت إلى حجرتي وألقيت بنفسي. وقبل نحو نصف ساعة من الأذان انتبهت على صوتٍ غريب: «إنهم يريدون أن يعتقلوا الشيخ الجمري».ويضيف الخباز «كان الصوت حلماً بالنسبة لي، فبادرت ولبست ثوبي للصلاة، وايقظت زوجتي، وقلت لها: إنني أتوقع عدم رجوعي إلى المنزل، فقالت: ولم؟ فأخبرتها أنني أسمع صوتاً يقولون «إنهم سيعتقلون الشيخ الجمري»، نزلت زوجتي خلفي ونزل خلفنا ولدي مهدي وكان صغيراً حينها، وتوجهت إلى الشخص، وكان عبدالأمير عبدالوهاب هو من ينادي في المأذنة».المقبرة تتحول إلى ثكنة أمنيةويواصل الخباز حديثه قائلاً: «جاء أستاذ عمران حسين للمنزل، وأخبرنا أن الشيخ الجمري محاصر وأن المنازل تم الاستيلاء عليها وإخراج أهلها، وقد بادرت إلى الخروج رغم معارضة البعض خوفاً علَيَّ، إلا أنني أصريت وذهبت إلى بيت الشيخ الجمري وأثناء مروري بجانب المقبرة متجهاً لمنزل الشيخ، توقفت لأتامّل، وكنت أدقق النظر عند الزاوية للتأمل إلى المقبرة فرأيت حركة غريبة في المقبرة فدققت النظر وإذا بالمقبرة كلها تحوّلت إلى ثكنة أمنية، فتوقفت عن الرواح، وصرت أفكر «ماذا نفعل»؟، فكان القرار أن نكبّر في كل المساجد، فطلبت من أحد الإخوة تشغيل المبكرات الصوتية في جميع المساجد، وبدأنا نتنقل من مسجدٍ إلى آخر للتكبير.التكبير يصدح من مآذن بني جمرةوكانت البداية من مسجد الوسطة (أبا ذر الغفاري حالياً) وبدأنا التكبير وتجمع الناس شيئاً فشيئاً، وأخذت المسيرة تتجه إلى المسجد الآخر وهو مسجد الإمام علي(ع)، وفي طريقنا كان بعض الأشخاص يطرقون المنازل ليخبرونهم عن اعتقال الشيخ، والمسيرة يزيد عددها بشكل واسع، وقامت جماعة بالتكبير في مسجد الإمام علي، وعندما وصلنا إلى قرب بيت علي محمد، ونحن متجهين إلى مسجد الخضر، وهنا المسيرة بلغت ذروتها من كثرة المشاركين، الذين وصل عددهم في هذا التجمع العفوي إلى نحو 500 شخص، وكان هذا العدد كبيراً، رغم أنه في وقت الفجر، وعندما وصلنا مسجد الخضر بدأ بعض الأشخاص في المسيرة بترديد بعض الشعارات، إلا أن البعض نهاهم، وأفهمهم أن هدفنا أكبر من مجرد شعارات!المسيرة تتفرق إلى اتجاهات شتىويضيف «عندما وصلنا مسجد الخضر سمعنا أصوات الطلق بكثافة، وبدأت المسيرة تتراجع إلا أن الشهيد محمد علي عبدالرزاق وهو من شهداء يوم السبت الأسود كان مرابطاً، وطلبت منه الخروج من مسجد الخضر، ومسيلات الدموع كانت تضرب فوق المسجد، وهنا تفرقت المسيرة إلى مناطق مختلفة، ولكن القسم الأكبر بقي معنا، ودخلنا إلى الممر القريب من مأتم الانثيعشرية ، وعندما وصلنا زاوية المأتم (الشرقية الجنوبية) هنا أصيب «أسعد» ابن الشهيد محمد علي عبدالرزاق برصاصة في ظهره، ولكن أباه كان قوي الجأش، وحاول أن يهدئه، فأخذ ولده إلى مكان آخر، فاتجهنا إلى البر، وهنا فوجئنا أن كل شبر في القرية تحوّل إلى (معسكر)، ولم يبقَ محل في القرية يمكن الاختباء فيه، الكل بدا محتاراً وهو يبحث عن الوجهة الأنسب».ولكن عندما رجعت إلى السدرة (سدرة الشيخ كما يعرفها أهالي بني جمرة) حاولت أن أركض فضربوني بالرصاص، ومن حرارة الضربة، لم أتوقف بل سرت مهرولاً إلى أن وصلت بالقرب من مأتم الخضر، فوجدت كراجاً بجانبه سيارة وزحفت ودخلت تحت السيارة، وقد كنت أنزف إلى أن بلغت نفسي الموت، وكان رجائي أن أرى الشيخ الجمري... بعد هذه الخاطرة كأنما ذهب عني كل شيء وكأنني لم أصَبْ فنهضت وذهبت أجري بسرعة».ويشرح الخباز اللحظات الأخيرة التي رآها في القرية بقوله «تفاجأت مرة أخرى بأن سيارة الشغب نازلة وكنت آتياً من مسجد الخضر متجهاً لمأتم الاثنيعشرية. وكان أمامي برميل للقمامة في الطريق وأنا من سرعتي ضربت البرميل، وهذا المنظر أرهب الشرطي، وأنا لم ألتفت إلى الخلف وواصلت المسير إلى أحد البيوت و طرقت الباب، إلا أن بعض الأبواب لم تفتح خوفاً من ملاحقة الشرطة. فالتفتُّ للخلف ورأيت أن قوات الأمن قد غادرت، وصارت عندي طمأنينة وجئت مسجد الوسطة وتفاجأت بوجود أحد الأشخاص الذي أوصلني إلى منزلي... وقعت على الباب، بينما زوجتي وولدي كانا في المسيرة ولكن لم أكن أعلم عنهما شيئاً، وقد غبت عن الوعي وما أتذكره هو أنني في المستشفى الدولي وانتبهت على السرير، وعندما تقيأت دماً خفّ عني الوجع كثيراً، وصرت في وعيي الكامل، وكنا نسمع أصوات الطلق في محيط المستشفى».استيقظنا على أصوات الحواجزأمام منزل الشيخ الجمريأما جعفر عبدالحسين منصور (جار الشيخ الجمري من جهة الشرق) فيروي لقطات من الحصار المحكم على منزل الشيخ قائلاً: «لقد استيقظنا في يوم السبت الأسود (1 أبريل 1995) في الساعة الثانية والنصف صباحاً على أصوات الحواجز التي ألقتها قوات الأمن في الأرض، وكان ذلك مثار استغراب، ففي بادئ الأمر كانت هناك مضايقات مختلفة للشيخ، نظرت من غرفة السلّم (الدرج) فرأيت قوات الأمن يطوقون بيت الشيخ الجمري، كما داهموا غالبية البيوت الملاصقة لبيت الشيخ، أرادوا عزل الشيخ الجمري، وبدأوا إخراج أبناء الشيخ، كانت قوات الأمن ترصد كل شي، في بادئ الأمر اعتقدنا أنها إجراءات سريعة، ولكن الحواجز جعلتني متيقناً أن الهدف هو فرض إقامة جبرية على الشيخ الجمري وأن المسألة ستطول كثيراً».يوم استثنائي في تاريخ البحرينكل شيء كان ممنوعاً، لأنه يوم استثنائي لم يمر ليس فقط على بني جمرة وإنما البحرين من قبل. يضيف منصور «في السادسة صباحاً سمعنا صوت الرصاص عن بعد، وسمعنا التكبيرات أيضاً، وسمعت أحد المسئولين الأمنيين أمام منزل الشيخ يوجه الشرطة إلى ملاحقة الخارجين في القرية، وكنت مستعداً لأن أنقل بناتي إلى المدرسة، وجعلتهن يفتحن الباب أولاً لأختبر رد قوات الأمن الذين طلبوا من بناتي الرجوع إلى المنزل، فخرجت لهم فقال لي أحد المسئولين الأمنيين: ارجع بيتك لا يوجد أي شيء اليوم!».ويضيف «رجعنا البيت، وكنا نريد الاطمئنان على وضع الشيخ الجمري، لم أذهب الدوام إلا عند الساعة الواحدة عندما طلبت من الشرطة أن أذهب لعملي في أمرٍ شديد الأهمية، وفي العمل تم إخباري عما جرى في القرية».ويشير منصور إلى أن الطوق الأمني قد أحكم على مجمع المنطقة 539، فقد نصبت العديد من نقاط التفتيش، كانت في البداية نقطتين للخروج والدخول، ولاحقاً اقتصروا على نقطة واحدة، فإذا كان العنوان على المجمع المذكور يسمح لصاحبه بالدخول ويرفض ما سواه، ولا يسمح الدخول إلا في فترات محدودة فضلاً عن تفتيش دقيق للسيارة، فأحياناً بعض المفتشين لا يعرف البطاقة، فيطلب مني جلب تصريح من مركز البديع للدخول إلى القرية. تم التضييق على المنطقة، والتفتيش لم يقتصر على السائق بل شمل جميع ركاب السيارة.كنا نرى بعض التحركات وقد انقطعت الأخبار عن الشيخ الجمري «لقد كان هاتف منزل الشيخ مقطوعاً، ولم نكن نعرف شيئاً سوى أن منزل الشيخ كان مطوَّقاً بشدة، ومنعوا أيَّ اتصال للشيخ بالعالم الخارجي، والأمر الأكثر غرابة أننا كنا نتلقى الأخبار عن وضع الشيخ الجمري من إذاعة البي بي سي، واستمر الحصار الأول لمدة أسبوعين، وحسب ما كنا نعرفه أن الشيخ رفض أن يتنازل عن كل شيء في مقابل رفع الحصار».قوات الأمن تسيطر على منزل الشيخإلى ذلك يقول مهدي عبدالأمير الجمري: كنت صغيراً، إلا انني بعدما استيقظت من النوم، رأيت قوات الشغب داخل المنزل، في الطابق الأرضي، وفي الطابق العلوي كانت شقة أخي جميل فيها شرفة (بلكونة) وثلاثة من قوات الشغب، وحتى فوق السطح كانوا يقفون مدججين في السلاح ليراقبوا محيط المنزل، فهذا الطوق كان موجوداً في الداخل والخارج، كما أزيلت من المنزل كل الأجهزة والكتب.وكانوا يحاولون الدخول إلى داخل القاعة التي يوجد فيها الشيخ، كنا لا نستطيع الخروج إلى داخل المنزل، ما أتذكره أن أختي كانت حاملاً وأتوا بممرضة، وكانت خالتي معنا فانحجزت لأسبوعين في داخل المنزل، كنا نسمع طلقات الرصاص، وكانت النافذة مفتوحة، فتألم الوالد من الأخبار السيئة المتوالية من القرية.ولكن الأخبار السيئة لم تنتهِ برفع الحصار!
العدد 2258 الثلثاء 11 نوفمبر 2008 الموافق 13 ذو القعدة 1429 هــ

الانتفاضة5

اقرأ الحلقة الخامسة من "تسعينات البحرين": «جماعة المبادرة» تنطلق من السجن و تعود إلى السجن
الوسط - حيدر محمد

var photos=new Array()
var photos2=new Array()
var photosAlt=new Array()
var photosAlt2=new Array()
var which=0
//define images. You can have as many as you want:
photos[0]='http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/archive/2251/images/002_Alwasat-041108-90.jpg'
photos2[0]='http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/archive/2251/images/008_Alwasat-041108-90.jpg'
photosAlt[0]=''
photosAlt2[0]=''
//imgsCount.innerText = "1 - " + photos.length;

//do NOT edit pass this line
var preloadedimages=new Array()
for (i=0;i0){
which--
applyeffect()
document.images.photoslider.src=photos[which]
document.images.photoslider2.src=photos2[which]
playeffect()
document.images.photoslider.title=photosAlt[which]
NewsDetails_ImageExpaned_desc.innerText=photosAlt2[which]
keeptrack()
}
}
function forward(){
if (which

document.write('')


document.write('')

document.write(photosAlt2[0]);

الأحداث التي عصفت بالبحرين ابتداءً من ديسمبر/ كانون الأول 1994 استمرت في التصاعد مع فرض الحصار المنزلي على الشيخ عبدالأمير الجمري من 1 حتى 15 أبريل/ نيسان 1995... واختفت كثير من الوجوه في السجون التي امتلأت من كل حدب وصوب، وشعر طرفا النزاع في الساحة البحرينية أن ثمة حاجة لحلٍ يوقف السيل الجارف للأحداث الذي شهد حلقات دموية، وباتت الأمور أقرب إلى الفصل، لأن كلا الطرفين (الحكومة والمعارضة) دفعا ثمناً باهظاً لدوامة المواجهات المستمرة.ويرجع الكثير من المراقبين إقدام السلطات الأمنية على فتح قناة حوار مع قيادات المعارضة بأنه استشعار بخطورة المدى الذي وصلت إليه التجاذبات، لكن الآخرين يرون أن الحوار كان يمثل ورقة أخرى بيد السلطة تستخدمها متى ما استفحلت الأمور أو بدا لهم أنه قد حدث أمر خارج عن الحسبان. ربما أن قوات الأمن قد بدا لها أنها أحكمت سيطرتها في منتصف 1995، ولكن هذا التصور تبدد لاحقاً بعد مقتل نضال حبيب النشابة (18 عاماً) بالرصاص في الدراز في 4 مايو/ أيار 1995، ومن ثم سقوط سعيد الإسكافي (16 عاماً) قتيلاً في السجن في 8 يوليو/ تموز 1995... والحدث الأخير كان مؤلماً جداً وتسبب في كسر الهدوء النسبي الذي ساد تلك الفترة، وخرج جيل جديد للمواجه مع قوات الأمن. بعد ذلك بدأت أخبار من السجن تتسرب عن مبادرة للتهدئة الأمنية كتمهيد أولي للدخول في حوارات سياسية.في منتصف العام 1995 بدا لفترة وجيزة أن الأمور قد هدأت، إذ كان شهر يونيو/ حزيران من أخف الشهور من ناحية الأحداث. كثير من الناشطين المعروفين آنذاك دخلوا السجن، وكثير من سائل الاتصال بين مجموعات المعارضة في الداخل والخارج قد ضربت... فالهواتف العمومية كانت هي الوسيلة اليومية آنذاك للتواصل بين المعارضين في الداخل والخارج، ولكن هذه الهواتف تم حرقها من قبل قوات الأمن على ما يعتقد، لأنها كانت تتضرر منها. ثم ان حرقها كان سيبدو وكأنه جزء من الحرائق التي تتسبب بها الأحداث آنذاك، وإضافة إلى ذلك كان يمكن للمخابرات تتبع من يراسل عبر الفاكس. الإنترنت والمعارضة في منتصف العام 1995 كانت المعارضة البحرينية قد طورت قدراتها للدخول في عصر جديد من الاتصالات. في تلك الفترة لم تكن خدمة الإنترنت معروفة بالشكل الذي عليه الوضع حالياً، ولكن الناشطين في الداخل والخارج كانوا على علم واطلاع بأهمية هذه الخدمة الجديدة. عن هذا الموضوع يقول المتحدث السابق باسم حركة أحرار البحرين منصور الجمري: «بعد أن امتلأت السجون بالناشطين، تقطعت خدمات الهواتف العمومية، وكانت هناك حاجة لمعرفة مجريات الأمور على نحو يومي، وكانت هناك شركة تقدم خدمات إنترنت، وكانت رائدة في مجالها آنذاك وتستخدمه المصارف والمؤسسات الكبيرة اسمها «كمبيو سيرف»، وهذه كانت سابقة لخدمة الإنترنت العامة التي توفرت لاحقاً... وقد كان لتوفر هذه الخدمة أهمية كبير، إذ اشترك ناشطون في الداخل والخارج بعدة اشتراكات في هذه الخدمة النوعية، ولذا عادت المعلومات تتدفق وبشكل أكبر بكثير من السابق. ثم ان المعارضة دخلت على الإنترنت في النصف الثاني من 1995 وربما كانت من أوائل المعارضات العربية لتي استخدمت الإنترنت بشكل واسع آنذاك». ويوضح الجمري أن المعارضة من خلال هذا التطور التقني أصبح لديها اطلاع أكثر دقة من خلال شبكة الناشطين في الداخل.ومن هنا، وجدت الحكومة أن الأمور قد لا تسير لصالحها، لذا اختارت أن تطفئ جذوة الأحداث من خلال مبادرة أمنية يجرى تنفيذها على دفعات من شأنها أن تخفف الاحتقان الذي بلغ مدى قد لا يمكن مجاراته بالقمع فقط.مبادرة من نافذة أمنيةالساحة في الداخل عادت إلى التوتر في شهر يوليو 1995، وذلك بعد مقتل سعيد الإسكافي داخل السجن، وكانت قوات الأمن تعتقد أن الأمور استتبت، لكن الذين خرجوا في تلك الفترة هم جيل آخر، وطاقات شابة، تشاركهم النساء والرجال من كبار السن، فالانتفاضة كانت شعبية، بمعنى أن جميع الأعمار شاركت فيها، وكانت الاعتقالات تطال عوائل بأكملها، إذ أصبح من المعتاد حينها أن تسمع أن شخصاً ما معتقل مع ثلاثة أو خمسة من أبنائه. مدير الأمن العام ورئيس المخابرات ايان هندرسون في داخل السجن بدأ بفتح حوار مع رموز المعارضة، الشيخ عبدالأمير الجمري والناشط عبدالوهاب حسين والناشط حسن مشيمع، وعدد من علماء الدين الشباب الذين كانوا في السجن. عن هذه المبادرة يقول منصور الجمري: «إنه في منتصف 1995 بدأت الحكومة تتحرك على خط المعالجة الأمنية لما حدث في الانتفاضة، وأرادتها وزارة الداخلية أن تكون المبادرة عبارة عن إفراجات لمعتقلين على دفعات، وهذه الفكرة تبدو سليمة إذا كانت مقدمة للحل السياسي، ولكنها لم تكن كذلك كما توقعنا منذ البداية، فالمشكلة لم تكن أمنية أساساً وإنما نتجت بسبب مشكلة سياسية، ولكن في هذه الفترة بدأت الإشارة إلى الإفراجات، وبدا أن الحراك الشعبي قد عاد ولكن بزخم مختلف، فقد تغير الحزن إلى فرح ونظمت احتفالات جماهيرية كبرى في عدة مناطق، وبدأت الساحة تعرف مظاهر جديدة لم تشهدها البحرين من قبل».ويضيف «في لندن، اتصل بنا أحد الأشخاص المعروفين، وقال إنه يحمل رسائل من جهات مسئولة وأعتقد أنه كان يقصد هندرسون، وقال إن الأمور يجب أن تهدأ، وطلب إعطاء فرصة، بما في ذلك عدم استهداف هندرسون شخصياً، وقد اجتمعت مرتين في فترات متباعدة مع هذه الشخصية، وحضر في المرة الثانية معي الشيخ علي سلمان، وكان واضحاً منذ اللقاء الأول أن الهم الأساسي ينصب نحو تهدئة أمنية من غير أن تكون مقدمة لحل سياسي».الالتفاف الشعبي حول رموز المعارضةفي 25 سبتمبر/ أيلول 1995 أفرجت وزارة الداخلية عن الشيخ عبدالأمير الجمري، واحتشدت الجماهير من كل مكان للترحيب به وبجماعة المبادرة الذين خرجوا من السجن في فترات متقاربة، معهم مئات من المعتقلين. الالتفاف الشعبي على رموز المعارضة تصاعد يوماً بعد يوم ولكن الحكومة اعتبرت أن ما حدث قد يحرف مسار الهدف الأمني، لأنه زاد من ثقة الناس بالمعارضة، وبالفعل لم يروق للسلطة أن ترى تعزز موقع الرموز بشكل غير مسبوق، وخصوصاً مع تصاعد تأثير قيادة الساحة الإسلامية الشيعية باسم «جماعة المبادرة» التي أرادت الحكومة الاستفادة منها لتهدئة الشارع، ولكن سرعان ما سرى الشك لدى الطرفين بأن أمراً ما سيحدث خلافاً للاتفاق الأمني.هذا الشك أصبح معززاً بعدة قرائن، فرغم الاتفاق على التهدئة إلا أن قوات الأمن لاتزال متركزة في عدد من الأحياء السكنية، وهذا كان خلاف الاتفاق الأمني أساساً، بل جرت لاحقاً اعتقالات جديدة في صفوف الناشطين والشباب في حين أن المفترض هو خروج المعتقلين وليس اعتقال آخرين. كما أن المحاكمات المخطط لها أن تجري سابقاً قد جرت فعلاً، ويرجع بعض المراقبين حدوث اختلاف داخل دائرة القرار السياسي حيال التصرف الأمثل مع التداعيات الجديدة التي خلقها الاحتضان الشعبي لقادة المعارضة الخارجين من السجن تواً.في هذه الفترة تحولت المعارضة البحرينية إلى مثلث أضلاعه الثلاثة هي: جماعة «أصحاب المبادرة»، «لجنة العريضة»، ومجموعة لندن المتكونة من حركة أحرار البحرين وعلماء الدين الثلاثة الذين أبعدوا من البحرين واستقروا في لندن منذ مطلع 1995.كل طرف من الأطراف الفاعلة كان يحاول أن يراجع ما حدث من تطورات ويقارن بينها وبين الأهداف التي أعلنتها العريضة الشعبية وبيانات لندن وما جاء في مبادرة التهدئة الأمنية... وكان الجميع يسعى للإمساك بزمام المسيرة لكيلا تنحرف عن مسارها السلمي. ولكن الأحداث كانت سريعة جداً والحكومة بدت غير قادرة على أن تواكب الحراك الذي يطالب بالحل السياسي، كما أن جماعة المبادرة لم تقدر على تحمل العبء الذي حل عليها، فأعلنت الاعتصام في منزل الشيخ الجمري لمدة عشرة أيام، انتهت في 1 نوفمبر 1995 باحتشاد كبير، وصلت تقديراته آنذاك إلى 85 ألف شخص تجمعوا حول منزل الشيخ الجمري، وتحولت المنطقة إلى بحر من البشر يهتفون بالوقوف مع «جماعة المبادرة» ويطالبون بتفعيل بنود التهدئة الأمنية وفتح الحوار السياسي حول المطالب المطروحة.الناس بدأت تحتشد في الأيام التالية، ولكن الاعتقالات عادت وازدادت، وجرت عدة حوادث أبرزها في منطقة النعيم، ومع سيطرة المظاهر الأمنية في نهاية العام 1995 فشل مشروع التهدئة الأمنية لأسبابٍ عدة.من المسئول عن إفشال المبادرة؟ثمة أساب تجمعت مع بعضها لتشكل نهاية سريعة لقصة المبادرة، ذاك أنها لم تعالج الشقق السياسي الذي كان وقود الاضطرابات الأمنية... هذا ما يراه الكثيرون.وفي حديث للشيخ علي سلمان مع «الوسط» يشير إلى جملة أسباب أدت إلى الإجهاز على المبادرة، وعلى رأسها الوضع الأمني.ويوضح الشيخ علي سلمان «بعد الاعتقالات الواسعة، تراجعت العريضة إلى الوراء خطوات في المطلب الشعبي، وهذا من إفرازات الواقع المرير آنذاك، فالتحرك كان على مطلب سياسي، ووجد الناس أن الحكومة أفرطت في الاعتقالات، وأن يعيشوا أشهراً طوالاً من الأحكام العرفية فلا يخرجون من بيوتهم بعد الثامنة مساء، وتغرق قرى شارع البديع في الظلام، وكذلك سترة، فهذه الضغوط كان لابد من معالجتها، ولكن لم يكن ذلك على حساب المطلب السياسي، فقد كانت القيادات المعتقلة تصر على أن خروجها لن يوقف سيرها في المطلب الشعبي، وأنها لن تبيع موقفها مقابل الحرية».في العامين 1995 و1996 تم تشكل ما أسمي بـ «المبادرة»، ومفادها تهدئة الحال الأمنية من أجل الدخول في حوار سياسي، وأن يخرج المعتقلون على دفعات، وآخر دفعة تكون مع الشيخ الجمري، وهذا الحوار كان يدور مع وزير الداخلية وإيان هندرسون، على أن تنهى الحال الأمنية في 25 سبتمبر ليبدأ الحوار السياسي مع جميع القوى السياسية في البحرين.لم تفِ السلطة بالشقين، فلم تطلق كل المعتقلين، وكذلك التدخل في الحوار السياسي، ما أدى إلى تجدد دوامة الحوادث، فقد كانت هناك رسل من الدولة توجهت إلى مدينة قم للتكلم عن الحل الأمني، ولكنها كانت تتجنب الحديث عن الحل السياسي، فهذا الجانب مسكوت عنه تماماً.لم تمتْ «لجنة العريضة»، ولكن الثقل انتقل منها إلى «لجنة المبادرة»، وتسلط الضوء عليها أكثر، وجرى اعتقالها الثاني في 20 يناير/ كانون الثاني 1996 لتدخل في اعتقالات أخرى لمدة خمس سنوات.في فترة من الفترات تم تقليب الأمر على أوجهه كافة، هل من الممكن اللجوء إلى السلاح؟ فكان هذا الخيار مرفوضاً، ومن يتخذ مبادرة من تلقاء نفسه نحاول الوصول إليه لمحاولة تهدئته حتى لا يفسد الأمر على الانتفاضة، فليس من مصلحتنا «عسكرة الانتفاضة»، فقوتنا تكمن في المطلب السياسي الواضح ذي الطابع السلمي.اللورد ايفبريفي الخارج كانت المعارضة تنشط بصورة حثيثة، وازدادت في نشاطها، وبرزت على السطح عدة منظمات حقوقية وقفت مع قضية المطالب الشعبية، كما برزت أسماء لشخصيات عديدة، عرف منها بشكل متكرر «اللورد ايريك أيفبري». فكيف توثقت علاقاته مع المعارضة بشكل كبير؟ وفقاً لمنصور الجمري فإن قصة اللورد أيفبري مع البحرين بدأت بصفته رئيس المجموعة البرلمانية لحقوق الإنسان وهي مجموعة تطوعية أعضاؤها من مجلسي العموم واللوردات في البرلمان البريطاني، وفي بادئ الأمر تبنت هذه المجموعة الحقوقية قضايا البحرينيين الذين لا يسمح لهم بالدخول في المطار ليعطوا جوازات سفر يرحلون بعدها إلى سورية أو الإمارات أو إلى أي مكان آخر.وهذا كان أول ما أثار انتباه المجموعة البريطانية، فطلب اللورد أيفبري لقاء مع السفارة البحرينية في لندن، وبعد عدة اتصالات قدّمت السفارة وعوداً من الجهات الرسمية بترتيب زيارة إلى اللورد أيفبري في العام 1994، ليتسنى له الذهاب إلى البحرين ليطلع بعينيه عما يحدث فعلاً، وأن ما سمعه من منع أشخاص دخول البحرين مجرد أكاذيب تروجها جهات مغرضة.ولكن ما حدث لاحقاً أن السفرة المقررة في نهاية 1994 ألغيت بأعذار اعتبرها اللورد أيفبري واهية ولا تشكل سبباً حقيقياً وراء منع الزيارة، وطلب الزيارة الموعودة بإلحاح. رداً على ذلك أرسلت الحكومة وفداً برئاسة مسئول رفيع المستوى، والتقى هذا الوفد باللورد أيفبري في لندن، وعرض عليه مجريات الوضع في البحرين. وتساءل أيفبري عن قانون أمن الدولة، ورد عليه المبعوث الرسمي بأنه لا يوجد قانون تحت اسم «قانون أمن الدولة»، وقال إنه بحسب قانون البحرين فإن الشخص لا يسجن ثلاث سنوات من دون محاكمة، وان ما سمعه من بعض الجهات إنما هو محض افتراء. ويشير الجمري إلى أن «اللورد أخذ هذا الرد - أنه لا وجود لشيء اسمه قانون أمن الدولة - وذهب إلى منظمة العفو الدولية وحقوقيين آخرين وطلب منهم تزويده بترجمة لقانون أمن الدولة الذي سمع عنه كثيراً، كما سأل جهات محايدة، وجميع هذه الجهات أكدت له أن قانون أمن الدولة موجود وهو ساري المفعول».تأثر اللورد أيفبري كثيراً بما سمعه من معلومات مغلوطة من الموفود الرسمي وقام بتحويل غضبه إلى توجيه جزء كبير من عمل المجموعة الحقوقية البرلمانية إلى قضايا البحرين، وخصص أحد الناشطين لمساعدته في رصد ما يحدث في البحرين وهذا الناشط أصدر كتيباً في وقت لاحق باللغة الإنجليزية بعنوانSpeak Together of Freedom, The Present Struggle for Democracy and Human Rights in Bahrain.ووثق هذا الكتيب أن ما يجري في البحرين من انتهاكات للقانون أمرٌ واقع. اللورد أيفبري اعتبر أن الجهات الرسمية حاولت استغفاله وأنه لا يمكن أن يصمت على ذلك، هذا إضافة إلى أنه ينشط لصالح قضايا حقوقية في إندونيسيا وسيراليون وإيران، وغيرها من المناطق. المعارضة تستعين بأصدقائهاوفي هذه الفترة نشطت كل مجموعات المعارضة في الخارج، اليسارية والإسلامية على حد سواء، ووظفوا علاقاتهم لصالح الانتفاضة، فاليساريون الذين يمتلكون صداقات في فرنسا مع شخصيات ومنظمات لها ثقلها بدأوا ينشطون من أجل إيصال قضية البحرين، كما أن المعارضة في لندن حصلت على مساندة وتعاطف من قبل عدة منظمات مهمة مثل «منظمة المادة 19» ومنظمة «اندكس لحرية التعبير» ومنظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الإنسان التابعة لجمعية المحامين البريطانية، كما توثقت علاقات جماعات المعارضة مع منظمات غير حكومة ومؤسسات أكاديمية وجهات برلمانية وحقوقية وإعلامية، فضلاً عن أن النشاط الكبير للمعارضة تركز أساساً في العواصم المؤثرة في العالم ومنها واشنطن ولندن وباريس وجنيف. كما وصل صوت ورأي المعارضة إلى الجهات المؤثرة وأصبحت له الأولوية في الصحف الرئيسية مثل: «الفايننشال تايمز» ومجلة «الاكونوميست» وصحيفة «وول ستريت جورنال»، و «التايمز» و «الاندبندنت» التي كتب فيها روبرت فيسك حلقات كثيرة عن البحرين، كل هذا الزخم الإعلامي أدى إلى أن تصبح المعارضة آنذاك مصدراً موثوقاً به ومعتمداً إلى درجة كبيرة لدى جهات مؤثرة كثيرة.طأفنة الانتفاضةيرى الشيخ علي سلمان أن السلطة اختارت أن تعيد اللعب على الوتر الطائفي لحصار التحرك الشعبي قائلاً: «مارست السلطة سياسة ليست بالجديدة، وهي التركيز الطائفي في سياسة العصا الغليظة حتى تبين أن المطالبة بالبرلمان والدستور هي مطالب شيعية وليست وطنية. وهذا الأمر معروف منذ الوقت المبكر من الثمانينيات عندما بدأت الحال الإسلامية تنشط، والقوى الأمنية إن أرادت الاعتقال خارج هذا الإطار فإنه يكون اعتقالاً محدوداً، أو التهديد، فلقد أبلغت شخصيات شاركت في العريضة بأن عليها أن تفك ارتباطها بالشيخ الجمري، وقد تكون قناعات البعض تغيرت». غير أن المحامي عبدالله هاشم يؤكد أن «الشارع كان واعياً بأهمية لجنة العريضة الشعبية وألا يهمّش دورها بفعل الحظوة والتجمعات التي أحاطت بقيادات المبادرة تعبيراً عن الولاء لقيادة المبادرة، فأخذت الأمور تسير في اتجاه أن هذه الانتفاضة شيعية، ويجب أن تكون قيادتها منها، وكانت الأسئلة التي أتت من الشارع لقيادة المبادرة في جامع الإمام الصادق في الدراز، كانت تقول بوجوب عدم إهدار الوحدة الوطنية المتمثلة في لجنة العريضة الشعبية، وكذلك وجوب أن تتمثل وجوه لجنة العريضة في المحاضرات والفعاليات وعدم الانفراد في المسألة».ويرى هاشم أن الأمور سارت ببعد إسلامي طائفي، فبعد كل الوقفة التي وقفتها لجنة العريضة الشعبية، وخصوصاً رموز معينة منها أحمد الشملان الذي كان له دور فاعل لا يستطيع أحد أن يقيده اليوم، ولكن عندما خرجت قيادات المبادرة وأرادت أن تخلق حالاً من الوحدة الوطنية، دعت إلى إقامة ندوة مركزية في عالي يشترك فيها كل من الشيخ عبداللطيف المحمود، وعبدالوهاب حسين، ولم يُدعَ أيٌ من الوطنيين الذين وقفوا وقفة صارمة مع العريضة، فكانت النظرة السائدة في ذلك الوقت تتدرج من الطائفة، وإن نزلت فتنزل إلى «المسلمين»، وكأن الوطنيين هم خارج حظيرة الإسلام... هذه الندوة لم تُقم لأن قوات الأمن منعتها، ولكنني أوردها لرمزيتها في إحداث حال الوفاق الوطني، ونظرة «المبادرة» إليه، وهذه من الأخطاء التي وقعت فيها الحركة، وما بقي من لجنة العريضة إلا أن يزورها عبدالوهاب حسين مثلاً، أو أن يذكرها في مجلس أو خطبة». ويرجع هاشم سبب إعادة اعتقال قيادات «المبادرة»، لأنها لم تحقق الشق الأمني المرتجى منها من قبل النظام، فلم يفرج النظام عن كل المعتقلين كما كان متفقاً عليه، وبالتالي، وجدت جماعة المبادرة أن الشارع لايزال يغلي، فإما أن تقوده وهو في حال الغليان تلك، وإما أن تنحى، وفي كلتا الحالين، فإنها لا تستطيع الإيفاء بالشروط التي اتفق عليها في السجن.تسارعت الحوادث مع نهاية 1995، وازداد التواجد الأمني، وعادت الاعتقالات، وفي مطلع العام 1996 اشتدت الأمور كثيراً، وبدا واضحاً أن الحكومة اعتبرت نفسها في حل من أي اتفاق مع «جماعة المبادرة».في 20 يناير 1996 فرضت قوات الأمن الحصار المنزلي مرة أخرى على الشيخ الجمري، وعادت مظاهر الاشتباكات والمصادمات والاعتقالات مرة أخرى للساحة. وفي 21 يناير 1996 أعيد اعتقال الشيخ الجمري وتبدأ مرحلة قاسية من مراحل الانتفاضة لم تشهد لها البحرين مثيلاً من قبل.
العدد 2251 الثلثاء 4 نوفمبر 2008 الموافق 6 ذو القعدة 1429 هــ
طباعة
ارسل لصديق
حفظ
اضف تعليق
Processing, Please Wait
اسم المستلم
*
بريد المستلم
* *

اسمك
*
بريدك الالكتروني
* *

Processing, Please Wait
اسمك
*
بريدك الالكتروني
* *
البلد
اختر البلد البحرين قطر المملكة العربية السعودية الإمارات العربية المتحدة الكويت عُمان مصر العراق إيران الأردن لبنان ليبيا المغرب سوريا تونس اليمن الجزائر إثيوبيا جيبوتي مدغشقر السودان الصومال الإتحاد السوفيتي السلفادور رومانيا يوغسلافيا جنوب أفريقيا زامبابوي السويد سنغافورة الفلبين باكستان بولندا البرتغال برغواي تركيا المملكة المتحدة الولايات المتحدة الأمريكية أورغواي أوزبكستان فيتنام موريتانيا المكسيك ماليزيا موزمبيق النيجر هولندا النرويج نيوزيلاندا سريلانكا كازاكستان اليابان كينيا كمبوديا الدنمارك إسبانيا إيطاليا جامايكا فرنسا بريطانيا العظمى المملكة المتحدة جورجيا غانا اليونان كرواتيا إندونيسا إيرلندا الهند أفغانستان إسلامية. ألبانيا آرمينيا الأرجنتين النمسا استراليا بانغلادش بلجيكا بوركينا فاسو بلغاريا البرازيل كندا الكونغو سويسرا تشيلي كاميرون الصين كولومبيا كوستريكا كوبا قبرص ألمانيا *

عنوان التعليق
*
التعليق
*
function Validatecomm_body(source, arg){
if(arg.Value.length > 500)
arg.IsValid = false;
else
arg.IsValid = true;
}

*

@import url('http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/templates_files/themes/orange/style.css');

Processing, Please Wait

1. رائع يا وسطنا الحبيبة
بواسطة عبدالله ما أروعكم وأنتم تحرجون الصحف الصفراء وترغمونها على طرح الحقائق والا سوف يكونون صفراً على الشمال. من بداية قراءتي للملف أحسست أن أمور كثيرة غائبة عنا نحن شعب الانتفاضة وأنا الان أنتظر بشوق لقراءة باقي الملف . الشكر موصول لرائد الركب الصحفي في البحرين ومهندس سياسة شطب الصحف الصفراء الدكتور الفذ منصور الجمري رئيس تحرير صحيفة الوسط الذي عرف شلون يلعبها مع ..... !!
2. ذكريات مصاب
بواسطة عبد الله البحراني ما ذا عساني أن افعل غير البكاء على شباب قضى نحبه بالتعذيب والسجون !!!

الانتفاضة4

اقرأ الحلقة الرابعة من ملف " تسعينات البحرين "- 1995: التحـرك الشعــبي يتعمــق والمعارضة في الخارج تتوسع
الوسط - حيدر محمد

var photos=new Array()
var photos2=new Array()
var photosAlt=new Array()
var photosAlt2=new Array()
var which=0
//define images. You can have as many as you want:
photos[0]='http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/archive/2244/images/002_Alwasat-B90-10-28-1.jpg'
photos2[0]='http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/archive/2244/images/008_Alwasat-B90-10-28-1.jpg'
photosAlt[0]=''
photosAlt2[0]=''
//imgsCount.innerText = "1 - " + photos.length;

//do NOT edit pass this line
var preloadedimages=new Array()
for (i=0;i0){
which--
applyeffect()
document.images.photoslider.src=photos[which]
document.images.photoslider2.src=photos2[which]
playeffect()
document.images.photoslider.title=photosAlt[which]
NewsDetails_ImageExpaned_desc.innerText=photosAlt2[which]
keeptrack()
}
}
function forward(){
if (which

document.write('')


document.write('')

document.write(photosAlt2[0]);

بزغ نجم العام 1995 مع إرث ثقيل من العام 1994 الذي شهد حوادثَ أمنيةً مريرةً، وأضحت البحرين سجناً كبيراً بعد اعتقال آلاف الشباب الذين كانوا وقوداً محركاً للمطالبة الشعبية المنادية بعودة الحياة الدستورية.كان العام 1995 قاسياً في كل فصوله، فقد أغلقت فيه كل نوافذ الأمل، وبات منطق القوة - في قاموس السلطة - هو عنوان المرحلة. ولكن القسوة الأمنية التي بدا وكأنها قد أحكمت هيمنتها لم تفلح في لجم التحرك المطلبي.النساء بدأن يشاركن في صنع الحدث... الطلبة يتحركون... والناس يقتسمون الألم، المعارضة في الخارج هي الأخرى كان العام 1995 بالنسبة إليها مشهوداً، فقد خاضت جولات في اروقة المنظمات الحقوقية والبرلمانات في العواصم المهمة وفي لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحة في جنيف.قررت السلطة آنذاك أن تقضي على وهج الانتفاضة من خلال فرض الحصار المنزلي على الشيخ عبدالأمير الجمري وثم إيداعه بين جدران سجونها الأربع، ولكن ذلك أشعل جذوة الانتفاضة مجدداً، وأصبح الشيخ عنوان المطالبة. كثيرة هي الحوادث، وكثيرة هي الذكريات في سنة حبلى بالمصادمات.في الحلقة الماضية تمت الإشارة الى أن شهر يناير/ كانون الثاني 1995 شهد خروج جميع مناطق البحرين (الشيعية) إلى الشارع بعد أن تأزمت الأوضاع وسقط المزيد من القتلى وبدأت المواقف تتبلور في هذه الفترة. وفي الداخل برز دور النخبة الوطنية التي تحالفت مع الشيخ عبدالأمير الجمري والمتصدين للشارع الإسلامي الشيعي المتحرك. النخبة بدأت تتحرك في الداخل بشكل متناغم مع حركة الشارع، وفي الخارج كانت المعارضة المتمركزة في لندن تمر بفترة ذهبية من النشاط السياسي والاتصالات مع الجميع. وكانت المعارضة تشعر بتحقيق نوع من الانتصار في الداخل والخارج، إذ اعترفت بها مختلف وسائل الإعلام والبرلمانات والمنظمات الدولية وعدد غير قليل من الفعاليات السياسية بأحقية المطالب المطروحة وعدم تطرفها إضافة إلى أن الشارع المتحرك كان ملتزماً بالأجندة المتفق عليها وهذا عزز قوة المعارضة.وعلى صعيد الداخل تكثفت الاتصالات وتنسيق الجهود بين رموز العريضة وفي مقدمتهم الشيخ عبدالأمير الجمري وأحمد الشملان الذين استمروا في تعاونهم تجاه إيصال المطالب إلى أوسع نطاق، وأكدوا عدم القبول بطأفنة الحركة، وبرزت في هذه الفترة شخصية الشيخ الجمري كرمز للشارع المتحرك بشكل واضح، لأنه تصدى لقيادة الميدان وجاء معه عدد من علماء الدين والنشطاء مثل الناشط عبدالوهاب حسين، والناشط حسن مشيمع، الشيخ حسن سلطان، الشيخ خليل سلطان، وغيرهم، وهؤلاء تضامنوا وتعاضدوا في اتجاه موحد وضمن أطر متفق عليها.وفي الوقت ذاته كانت الحكومة تستخدم الأساليب الأمنية التي أدت إلى انطلاق إدانات من مختلف الجهات الحقوقية، فكانت أجهزة الأمن ترفض استقبال العائدين إلى البحرين وتسفرهم إلى الخارج، وذلك خلافاً لتعهداتها إلى لجنة حقوق الإنسان التي أخضعت البحرين إلى المحاسبة السريّة بين العام 1991-1993.أما على مستوى الخارج، فعندما وصل علماء الدين الثلاثة المبعدين ( الشيخ علي سلمان، الشيخ حمزة الديري، السيد حيدر الستري) إلى لندن تقدموا بطلب اللجوء السياسي مباشرة وذلك في 17 يناير 1995 وأحدث ذلك قلقاً كبيراً لدى السلطات في البحرين، لأن لندن اصبحت تحتضن العديد من الناشطين السابقين والجدد. الدبلوماسية البحرينية تلاحق أنشطة المعارضةالدبلوماسية البحرينية الرسمية بدأت في محاولة الحد من انشطة المعارضة في الخارج، وتجلى ذلك في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية آنذاك الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة إلى باريس ولندن.ففي 26 يناير/ كانون الثاني 1995 اجتمع وزير الخارجية مع نظيره وزير الخارجية البريطاني سابقاً دغلاس هيرد، وقدم له طلب البحرين بمنع استضافة المبعدين الثلاثة، ولكن هيرد أخبر الصحافيين لاحقاً أن «قضايا اللجوء السياسي ليس من اختصاص وزارة الخارجية، وإنما من اختصاص وزارة الداخلية وهي عملية خاضعة لاتفاقية دولية بآليات محددة». قبل زيارته الى لندن كان الشيخ محمدبن مبارك قد زار فرنسا والتقى وزير الخارجية الفرنسي آنذاك الان جوبيه... والأخير صرح للصحافة الفرنسية بعد اللقاء بأنه يعتبر«إن إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين خطوة في الاتجاه الصحيح»، وكانت مثل هذه التصريحات تستبطن نقداً للحكومة البحرينية من جانب أصدقائها الأوروبيين واعتبرتها المعارضة نصراً كبيراً ليس متوقعاً في تلك الفترة وهو ما عزز من موقفها ونشاطها في الخارج.التحرك النسائي وفي الداخل استمرت الاحتجاجات، وظهرت النشاطات النسوية بشكل ملحوظ في هذه الفترة لمواكبة التحركات الأخرى، اذ نظم اعتصام نسائي أمام مبنى المحكمة (وزارة العدل) وقامت نحو 130 امرأةً بترديد الشعارات قرابة 45 دقيقة في المنطقة الدبلوماسية في العاصمة، وكان هذا الاعتصام أثار انتباه تلك المنطقة التي تعج بالحياة الاقتصادية لكونها تحتضن عدداً كبيراً من المؤسسات التجارية والمالية المهمة بالاضافة الى وكالات الأنباء.سجون تمتلئ والناس يتشاركون الألمالسجون بدأت تمتلئ أكثر فأكثر بالمعتقلين والتصعيد بدأ يزداد. وفي يوم الأربعاء 8 فبراير/ شباط 1995اختنق طفل ذو سنة واحدة في البلاد القديم واسمه عقيل سلمان الصفار بفعل مسيلات الدموع، وبهذا ارتفع عدد الذين سقطوا بعد اندلاع الانتفاضة، ازدادت الاحتجاجات اليومية في مختلف المناطق المنتفضة.في منتصف فبراير 1995 أصبح الوضع هادئاً نسبياً لكنه مصحوب بجو من التوتر الشديد، وكانت تحدث بعض الأحداث الصغيرة المتناثرة، ولا زالت قوات الأمن تجوب الشوارع في مناطق الأحداث إلى أن تطورت الأوضاع مجدداً، وبدأت حركة طلابية تنشط احتجاجاً على ما يجري من اعتقالات داخل البحرين وكانت الأحداث تتضارب والأمور أصبحت متداخلة بسبب الإرباك، بحيث أن قوات الأمن هجمت على بعض الأعراس والاحتفالات اعتقاداً منها أنها مسيرات، فكل تجمع شعبي كان مثاراً للشبهة، وهذا ساهم بأنْ تدخل فئات مختلفة من المناطق في الانتفاضة رغم أنهم لم يكن معهوداً عنهم المشاركة في الأحداث الجارية، فما كان لهم إلا الدخول في الحدث.وفي 7 مارس/آذار 1995خرجت مظاهرة طلابية في جامعة البحرين رفعت شعار «نحن لا نشاغب بالدستور نطالب» و «لا سنية لا شيعية وحدة وحدة وطنية»، كما بدأت تنطلق مسيرات شارك فيها رجال ونساء كما تعززت ظاهرة حرق الإطارات والتراشق بين الشرطة والمتظاهرين. وتميزت هذه الفترة بمسيرات شبه ليلية تخرج في مناطق مختلفة، وفي كثير من الأحيان كانت النساء هن اللاتي يقدن المسيرات وبدأ دور المرأة يتعاظم في المشاركة في الأحداث بصحبة الأطفال أيضاً.علاوة على ذلك، فإن ثقافة جديدة ولدت من رحم تصاعد الأحداث، فقد بدأت مجاميع كبيرة من الرجال والنساء تقوم بزيارات مكثفة إلى قبور الضحايا الذين سقطوا في الأحداث، وتخللت هذه التجمعات الشعبية الكبيرة نشاطات وخطب للمعارضة وتأكيد على المطالب الدستورية وكان يتبع ذلك اعتقالات واسعة، ومع تصاعد الأحداث ولدت ظاهرة جديدة لشعب البحرين، فالناس بدأوا يقتسمون الأكل والشرب، وهناك جهود كبيرة لتأمين مورد ثابت لحياة أهالي المعتقلين وبدأت مظاهر جديدة من أساليب النشاط المجتمعي الجديد من نوعه.المعارضة توسع نشاطها خارج لندنالمعارضة البحرينية وسعت نشاطاتها الى خارج لندن تزامنا مع انعقاد مع الدورة السنوية لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في فبراير 1995، وذهب وفد من المعارضة إلى ستراسبورغ (حيث مقر البرلمان الاروبي) والى جنيف (حيث تجتمع لجنة حقوق الإنسان آنذاك). البرلمان الاوروبي في ستراسبورغ (فرنسا) استجاب لنداءات وفد مشترك من المعارضة تشكل من عدد من الاتجاهات اليسارية والاسلامية، وأصد رالبرلمان الاوروبي قرارا في 15 فبراير 1995 أعلن فيه مساندته لمطالب الحركة الديمقراطية في البحرين ، وأدان اعتقال الناشطين وتعذيبهم وطرح عدد من المطالب التي ذكرتها العريضة الشعبية، كما طالب بمحاسبة المدير العام للأمن العام ورئيس المخابرات آنذاك البريطاني إيان هندرسون.بعد ذلك، توجه وفد المعارضة الى جنيف وعقد مؤتمراً صحافياً في إحدى قاعات الأمم المتحدة حضرته وكالات الأنباء والإذاعتين السويسرية والبريطانية، وكان وفد المعارضة وزّع نسخاً كثيرةً من وثائق المعارضة على الوفود المشاركة في اجتماعات جنيف، تضمنت مطالباً بإعادة البحرين إلى الرقابة الدولية في مجال حقوق الإنسان ، اذ كانت البحرين قد اخضعت للمراقبة غير العلنية بحسب اجراء 1503 مابين اغسطس/ آب 1991 إلى فبراير 1993، وكانت المراقبة قد رفعت على ضوء تعهدات بعودة المبعدين والافراج عن عدد من المعتقلين السياسيين. عن ذلك المؤتمر الصحافي، يذكر المتحدث باسم حركة أحرار البحرين سابقا منصور الجمري «لكي تمارس أي نشاط داخل اروقة الامم المتحدة فانه يتوجب ان يكون ذلك تحت رعاية منظمة غير حكومية مسجل كعضو مراقب في الامم المتحدة، وحينها تبنت اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب المؤتمر الصحافي، وحجزت غرفة رقم 21 التي تقابل المدخل الرئيسي لقاعة الاجتماعات التي كانت تستخدمها لجنة حقوق الإنسان، ومباشرة بعد ذلك تدخل الوفد الرسمي وطالب بإلغاء الندوة، لكن المفوض السامي لحقوق الإنسان آنذاك رفض طلب إالغائها، فلجأ اوفد الرسمي على مايبدو الى نيويورك حيث مكتب الأمين العام للامم المتحدة آنذاك بطرس غالي، وجاء أمر المنع من نيويورك. وعليه انتقل المؤتمر الصحافي الى مكان آخر خارج المبنى، ولكن الدوشة التي حدثت لمنع المؤتمر الصحافي أدى لاجتذاب وكالات الانباء والاذاعات لحضوره ونقله بصورة أكبر مما كان سيحدث لو ترك مكان انعقاده في المكان الأصلي». الـ «بي بي سي» ...تزور البحرين وتتفاجأوفي هذه الفترة اشتكت الحكومة البحرينية على هيئة الإذاعة البريطانية الـ «بي بي سي»، اذ اتهمت الحكومة هذه الإذاعة بأنها منحازة للمعارضة وأنها تبث مقابلات مع المعارضين بانتظام وتنشر إدعاءات باطلة.الشكوى أيضاً تسلمها وفد برلماني بريطاني زار البحرين في الفترة من 12 إلى 16 مارس 1995، وكان الوفد مشكلاً من أعضاء في حزب المحافظين الحاكم آنذاك. وعليه قام وفد من الـ «بي بي سي» بإرسال رئيس القسم العربي في الإذاعة مع وفد مرافق له إلى البحرين للاطلاع على الشكوى الرسمية البحرينية ضد الإذاعة، إلا أن المفاجأة هي ما كشف عنه أحد أعضاء الوفد الذي ذهب إلى البحرين، وسرد ماحدث لاحقاً الى بعض من التقوه قائلا: «في الساعة الأولى التي اجتمعنا فيها مع أحد الوزراء البحرينيين انقلبت الأمور رأساً على عقب بالنسبة لنا، فعندما وصلنا إلى مكان الاجتماع كان في استقبالنا الوزير البحريني المعني بالاجتماع معنا ومع عدد من الأشخاص بمناصب عالية في الدولة وبدأوا يستعرضون لنا ما نشرته الـ «بي بي سي» من أخبار ومقابلات اعتبروها منحازة ومسيئة، وحاولوا أن يثبتوا لنا كيف أن هذه الأخبار غير صحيحة وأخبرونا بأنهم سيأخذون الوفد في زيارة إلى المناطق وسيرتبوا لنا لقاءات حتى نتأكد بأنفسنا أن ما قيل كان تزويراً ليس إلا».ويضيف قائلاً: «بعد الاجتماع خرج الوزير ومن معه ولم يبق إلا شخص واحد كان من المفترض أن يأخذ الوفد إلى الفقرة الثانية من البرنامج، ولكن المفاجأة أنه في أثناء ذلك قام هذا الشخص بالحديث مع الوفد بشكل مغاير، وأخبرنا أن الوضع سيئ جداً وأن ما قاله الآخرون غير صحيح وبدأ المسئول البحريني الكبير يشرح لنا الأوضاع السيئة، ومن المضحك هو أن هذا المسئول وأثناء شرحه لمجمل الأوضاع دخل الوزير عليه فجأة فقلب كلامه رأساً على عقب، وبدأ يهاجم الإرهابيين الذين يثيرون الفتن في البحرين، ما أدى إلى وضع مضحك فتبسم الوفد وسط غرابة الوزير». عاد وفد الاذاعة البريطانية مقتنعاً أكثر بأن ما قامت به الـ «بي بي سي» كان صائباً، وكتب تقريراً إلى الخارجية البريطانية أوضح فيه أن ما ذكرته الإذاعة أقل مما أورده مسئول بحريني كبير في حديث مع الوفد بشكل خاص. وهذا يوضح أن المعارضة كانت عامة واشترك فيها جنود مجهولون كثر من مختلف الفئات والطبقات. اعتقال عبدالوهاب حسين وحسن مشيمعوفي 18 مارس 1995 اعتقلت قوات الأمن الناشط عبدالوهاب حسين في منزله بقرية النويدرات وذلك إثر إلقائه خطبة جمعة انتقد فيها الخطاب الرسمي الذي ألقي في افتتاح مجلس الشورى في اليوم السابق، إذ رحب حسين بالدعوة الرسمية للحوار لكنه دعا إلى خطوات عملية لكبح جماح الأزمة. كما اعتقلت السلطات في اليوم التالي الناشط حسن مشيمع من منزله في منطقة جدحفص، وأدى ذلك إلى توتر الوضع الأمني أكثر من ذي قبل، واستمرت حملة الاعتقالات في مختلف مناطق البحرين بشكل مكثف.طلاب المدارس يدخلون على الخططلاب المدارس أصبحوا الآن يدخلون على خط الأحداث بحماس كبير، وبدأوا يدشنون تحركات طلابية لمناصرة الناشطين والمعتقلين، ففي 21 مارس 1995نظمت المعارضة احتجاجات في مدارس البحرين، وعمت الإضرابات الطلابية في كل مكان، وأغلقت مدارس كثيرة أبوابها، وحدثت مواجهات حادة في مدرسة الجابرية الثانوية وخرجت مسيرة كبرى في الجامعة، وهكذا تصاعد الوضع بشكل حلزوني وسقط في هذه الفترة قتلى آخرون.وفي 26 مارس 1995سقط الشاب حميد عبدالله قاسم (17 عاماً) في الدراز، والمناطق أصبحت تشهد حراكاً متواصلاً في الوقت الذي أصدرت فيه عدد من منظمات دولية بينها منظمة العفو الدولية بيانات عن الوضع المتردي في السجون.الاعتقال المنزلي للشيخ الجمريوصلت قمة الأحداث في 1 أبريل/ نيسان 1995، إذ طوقت الآلاف من قوات الأمن بني جمرة وأغلقت جميع مداخل بني جمرة منذ الفجر ووضعوا الشيخ عبدالأمير الجمري وعائلته تحت الحصار المنزلي، وحدثت مواجهات كبيرة بين أهالي بني جمرة مع قوات الأمن منذ الصباح الباكر، وأسفرت هذه المواجهات عن سقوط اثنين من القتلى، وهما: محمد جعفر عطية(28 عاماً) ومحمد علي عبدالرزاق (50 عاماً) اللذين سقطا إثر إطلاق النار عليهما، كما جرح العشرات جراء المواجهات، وأحدهم تسبب جرحه في قطع ساقه.واستمر الحصار الأول بشكل متواصل لأول مرة على نحو محكم، وقد صدرت نداءات دولية تطالب برفع الحصار عن الشيخ الجمري والاستجابة إلى المطالب الشعبية، إلا أن الرد كان بانتشار المزيد من قوات مكافحة الشغب في الشوارع، وجرت موجة من الاعتقالات المتتالية لعدد كبير من الشباب لينضموا لأقرانهم في السجون. وبدأت الاعتقالات تطال النساء أيضاً.الاعتقالات كانت تجري على قدم وساق بينما تطويق بني جمرة لايزل مستمراً لمدة أسبوعين كاملين (حتى 15 ابريل 1995)، وفي هذه الفترة كانت المعارضة في لندن تغرق البحرين بالفاكسات اليومية ( قبل ظهور الإنترنت)، وكانت الفاكسات عبارة عن بيانات للمعارضة تتضمن رصداً يومياً للأحداث، وتولى الكثير من الناشطين توزيعها في المساجد وعدد من المحافل الأخرى.وكانت الحكومة قد دعت إلى تنظيم مؤتمر اقتصادي كبير في فندق المريديان في الفترة مابين 10 إلى 12 أبريل 1995، وكان من بين المدعوين رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر ( ولم تكن حينها رئيسة وزراء)، وهذا أيضاً أعاد سيناريو أحداث ديسمبر/ كانون الأول 1994(أثناء انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي) عندما توجه الناس لإسماع صوتهم للدبلوماسيين والإعلاميين بالقرب من منطقة السيف، أي في مناطق السنابس والديه وكرباباد.اعتقال الشيخ الجمري وفي 15 أبريل 1995 انتهت الإقامة الجبرية التي فرضت على الشيخ عبدالأمير الجمري و18 شخصاً من أفراد عائلته، وأخذ الشيخ الجمري إلى السجن، ورغم أن السلطات كانت ترى في اعتقال الشيخ الجمري عاملاً لوقف مسلسل الانتفاضة إلا أن ما حدث هو العكس تماماً، فقد تصاعد زخم المطالبات الشعبية بالإفراج عن جميع المعتقلين الذين أصبح في مقدمتهم الشيخ عبدالأمير الجمري. وفي 19 أبريل 1995 سقط الشاب حسين العشيري (18 عاماً) من قرية الدير إثر إصابته برصاصة بعد مشاركته في مسيرة نظمت قبل أيام للمطالبة بالإفراج عن الشيح الجمري.الجامعة تتحرك...عدوى الاحتجاجات الكبيرة انتقلت إلى قلب الجامعة، فقد حدثت مصادمات كبيرة في الحرم الجامعي بين قوات الأمن والطلبة المتظاهرين المنادين بالحرية للمعتقلين، وقد حاول نائب رئيس جامعة البحرين وعميد كلية الهندسة سابقاً نزار البحارنة منع رجال الأمن من الاصطدام بالطلبة، وفي هذه الفترة ظهر اسم البحارنة لأول مرة في الأحداث بسبب تحركه لحماية الطلاب المتظاهرين، وكان البحارنة يحاول أن يقنع قوات الأمن بأنه سوف يتفاهم مع الطلاب، إلا أن ذلك لم يحدث، بل قامت قوات مكافحة الشغب بتفتيش مكتب رئيس جامعة البحرين السابق إبراهيم الهاشمي ونائبه عميد كلية الهندسة سابقاٍ نزار البحارنة تفتيشاً دقيقاً، وأخذت من مكتبيهما أجهزة الكمبيوتر وعدداً من الملفات الخاصة، ولاحقاٍ تم التخلص من اكثر الكوادر الجامعية على اساس من التمييز الواضح.استمرت الإجراءات الأمنية المتشددة في جامعة البحرين التي انخفض عدد الطلاب المداومين فيها بشكل كبير، واستمرت عملية تفتيش سيارات الطلاب عند مدخل الجامعة، فضلاً عن نصب خيمة كبيرة لرجال الأمن في ساحة قريبة من الجامعة.«مايو المحاكمات»في هذه الفترة استمرت الاعتقالات إلى أن بدأت المحاكمات أمام محكمة أمن الدولة وأصدرت أحكاماً كبيرة بالسجن والغرامات في صفوف عدد من الشباب الحركيين من مختلف المناطق، وقد أدى ذلك إلى صدور انتقادات من عدد من المنظمات الحقوقية الدولية التي اتهمت السلطات البحرينية بعدم الالتزام بقواعد القضاء النزيه حسب الأعراف والمواثيق الدولية.وكانت قد تشكلت قبل بدء المحاكمات لجنة من المحامين البارزين للدفاع عن المعتقلين الذين غصت بهم السجون، واللجنة تكونت من ثمانية محامين هم: أحمد الشملان، محسن مرهون، حسين بديوي، عبدالشهيد خلف، يوسف خلف، جليلة السيد، محمد عيد الحسيني وعلي الجبل، وهذا أطّر طبيعة التحرك داخل البحرين، إذ كانت النخبة من مختلف الاتجاهات تدافع عن الشارع المتحرك.العريضة النسويةالنساء بدأن يلعبن دوراً آكبر في مجريات الأحداث على مستوى الشارع وعلى مستوى النخبة ،ففي 14أبريل دشنت العريضة النسوية بمشاركة 321 امرأةً من المواطنات المثقفات، وطالبت العريضة الموجهة إلى سمو الأمير الراحل بعودة الدستور وفتح قنوات الحوار ووقف المواجهات الامنية، والناشطات هن من خلفيات سياسية متعددة، ومن بينهن مدرسات جامعيات ومثقفات وإعلاميات.غير ان رد فعل الحكومة كان عنيفا جداً، اذ استدعت أكثر المساء العاملات في الحكومة وهددتهن اذا لم يسحبن توقيعهن فانهن سيتعرضن للفصل. وعليه رفضت كلاً من الاستاذة الجامعية منيرة فخرو ومسئولة التعليم المستمر في وزارة التربية والتعليم حصة الخميري ومعدّة البرامج بإذاعة البحرين المرحومة عزيزة البسام سحب تواقيعهن، وهذا أدى الى فصلهن من وظائفهن، وتحولن الى رموز قيادية نسوية يعبرن عن صمود ويدعمن قوة المعارضة في الداخل والخارج، لاسيما وانهن من الاتجاه الليبرالي الداعم لاستعادة الحياة البرلمانية. مؤتمر صحافي للمعارضة في واشنطنفي الوقت ذاته كانت المعارضة تنشط في الخارج وتزداد في مؤتمراتها الصحافية واتصالاتها، ما انعكس لصالح موقف المعارضة على المستوى الدولي. وازدات ظاهرة الاعتصامات المتكررة أمام السفارة البحرينية ، وازداد عدد الناشطين، كما استمرت التغطيات الإعلامية المتعاطفة مع قضية المعارضة ، إذ عرضت شبكة تلفزيون «سكاي نيوز» برنامجاً خاصاً حول البحرين احتوى على صور خاصة للتظاهرات ومقابلات مع الناشط في حركة أحرار البحرين سابقاً مجيد العلوي ومنظمة العفو الدولية، فيما رفضت سفارة البحرين في واشنطن المشاركة واكتفت بإدلاء تصريح ينفي وجود أي شي في البحرين.وفي هذه الفترة سافر وفد من المعارضة الى العاصمة الأميركية (واشنطن) والتقى بعدد من الفعاليات السياسية وأعضاء الكونغرس الأمريكي وعقد مؤتمرصحافي في نادي الصحافة الوطني، تحدث فيه المتحدث باسم حركة أحرار البحرين سابقاً منصور الجمري وأجرى مقابلات مع الصحف والاذاعات والتلفزيون. الوضع يزداد توتراً في الداخل في 5 مايو/ أيار 1995 تمخضت المسيرات في منطقة الدراز عن سقوط شاب آخر يلتحق وهو نضال النشابة (17 عاماً)، وأصدرت منظمة العفو الدولية بياناً أدانت ممارسات قوات الأمن واعتبرت ان محاكم أمن الدولة التي كانت تجري في البحرين قاصرةً عن المستوى الدولي للمحاكمات العادلة، وطالبت بالإيقاف الفوري لتلك المحاكمات. وبعد ذلك شهد الوضع هدوءاً لأول مرة بسبب كثرة الاعتقالت وانقطاع وسائل الاتصال آنذاك، اذ قامت قوات الأمن بحرق الهواتف العمومية التي كانت تستخدم لتقل أخبار التحرك الداخلى الى جماعات المعارضة في الخارج.لكن الهدوء الذي حدث بسبب القمع انكسر مع سقوط الشاب سعيد الإسكافي (15 عاماً) تحت التعذيب في 8 يوليو/ تموز 1995، وكان أول اختراق كبير للهدوء النسبي الذي عرفته الساحة و أصدرت السلطات أوامر بعدم تشييع الإسكافي، إلا أن الشباب رفضوا الانصياع لهذا الطلب، وحاصرت «قوات الشغب» منطقة السنابس طوال ذلك اليوم، وأطلقت قوات الأمن الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين بسبب ما رواه شهود عيان، كما سقط عدد من الجرحى.أول تغيير حكومي منذ 20 عاماً وأول إشارة عن «المبادرة»وفي 26 يونيو/ حزيران 1995، أعلنت البحرين عن تغيير وزاري واسع، وهو الأول من نوعه منذ عشرين عاماً، وشمل خروج الوزراء : علي فخرو، يوسف الشيراوي، حسين البحارنة، حبيب قاسم وطارق المؤيد.وكان لافتاً في الاسبوع الأول من يوليو 1995 إعلان الحكومة في تلك الفترة عزمها على إطلاق سراح 150 معتقلاً وكانت أول اشارة رسمية من الحكومة الى حدوث نوع من المفاوضات بين قادة المعارضة المعتقلين في السجون ، وعلى رأسهم الشيخ عبد الأمير الجمري، وهو ما عرف لاحقاً بـ «جماعة المبادرة» التى سيتم تناولها في حلقة أخرى. وعلى صعيد متصل، قام وفد بحريني رفيع المستوى بزيارة إلى بريطانيا في أعقاب التغيير الوزاري، لإقناع الجهات البريطانية بصوابية موقف الحكومة تجاه التحرك الشعبي، وأعاد الوفد الرسمي طرح طلب حكومة البحرين من الحكومة البريطانية بعدم إيواء معارضين بحرينيين في لندن، وهو الطلب ذاته الذي تردد مرات عديدة بعد نمو نشاط المعارضة البحرينية المقيمة في المملكة المتحدة بشكل ملحوظ.العريضة النسائية في البحرين - أبريل 1995حضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة الموقرأمير دولة البحرينتحية من نساء البحرينانطلاقاً من ثقتنا الراسخة بسعة صدر سموكم، ومن إيماننا العميق بأهمية إيصال آرائنا إليكم عن طريق الحوار الديمقراطي الذي أكدتم تمسككم به مرات عديدة، يشرفنا أن نتقدم إلى سموكم بهذا الخطاب للتعبير عن بالغ قلقنا تجاه الأوضاع التي يمر بها وطننا الحبيب البحرين.لقد هالنا كمواطنات بحرينيات التصاعد الأخير للأحداث واستخدام العنف بدلاً من لغة الحوار لمواجهة الحدث وحل الخلاف بحيث لم نعد قادرات على تجاهل ما يدور حولنا يومياً خاصةً مع إدراكنا بأن استمرار العنف لا يعني حلاً للقضية وإنما يفاقمها.إن استمرار العنف وانتشار سوف يطال الجميع آجلاً أو عاجلاً. إن تجارب الشعوب قد أثبتت أن دائرة العنف هي حلقة مفرغة لا نهاية لها، تولد الضغينة وتعمّق الكراهية وتكرس العنف، وفي نهاية الأمر سنكون جميعاً خاسرين وسيثخن بلدنا بجروح لن تندمل لفترة طويلة.إننا إذ نؤكد قناعاتنا التامة بأن التخريب والتدمير للمنشآت العامة أمر غير مقبول إطلاقاً، إلا أننا نتفهم كذلك أنه قد يكون تعبيراً عن غياب قنوات الحوار وانعكاساً لعمق وحجم التراكمات الهائلة من المعاناة ومن تدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدى شريحة واسعة من أبناء البحرين خصوصاً العاطلين منهم. هذه الأوضاع التي باتت تتطلب حلولاً عاجلة لمواجهة التطورات الراهنة.لقد هالنا كذلك بوصفنا مواطنات وأمهات، ممارسات قوى الأمن والشغب مع المواطنين من أهل القرى، تلك الممارسات التي تراوحت بين الإهانات والضرب المبرح للشباب والنساء والأطفال إلى قتل المتظاهرين العزل بالرصاص بما فيهم طلبة المدارس والجامعات.إننا مع تأكيدنا القاطع على رفض أعمال التخريب إلا أننا لا نراها مبرراً كافياً لاستخدام الرصاص من قبل قوات الأمن، خصوصاً مع الأطفال والمواطنين العزل. إننا على ثقة بأن حكومة البحرين الموقرة لن تعدم وسائل الحوار والتعامل مع المتظاهرين كي تلجأ للتفاهم معهم بالرصاص، خاصة أن جملة ما نسب للمتظاهرين ارتكابه من أعمال تخريب لا تصل عقوبته القانونية حد القتل.إننا نؤمن يا صاحب السمو بأنه لا يغيب عن حكمتكم بأن المضي في التعامل مع التطورات يتطلب كسر دائرة العنف، ولن يستطيع ذلك إلا الطرف الأقوى بحكمته وعقلانيته وليس بسلاحه. وإننا لعلى ثقة تامة بقدرتكم على إخراج بلادنا من هذه المحنة العصيبة للحفاظ على الوحدة الوطنية.بناءً على ذلك، فإننا نتقدم إلى سموكم بهذا الخطاب راجين تدخل سموكم شخصياً لكسر دائرة العنف وفتح باب الحوار للنظر في كيفية معالجة الوضع بحكمتكم المعهودة والتي يمكن أن تتحقق عبر الوسائل التالية:1 - وقف استخدام الرصاص لتفريق المتظاهرين ووقف عمليات المداهمات غير القانونية والاعتقالات الجماعية.2 - التعامل مع الموقوفين وفقاً لأحكام القانون بكل ما يتضمنه من ضمانات للمتهمين طوال فترتي التحقيق والمحاكمة مع سرعة تقديم المتهمين للمحاكمة وإطلاق سراح بقية المعتقلين فوراً وإرجاع المبعدين.3 - توفير فرص العمل لكل المواطنين وتحقيق الحد الأدنى لمتطلبات معيشتهم وإيجاد حل حاسم لتزايد العمالة الأجنبية.4 - فتح باب الحوار الوطني بهدف الوصول إلى الحل المناسب.5 - تفعيل دستور دولة البحرين والدعوة لانتخابات المجلس الوطني وإتاحة المجال للحريات العامة وحرية التعبير.6 - مشاركة المرأة البحرينية في صنع القرار السياسي والاستفادة من طاقاتها الخلاقة في جميع المجالات لخدمة وطننا البحرين.وكلنا أمل بأن سموكم بروحكم الأبوية المعهودة وبحكمتكم البالغة مدركون حساسية الموقف وقادرون على اتخاذ القرار الصحيح والكفيل بوضع حدٍ لإراقة الدماء وإنقاذ الأمة من هذا المنعطف الخطير في تاريخ بلدنا العزيز.هذا وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام لسموكم الكريم
العدد 2244 الثلثاء 28 اكتوبر 2008 الموافق 28 شوال 1429 هــ
طباعة
ارسل لصديق
حفظ
اضف تعليق
Processing, Please Wait
اسم المستلم
*
بريد المستلم
* *

اسمك
*
بريدك الالكتروني
* *

Processing, Please Wait
اسمك
*
بريدك الالكتروني
* *
البلد
اختر البلد البحرين قطر المملكة العربية السعودية الإمارات العربية المتحدة الكويت عُمان مصر العراق إيران الأردن لبنان ليبيا المغرب سوريا تونس اليمن الجزائر إثيوبيا جيبوتي مدغشقر السودان الصومال الإتحاد السوفيتي السلفادور رومانيا يوغسلافيا جنوب أفريقيا زامبابوي السويد سنغافورة الفلبين باكستان بولندا البرتغال برغواي تركيا المملكة المتحدة الولايات المتحدة الأمريكية أورغواي أوزبكستان فيتنام موريتانيا المكسيك ماليزيا موزمبيق النيجر هولندا النرويج نيوزيلاندا سريلانكا كازاكستان اليابان كينيا كمبوديا الدنمارك إسبانيا إيطاليا جامايكا فرنسا بريطانيا العظمى المملكة المتحدة جورجيا غانا اليونان كرواتيا إندونيسا إيرلندا الهند أفغانستان إسلامية. ألبانيا آرمينيا الأرجنتين النمسا استراليا بانغلادش بلجيكا بوركينا فاسو بلغاريا البرازيل كندا الكونغو سويسرا تشيلي كاميرون الصين كولومبيا كوستريكا كوبا قبرص ألمانيا *

عنوان التعليق
*
التعليق
*
function Validatecomm_body(source, arg){
if(arg.Value.length > 500)
arg.IsValid = false;
else
arg.IsValid = true;
}

*

@import url('http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/templates_files/themes/orange/style.css');

Processing, Please Wait

1. و الله كلهم أبطال
بواسطة أبو أحمد مشكوره يالوسط بتذكيرنا بأبطال التسعينيات والمفروض ماننساهم أبدا ولو ان المطالب لم تتحقق الا القليل (ابره في بحر)-لكن والله بفضلهم وبالاخص (الجمري) حبيبي وتاج راسي وراس كل البحرينيين سنه وشيعه- لازم تقرأوون الفاتحه عليه وعلى الشهداء. اخر شي يجيك نائب ماأدري من وين مثل السعيدي الطائفي يسوي روحه بطل- مو شي يضحك ويقهر في نفس الوقت. أتمنى ان مثل هالمواضيع تنعرض بتواصل والله يعطييش العافيه يالوسط.
2. شكرا للوسط
بواسطة psk شكرا لك يالوسط بتذكيرنا بأبطال التسعينيات

الانتفاضة 3

اقرأ الحلقة الثالثة من ملف " تسعينات البحرين ": الشارع يتحرك في نهاية 1994
الوسط - حيدر محمد

var photos=new Array()
var photos2=new Array()
var photosAlt=new Array()
var photosAlt2=new Array()
var which=0
//define images. You can have as many as you want:
photos[0]='http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/archive/2237/images/002_Alwasat-B90-10-21-1.jpg'
photos2[0]='http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/archive/2237/images/008_Alwasat-B90-10-21-1.jpg'
photosAlt[0]=''
photosAlt2[0]=''
//imgsCount.innerText = "1 - " + photos.length;

//do NOT edit pass this line
var preloadedimages=new Array()
for (i=0;i0){
which--
applyeffect()
document.images.photoslider.src=photos[which]
document.images.photoslider2.src=photos2[which]
playeffect()
document.images.photoslider.title=photosAlt[which]
NewsDetails_ImageExpaned_desc.innerText=photosAlt2[which]
keeptrack()
}
}
function forward(){
if (which

document.write('')


document.write('')

document.write(photosAlt2[0]);

منذ مطلع العام 1994 برزت إرهاصات على الساحة السياسية البحرينية تسترعي الاهتمام، ولم تكن في غالبيتها معهودة من ذي قبل. حراك الشارع بات مميزاً... استقطاب شبابي كبير في المساجد... توزيع منشورات وأدبيات المعارضة بجرأة مثيرة... إجماع بين التيارات الدينية والوطنية على أجندة العريضتين... بات الهدف مشتركاً وتدور رحاه حول المطالبة بإعادة المجلس الوطني المغلق والدستور المجمد وإطلاق سراح المعتقلين وإعادة مبعدي الخارج.عريضةٌ شعبية في أكتوبر / تشرين الأول 1994 تلت العريضة النخبوية التي وقعت في نوفمبر / تشرين الثاني 1992، وبيانٌ يتلو آخر... وباتت المعارضة البحرينية في الخارج تمسك بحيز كبير من اهتمام وسائل الإعلام الخارجية وتضع لها قدماً آخر في المواقع الدولية المؤثرة، ولم يبقَ منبر مهم الا وصلت اليه.كل شيٍ كان يتجه نحو تسريع عجلة المطالبة بالإصلاحات، وقد ساعد على ذلك جهوزية المعارضة في الدَّاخل والخارج للعمل جنباً الى جنب في إيصال ما يجري على الواقع واستثمار كل فرصة سانحة من أجل التنفيس عن تطلعات النخبة التي يساندها الشَّارع، كل شيء كان يشير الى مخاضٍ قادم. وفي خضم كل هذه الأحداث المتلاطمة انفجرت انتفاضة شعبية في نهاية 1994، لكن كيف بدأت؟في مطلع التسعينات من القرن الماضي ازدادت النشاطات العامة في البحرين بشكل ملحوظ وتغير الخطاب السياسي للحركة الإسلامية الشيعية بقيادة الشيخ عبدالأمير الجمري الذي طرح موضوع العريضة النخبوية مع من توافق معهم من الوطنيين والإسلاميين، وهذا الطرح الجديد وحد المطالب مع الاتجاهات الأخرى وحدثت النقلة النوعية المتمثلة في تفعيل دور المساجد كقاعدة استقطاب جماهيري، والنَّشاطات والمطالبات آخذة في التصاعد، وذلك عبر طرح العريضة الشعبية في العام 1994.مع بزوغ فجر كل يوم كانت الجماهير أكثر حماساً تجاه مطالب مشروعة، واقتنعت النخبة بأنه لا مفر من المطالبة العلنية، وتحرك الشارع الاسلامي الشيعي بصفته الأكثر تضرراً من حقبة السنوات التي سبقت، ولاسيما عقد الثمانينات الذي تمثلت كل سنة من سنواته بمرارات ومعاناة كبيرة جدّاً.تحرك الشارعفي يونيو/ حزيران 1994، شهدت البحرين أول اعتصام لمجموعة من الشباب العاطلين ينظم في تلك الفترة أمام وزارة العمل والشئون الاجتماعية، إذ كان أول تحرك علني من هذا النوع. قررت قوات الأمن أن تضرب ذلك الاعتصام الجريء لئلا يفتح الباب بمصراعيه أمام حوادث أخرى، وخصوصاً أن البحرين لم تتعافَ بعدُ من آثار الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ضربت المنطقة بعد تهاوي أسعار النفط الى أدنى مستوياتها منذ عقود.وبالتزامن مع هذا الحدث كانت النخبة تتحرك في الداخل على توحيد الصفوف والأجندة على العريضة التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول 1994، وشرعت لجنة العريضة في جمع التوقيعات بشكل كبير في مختلف مناطق البحرين وهو حدثٌ جسورٌ آخر لم يكن في الحسبان.وعلى صلة بتطورات الدَّاخل كانت المعارضة البحرينية في الخارج وتحديداً «مجموعة لندن» التي كانت تتحرك باسم حركة أحرار البحرين في أوج قوتها، إذ كانت تنسق مع مجموعات العمل في الداخل بشكل مكثف وتحولت إمكانات المجموعة اللندنية إلى قدرات استراتيجية لإدارة عمل المعارضة وتوجيه النشاطات والاتصالات بالناشطين في الداخل وكذلك نشطاء الخارج في مختلف أنحاء العالم.الآن وأكثر من أي وقت مضى أصبحت «حركة أحرار البحرين» على صلة تفاعلية وثيقة مع كل المعنيين بالنَّشاط السياسي وشئون حقوق الإنسان، فقد ارتقت الاستعدادات الى التعامل مع «جنين الداخل»، وقد كانت المجموعة اللندنية تمتلك أرشيفاً غنيّاً بالمعلومات والأحداث الراصدة والتحليلية عن أوضاع البحرين فضلاً عن نمو مؤشر الاتصالات الممنهجة مع وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية والمؤسسات الفاعلة والناشطين على الساحة.مجموعة لندن في أوج نشاطهالقد بدا واضحاً أن أنشطة المعارضة في الخارج نشطت بشكل كبير جداًّ، فمع حلول العام 1994، وكانت المعارضة في لندن، قد شرعت في تنظيم وحضور النَّدوات، وبدأت تمارس نشاطاً ملحوظاً ونظمت اعتصامات مفاجئة أمام عدد من الفعاليات البحرينية التي أقامتها الحكومة، ومنها معرض للمنتجات البحرينية في لندن، كما سجلت حضوراً كبيراً في منتدى أقامه وزير الإعلام السابق طارق المؤيد وسط لندن، إذ حضرت المعارضة المنتدى باعتصام وتمت مناقشة الحضور، وكانوا من فئة السلك الدبلوماسي والأكاديميين المهتمين بشأن الخليج، عما يحدث في البحرين... حدث كل ذلك في شهري أكتوبر ونوفمبر/تشرين الثاني من العام 1994.وفي هذه الفترة أيضاً قامت المعارضة البحرينية بترجمة كل ما يرد من البحرين لإيصاله إلى كل ما يعنيهم الأمر من الجهات الإعلامية والحقوقية والبرلمانية والسياسية الدولية التي تحتاج إلى أن تعرف مطالب النخبة المتحركة في البحرين والتي يساندها الشارع.ولم يكن خافياً أن الجماعات المعارضة في الدَّاخل توحدت هي الأخرى بشكل فاعل على أسس قاعدة مشتركة... إنها «المطالبة بالحياة الدستورية»، وكانت رمزية الشيخ عبدالأمير الجمري محورية في جمع هذا الطيف، لأنه أصبح قائد الشارع المتحرك وفي الوقت ذاته تحالف مع الاتجاهات الوطنية والسياسية على أرضية مشتركة ضمن إطار مقبول دستوريّاً في الداخل و في الخارج.ماراثون نوفمبرفي 25 نوفمبر من العام 1994 حدثت تظاهرة ضد ماراثون كان يقام على شارع البديع بالقرب من قرية القدم، ويرجع بعض النَّاشطين تلك المظاهرة إلى عمل فردي قامت به مجموعة من الشباب من دون علم القائمين على التَّحرك المطلبي في الدَّاخل أو في الخارج، ولكن على أي حال، حدثت مناوشات بين شباب اعترضوا على الماراثون الذي تضمن نساء أجنبيات يركضن بالقرب من أحياء سكنية محافظة، وبعد ذلك وظفت قوات الأمن هذا الحادث وشنت حملة اعتقالات غير مسبوقة في صفوف شباب المنطقة. وبدا واضحاً أن قوات الأمن هنا أرادت أن تقول إن هذه «الحركة تركز على أمور ترعب الغرب لأنها ضد الماراثون الخيري»، وأثناء هذه الاعتقالات قالت الحكومة لاحقاً إن هؤلاء المعتقلين اعترفوا على رجل الدين الشاب الشيخ علي سلمان، وقامت السلطة باعتقاله في 5 ديسمبر/ كانون الأول 1994 وبقي في السجن إلى منتصف يناير 1995.الآن انطلقت الشرارة لتنفجر الانتفاضة، إذ بدأت الساحة تتحرك في مناطق محددة في بادئ الأمر ولكن سرعان ما انتشرت الاحتجاجات في كل مكان... تحركت أولاً مجموعة في البلاد القديم للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم الشيخ علي سلمان، وتجمعت قوات مكافحة الشغب بكثافة... ومن المفاجآت أن بعض الشباب كانت لديهم الشجاعة في تسليم نسخٍ من المنشورات الى قوات الأمن، وهذه علامة أخرى على ولوج مرحلة جديدة مختلفة عن سابقاتها.كرة الثلج تتدحرجموجة كبيرة من الاعتقالات، وأصبحت كرة الثلج تتدحرج من منطقة الى أخرى، راسمة مضلعاً متحركاً... أضلاعه الأولى كانت في المنامة والبلاد والدراز والسنابس، وربما لم تكن الحكومة تتوقع هذا المد الشبابي المتحرك الذي يجرف معه يوميّاً شباباً جدداً.في العاصمة (المنامة) خرجت مسيرة كبيرة من فريق المخارقة، وجابت المنطقة إلى مسارين: فريق متجه الى مركز شرطة باب البحرين (أغلق لاحقاًً). أما الفريق الآخر فقد انطلق إلى منطقة الفنادق المحاذية لمبنى البلدية، وأغلقت المنامة على إثر الأحداث التي أعادت التذكير بالمواجهات الساخنة في ثمانينات القرن الماضي.في غضون أيام عدة اعتقلت الحكومة أعداداً كبيرة من الناشطين، وحدث تجمع كبير في الدراز وحدثت مواجهة أمنية وقتل أحد أفراد الشرطة، ولكن حتى الآن السلطة تقرر التكتم على ما يجري، وكانت الحكومة تقول ببساطة «لا شيء يحدث في البحرين».البحرين تستعد لاحتضان «قمة التعاون»ولعل السبب الرئيسي في فرض هالة من التكتم على الأحداث كان يعود الى رغبة الحكومة في عدم التشويش على استعدادات البحرين لاحتضان قمة مجلس التعاون الخليجي التي تنعقد في ديسمبر من العام 1994.أصبحت البحرين محط اهتمام كل وسائل الإعلام التي انتدبت وفوداً إعلامية لتغطية قمة مجلس التعاون الخليجي، ولكن حملات الاعتقالات بدت واسعة على نحوٍ لم يكن يجعل من مهمة الحكومة في التغطية على الوضع مهمة غاية في السهولة، وكل المؤشرات لم تكن تجعل السلطة تفكر في مفاجآت كبيرة من جانب المعارضة أثناء انعقاد القمة.ولكن لم تسر الأمور كما خطط لها، فالوضع أصبح متأزماً جدّاً، وساد اعتقاد لدى المحتجين بضرورة اسماع صوتهم للمسئولين الخليجيين ووسائل الإعلام المجتمعين في فندق الميريديان (الرتز كارلتون حاليّاً)، وأقرب منطقة للفندق يمكن الوصول اليها كانت السنابس. وكانت المفاجأة هي توجه الناس إلى السنابس بزحف كبير لأول مرة، وهي أقرب نقطة يمكن أن يصل إليها المتظاهرون في ظل الطوق الأمني.لقد شهدت هذه الفترة تفجير أول اسطوانة غاز (سلندر) في المواجهات الأمنية من قبل الشباب، وكانت الفكرة أن يسمعوا الإعلاميين ومن يتواجد في المريديان بأن هناك شيئاً مَّا يحدث في البحرين، وكان رد فعل قوات الأمن قويّاً جدّاً على المتظاهرين، وعلى إثر ذلك سقط الشابان هاني أحمد الوسطي (22 عاماً) وهاني عباس خميس (24 عاماً) في 17 ديسمبر / كانون الأول 1994بسبب الوابل المطاطي والرصاص الحي ومسيلات الدموع التي وصلت رائحتها الى الوفود الرسمية المشاركة وكذلك الإعلاميين الذين بدا بعضهم الذهاب مباشرة إلى منطقة الأحداث بصحبة عدد من الناشطين.وكان من بين من ذهبوا الى السنابس مراسل هيئة الاذاعة البريطاينة «البي بي سي» حمدي فرج الله الذي بدأ يبث أخباراً من البحرين عما يجري هنا فاستدعته الحكومة وطردته من البلاد. ولكن ما حدث أن الحكومة استعدت «البي بي سي» التي أصبحت فيما بعد أهم رئة للمعارضة لإسماع صوتها للعالم كله.في 20 ديسمبر 1994 سقط الحاج ميرزا علي عبد الرضا (70 عاماً) أثناء أحد الاحتجاجات، وبذلك ارتفع عدد الضحايا الى 4 أشخاص مع نهاية العام 1994 (رجل شرطة واحد وثلاثة من المواطنين).مفترق طرقالآن أصبحت الأمور على مفترق طرق، وكلا الفريقين (قوات الأمن والشباب الناشطين) باتوا يعتقدون أن المرحلة فاقت التوقع، بسبب إسالة الدماء، وباتت الأمور أقرب الى الفلتان، وخصوصاً مع فشل كل المحاولات التي بذلتها أطراف متعددة لاحتواء الأزمة المشتعلة. وبالعودة الى نشاط المعارضة المتصاعد في لندن فإن الأحداث ضاعفت من حجم اتصالاتها مع الداخل، وخصصت المعارضة غرفة اتصالات فيها هواتف وفاكسات عدة، وفتحت خطوطاً ساخنة مع الداخل، وكانت تتلقى التقارير وكان النشطاء يتصلون من الهواتف العمومية التي بدأت تنتشر في البحرين (قبل عصر الإنترنت)، وكان المتصلون يتحدثون بسرعة وينقلون ما يجري من أحداث، وتقوم المجموعة اللندنية بتفريغ التسجيلات وكتابة التقارير عنها، وفي هذه الفترة أيضاً كان هناك أشخاص يسافرون إلى مناطق مجاورة للبحرين لتسهيل عملية التواصل والاتصال.حتى تلك الفترة كانت المعارضة قد سلمت وكالات الأنباء 450 موقوفاً، غير أن مصدراً مطلعاً أبلغ وكالة الأنباء الفرنسية أن عدد المعتقلين وصل إلى 1600 شخص. و انتشر هذا الخبر في البحرين والخارج كانتشار النار في الهشيم.«البي بي سي»... نافذة المعارضةوعن سر توثيق عرى العلاقة بين المعارضة اللندنية و«البي بي سي» يقول المتحدث باسم حركة أحرار البحرين سابقاً منصور الجمري: «بعد إخراج مراسل البي بي سي حمدي فرج الله من البحرين (بعد الأحداث الدامية في ديسمبر 1994) أراد معلومات أكثر، وكان سأل الناشطين في البحرين قبل طرده عن طريق الاتصال بهم لاحقاً، فأرشدوه الى حركة أحرار البحرين في لندن وقالوا له إنها تمثلهم. في تلك الفترة كنت على اتصال شبه يومي مع البي بي سي والإذاعات الأخرى، وعندما اتصلت بالإذاعة في أحد الأيام رفع الهاتف حمدي فرج الله الذي أخبرني أنه جاء للتو من البحرين، وطلب الاستزادة عن حقيقة الأوضاع التي رآها بأم عينيه».ويضيف الجمري: «من هنا انفتحت البي بي سي على المعارضة البحرينية بشكل كبير، ومن حسن حظ المعارضة أنها الإذاعة الأهم والأكثر انتشاراً في العالم العربي، حينها خرجت في البي بي سي على الهواء مباشرة باسم حركة أحرار البحرين، وهذا منح المعارضة بعداً إعلاميّاً دوليّاً عبر أهم إذاعة ناطقة باللغة العربية».توتر الوضع أكثر من ذي قبللقد بدا واضحاً أن هناك حراكاً شديداً وتقدم الساحة مجموعة من المحامين للدِّفاع عن الموقوفين، في الوقت ذاته توسعت الاحتجاجات لتشمل كل يوم منطقة جديدة، وتصاعدت الأحداث في منتصف يناير / كانون الثاني 1995، وسقط مواطن آخر ضحية لإطلاق الرصاص. ففي 12 يناير 1995 قتل عبدالقادر الفتلاوي (18 عاماً) في الدراز، وتوسعت الاحتجاجات أكثر وأكثر.وفي يوم 13 يناير 1995 حاصرت قوات الأمن الدراز من كل جانب تحسباً لتشييع الفتلاوي، غير أن الشيخ عبد الأمير الجمري ذهب بنفسه للصلاة على الفتلاوي، وكان في مقدمة المشيعين، تماماً كما كان كذلك عندما سقط الهانيين في السنابس في 17 ديسمبر 1994.إبعاد سلمان والديري والستريفي 15 يناير 1995 قررت وزارة الداخلية إبعاد الشيخ علي سلمان (كان في المعتقل آنذاك) مع الشيخ حمزة الديري والسيد حيدر الستري لتهدئة الوضع في البحرين، فاتصل مسئول رسمي وأبلغ وكالات الإعلام بأن الحكومة وافقت على طلب رجال دين ثلاثة أرادوا الخروج من البحرين الى سورية، وأن الحكومة تعلم أن الثلاثة سيلتحقون بحزب الله في لبنان. الواقع أن علماء الدين الثلاثة أبعدوا قسراً وسلمتهم الحكومة تذاكر سفر في اتجاه واحد الى سورية عبر دبي. ولكن سلمان والديري والستري وصلوا الى الإمارات وبقوا هناك يومين، ومن ثم قرروا التوجه الى لندن بدلاً من سورية. وعن خلفيات تلك الخطوة، يقول الجمري «اتصلت بي اذاعة البي بي سي في 16 يناير 1995 تقول لي إن لديها تصريحاً من مصدر بحريني رسمي يقول ان علماء الدين الثلاثة سيتوجهون الى لبنان، ولكن كنت أعلم أن العلماء قرروا الاتجاه الى لندن، فقلت له ان الخبر غير صحيح، والثلاثة سيأتون الى لندن في يوم الغد - أي 17 يناير - ولكني لا أريد التصريح بذلك لأن الإخوة يخشون من أن معرفة وجهتهم قد تؤدي الى تعطيل خروجهم من الامارات... فطلب مني مندوب البي بي سي ان اخرج على الهواء مباشرة وأن أتحدث برأي المعارضة. وبالفعل خرجت في المقابلة ونفيت كل تلك الأنباء وقلت انهم سيتجهون الى مكان آخر، وان العلماء الثلاثة هم جزء من تحرك داخلي يشمل مختلف فصائل المعارضة، وإن المعارضة البحرينية ليست لها أية علاقات مع منظمات خارجية كالتي تحدث عنها المصدر الرسمي، وكانت مقابلة مطولة قياساً الى الوقت الإذاعي، وبالفعل وصل رجال الدين الثلاثة في اليوم التالي الى لندن، وتعزز ثقل المعارضة في لندن أكثر، ومباشرة توحدت جهود مجموعة لندن ومجموعة العلماء الثلاثة، وسمعنا أن الحكومة طلبت طردهم أو تسليمهم إياها».ولكن لماذا لندن؟ يجيب على السؤال الجمري بالقول: «أعتقد أن الفكرة انطلقت أثناء مكالمة هاتفية بين العلماء الثلاثة وأحد الإخوة في لندن وهم رحبوا بالفكرة». المعارضة تعقد أول مؤتمر صحافيفي الأسبوع الثالث من يناير1995 ذهب وزير الخارجية آنذاك الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة إلى لندن، وأجرى مباحثات في الخارجية البريطانية، وفي اليوم ذاته (26 يناير 1995) نظمت المعارض في لندن أول مؤتمر صحافي يعقد في مبنى البرلمان البريطاني وحجز غرفة البرلمان عضو مجلس العموم جورج غالاوي». ويوضح الجمري أن هذا المؤتمر الصحافي شهد اهتماماً منقطع النظير من الصحف ووسائل الإعلام المتمركزة في لندن، وكان من أكبر المؤتمرات الصحافية التي عقدتها المعارضة آنذاك، وشارك في المؤتمر الشيخ علي سلمان وأنا وجورج غالاوي، وكان الرد في المؤتمر الصحافي قويّاً وأخذ بعداً كبيراً، وصار واضحاً أن المعارضة البحرينية نشطة اذ سجلت حضوراً فاعلاً في كل وسائل الإعلام المهمة».البحرين تخرج للشارعهذا الوقع الإعلامي الكبير المصحوب بالضغط السياسي تزامن مع وضع أصبح أكثر توتراً في البحرين، ويشير الجمري الى تلك الفنرة بالقول «أخبرنا الإخوة في الداخل بأن جميع المناطق (الشيعية) في البحرين قررت أن تخرج في 19 يناير 1995عن بكرة أبيها، لم نكن نتوقع أن كل المناطق المعنية ستخرج بمعنى الكلمة وإنما بالمعنى المجازي، ولكن ما حدث في تلك الليلة غريب جدّاً، اذ خرجت تقريبا كل المناطق المعنية وأغلقت الطرق، وكان ربما أكبر احتجاج على الإطلاق نظمته المعارضة احتجاجاً على القمع والاعتقالات في تلك الفترة».لم ينقض شهر يناير 1995 الا وسقط المزيد من القتلى، اذ سقط محمد رضا منصور (34 عاماٍ) في بني جمرة بتاريخ 25 يناير، وثم حسين علي الصافي (26 عاماً) في سترة في 26 يناير 1995. في هذه الفترة خرجت مناطق للمرة الأولى مثل بعض قرى المنطقة الغربية كالهملة وصدد والمالكية، كما أصبحت سترة في هذه الفترة مشتعلة وكذلك الدير وسماهيج والقرى الأخرى في مختلف المناطق. وفي هذه المرحلة فرضت الحكومة طوقاً أمنيّاً على الأحياء السكنية وأنزلت القوات الأمنية في الشوارع وأصبح عدد المعتقلين بمد البصر... والبقية تأتي.
العدد 2237 الثلثاء 21 اكتوبر 2008 الموافق 21 شوال 1429 هــ
طباعة
ارسل لصديق
حفظ
اضف تعليق
Processing, Please Wait
اسم المستلم
*
بريد المستلم
* *

اسمك
*
بريدك الالكتروني
* *

Processing, Please Wait
اسمك
*
بريدك الالكتروني
* *
البلد
اختر البلد البحرين قطر المملكة العربية السعودية الإمارات العربية المتحدة الكويت عُمان مصر العراق إيران الأردن لبنان ليبيا المغرب سوريا تونس اليمن الجزائر إثيوبيا جيبوتي مدغشقر السودان الصومال الإتحاد السوفيتي السلفادور رومانيا يوغسلافيا جنوب أفريقيا زامبابوي السويد سنغافورة الفلبين باكستان بولندا البرتغال برغواي تركيا المملكة المتحدة الولايات المتحدة الأمريكية أورغواي أوزبكستان فيتنام موريتانيا المكسيك ماليزيا موزمبيق النيجر هولندا النرويج نيوزيلاندا سريلانكا كازاكستان اليابان كينيا كمبوديا الدنمارك إسبانيا إيطاليا جامايكا فرنسا بريطانيا العظمى المملكة المتحدة جورجيا غانا اليونان كرواتيا إندونيسا إيرلندا الهند أفغانستان إسلامية. ألبانيا آرمينيا الأرجنتين النمسا استراليا بانغلادش بلجيكا بوركينا فاسو بلغاريا البرازيل كندا الكونغو سويسرا تشيلي كاميرون الصين كولومبيا كوستريكا كوبا قبرص ألمانيا *

عنوان التعليق
*
التعليق
*
function Validatecomm_body(source, arg){
if(arg.Value.length > 500)
arg.IsValid = false;
else
arg.IsValid = true;
}

*

@import url('http://www.alwasatnews.com/wasatdata/alwasat/templates_files/themes/orange/style.css');

Processing, Please Wait

1. ذكرى لا تنسى
بواسطة عاشت البحرين نعم اتذكر هذه المرحلة الهامه من الانتفاضه المباركه وفي جو بارد جدا وكان الناس في حالة شوق للاستماع الى اذاعة BBC و اذاعة ايران لكل ما هو جديد عن الوطن ونحن في الوطن ,, شكرا د . منصور الجمري
2. من لم يتاذى
بواسطة ام جعفر كنت في تلك الفترة طالبة في الثانويه وفي احدى الايام جرحت يدي من نافذة اثناء المسيرة ودخلت على اثرها المستشفى وعملت لي عملية جراحيه ونزفت كثيرا وتعبت كثيرا ولم ارى الا بالشرطة النسائية تاتي وتاخذني معهم وكنت جدا خائفه ولم يخبروا اهلي ودهبت الى مركز الحورة ثم العدليه ثم سجن النساء يبحثون عني بتكتم وخوف بعد اسبوع اخبروهم اني عندهم ولا تخبروا اي احد وبعد ماخرجت من السجن بسنتين استدعوني لمحاكمه في المحرق وحدي لم ارى مثل هذه المحكمه في حياتي قريب من البحر
3. و ستبقى يا جمري حياً في قلوبنا...
بواسطة عاشقة الشهداء!! رحمك الله يا جمري رحمك الله و أسكنك فسيح جناته فقد كنت كلام الحق و يفعل الحق لا يخشى الظالمين و ها نحن لا زلنا نتعذب خصوصاً بعد فقدانك فقد زادت البطاله و زاد التجنيس للحاقدين و كثر جور الزمان من القتل و السرقة في زمن الدرهم والدينار و لا يبقى لنا قول إلا بالدعاء لتعجيل الفرج لصاحب الزمان عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام..................
4. حتى آخر رمق لنا .. سنطالب
بواسطة بو فواز سجل لكم التاريخ أكبر البطولات وبصمتم بمطالبكم المشروعة في كتب التاريخ أفضل المواقف فأكبر تحية وإجلال لكل من عانى ولكل من وقف ولكل من سجن ولكل من ضرب ولكل من ساهم بمسيرة مطالبة تحية لكل بحريني شريف ولكل الذين لا يزالون يطالبون وسنظل نطالب في الداخل والخارج وبكل ما أوتينا من قوة سنطالب بكل حقوقنا المغتصبة الى آخر نفس لنا سنظل نطالب لأجيالنا القادمة وأبنائنا , بحريني